The Quranic Verses in Response to Opposing Innovations: A Creedal Study
الآيات القرآنية الواردة في الرد على البدع المتقابلة دراسة عقدية
Noocyada
الآيات القرآنية الواردة في الرد على البدع المتقابلة
دِرَاسَةٌ عَقَدِيَةٌ
رسالة علمية مقدمة لنيل درجة العالمية العالية (الدكتوراه)
إعداد
أحمد علي الزاملي
إشراف الدكتور:
محمد باكريم محمد عبد الله
(١٤٣٧ - ١٤٣٨ هـ)
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ آل عمران: ١٠٢.
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ النساء: ١.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ الأحزاب: ٧٠ - ٧١ (١).
أما بعد:
فإنّ المتأمل في الواقع الذي تعيشه الأمّة قديمًا وحديثًا يرى بَوْنًا شاسعًا في مشاربها وأهدافها، واختلافًا في منطلقاتها وغاياتها، حيث بات يُرى الإفراط والتفريط، والغلوّ والجفاء، على مستوى الأمّة عمومًا، بعد أن اتسعت دائرته مع توالي القرون والأيام، حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه الآن، من التفكك والتناحر والتخلف والجهل -والله المستعان-.
وعند قراءة التاريخ الإسلامي، نجد أن أهمّ آثار تحريف أعداء الإسلام للدين، وانحراف بعض أبنائه، هو اهتمامهم بظهور البدع المتقابلة منذ ظهور الإسلام؛ " فصار هؤلاء الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا يقابلون البدعة بالبدعة، أولئك غلوا في علي، وأولئك كفروه! وأولئك غلوا في الوعيد، حتى خلدوا بعض المؤمنين، وأولئك غلوا في الوعد حتى نفوا بعض الوعيد -
_________
(١) هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله ﵉ يعلمها أصحابه، وقد أخرج حديثها أبو داود في كتاب النكاح، باب خطبة النكاح برقم (٢١١٨)، والترمذي في كتاب النكاح، باب ما جاء في خطبة النكاح برقم (١١٠٥)، والنسائي في كتاب النكاح، باب ما يستحب من الكلام عند النكاح برقم (٣٢٧٧)، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح برقم (١٨٩٢)، وأحمد برقم (٣٧٢١) من طرق عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص وأبي عُبيدة، عن عبد الله بن مسعود ﵁.
وقد توسع الشيخ الألباني ﵀ في تخريجه وجمع طرقه في رسالة له مفردة بعنوان: "خطبة الحاجة"، وخلص فيها إلى الحكم بصحته.
1 / 2
أعني المرجئة-، وأولئك غلوا في التنزيه حتى نفوا الصفات، وهؤلاء غلوا في الإثبات، حتى وقعوا في التشبيه" (١).
قال علي بن أبي طالب ﵁: «لا يرى الجاهل إلا مفرِّطا أو مفْرِطًا» (٢)، وقال الإمام الأوزاعيّ ﵀: «ما من أمرٍ أمرَ الله به إلاّ عارض الشَّيطان فيه بخصلتين، لا يبالي أيّهما أصاب: الغلوّ، أو التَّقصير» (٣)، وقال الحسن البصري ﵀: «إِنَّ دين الله وضع على القصد، فدخل الشَّيطان فيه بالإفراط والتَّقصير، فهما سبيلان إلى نار جهنّم» (٤).
وكما ظهرت هذه البدع المتقابلة في الأولين فهي في الآخرين أشد ظهورًا، قال ابن القيم ﵀: "ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا، فقد ورثهم من هو مثلهم، أو شر منهم، أو دونهم، وتناولُ القرآن لهم كتناوله لأولئك، ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب ﵁: «إنما تنقض عُرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية». وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك، وما عابه القرآن وذمه، وقع فيه وأقره، ودعا إليه وصوبه وحسنه، وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية، أو نظيره، أو شر منه، أو دونه، فينقض بذلك عرى الإسلام من قِبله، ويعود المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرسول ﷺ ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عيانًا، والله المستعان" (٥).
