The Role of Context Clues in Grammatical Principles and Syntactic Direction in the Book of Sibawayh
قرينة السياق ودورها في التقعيد النحوي والتوجيه الإعرابي في كتاب سيبويه
Noocyada
جامعة عين شمس
كلية البنات للآداب والعلوم والتربية
قسم اللغة العربية
قرينة السياق ودورها في التقعيد النحوي والتوجيه الإعرابي في كتاب سيبويه
رسالة لنيل درجة الدكتوراة
إعداد الطالب
إيهاب عبد الحميد عبد الصادق سلامة
تحت إشراف
الأستاذة الدكتورة: أميرة أحمد يوسف (أستاذ النحو والصرف)
الأستاذة الدكتورة: حسنة الزهار (أستاذ علم اللُّغَة)
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
المقدمة
الحمد لله كثيرا، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت. اللهم إنِّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يُسمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبيِّنا ومصطفانا محمدٍ ــ ﷺ ــ في الأوَّلين والآخرين، وصلِّ اللهم عليه في كل وقت وحين.
يُعَدُّ علم النحو من أهم العلوم اللُّغَوِيَّة في العربِيَّة، فهو عَصَبُها، وركنها الرَّكين، وله في خدمة العربِيَّة القِدْحُ المُعَلَّى، والقدمُ الأولى، وهو من الفضل عليها بأعلى مناط العِقدِ. وقد كان على مرِّ الأزمان أحد خطوط الدفاع الأولى التي حَمَتِ العربِيَّة، وحافظت عليها على مدار الأعوام والسنين؛ فَسَلِمَت الأجيالُ للإعراب، وتَقَوَّمَت الألسن من هُجْنَة اللحن وخطأ القول. إِنَّه العلم الذي زاد عن حياضِ العربية الجهلاءَ أعداءَ اللهِ والدِّين؛ فكانت به عزيزة الجانب، منيعة الحَوْزَة حصينة الناحية.
وقد أحببنا علم النحو، وأحببنا دراسته، وأخذ الشغفُ به بمجامع قلوبنا، منذ أَنْ قَدَّرَ الله أَنْ نلتقي بأساتذة أجلَّاء غرسوا فينا هذا الحبَّ، وكشفوا لنا عن علاقته بكتاب الله وسُنَّةِ نبِيِّه ــ ﷺ ــ. وزاد هذا الحبُّ وتعمَّق فينا أكثر وأكثر عندما أوقفنا أسلافُ أُمَّتِنا على فضله، فقالوا:
- قال الخليل: «النحو للسان بمنزلة الطعام للأبدان») (١).
- وقال الزُّهْرِيُّ: «ما أحدث الناسُ مروءةً أحبَّ إليَّ من طلب النحو») (٢).
- وقال حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: «من يطلب الحديث ولا يعرف النحو، مثل الحمار عليه مخلاة ليس فيها شعير») (٣).
_________
(١) أبو حيان التوحيدي: البصائر والذخائر، ت: وداد القاضي، دار صادر، بيروت، ط ١،) ١٩٨٨ م (، ٣/ ١٢٥
(٢) أبو حيان التوحيدي: البصائر والذخائر، ٦/ ١٨٩، والزُّهْريُّ «٥٨ ــ ١٢٤ هـ» هو: محمد بن مسلم بن عبد الله ابن شِهَاب الزهري، من بني زهرة بن كلاب، من قريش، أبو بكر. أول من دوَّن الحديث، وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء. تابعي، من أهل المدينة. كان يحفظ ألفين ومئتي حديث، نصفها مسند. ينظر: الزركلي: الأعلام، ٧/ ٩٧
(٣) ياقوت الحموي: معجم الأدباء، ت: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط ١،) ١٩٩٣ م (، ٣/ ١١٩٩ وحماد بن سلمة بن دينار البصري الرّبعي بالولاء، أبو سلمة: مفتي البصرة، وأحد رجال الحديث، ومن النُّحَاة. كان حافظا ثقة مأمونا ... ونقل الذهبي: كان حماد إماما في العَرَبِيَّة، فقيها، فصيحا مفوَّهًا، شديدًا على المبتدعة، له تآليف. ينظر: الأعلام: ٢/ ٢٧٢
1 / 9
- وروي عن الأصمعيِّ أنَّه قال: «أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أَنْ يَدخُلَ في جُمْلةِ قولِ النبي ــ ﷺ ــ: «منْ كذب عليّ متعمِّدًا فليتبوأ مقعده من النار» (١)؛ لأَنَّه [ﷺ] لم يكن يلحن، فمهما رَوَيْتَ عنه ولحنت فقد كذبت عليه» (٢).
- ومن نفائس أقوال الإمام الشافعي ــ ﵀ ــ عن هذا العلم الجليل قوله: «من تبحّر في النحو اهتدى إلى جميع العلوم»، وقوله: «لا أُسْأَلُ عن مسألة في الفقه إلّا أجبت عنها من قواعد النحو» (٣).
ويضيق المقام بتتَبُّع هذه الأقوال، فهي أكثر من تحصى، أو يأتي عليها العد. وجميعها توضح أهمِيَّة هذا العلم الجليل.
وإبَّانُ الدراسة الجامعية وجَّه نظرَنا أستاذُنا الدكتور كمال بشر إلى علم مُهِمّ من العلوم اللُّغَوِيَّة الحديثة التي تدرس اللُّغَة، ذاك هو علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ونبَّهنا سيادته إلى أهمِيَّة هذا العلم وأهمِيَّة البعد الاجتماعِيّ والسِّياقي في دراسة اللُّغَة، وأظهر لنا العلاقة الوثيقة بين المجتمع واللُّغَة، وأنَّه من الخطأ البَيِّنِ إهمال هذا البعد الاجتماعِيّ في دراسة اللُّغَة.
كان من نتيجة هذه الدراسة لعلم اللُّغَة الاجتماعِيّ مع أستاذنا د. كمال بشر أَنْ وَقَر في الذهن أهمِيَّة هذا الربط؛ ومدى الفوائد القيِّمة التي تعود على اللُّغَة من ذلك؛ فتولدت الأمنيةُ والرغبةُ الشديدةُ لدي الباحث في متابعة الدراسة في هذا المجال، مجال ربط السِّياق بدراسة اللُّغَة وبخاصة قواعدها؛ وقَطَعَ الباحثُ بينه وبين نفسه العزمَ على المضي قُدُما في استكناه هذه العلاقة، وأمضى النيَّة أَنْ يكون هذا مجال بحثه.
وسعينا راجين من الله التوفيق. ولما كانت الدوريات والمجلات اللُّغَوِيَّة والأدبيَّة مظانَّ لأفكار كثيرة يكتبها المتخصِّصون في مختلف الفروع اللُّغَوِيَّة فقد اتجه الباحث إلى هذه الدوريَّات، وبالأخص منها مجلة مجمع اللُّغَة العربِيَّة بالقاهرة، عساه أَنْ يجد فكرة هنا أو هناك في مقال من مقالاتها القيِّمة ترضي الرغبة في دراسة علاقة السِّياق بالقواعد النحوِيَّة.
