The Reality of Servitude
حقيقة العبودية
Daabacaha
مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة
Goobta Daabacaadda
القاهرة
Noocyada
تأمل معي قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ [الملك:٣] فهنا تعرفنا الآية بالله وأنه هو الخالق القدير، وبعد ذلك تدعونا لكي نتأكد بأنفسنا من هذه الحقيقة: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك:٣، ٤].
والآيات التي تقرر حقائق المعرفة بالله ﷿ كثيرة .. هذه الآيات كثيرًا ما نجدها تنتهي بالحث على استخدام العقل والتفكر والنظر في الكون لرؤية تلك الحقائق رأي العين: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾ [السجدة:٢٦، ٢٧].
يقول سيد قطب ﵀:
ويشعر المتدبر لهذا القرآن أن هذا موضوعه، وأن هذه غايته، وكل آية فيه، وكل فقرة، وكل توجيه فيه، وكل تعليم .. هو في الحقيقة جانب من جوانب التعريف بالله .. تعريف الناس بحقيقة ذاته سبحانه، وحقيقة صفاته .. على قدر ما يعلم سبحانه أنهم يدركون منها ويطيقون (١).
فعلى سبيل المثال قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب:٢٦، ٢٧].
يعلق سيد قطب ﵀ على قوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ فيقول:
فهذا هو التعقيب المنتزع من الواقع، وهو التعقيب الذي يرد الأمر كله إلى الله، وقد مضى السياق في عرض المعركة كلها يرد الأمر كله إلى الله، ويسند الأفعال فيها إلى الله مباشرة، تثبيتًا لهذه الحقيقة الكبيرة التي يثبتها الله في قلوب المسلمين بالأحداث الواقعة، وبالقرآن بعد الأحداث، ليقوم عليها التصور الإسلامي في النفوس.
وهكذا تصبح الأحداث مادة للتربية، ويصبح القرآن دليلًا وترجمانًا للحياة وأحداثها (٢).
التدبر والاعتبار:
إن القرآن الكريم هو الدليل الذي أنزله الله ﷿ ليدل الناس عليه ويقودهم إلى معرفته: ﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف:٢٠٣].
هذا الدليل يقوم بدور عظيم في تعريف الناس بربهم - بالقدر الذي تتحمله عقولهم - ويعلمهم كيف يستدلون عليه سبحانه من خلال مخلوقاته، ومن خلال أحداث الحياة التي تمر بهم .. ولا يكتفي القرآن بعرض صفات الله وآثاره مرة أو مرتين، بل يعرضها مرات ومرات بأساليب مختلفة لترسخ - من خلال التكرار - في العقل الباطن للقارئ، وتشكل جزءًا رئيسًا من يقينه، وهذا لا يوجد في أي كتاب آخر سوى القرآن.
_________
(١) مقومات التصور الإسلامي ص (١٩١ - ١٩٢).
(٢) في ظلال القرآن (٥:٢٨٤٩).
1 / 34