ولهذا كان أهل السنة والجماعة وسطًا في الفِرق، كما كان الإسلام وسطًا في الملل؛ فكانوا وسطًا بين الغلوّ والتَّقصير، وهذا التوسّط مطلب العقلاء في كلّ زمان ومكان، وهو من أهمّ أسباب قبول الإسلام وانتشاره في المعمورة.
وبالجملة فإن كانت هذه البدع المتقابلة منتشرة منذ القِدم إلى وقتنا الحاضر، فإننا نجد الرد الواضح عليها من القرآن الكريم، إذ فيه من الخير ما يعجز الإنسان عن تعداده، فهو كتابٌ عظيمٌ اشتمل على الصدق والعدل، قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ
_________
(١) شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ (٢/ ٧٩٨ - ٧٩٩).
(٢) النهاية في غريب الأثر (٣/ ٨٣١).
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى (٣/ ٣٨١).
(٤) نوادر الأصول للحكيم الترمذي (١/ ١٦٧).
(٥) مدارج السالكين (١/ ٣٤٣).
1 / 3
لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)﴾ الأنعام: ١١٥؛ وفيه من العلم الذي تعقد عليه الخناصر، وتفنى في تدوينه الأقلام والمحابر ولا يشبع واردوه، ولا يمل من النظر فيه قاصدوه، فهو الكفيل بمصالح العباد، في المعاش والمعاد، والموصل لهم إلى سبيل الرشاد (١).
قال الإمام أحمد ﵀: «لو تدبر إنسان القرآن كان فيه ما يرد على كل مبتدع وبدعة» (٢).
ولما كان كتاب الله بهذه المثابة، وكان المصدر التشريعي، والداعي إلى الحق الذي هو العدل والوسطية في العقيدة والشريعة والأخلاق، فإنه يرى فيه بوضوح دلالته على المنهج الحق منهج أهل السنة والجماعة في الرد على البدع المتقابلة، ولقد دأب علماؤنا وأسلافنا منذ الصدر الأول على محاربتها والتحذير منها، عملًا بمقتضى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فقاموا عليها بسيوف قاطعة، مرهفة باترة، فاجتثوا شجرتها، وكسروا شوكتها، فانحسرت غمومها، وانقشعت همومها، وطهروا منها البلاد، وأنقذوا منها العباد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: " وكل من كان أعرف بفساد الباطل كان أعرف بصحة الحق" (٣)، وأصل هذا المعنى مستقى من السنة، فعن حذيفة بن اليمان ﵁ قال: «كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أساله عن الشر مخافة أن يدركني ..» (٤).
ولذلك اخترتُ هذا الموضوع: "الآيات القرآنية الواردة في الرد على البدع المتقابلة دراسة عقدية"، ليكون أطروحة مرحلة الدراسة العالمية العالية: "الدكتوراه"، والله أسأل التوفيق والإعانة فيما آتي وأذر.
_________
(١) ينظر: مدارج السالكين (١/ ٣٠).
(٢) السنة للخلال، رقم الأثر (٩١٢) (ص ٣/ ٥٤٦).
(٣) درء التعارض (٥/ ٢٥٨).
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم: (٣٤١١)، وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، برقم: (١٨٤٧).
1 / 4
أهداف البحث:
١ - بيان فساد مناهج الفرق الباطلة (قديمًا وحديثًا)، التي حادت عن الوسطية، فظهر فيها الغلو أو التساهل، وتوضيح تناقض وتلون أهل البدع المتقابلة في الأصول.
٢ - تجلية وهن شبهات الفرق الضالة من خلال آيات القرآن الكريم، وذلك بإبراز الآيات الرادة على البدع المتقابلة، وإيضاح دلالاتها، ما يكون فيه قطع لدابر أهل البدع، وتوضيح لوهنهم وزيغهم، قال ابن تيمية /: "فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم، لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفَّى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس، ولا أفاد كلامه العلم واليقين" (١).