_________
(١) حديث صحيح، خرجه الإمام الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم: «١٣٨٣»، ينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، مكتبة المعارف للنشر، الرياض، ط ١، ١٩٩٥ م، ٣/ ٣٧١، وفي كتابه «التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان» قال الألباني عن هذا الحديث إِنَّهُ: «صحيح متواتر»، ١/ ١٦١
(٢) ياقوت الحموي: معجم الأدباء، ١/ ٢٩
(٣) ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ت: محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق ــ بيروت ط ١،) ١٤٠٨ هـ ــ ١٩٨٨ م (، ٢/ ٤٠٧
1 / 10
وكان من فضل الله أَنْ عثرنا على مقال بعنوان «الجملة في كتاب سيبويه» للأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح، ووقفنا فيها على بعض العبارات المُهِمَّة لسيادته عن كتاب سيبويه قال
فيها:
«... الملاحظات كثيرة جدا في الكتاب، وهي تخص أحوال الخطاب مقترنا بأحوال المخاطب: علم المخاطب وجهله واستحالة الإخبار عن منكور، اللهم إلا إذا احتاج المخاطب إلى تحديد هذا المنكور بأنْ يعين حلية خاصة به تميزه عن غيره. ويمكن بالدراسة المتعمقة لهذه الملاحظات أَنْ تُسْتَخرج قوانينُ التخاطب الحقيقيَّة») (١).
ويشير في موضع ثانٍ من مقالته:
«... ولا بد أَنْ نُنَبِّه القارئ الكريم أَنَّ مثل هذا الكلام عن «علم المخاطب» وسائر أحواله لا يمكن أَنْ نعثر عليه في كتب الآخرين؛ فالقواعد الجامدة الخاطئة أحيانا قد حلت محل الملاحظات العلميَّة، (تكلموا مثلا عن شروط الابتداء بالنكرة فقط وبدون أَنْ يفسروا ظواهر الخطاب بالكيفية العلميَّة الوصفيَّة والتعليليِّة معا)» (٢).
كانت جملة د. عبد الرحمن الحاج صالح في نصه السابق: «الملاحظات كثيرة جدا في الكتاب، وهي تخص أحوال الخطاب مقترنا بأحوال المخاطب: علم المخاطب وجهله واستحالة الإخبار عن منكور» باعثة على التفكير والتأَمُّل، ودفعت في ذهن الباحث بالسؤال الآتي: أليست أحوال الخطاب المقترنة بأحوال المخاطب ــ على حد تعبير د. عبد الرحمن ــ تدلُّ على وقوف سيبويه على علاقة ما بين السِّياق والقاعدة النحوِيَّة التي يقعد لها؟ والإجابة بعد تحليل عبارة د. عبد الرحمن: بلى، إِنَّ كلامه يشير إلى وجود تلك العلاقة، ويشير كلامه أيضا أَنَّ النُّحَاة من بعد سيبويه لم يلتفتوا إلى تلك العلاقة.
هنا عثر الباحث على طِلْبَته التي كان يبحث عنها، ووضع يده على ما يحقق رغبته العلميَّة وبعد تفكير ليس بالطويل ظهر موضوع البحث، وهو: «قرينة السِّياق ودورها في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ في كتاب سيبويه».
كان هذا هو الموضوع الذي أمُلت أَنْ أقع على مثله بحثا ودراسة، وأَنْ أقضي فيه بعضا من وقتِيّ مشبعا لرغبتي في بحث العلاقة بين السِّياق والقواعد النحوِيَّة.
_________
(١) مجلة مجمع اللُّغَة العَرَبِيَّة: القاهرة، ع ٧٨،) ١٩٩٦ م (، ص ٩٨
(٢) السابق، ١٠٤
1 / 11
وعند الشروع في الدراسة، ومرور الوقت، والتعمُّق في هذا الموضوع ازداد التعلُّق به، وانكشفت للباحث جوانب مُهِمَّة عن أهمِّيَّته دَلَّت على توفيق الله لنا ــ وله الحمد والشكر ــ في اختياره موضوعا للبحث والدراسة.
ومن جوانب الأهمية التي بدَتْ للباحث قبل الشروع في دراسة الموضوع:
١ ــ الحقيقة النحوِيَّة ــ كأَيَّة حقيقة أخرى ــ لها أبعاد مختلفة، وجوانب متعددة، منها الجانب الاجتماعِيّ، وليس من الموضوعية في شيء أَنْ يُنْظَر إلى الصورة من زاوية واحدة وتُتْرَك بقية الزوايا.
٢ ــ التعمُّق في هذا الموضوع يضع أيدينا على قوانين التخاطب الحقيقيَّة، ويُوقِفُنَا على بعض القواعد الجامدة الخاطئة التي حلَّت محل الملحوظات العلمية كما أشار د. عبد الرحمن صالح في مقالته السابقة.
٣ ــ أن البحث سيكون مع عَلَم من أعلام النحو العربي وإمام من أئمتهم، وكتابه «أصل الكتب المُصَنَّفَة في النحو واللغة» كما يقول السيوطي في الاقتراح، وإثبات وجود علاقة بين السِّياق والقاعدة النحوِيَّة عند هذا العَلَم أمرٌ سيثير سؤلا مهمًّا هو: لماذا لم يهتم النحاة بهذا الجانب الاجتماعي بشكل أوضح في مؤلفاتهم؟ ولماذا كان الاهتمام منصبًّا على نظرية العامل؟
٤ ــ دراسة هذا الموضوع ستضع أيدينا على كيفية استغلال السياق في الجوانب التعليميَّة
والأدبيَّة.
وبعد الاستقرار على عنوان هذا البحث بدأ الباحثُ رحلة القراءة في كتاب سيبويه، وأخذ الباحث على نفسه أَنْ يُدارس الكتاب في وَنَاءٍ وعلى مَهَلٍ مدارسةً متقنةً جادّةً غير هازلة، مشحوذةً بالتنبُّه، مصقولةً بحسن التمييز والتدبُّر، قدر استطاعته وقدر ما وسعه الجُهْد. ويعلم الله كم كانت هذه الرحلة وهذه القراءة شاقَّة وعسيرة، وكم من الصعوبات التي لقيها الباحث في أثناء تتَبُّعه لعبارات الكتاب محاولا فك معاقدها ومطاويها! وما زال الباحث يذكر كيف كان يقضي سحابة نهاره واقفا أمام نصّ واحد من نصوص الكتاب يحاول فهم ما يريده سيبويه.