٣ - جمع وبيان مواطن الاستدلال من القرآن، مما لا يوجد مجموعًا في غيره؛ لأن من أعظم وسائل مواجهة البدع، العكوف على استخراج الأدلة المتكاثرة الدالة على ما يناقض منهج أهل البدع، من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ لأن في هذه الأدلة المتكاثرة وتواردها دليلًا على بطلان مسالك المخالفين، وفي هذا دعوة لهم للرجوع إلى المنبع الصافي، وفيه تثبيت لأهل الحق، ودفع لشبه أهل الباطل.
٤ - معرفة البدع المتقابلة والحذر منها، لذلك لا يكفي في التعبد الاقتصار على معرفة السنة فقط، بل لا بد من معرفة ما يناقضها من البدع، كما لا يكفي في الإيمان التوحيد دون معرفة ما يناقضه من الشركيات، وإلى هذه الحقيقة أشار رسول الله ﷺ بقوله: «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله» (٢)، فلم يكتف ﷺ بالتوحيد، بل ضم إليه الكفر بما سواه، وذلك يستلزم معرفة الكفر، وإلا وقع فيه وهو لا يشعر.
٥ - تتجلى مشكلة هذه الدراسة في ظهور انحرافات فكرية وسلوكية وبعد عن منهج الوسطية والاعتدال في كثير من بلاد العالم الإسلامي اليوم، مما لا يخفى على ذي عين، ومما لا شك فيه أنه لا بد لمواجهة تلك التحديات والمخاطر، من الالتزام بمنهج الوسطية.
أسباب اختيار الموضوع وأهميته:
_________
(١) مجموع الفتاوى (٢٠/ ١٦٤ - ١٦٥).
(٢) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله برقم (٢٣).
1 / 5
١ - أهمية القرآن الكريم، والعناية بما اشتمل عليه من المباحث العقدية، وذلك لإجماع الأمة على تقديمه وأنه قطعي الثبوت، وهذه الأهمية تجعل من المهم العناية به عقديًا واستخراج كنوزه العقدية، وهذا يقتضي أن يعيش الباحث مع كتاب الله متأمِّلا لآياته، متفكِّرًا في دلالاته، مستوعبًا لما كتبه المفسِّرون حول هذا الموضوع.
٢ - اهتمام القرآن الكريم بموضوع الرد على البدع المتقابلة اهتمامًا بالغًا، وهذا يجده الناظر المدقق في آيات الكتاب الكريم بوضوح، فظهرت بذلك غزارة المادة العلمية التي حوتها هذه الآيات، كما تفرقت هذه الردود على امتداد سور القرآن الكريم؛ فجاء هذا البحثُ ليجمع هذه الآيات الواردة في الرد على البدع المتقابلة.
٣ - جدة الموضوع، وندرة الدراسات الجادة فيه أو انعدامها، حيث إنني لم أقف حتى لحظة كتابة هذه الرسالة على من كَتَب في "الآيات الواردة في الرد على البدع المتقابلة دراسة عقدية" كما تناوله هذا البحث، فرغبني ذلك في كتابته.
٤ - أن البحث فيه يتطلب العكوف على كتاب الله تعالى، والنظر والإمعان في تفسيره على مذهب السلف وطريقتهم، مع العودة إلى كتب أهل السنة والجماعة في الرد على أهل الباطل-وهذا أهم ما ينبغي أن يعنى به وتصرف فيه الأوقات-، مما يتيح للباحث الاطلاع على قدر كبير من المؤلفات المهمة، كما أن استعراض ودراسة الأدلة المتقابلة، يستدعي الوقوف عند أغلب أبواب العقيدة، مما يضفي على البحث الشمولية.
٥ - إظهار تناقض أهل البدع المتقابلة، وبعدهم عن المشرب الصافي، وبيان سبب ذلك، مع بيان أن أهل الأهواء والبدع لا زالوا موجودين، وأن مناهجهم لا زالت متبعة وإن تغيرت الأسماء، مع محاولةِ الوصول إلى النتائج السيئة التي أفرزتها البدع المتقابلة، ولذا فالحاجة ماسة إلى بيان مقالات أصحاب البدع المتقابلة، وأرجو أن يكون في هذا البحث إسهامٌ نافعٌ في هذا الباب.
٦ - أن تحرير القول في هذا الموضوع من أعظم ما يبين ويجلي حقيقة مذهب أهل السنة، وأنهم أحظُّ الطوائف بالنصوص الشرعية، وبالمقابل فإن هذا الموضوع يبين أن أهل الباطل هم أعظم الناس إفلاسًا من النصوص، بل ومن المعقولات أيضًا.
1 / 6
٧ - إظهار مزايا مذهب السلف وخصائصهم السنية، بعد أن خلط كثير من الناس بين منهج الحق والباطل، فوقع منهم الانحراف في أبواب العقائد بتأثرها بمناهج أهل البدع الدخيلة.
٨ - ما وجدته من أهمية كبيرة لهذا الموضوع، والفائدة العائدة منه للإسلام والمسلمين -بإذن الله تعالى-.
٩ - الرد على البدعتين المتقابلتين من آية واحدة، فيه تجلية لأسلوب من أساليب إعجاز هذا القرآن وعظمته؛ لأن فيه لفت الأنظار بذكر الموازنة بين البدع المتقابلة، وإثبات عدم المساواة بينهما، إلى الأخذ بالقلوب نحو الاختيار النافع والصالح، وترك ما سواه، ووقد يبين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في طيات كلامه، بأن هذا النوع من الرد يحتاج إلى تدبر وتأمل (١).
١٠ - تنمية الملكة العقدية في الاستنباط من القرآن والاستدلال به في النوازل العقدية.
١١ - أن البدعة إذا لم تُنكر، ذاعت وانتشرت في الأمة، فشب عليها الصغير، وهرم عليها الكبير، وربما تعذر قلعها من النفوس.
١٢ - أن الكتابة في هذا الموضوع تجمع -في آن واحد-بين طريقتي السلف المشهورتين في التصنيف في الاعتقاد: (تقرير الاعتقاد، والرد على المخالف).
وهكذا أصبحت الكتابة عن هذا الموضوع (البدع المتقابلة) على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة ضرورية لكبح جماح الغالين ودفع تفريط المقصرين.
مصادر البحث:
القرآن الكريم وصحيح السنة، وكتب العقيدة، والتفسير، وشروح الحديث، واللغة، والردود على أصحاب البدع، والمذاهب والفرق المعاصرة، وكتب التاريخ، وكتب أهل البدع، وغيرها.
الدراسات السابقة:
_________
(١) ينظر: درء التعارض (١/ ٣٧٤)، ومجموع الفتاوى (٦/ ٢٨٨).
1 / 7
بعد البحث (١) لم أقف على دراسة مفردة متخصصة تتناول هذا الموضوع، إلا أنه قد يظن أن فيه تكرارًا لما جاء في الرسائل المؤلفة في باب الوسطية، وهذه الرسالة تختلف عن تلك الرسائل من عدة وجوه:
١ - كُتب الوسطية تُعنى بذكر الوسطية العامة لأهل الحق بين أهل الباطل، ولا يكون
فيها التركيز على ذكر البدع المتقابلة إلا بطريق الالتزام البعيد.
٢ - أن مقصود هذه الرسالة هو لفت الأنظار إلى الرد على البدع المتقابلة في المقام الأول، وتكون الوسطية هي ثمرة ونتيجة من نتائج هذا البحث.
٣ - أن الرسائل في باب الوسطية تُعنى كثيرًا بالألفاظ المرادفة للوسطية دون التركيز على بقية الألفاظ التي تتضمَّن الرد على المخالفين من طريقين متقابلين.
٤ - أن أكثر الآيات التي هي موطن الدراسة لم تذكر في باب الوسطية ولم يشر إليها.
كما يتميز هذا البحث عن الرسائل المكتوبة في باب البدع العامة، أن تلك البحوث تتناول البدع بشكل عام بغض النظر عن كونها متقابلة مع بدعة أخرى، ويستدل عليها بأدلة رادة لكل بدعة على حده، دون التركيز على النصوص التي جمعت الرد على طرفي نقيض في موطن واحد، ليظهر من خلال ذلك الصراط المستقيم، ما يبين لنا معه إعجاز هذا القرآن وعظمته في رد البدع والدلالة على الحق.