لقد حاول الباحث على مُكْثٍ تحليل نصوص الكتاب تحليلا متأنِّيًا، محاولا أَنْ يسوس عبارات الكتاب حتى تُفضي إليه بذات معناها، وتمنحه بعض إِتَائِها، وما تحتقِبُه من دلالات، لقد قرأ الباحث نصوص الكتاب متأمِّلا ومقلبا لها يمنة ويسرة؛ فيخرجُ وقد نجح حينا، أو يخرجُ خاوي الوفاض أحيانا أخرى، وفي أثناء هذه الوقفات فهم الباحث بشكل أعمق وأثبتَ الأمرَ عن معاينة: لماذا كان العلماء يَعُدُّون من مناقبهم قراءتَهم لكتاب سيبويه، أو شرحهم له؟
1 / 12
وبعد قراءتي لكتاب سيبويه أعتقد أَنَّه ما زال ثَرِيًّا بالأفكار، وأنَّ تلك الأفكار تنتظر من يُخرجها.
• الدراسات السابقة:
رُزِق كتاب سيبويه القبول من علماء الأمة وأئِمَّتِها، فكثرت حوله الدراسات والشروح والأبحاث التي لا يعلم عددها إلا الله، فهي من الكثرة بحيث تندُّ عن الحصر والإحصاء.
ولعلَّ أقرب الدراسات التي وقعت بين يدي وقريبة من بحثنا الأبحاث التالية:
١ ــ عناصر النظَرِيَّة النحوِيَّة في كتاب سيبويه محاولة لإعادة التشكيل في ضوء الاتجاه المعجمي الوظيفي، د. سعيد بحيري، مكتبة الأنجلو، ط ١، ١٩٨٩ م
٢ ــ التراكيب النحوِيَّة في كتاب سيبويه، محمد عطية محمد، رسالة دكتوراة، دار العلوم، ٢٠٠٢ م.
٣ ــ ما خرج عن الفصحى في كتاب سيبويه وعلاقته بالأصول النحوِيَّة، متولي محمد، ماجستير دار العلوم، ٢٠٠١ م.
٤ ــ المسائل النحوِيَّة والصَّرْفِيَّة التي تحتمل وجهين أو أكثر في كتاب سيبويه: دراسة وتحليل ونقد رشيد بن حويل، دكتوراة، دار العلوم، ٢٠٠٣ م.
تلك أهم الدراسات التي وقعت بين يديَّ، وكما تشير عناوين هذه الأبحاث والرسائل فهي بعيدة بشكل ما عن موضوعنا.
• منهج البحث في أثناء الدراسة:
كانت الخطة التي انتهجتها لنفسي في عملي هنا هي أنَّني في أثناء جمع المادة العلميَّة أتَّبِعُ منهجا إِحْصَائِيًّا تجميعيًّا تصنيفيًّا تحليليًّا. فعند قراءتي للكتاب كنت أقف عند النصوص التي ألمح فيها علاقة بموضوع بحثي، وأحاول جُهْدي التثبُّتَ من صواب فهمي لهذا النَّصِّ أو ذاك ومدى ارتباطه بالبحث من خلال شرح المحقِّق حينا أو من الشروح التي وضعت للكتاب أحيانًا أخرى. وبعد الانتهاء من تحديد النصوص وإحصائها صنَّفْتُ كلَّ مجموعة نصوص مترابطة ومتشابهة مع بعضها بحسب خطة البحث الموضوعة، ثُمَّ تحليل نصوص كلِّ مجموعة على حدى لاستخلاص أهم النتائج.
• خطة البحث:
تبدأ هذه الرسالة بتمهيد تناولت فيه التعريف بسيبويه: نشأته، وأسفاره العلميَّة، ووفاته. والتعريف بكتاب سيبويه ووقت تأليفه، والقيمة العلميَّة له، ومنهج سيبويه في هذا الكتاب كما لاحظه العلماءُ السابقون الذين درسوا الكتاب. كما تناول التمهيد أيضا تحديدَ أهمِّ المصطلحات المستخدمة
1 / 13
في البحث: «السِّياق»، و«التَّقْعِيد النَّحْوِيّ»، و«التوجيه النَّحْوِيّ»، و«الأصل»، و«الغالب، الكثير القليل، الضعيف، الشاذ، الردئ». كما تناول بالمعالجة والبيان أهمِيَّة اعتبار السِّياق عند التَّقْعِيد لِلُّغَة وأهميته كذلك للتوجيه الإعرابِيّ، والنصوص المعتمد عليها في التَّقْعِيد عند سيبويه، والقواعد العلميَّة التي يجب مراعاتها عند القيام بالتَّقْعِيد عامة.
وكان من اللازم ابتداء عند إبراز دور السِّياق في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه أَنْ نجيب أولا عن السؤال التالي: «هل كان سيبويه يقوم بتقعيده النَّحْوِيّ وتوجيهه الإعرابِيّ من خلال نصوص مكتوبة أم مسموعة؟ هل كان يقوم بهاتين العمليتين من خلال المطالعة لدواوين الشعراء وقراءة المصحف مثلا؟ أم كان يقوم بهاتين العمليتن من خلال السماع ومعايشة الحدث الكلامي نطقا وإنشادا؟»، بعبارة أخرى: «ما الظروف والملابسات التي أحاطت بسيبويه عند تقعيده
وتوجيهه؟».
وإذا كان هذا التَّقْعِيد يتمُّ من خلال اللُّغَة الحَيَّة المنطوقة، فهل كان سيبويه يعتبر السِّياق الذي نُطقت فيه هذه النصوص أم لا؟ هل كان يعتمد على نظَرِيَّة العامل بشكل أساسي في كل قواعده؟ أم كانت هناك فسحةٌ لتدخُّل السِّياق في هذا التَّقْعِيد؟ وإذا كان هناك تدخلٌ للسياق في تقعيد سيبويه للقاعدة، فما الإجراءات التي كان يتبعها عند هذا التَّقْعِيد المرتبط بالسِّياق؟ وبعبارة أُخرى: ما المنهج الذي اتَّبَعه سيبويه عند تقعيده وتوجيهه؟
من خلال هذه الأسئلة وهذا التصور جاء عنوان الفصل الأول من موضوع البحث: «السياق والمنهج عند سيبويه»، المبحث الأول فيه بعنوان «سيبويه والسِّياق»، والمبحث الثاني «خطوات إجرائِيَّة ومنهجِيَّة قبل التَّقْعِيد النَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه».
وبإثبات أَنَّ سيبويه تَأَثَّرَ بالسِّياق عند تقعيده وتوجيهه؛ كان لا بد من تقديم أدلة علمِيَّة من كتاب سيبويه تثبت هذا التأثُّر على مستوى التوجيه وعلى مستوى التَّقْعِيد، فجاءت الفصول «الثاني والثالث والرابع» لتقديم هذه الإثباتات. فكان الفصل الثاني بعنوان «دور السِّياق في التوجيه الإعرابِيّ» وجاء الفصل الثالث بعنوان: «دور السِّياق في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ عند سيبويه»، وتجمعت بين يدي الباحث مادة معقولة توضح تأثيرًا للسياق على الجانب الصَّرْفِيّ؛ فظهر الفصل الرابع من هذا البحث
بعنوان: «السِّياق والقواعد الصَّرْفِيَّة».
ومن أهم الفوائد العَمَلِيَّة التي يمكن أَنْ نخرج بها من إبراز علاقة سيبويه بالسِّياق تقعيدا وتوجيها، وذكر العديد من الأمثلة والنماذج من الكتاب التي تثبت هذه العلاقة ــ أهمِيَّةُ الدعوة إلى إعادة النظر في نظرية العامل وتضافر جهود العلماء لوضع نظَرِيَّة نحوِيَّة للعربية يكون لُحمتُها وسُدَاها السِّياق؛ لذلك أتى الفصل الخامس متضمنا هذه الدعوة، وكان عنوانه «السِّياق وسيبويه والنظَرِيَّة النحوِيَّة».
1 / 14
كان هذا هو المخطط العام للرسالة، والتصور الذي بنى عليه الباحثُ خطته، وعليه جاءت خطة الرسالة كما يلي:
- التمهيد: وشمل:
• ترجمة لسيبويه ومنزلة كتابه.
• أهم المصطلحات العلميَّة المستخدمة في البحث.
• أهمِيَّة اعتبار السِّياق عند تحليل اللُّغَة ودراستها.
• النصوص المعتمد عليها في التَّقْعِيد.
• القواعد العلميَّة المراعاة عند التَّقْعِيد.
- الفصل الأول: «السياق والمنهج عند سيبويه»: وشمل مبحثين:
• الأول: سيبويه والسِّياق.
• والثاني: خطوات إجرائِيَّة ومنهجِيَّة قبل التوجيه الإعرابِيّ والتَّقْعِيد النَّحْوِيّ عند سيبويه.
- الفصل الثاني: «دور السِّياق في التوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه»: ويشمل ثلاثة مباحث:
• الأول: أهمِيَّة السِّياق في التوجيهات النحوِيَّة عند سيبويه.
• الثاني: إثراء السِّياق للتوجيهات الإعرابِيّة والدِّلالِيَّة.
• الثالث: تَحَرُّك سيبويه بحُرِّيَّة في توجيهاته النحوِيَّة في حالة عدم اللَّبس.
- الفصل الثالث: «دور السِّياق في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ عند سيبويه»: ويشمل خمسة مباحث:
• الأول: السِّياق والجملة الاسمِيَّة.
• والثاني: السِّياق والجملة الفعلِيَّة.
• الثالث: السِّياق والتوابع.
• الرابع: السِّياق والأساليب النحوِيَّة.
• الخامس: السِّياق والأدوات النحوِيَّة.
• السادس: سياق الحال والتنوين والتنكير والتعريف:
- الفصل الرابع: «السِّياق والقواعد الصَّرْفِيَّة»: ويشمل مبحثين:
• الأول: السِّياق ودلالة الفعل والمصادر والمشتقات.
• والثاني: السِّياق ومعاني الأوزان الصَّرْفِيَّة.
- الفصل الخامس: «السِّياق وسيبويه والنظَرِيَّة النحوِيَّة»: ويشمل مبحثين:
• الأول: تعريف مصطلح النظَرِيَّة.
• والثاني: النظَرِيَّة النحوِيَّة السِّياقِيَّة.
1 / 15
وقد بذل الباحثُ جُهْدَهُ في أَنْ يكون بنيان الرسالة سَوِيَّ الخَلْق ومترابط الأجزاء قدر
استطاعته.
وفي ختام كلامي، أسأل الله أَنْ أكون قد وفقت في بحثي هذا، وأَنْ يكون من العلم الذي يُنتفع به، وينفع الإسلام وأهله.
الطالب / إيهاب عبد الحميد عبد الصادق سلامة.
1 / 16
تمهيد
- ترجمة سيبويه:
o الاسم والنشأة والوفاة.
o أسفاره العلمِيَّة.
o شيوخه.
o منزلة سيبويه العلميَّة.
o كتاب سيبويه:
••وقت تأليفه.
••القيمة العلميَّة للكتاب.
••منهج الكتاب.
- أهم المصطلحات المستخدمة في البحث.
- أهمِيَّة اعتبار سياق الحال عند تحليل اللُّغَة ودراستها.
- النصوص المعتمد عليها في التَّقْعِيد.
- القواعد العلميَّة المراعاة عند تقعيد القاعدة.
1 / 17
تمهيد
- ترجمة سيبويه
o الاسم والنشأة والوفاة:
هو عمرو بن عثمان بن قَنْبَر، كنيته أبو بشر) أو أبو الحسن (، ولقبه سيبويه.
لم تُحَدِّد كتبُ التراجم عامَ مولده، وتذكر أَنَّهُ ولد في قرية يقال لها «البيضاء من قرى شيراز من عَمَل فارس» (١)، وأنَّه «قدِم البصرة وهو غلام» (٢)، وكان «منشؤه بها» (٣).
واضطربت المصادر في تحديد وقت وفاة سيبويه، وفي المكان الذي تُوفِّي فيه، وفي عمره وقت الوفاة:
- ففي العام الذي توفِّي فيه قيل إِنَّهُ توفِّي في «١٧٧ هـ» (٤)، وقيل: «١٨٠ هـ» (٥)، وقيل:
«١٦٠ هـ، وقيل: ١٨٨ هـ، وقيل: ١٩٤ هـ» (٦). والأصوب أَنَّ تاريخ الوفاة هو ١٨٠ هـ؛ لأَنَّ «سيبويه مات قبل يُونُس، ويُونُس مات سنة ١٨٣ هـ» (٧).
- وفي مكان وفاته، قيل: توفي في «البيضاء، وقيل: بالبصرة، وقيل: بساوة» (٨).
_________
(١) الزبيدي: طبقات النحويين واللغويّين، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط ٢،) بدون تاريخ للطبعة (، ص ٦٦
(٢) كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، ترجمة: د. عبد الحليم النجار، دار المعارف، القاهرة، ط ٥،) بدون تاريخ للطبعة (، ٢/ ١٣٤
(٣) القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط ١،) ١٩٨٦ م (، ٢/ ٣٥٥
(٤) السابق: ٢/ ٣٤٨
(٥) ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ت: إحسان عباس، دار صادر، بيروت،) ١٩٨٧ م (، ٣/ ٤٦٤
(٦) السيوطي: بغية الوعاة في طبقات اللغويّين والنُّحَاة، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، القاهرة، ط ٢) ١٩٧٩ م (، ٢/ ٢٣٠
(٧) القفطي: إنباه الرواة، ٢/ ٣٥٣، ويُونُس هو: يُونُس بن حبيب الضَّبِّيّ الْوَلَاء الْبَصْرِيّ، قال السيرافي: بارع في النحو، من أصحاب أبي عمرو بن العلاء، وروى عن سيبويه فأكثر، وله قياس في النحو، ومذاهب يتفرد بها. سمع منه الكسائي والفراء. وكانت له حلقة بالبصرة ينتابها أهل العلم وطلاب الأدب وفصحاء الأعراب والبادية. قال غيره: قارب يُونُس تسعين سنة، مولده سنة تسعين، ومات سنة ثنتين وثمانين ومائة. السيوطي: بغية الوعاة، ٢/ ٣٦٥
(٨) السيوطي: بغية الوعاة، ٢/ ٢٣٠، والقفطي: إنباه الرواة: ٢/ ٣٥٣
1 / 18
- وأما عن عمره وقت وفاته فقيل: «توفي عن ٣٢ عاما، وقيل: توفي وله نَيِّف
وأربعون» (١). وقد صحَّح ياقوتُ التحديدَ الأخير (٢).