منهج البحث:
أولًا: سأتبع -إن شاء الله تعالى- المناهج التالية:
١ - المنهج الاستقرائي: ويظهر في تتبع واستقراء الآيات التي فيها الرد على البدع المتقابلة، مع توظيف القواعد والضوابط العلمية في الفهم والاستنباط والترجيح، واستقراء كتب الاعتقاد وعموم المصادر.
٢ - المنهج التاريخي: ويظهر في تتبع ظاهرة البدع المتقابلة من بداية ظهورها حتى تحولها إلى تيارات فكرية وفرق مختلفة.
٣ - المنهج التحليلي: ويتمثل بتحليل البدع المتقابلة إلى أسسها الفلسفية والكلامية.
_________
(١) تمت مراسلة المراكز المتخصصة، كمركز الملك فيصل ومكتبة الملك فهد، والبحث في قوائم المكتبات ودليل المكتبة العقدية وزيارة الجمعية السعودية لعلوم العقيدة، وسؤال المختصين فلم أجد أحدًا سبق إلى هذا البحث.
1 / 8
٤ - المنهج النقدي: وذلك بالدراسة النقدية للبدع التي حادت عن منهج الوسطية إما إلى إفراط أو إلى تفريط.
ثانيًا: التزام خطوات البحث العلمي المنهجي المنصوص عليها في لوائح الدراسات العليا وهي:
١ - عزو الآيات إلى سورها، مع ذكر رقم الآية فيها، وجعلت ذلك في متن البحث، خشية الإطالة بذكرها في الحاشية.
٢ - تخريج الأحاديث، وبيان ما ذكره أهل الشأن في درجتها إن لم تكن في الصحيحين أو أحدهما، فإن كانت فيهما أو في أحدهما، فسأكتفي بذلك؛ لأن المقصود ثبوت الحديث.
٣ - عزو الآثار إلى مصادرها الأصلية، قدر الإمكان.
٤ - التعليق على بعض ما يحتاج إلى تعليق.
٥ - التعريف بالكلمات الغريبة.
٦ - توثيق الأقوال المنسوبة إلى أهل العلم (١).
٧ - ترجمة الأعلام غير المشهورين ترجمة مختصرة.
٨ - التعريف بالملل والنحل والفرق والطوائف الواردة في البحث.
٩ - إتباع البحث بالفهارس المتعارف عليها.
١٠ - تأخير ذكر بيانات المصادر إلى فهرسها، خشية الإطالة بذكرها.
ثالثًا: تقسيم المادة العلمية المستخرجة بحسب المسائل التي تندرج تحتها من أبواب العقيدة المعروفة، على ترتيب حديث جبريل ﵇.
رابعًا: اعتنيت بإبراز الرد على البدع المتقابلة، التي عُني القرآن بذكرها، ولا أزعم أنِّني أتيت على ذكر كل البدع التي جاء لها ذكرٌ أو إشارةٌ في القرآن، فإنَّ هذا ما لا يحيط به بحث محدود.
خامسًا: الأصل هو اشتمال الآية الواحدة على رد البدعتين لا ورود الرد في آيتين منفصلتين، إلا إذا اقتضى السياق والمعنى أكثر من آية متتابعة، ويكون هذا نادرًا في البحث.
_________
(١) نبه العلماء كالنووي وغيره إلى أن من بركة العلم: أن يعزى الفضل إلى أهله. ينظر: بستان العارفين (ص ٢٨).
1 / 9
سادسًا: الآيات الرادة قسمتها إلى نوعين: نوع درسته دراسةً تحليلية وقد انتقيت فيه ثلاث آيات فقط للدراسة التحليلية -خشية الإثقال على كاهل الرسالة؛ ولأن أقل الجمع ثلاثة-، ونوع آخر تناولته بالدراسة الإجمالية وسرت فيه على حصر ما وجدته من آيات رادة في بابها، مع بيان موطن الرد؛ لأن المراد هو بيان رد الآيات، وليس المقصود تقصي كل ذلك؛ لأن القرآن بحر لا ساحل له.
سابعًا: المدة المعنية بالبحث والدراسة لا تقف عند مدة زمنية بعينها بل تمتد من بداية ظهور البدع المتقابلة إلى عصرنا الحاضر، ولا يخفى ما في ذلك من صعوبة ومشقة تتطلب جهدًا مضاعفًا وعملًا متواصلًا، ومع هذا فلا أزعم أنِّني أتيت على ذكر كل البدع، فإنَّ هذا مما لا يحيط به بحث محدود.
ثامنًا: أنبه إلى أن القارئ سيلحظ تداخلًا في بعض الأبواب، ولا غرو فإن البحث لا بد أن يكون متداخلَ الأسباب متواشجَ الأنساب، فليس من فصول هذا الكتاب فصلٌ إلا وقد يدخله نتف من فصول أُخَرَ على قدر ما بينهما من سبب وانتساب، وإني لأرجو أن تعم بذلك جدواه، وينكشف مغزاه، ويكون القارئ به أشد انتفاعًا.
صعوبات البحث:
بداية أحمد الله وأشكره؛ الذي وفق وأعان على إتمام هذا البحث وإكماله، وكما جرت العادة أن تُذكر بعض العوائق أو العقبات أثناء إعداد مثل هذه البحوث، وكان من أبرز تلك العقبات ما يلي:
١ - لم أجد أحدا تكلم عن الموضوع من المتقدمين أو المتأخرين في تأليف مستقل حتى أستأنس بكلامه وتقريراته؛ إلا كلامًا متناثرًا قليلا له علاقة ببعض جزئيات البحث.
٢ - طول البحث وتشعب المباحث التفصيلية فيه؛ مما جعل المهمة صعبة في إتمام الرسالة في وقت مبكر.
٣ - ندرة المراجع التي تتكلم عن الموضوع؛ مما دفعني إلى جرد المطولات من كتب التفسير والتراجم والطبقات والسير وكتب الاعتقاد والفرق.
٤ - تناول هذا البحث "البدع المتقابلة" عند عامة المدارس الفكرية المخالفة، حيث درست أدلة المدارس الكلامية، كالمعتزلة ومن تبعهم من الزيدية ونحوهم، وكذا الأشاعرة والماتريدية. كما
1 / 10
تناولت دراسة المدارس الصوفية، وخصوصًا الغالية منها، كأهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وكذلك شملت دراسة المدارس الفلسفية. ولا شك أن لكل مدرسة من هذه المدارس مصنفاتها العميقة، ولغتها الخاصة، وطريقتها المتميزة، والتي تستلزم ممن أراد نقدها جهدًا كبيرًا، ووقتًا مديدًا في اكتساب آلتها، وتتبع كتبها، وتأمل كلامها، وفك مصطلحاتها ورموزها، والوقوف مع أدلتها، ولا يخفى ما في ذلك من صعوبة ومشقة تتطلب جهدًا مضاعفًا وعملًا متواصلًا.
٥ - من المعلوم أن رد الأدلة هو آخر مرحلة يتطرق إليها الباحث في كافة العلوم، ذلك أن رد الدليل مبني على دراسة الدليل، ودراسة الدليل فرع عن بيان قول المستدل به وشرحه، وذلك مبني على بيان أصل المسألة وشرحها، وهذا الأمر فيه مشقة على الباحث، خاصة وأن هذه الرسالة مختصة بالرد على أدلة المخالفين بطريقة من أدق أنواع الرد والنقض، الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد ومن خلال آية واحدة.
٦ - ليس هدف الرسالة العلمية هدم الآراء الخاطئة، بقدر ما هو بناء الآراء الصحيحة، وهذا يتطلب معرفة الأسباب والدوافع التي أدت إلى القول بهذا القول المبتدع لتجنبها، وهذا يحتاج إلى بحث وتنقيب واستقراء.
والحمد لله أولا وآخرًا.
تبويب البحث:
وقد كان السير في هذه الدراسة وفق التبويب التالي:
المقدمة:
وتشتمل على: ذكر أسباب اختيار الموضوع وأهميته، والأهداف المنشودة منه، والدراسات السابقة، ومصادر البحث، والمنهج المتبع فيه، وصعوباته، وتبويبه.