o أسفاره العلميَّة:
لعلَّه من المفيد لبحثنا تتَبُّع البيئة) أو البيئات (العلميَّة التي نشأ فيها سيبويه، وتردَّد عليها فلا شك أَنَّ البيئة العلميَّة بما فيها من خلفيَّات ثقافيَّة وفكرية تؤثِّر في مَنْ يحيا بها، وتؤثر بالضرورة في إنتاجه العلمي، وكما يقول الفلاسفة: «إِنَّهُ لا سبيل لنا إلى فهم تاريخ الأعمال إِنْ لم نرجع أولا وقبل كل شيء إلى تاريخ الأفكار» (٣).
تشير كتب التراجم إلى ثلاثة أماكن تردَّدَ بينها سيبويه ولم تذكر سواها، وهي:
١ ــ البيضاء من قرى شِيراز من عَمَل فارس. وتلك القرية شهدت مولده وفترة قصيرة من صباه، وشهدت أيضا ختام حياته ووفاته.
٢ ــ البصرة، وهي المدينة التي «قدِم إليها وهو غلام، وبها أكمل دراساته وأتمَّ كتابه» (٤)، فالبصرة هي المدينة التي «نشأ بها» (٥)، وقضى بها جلَّ عمره؛ بل إِنَّ القِفْطِي نقل عن أحد العلماء قوله أَنَّهُ «من أهل البصرة» (٦)؛ وهذا يعني أَنَّ تكوينه العلميّ والثقافيّ اكتمل واختمر بالبصرة.
وقد تميزت البصرة بخصوصية جغرافية أدَّت إلى «تَفَرُّدِها» بطابع ثقافيّ مُعَيَّن؛ فقد «أفاد نحاة البصرة من موقع مدينتهم أعظم إفادة؛ فكانوا يرحلون إلى البادية تارة، ويستقبلون الأعراب القادمين من البادية إلى مدينتهم تارة أخرى ... أَمَّا قدوم الأعراب من البادية إلى البصرة فقد ظهر في صور متعددة، فمنهم من كان يمكث فترة قصيرة، ومنهم من كان يمكث فترة طويلة، ثُمَّ يعود إلى باديته، ومنهم من كان يطيب له المقام فلا يعود، وكان طلاب اللُّغَة وآدابها يُقْبلون على هؤلاء الأعراب للاستماع إليهم، وأخذ اللُّغَة عنهم» (٧).
_________
(١) ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ٣/ ٤٦٤، وبغية الوعاة، ٢/ ٢٣٠، وإنباه الرواة، ٢/ ٣٤٨
(٢) ياقوت الحموي: معجم الأدباء، دار الغرب الإسلامي، بيروت ــ لبنان، ط ١،) ١٩٩٣ م (، ٥/ ٢١٢٣
(٣) د. زكريا إبراهيم: مشكلة الفلسفة، مكتبة مصر، القاهرة،) بدون تاريخ للطبعة (، ص ١٧٥
(٤) كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، ٢/ ١٣٤ ــ ١٣٥
(٥) السيوطي: بغية الوعاة، ٢/ ٢٢٩
(٦) إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة: ٢/ ٣٥٤
(٧) د. مصطفى عبد العزيز السنجرجي: المذاهب النَّحْوِيَّة في ضوء الدراسات اللُّغَوِيَّة الحديثة، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، ط ١،) ١٩٨٦ م (، ص ١٩
1 / 19
وكانت البصرة «مرفأ تجاريًّا للعراق على الخليج العربي؛ فنزلتها عناصر أجنبيَّة كثيرة، ساعدت على اتصالها بالثقافات الأجنبية، وبفلسفة اليونان، وما وضعه أرسططاليس من المنطق وحدوده وأقيسته ...؛ وعلى ذلك كان طبيعِيًّا أَنْ تختلط الدراسات اللُّغَوِيَّة بمباحث الفلسفة، وأَنْ يهتمَّ النَّحْوِيّون بالجانب الفلسفي المنطقي في وضع قواعدهم») (١).
ولأمر ما «سُمِّيَ نحاةُ البصرة بأهل المنطق، ولهذه التسمية ما لها من دلالة») (٢). ويقرِّرُ الأستاذ أحمد أمين أَنَّ العراقيين ــ بوجه عام ــ «بزُّوا الحجازيِّين في الرأي وهو ما يسمى القياس») (٣)، وأنَّ القياس قد لعب «دورا كبيرا في العصر العباسيّ، وشغل حيزا كبير من العلوم؛ فالقياس في أصول الفقه، وفي فقه اللُّغَة وفي النحو وفي المنطق»، كما توسعوا في «التعليل العقلي والتوسع في الاستنباط، والدِّقَّة في استخراج وجوه الشبه ووجوه الفروق») (٤). وقد ظهر تأثيرٌ واضحٌ وجليٌّ لبيئة البصرة على سيبويه، تأثيرٌ له أماراته الجليَّة وآياته الظاهرة وشواهده الصادقة لمن تأمَّلَ ودقَّقَ في الكتاب.
٣ ــ بغداد، وكانت زيارته لها زيارة عابرة؛ إذ وفدها «يطلب الشهرة في دار الخلافة؛ فناظره الكسائي مؤدِّب الأمين بن الرشيد في مسألة الزنبور وغلبه الكسائي؛ فعاد إلى وطنه فارس ومات
هناك» (٥).
o شيوخه:
لا تضم قائمة أسماء شيوخ سيبويه كثيرا من الأسماء، وتحدثنا كتب التراجم أَنَّ منهم:
«حَمَّادَ بنَ سَلَمَة، يُونُس بن حبيب، أبا الخطاب الأخفش الكبير، عيسى بن عمر الثَّقَفِي») (٦).