تمهيد، وفيه أربعة مباحث:
- المبحث الأول: التعريفات بمفردات البحث.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف "الآيات".
1 / 11
المطلب الثاني: تعريف "التقابل" في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثالث: تعريف "البدع المتقابلة".
المبحث الثاني: نشأة البدع المتقابلة، ومناهج العلماء في الرد عليها.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تاريخ نشأة البدع المتقابلة، وأسباب ظهورها.
المطلب الثاني: عناية العلماء بالرد على أهل البدع ومناهجهم في ذلك.
المبحث الثالث: آثار البدع المتقابلة.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الفتنة في الدين وفساد التصورات العقلية.
المطلب الثاني: الإفساد في الأرض.
المبحث الرابع: مكانة القرآن الكريم، والاحتجاج به عند أهل السنة ومخالفيهم.
الباب الأول: دلالة الآيات -الرادَّة على البدع المتقابلة- على معنى الوسطية.
وفيه تمهيد وفصلان:
اشتمل التمهيد على تعريف الوسطية، لغة وشرعًا، مع تحديد معيار الوسطية.
- الفصل الأول: الآيات الدالة على الوسطية، ومعالمها.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: دراسة تحليلية للآيات الدالة على الوسطية.
المبحث الثاني: معالم الوسطية ومظاهرها.
- الفصل الثاني: الآيات الدالة على التحذير من الغلو والجفاء.
وفيه تمهيد وثلاثة مباحث:
اشتمل التمهيد على تعريف الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط.
المبحث الأول: دراسة تحليلية للآيات الواردة في التحذير من الغلوّ والجفاء.
المبحث الثاني: معالم الغلو والجفاء وحدوده ومظاهره.
المبحث الثالث: الاتجاهات المغالية.
1 / 12
الباب الثاني: الآيات الرادة على البدع المتقابلة في باب الإيمان بالله ومسائل الإيمان.
وفيه أربعة فصول:
- الفصل الأول: الآيات الواردة في توحيد الربوبية.
وفيه تمهيد ومبحثان:
تمهيد في تعريف توحيد الربوبية.
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة في توحيد الربوبية.
المطلب الأول: الانحراف المؤدي إلى التفريط في توحيد الربوبية.
المطلب الثاني: الانحراف المؤدي إلى الإفراط في توحيد الربوبية.
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع المتقابلة في توحيد الربوبية.
المطلب الأول: دراسة تحليلية لبعض الآيات الرادة على البدع المتقابلة المتعلقة بتوحيد الربوبية.
ويشمل بيان وجه رد الآية على بدعة التفريط، والإفراط، وذكر المأخذ الذي انطلقت منه هاتان البدعتان، مع توضيح أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد.
المطلب الثاني: المعنى الإجمالي للآيات الرادة على البدع المتقابلة في توحيد الربوبية.
- الفصل الثاني: الآيات الواردة في توحيد الألوهية.
وفيه تمهيد ومبحثان:
تمهيد في تعريف توحيد الألوهية
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة في توحيد الألوهية.
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع المتقابلة في توحيد الألوهية.
المطلب الأول: دراسة تحليلية لبعض الآيات الرادة على البدع المتقابلة المتعلقة توحيد الألوهية.
المطلب الثاني: المعنى الإجمالي للآيات الرادة على البدع المتقابلة في توحيد الألوهية.
- الفصل الثالث: الآيات الواردة في توحيد الأسماء والصفات.
وفيه تمهيد ومبحثان:
تمهيد في تعريف توحيد الأسماء والصفات.
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة في توحيد الأسماء والصفات.
1 / 13
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع المتقابلة في أسماء الله وصفاته.
المطلب الأول: دراسة تحليلية لبعض الآيات الرادة على البدع المتقابلة المتعلقة بتوحيد الأسماء والصفات.
المطلب الثاني: المعنى الإجمالي للآيات الرادة على البدع المتقابلة في توحيد الأسماء والصفات.
- الفصل الرابع: الآيات الواردة في مسائل الإيمان.
وفيه تمهيد ومبحثان:
تمهيد في تعريف الإيمان.
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة في مسائل الإيمان.