_________
(١) السابق، ص ١٢٥ ــ ١٢٦
(٢) د. إبراهيم بيومي مدكور: منطق أرسطو والنحو العربي، مجلة مجمع اللُّغَة العَرَبِيَّة،) ١٩٥٣ م (، ص ٣٤١
(٣) ضحى الإسلام نشأة العلوم في العصر العباسي الأول: مكتبة الإسرة، القاهرة،) ١٩٩٥ م (، ص ١٥٢
(٤) السابق، ١٥٣، ١٦١
(٥) كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، ٢/ ١٣٤ ــ ١٣٥، وإنباه الرواة على أنباه النُّحَاة: ٢/ ٣٥٣
(٦) الأَخْفَش الأَكْبَر هو: «عبد الحميد بن عبد المجيد مولى قيس ابن ثعلبة، أبو الخطاب: من كبار العلماء بالعَرَبِيَّة لقي الأعراب وأخذ عنهم. وهو أول من فسر الشعر تحت كل بيت، وما كان الناس يعرفون ذلك قبله، وإِنَّمَا كانوا إذا فرغوا من القصيدة فسروها، توفي ١٧٧ هـ = ٧٩٣ م». الأعلام، ٣/ ٢٨٨
عِيسى بن عُمَر، توفي ١٤٩ هـ = ٧٦٦ م، وهو «عيسى بن عمر الثقفي بالولاء، أبو سليمان: من أئمة اللُّغَة. وهو شيخ الخليل وسيبويه وابن العلاء، وأول من هذب النحو ورتبه. وعلى طريقته مشى سيبويه وأشباهه. وهو من = أهل البصرة ... وكان صاحب تقعر في كلامه، مكثرا من استعمال الغريب. له نحو سبعين مصنفا احترق أكثرها، منها: الجامع والإكمال في النحو». الأعلام، ٥/ ١٠٦
1 / 20
ويمكن أَنْ نفسر اقتصار كتب التراجم على ذكر هؤلاء العلماء كشيوخ لسيبويه بسببين:
- إمَّا لقِلَّة أسفار سيبويه العلميَّة، ومحدوديَّة تنقلاته كما أسلفنا.
- وإمَّا أَنَّ هؤلاء العلماء والأشياخ هم أكثر من لازمهم سيبويه، وأكثر من جلس إليهم، وهذا هو الراجح؛ إذ المادة العلميَّة التي في الكتاب مادة ضخمة ناضجة، تحتاج إلى جهد عدد كبير من العلماء؛ فلا بدَّ من أَنَّه قد جالس غيرهم.
على أَنَّ أعظم شيوخه قاطبةً الخليل بن أحمد الفُرهودي، فيلسوف دولة الإسلام كما قال
ياقوت (١). وتُحدِّثُنا كتب التراجم أَنَّ العلاقة توثَّقَت بين الرجلين، وكان سيبويه أحبَّ تلاميذه إليه، يحسن استقباله قائلا: «مرحبًا بزائر لا يُمَلُّ» (٢)، لا يقولها إلا إليه. وسمح هذا الحبُّ أَنْ يلازم سيبويهُ الخليلَ، وأن «يصنِّف كتابا من ألف ورقة من علم الخليل» (٣)، وأَنْ يكون «أثبت من حمل عن الخليل بن أحمد» (٤)، بل أَنْ يكون أبرع تلامذة الخليل في النحو (٥).
وكان تأثير الخليل على سيبويه وكتابه عظيما، ولقد نقل العلماء جانبا من هذا التأثير فقالوا:
١ ــ «سيبويه حامل علم الخليل وأوثق الناس في الحكاية عنه» (٦).
٢ ــ «عامة الحكاية في كتاب سيبويه عن الخليل» (٧).
٣ ــ «كان سيبويه الفارسي أشهر تلاميذ الخليل، ومصنِّف أول كتاب جمع ما ابتكره الخليل إلى محصول الباحثين السابقين» (٨).
_________
(١) معجم الأدباء، ٣/ ١٢٦١
(٢) الزبيدي: طبقات النحويين واللغويّين، ص ٦٧
(٣) السيوطي: بغية الوعاة، ٢/ ٢٢٩
(٤) الزبيدي: طبقات النحويين واللغويّين، ص ٦٦ ــ ٦٧، معجم الأدباء، ٥/ ٢١٢٤، إنباه الرواة على أنباه
النُّحَاة: ٢/ ٣٤٩ ــ ٣٥٠
(٥) أبو سعيد السيرافي: أخبار النحويين البصريين، ت: د. محمد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، القاهرة، ط ١،) ١٩٨٥ م (، ص ٦٤
(٦) السيوطي: المزهر في علوم اللُّغَة وأنواعها، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم وآخرون، دار التراث ــ القاهرة، ط ٣) بدون تاريخ للطبعة (، ١/ ٦٧
(٧) السيرافي: أخبار النحويين البصريين، ص ٥٦
(٨) كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، ٢/ ١٣٤
1 / 21
٤ ــ «... زعموا أَنَّ للخليل ثلاثة أياد عند العرب كبار لم يسدِ مثلها إليهم عربيٌّ منهم: أحدها ما نهج لتلميذه سيبويه من التأتي لتأليف كتابه حتى علّمه كيف يفرّق جمهور النحو أبوابا، وتُجَنَّسُ الأبوابُ أجناسا، ثُمَّ تنوع الأجناس أنواعا حتى أخرجه معجز التأليف؛ فَقَيَّدَ به على العرب منطقهم؛ حتى سلم أعقابهم للإعراب وتقويم اللسان من هُجْنَة اللحن وخطأ القول» (١).
٥ ــ «اجتمع على صنعة كتاب سيبويه اثنان وأربعون إنسانا منهم سيبويه، والأصول والمسائل للخليل» (٢).
ومجموع هذه النقول وخاصة الأخير منها يُعَبِّر عن «حقيقة علمِيَّة حتمية، وهي أَنَّ كتاب سيبويه إِنَّمَا هو لقاح جهود النُّحَاة الذين سبقوه؛ إذ لا يعقل أَنْ يبدع سيبويه هذا العلم المتكامل دون أَنْ يفيد من تلك الجهود الأصيلة التي رسمت كثيرا من أصول النحو ومسائله ومقاييسه وعلله» (٣).
وقد سجل سيبويه بنفسه بعض الحوارات التي دارت بينه وبين الخليل، فكان سيبويه يسأل والخليل يجيب، ولعل أطول هذه الحوارات الحوار الذي دار في الكتاب في باب النداء) (٤).
وإثبات العلماء لهذا التأثير ونصِّهم عليه أمر له تَبِعاته العلميَّة، فما يُسْتخلَص من نتائج في هذا البحث لن يكون خالصا لسيبويه من دون الخليل، والمقولة الخطيرة التي أوردها ياقوت في نصه السابق من نهج الخليل الطريق لكتاب سيبويه تؤكد على أحقيته في هذه النتائج، وأنَّه سبب فيها.
o منزلة سيبويه العلميَّة:
كان سيبويه نسيجَ وحدِهِ، منقطع النظير، لا تُفْتَحُ العينُ على مثله، من أعلم الناس باللُّغَة؛ قال الزجاج: «إذا تأملت الأمثلة في كتاب سيبويه تبيَّنت أَنَّهُ أعلم الناس باللُّغَة» (٥). وكان «غاية الخلق في النحو» (٦)؛ قال ابن خلكان: «كان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو، ولم يوضع فيه مثل كتابه. وذكره الجاحظ يوما فقال: لم يكتب الناس في النحو مثله، وجميع كتب الناس عليه
_________
(١) ياقوت الحموي: معجم الأدباء، ٣/ ١٢٦١
(٢) القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٢/ ٣٤٧، ويشكك د. علي النجدي في هذه الرواية، ويرى فيها «شكا وغمطا» ويراها «من أمثلة المنافسة والعصبية». سيبويه إمام النُّحَاة، عالم الكتب، ط ٢،) ١٩٧٩ م (ص ١٣٥
(٣) سيبويه: الكتاب، ت: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط ٦،) ٢٠١٣ م (، مقدمة المحقق ١/ ٢٥ ــ ٢٦
(٤) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٨٣
(٥) الزبيدي: طبقات النحويين واللغويّين، ص ٧٢، القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٢/ ٣٩٨
(٦) القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٢/ ٣٥٥ ــ ٣٥٦
1 / 22
عيال» (١). وأصبح اسمه بمرور الأيام «صفة غير محضة» ــ إِنْ جاز هذا التعبير ــ على من برع في النحو؛ فيقال عنه «هو سيبويه عصره» (٢).
وكان ثقة صدوقا يتثبَّت من أحكامه قبل أَنْ يلقيها (٣)؛ فعندما سُئِل الأخفش سعيد بن مسعدة عن الثقة المأمون المقدم من أصحاب الخليل الذي يوثق بعلمه قال: «النَّضْر بن شُمَيْل، وسيبويه، ومُؤَرِّج السَّدُوسي» (٤).
o كتاب سيبويه:
لا يجوز أَنْ يكون هناك حديث عن سيبويه ولا يُتَصَوَّرُ أَنْ يكون هناك حديث يصاحب ذلك عن مُؤَلَّفِهِ «الكتاب» وخاصة أَنَّ عليه المُعْتَمَد في دراستنا هنا. هذا المُؤَلَّفُ الذي استوعب أصول علم النحو، وأحاط بفروعه أو كاد، لم يُصَنَّف في بابه أجمع منه، ولا أرصف تعبيرا، ولا أمتن سردا.
• وقت تأليفه:
من المهم أَنْ نقف على وقت تأليف الكتاب؛ لأَنَّ لذلك قيمة علمِيَّة؛ فليس ما يكتبه العلماء في الشَّبِيبَة والحداثة مثل ما يكتبونه في مختتم أعمارهم.
ولا نجد أَيَّةَ إشارة تعيننا على تحديد وقت مُحَدَّد لتأليف الكتاب. ولكن من خلال التأمُّل في نصوص الكتاب نفسه، وما ضممتُه إليها من بعض المعلومات التاريخِيَّة من كتب التراجم يمكن أَنْ نستنبط أَنَّهُ كتبه في أواخر حياته، أو على الأَقَلّ في آخر خمس سنوات منها (٥).
_________
(١) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ٣/ ٤٦٣
(٢) ينظر مثلا ترجمة ابن الدهان في وفيات الأعيان ٢/ ٣٨٢، انباه الرواة ٢/ ٥١
(٣) القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٢/ ٣٥٢، وهذا ما سيظهر إِنْ شاء الله عند مناقشة منهج سيبويه في كتابه.
(٤) ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ٣/ ٣٠٤، والنَّضْر بن شُمَيْل «١٢٢ ــ ٢٠٣ هـ = ٧٤٠ ــ ٨١٩ م»، وهو: «النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني التميمي، أبو الحسن: أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللُّغَة. ولد بمرو، من بلاد خراسان، وانتقل إلى البصرة مع أبيه ... واتصل بالمأمون العباسي فأكرمه وقربه. وتوفي بمرو. من كتبه: الصفات، كبير، في صفات الإنسان والبيوت والجبال والإبل والغنم والطير والكواكب والزروع». الأعلام، ٨/ ٣٣، مُؤرِّج بن عمرو: هو «مؤرج بن عمرو السدوسي، كان عالمًا بالعَرَبِيَّة، إمامًا في النحويين، وتوفي سنة خمس وتسعين ومئة». الزبيدي: طبقات النحويين واللغويّين، ص ٧٥
(٥) ودليل ذلك أَنَّ سيبويه: «سافر إلى بغداد بعد أنْ أتم كتابه في أيام الرشيد بعد وفاة الخليل ١٧٥ هـ، والرشيد تولى الخلافة سنة ١٧٠ هـ، وسيبويه توفي عام ١٨٠ هـ بعد زيارته تلك». ومما يدعم هذا الاستنباط قول الأزهري:
«كان سيبويه علامةَ حسن التصنيف ... وما علمت أحدًا سمع منه كتابه هذا» [بغية الوعاة: ٢/ ٢٢٩]، وأن = = يُونُس وهو من شيوخه لم يعلم نبأ الكتاب إلا عرضا وبعد وفاته [سبيويه إمام النُّحَاة، ص ١٢٨]؛ فلو كانت هناك فسحة من الوقت والعمر عند سيبويه لكان قرأه وقرئ عليه.
1 / 23
وهذا يعني أَنَّ الكتاب ألفه صاحبه وهو في قمة نضجه العلمي والفكري، وضمَّنه لما وقف عليه من شتيت الفوائد، ومنثور المسائل، وما بدا له من أصول وفروع، وتمحيص الحقائق واستبطان الدخائل؛ فأتى الكتاب محكم السبك مستوٍ على سوقه يعجب من يقرؤه.
وكان هذا التأليف بعد موت الخليل، بدليل إشارة سيبويه في كتابه: «وحدَّثني من لا أتَّهم عن الخليل ...») (١). ففي هذا القول دليل على أَنَّ تأليف الكتاب كان بعد وفاة الخليل ــ ﵀ ــ؛ إذ لو كان حيا وقتها لراجعه في هذه المسألة التي كان يبحثها. ويستنبط د. على النجدي من خلال بعض الإشارات في الكتاب استنباطا غير مؤكد أَنَّ سيبويه بدأ تأليف الكتاب في حياة الخليل وأكمله بعد وفاته) (٢).
• القيمة العلميَّة للكتاب:
نال «الكتاب» من مدائح العلماء وثنائهم الكثير والكثير، فقد أفرغه صاحبه في قالب الكمال، ولا تُفْتَحُ العين على أتمَّ منه حسنًا في بابه، وأصبحت كلمة «الكتاب» ــ كما يقول الزَّمَخْشَرِيّ ــ إذا أفردت بالحديث علمًا على «كتاب سيبويه») (٣)؛ وقد قال العلماء فيه:
١ ــ قال السيرافي: «عمل سيبويه كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد» (٤).
٢ ــ وكان المُبَرد يقول لمن أراد أَنْ يقرأ عليه كتاب سيبويه «أركبت البحر؟» (٥) تعظيما واستصعابا
٣ ــ وذكر صاعد بن أحمد الجُبَّائِي ــ من أهل الأندلس ــ: «لا أعرف كتابا أُلف في علم من العلوم قديمها وحديثها؛ فاشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب ... والثالث: كتاب سيبويه» (٦).
_________
(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٧٩
(٢) سيبويه إمام النُّحَاة: ص ١٩٠
(٣) الزمخشري: الكشاف، ت: يوسف حمادي، مكتبة مصر، القاهرة،) بدون تاريخ للطبعة (، ١/ ١٣ ــ ١٤
(٤) أخبار النحويين البصريين، ص ٦٤
(٥) القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٢/ ٢٤٨
(٦) ياقوت الحموي: معجم الأدباء، ٥/ ٢١٢٤
1 / 24
٤ ــ قال ياقوت: «لأهل البصرة ثلاثة كتب يفتخرون بها على الأرض: كتاب النحو لسيبويه، وكتاب الحيوان للجاحظ، وكتاب أبي حاتم في القراءات» (١).
٥ ــ قال كارل بروكلمان: «كتاب سيبويه أقدم مصنف جمع مسائل النحو العربي كافة، وقد زاد المتأخرون كثيرا من تحديد مقاصد النحو، وتبيين حدوده، ولَكِنَّهم لم يكادوا يضيفون إليه شيئا ذا بال من الملاحظات الهامة والأنظار الجديدة» (٢).
٦ ــ ويقول د. على النجدي ناصف: «وأحسب أَنْ لو وزن الكتاب بكتب النحو كافة لرجحها وزنا، وأربى عليها قيمة، لا من الناحية التاريخِيَّة وحدها، ولكن من الناحية العلميَّة قبلها، ففيه كل ما فيها وزيادة، من النفائس المصونة والكنوز المذخورة») (٣).
٧ ــ وقال د. شوقي ضيف: إِنَّ «الكتاب يُعَدُّ آية خارقة من آيات العقل العربي؛ حتى سمَّاه بعضهم قرآن النحو») (٤) و«كتاب سيبويه لا يُعَلِّمُ العربِيَّة وقواعدها فحسب، بل يُعَلِّم أيضا أساليبها ودقائقها التعبيرية») (٥).
لقد أقام هذا العبقري الفَذّ هذا السِفر العظيم في ساحة الخلد أثرا، وأرسله مع الأيام ذكرا، وادخره للعربية كنزا، وندبه في العالمين شاهدا على براعته في العربِيَّة، ونفاذه إلى أسرارها، وإمامته في الاشتراع لها.
• منهج الكتاب:
لا شك ولاجدال أَنَّ سيبويه كان يسير على «منهج» في كتابه. ومن الأهمِيَّة بمكان ــ فيما أعتقد ــ الوقوف على هذا المنهج وآلياته التي كان سيبويه ينتهجها ويعمل وفقها؛ لأَنَّ هذا يمكننا من الفهم الدقيق لأقواله.
_________
(١) معجم الأدباء، ٣/ ١٤٠٦، ويضيق المقام إذا أردنا ذكر من قاموا بشرح الكتاب [ينظر: كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي ٢/ ١٣٧،]، ومَنْ مِنْ العلماء من كان يفتخر بمجرد قراءته أو فهمه، وكان يُعَدُّ هذا من مناقبه [ينظر على سبيل المثال: معجم الأدباء، التراجم ٢/ ٧٥٧، ٣/ ١٣٦٧، ٣، ١٤٠٦، ٤/ ١٤٤٣، ٤/ ١٤٨٣، ٤/ ١٥٨٠، ٤/ ١٥٤٦]، أو مَن كان يتخذ أجرا لمجرد أنْ يُقْرَأ عليه الكتاب [ينظر على سبيل المثال: ٤/ ١٤٤٣، ٤/ ١٤٨٣، ٤/ ١٧٧٥] ولا ننسى أيضا أَنَّ الكتاب ترجم إلى اللُّغَة الألمانية على يد اللغويّ الألماني يان Jahn
[مقدمة السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ت: د. رمضان عبد التواب وآخرون، هيئة الكتاب) ١٩٨٦ م (، ١/ ٣]
(٢) تاريخ الأدب العربي، ٢/ ١٣٥
(٣) سيبويه إمام النُّحَاة، ص ١٩١ وما بعدها.
(٤) العصر العباسي الأول، دار المعارف، القاهرة، ط ٦،) بدون تاريخ للطبعة (، ص ١٢٣
(٥) د. شوقي ضيف: المدارس النَّحْوِيَّة، ص ٧٧
1 / 25
وقد قسمت حديثي عن منهج سيبويه إلى قسمين يُكمل بعضهما بعضا:
- قسم أخذته من أقوال العلماء.
- وقسم آخر من واقع دراستي الشخصيَّة لنصوص الكتاب نفسها) (١).
أما القسم الأول فإِنَّهُ من خلال النصوص التي جمعتُها من أقوال العلماء وإشاراتهم يمكن تحديد أركان هذا المنهج في النقاط التالية:
أتوثيق الرواية والتثبت فيما ينقله من كلام العرب وكلام العلماء:
بنى سيبويه كتابه على التوثيق والتثبُّت، فهو «يتحرَّى الدِّقَّةَ في العرض، ويُعنَى بتمييز الصريح من المشوب، والتنبيه على ما يصادف من المنحول») (٢). ويظهر هذا جليًّا في إشارات متفرقة للعلماء في كتب التراجم التي ترجمت له، من هذه الإشارات:
- قوله: «حدَّثني من أثق بعربِيَّته» (٣)، ومثل قوله: «أخبرني الثقة» (٤).
- قول الأخفش عن سيبويه: «كان سيبويه إذا وضع شيئا من كتابه عرضه على» (٥).
- وحينما قيل ليُونُس بعد موت سيبويه: «إِنَّ سيبويه صنَّف كتابا في ألف ورقة من علم
الخليل؛ فقال: ومتى سمع سيبويه هذا كله من الخليل؟ ! جيئوني بكتابه. فلما رآه قال: يجب أَنْ يكون قد صدق فيما حكاه عن الخليل؛ كما صدق فيما حكاه عني» (٦).
- قال البغدادي) ت ١٠٩٣ هـ (: «ويؤخذ من هذا أنَّ الشاهد المجهول قائله وتتمته إنْ صدر من ثقة يعتمد عليه قُبل؛ وإلا فلا. ولهذا كانت أبيات سيبويه أصحَّ الشواهد، اعتمد عليها خلفٌ بعد سلف، مع أنَّ فيها أبياتا عديدة جُهل قائلوها، وما عِيب بها ناقلوها، وقد خرج كتابه إلى الناس والعلماء كثير، والعناية بالعلم وتهذيبه وكيدة») (٧).
_________
(١) وهذا القسم سنخصص له فصلا مستقلا فيما بعد.
(٢) د. على النجدي ناصف: سيبويه إمام النُّحَاة، ص ١٥٠
(٣) الزبيدي: طبقات النحويين واللغويّين، ص ٦٧
(٤) السيرافي: أخبار النحويين البصريين، ص ٦٤، القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٢/ ٣٥٠
(٥) القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٢/ ٣٥٠، ابن قتيبة: عوارف المعارف، دار المعارف، القاهرة، ص ٥٤٦
(٦) السيوطي: بغية الوعاة، ٢/ ٢٢٩
(٧) خزانة الأدب: ١/ ١٦
1 / 26