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع المتقابلة في مسائل الإيمان.
المطلب الأول: دراسة تحليلية لبعض الآيات الرادة على البدع المتقابلة المتعلقة بمسائل الإيمان.
المطلب الثاني: المعنى الإجمالي للآيات الرادة على البدع المتقابلة في مسائل الإيمان.
الباب الثالث: الآيات الرادة على البدع المتقابلة في بقية أركان الإيمان:
وفيه خمسة فصول:
- الفصل الأول: الآيات الواردة في الإيمان بالملائكة.
وفيه تمهيد ومبحثان:
تمهيد في تعريف الملائكة.
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة في الملائكة.
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع في الإيمان بالملائكة.
المطلب الأول: دراسة تحليلية لبعض الآيات الرادة على البدع المتقابلة المتعلقة بالإيمان بالملائكة.
المطلب الثاني: المعنى الإجمالي للآيات الرادة على البدع المتقابلة في مسائل الإيمان بالملائكة.
- الفصل الثاني: الآيات الواردة في الإيمان بالكتب.
وفيه تمهيد ومبحثان:
تمهيد في تعريف الكتب.
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة في الإيمان بالكتب.
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع في الإيمان بالكتب.
1 / 14
المطلب الأول: دراسة تحليلية لبعض الآيات الرادة على البدع المتقابلة المتعلقة بمسائل الإيمان بالكتب.
المطلب الثاني: المعنى الإجمالي للآيات الرادة على البدع المتقابلة في مسائل الإيمان بالكتب.
- الفصل الثالث: الآيات الواردة في الإيمان بالرسل.
وفيه تمهيد ومبحثان:
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة في الإيمان بالرسل.
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع المتقابلة في الإيمان بالرسل.
المطلب الأول: دراسة تحليلية لبعض الآيات الرادة على البدع المتقابلة المتعلقة بمسائل الإيمان بالرسل.
المطلب الثاني: المعنى الإجمالي للآيات الرادة على البدع المتقابلة في مسائل الإيمان الرسل.
- الفصل الرابع: الآيات الواردة في الإيمان باليوم الآخر.
وفيه تمهيد وثلاثة مباحث:
تمهيد في تعريف اليوم الآخر.
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة في الإيمان باليوم الآخر.
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع المتقابلة فيما جاء في الحياة الآخرة.
- الفصل الخامس: الآيات الواردة في الإيمان بالقضاء والقدر.
وفيه تمهيد ومبحثان:
تمهيد في تعريف القدر.
المبحث الأول: ما جاء في البدع المتقابلة في الإيمان بالقضاء والقدر.
المبحث الثاني: الآيات الرادة على البدع المتقابلة في الإيمان بالقضاء والقدر.
الخاتمة. (وفيها أهم نتائج البحث)
الفهارس: فهرس الآيات القرآنية، وفهرس الأحاديث النبوية، وفهرس الآثار، وفهرس المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
هذا وأحمد الله -جل وعلا- على ما مَنّ به عليّ من إتمام هذا البحث، وأشكر له فضله وإنعامه، فله الحمد أولًا وآخرًا، وأبرأ من الحول والقوة إلا به، وأسأله أن يجعله خالصًا لوجهه، نافعًا لي يوم العرض عليه، فلقد بذلت جهدي في تجلية مسائله وتوثيقها وبيان الحق
1 / 15
فيها، وأخذ ذلك مني وقتا طويلًا، ورغم ذلك فإني لا أدعي أني أوفيت الموضوع حقه، ولا أني أصبت في كل ما قلت وقصدت، ولا أني أبدعت فيما سطرت، إذ النقص والخطأ من طبيعة البشر، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)﴾ النساء: ٨٢، ولكن حسبي أني بذلت فيه وسعي، فما كان فيه من صواب فمن الله تعالى وله الحمد والمنة، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي وأستغفر الله منه، ورحم الله من رأى فيه خطأ أو خللًا فأرشدني إلى صوابه وإصلاحه.
كما أن الكتاب بصرف النظر عن شكله ومضمونه، نادرًا ما يكون نتاجًا فرديًا بحتًا، صحيح أن الغلاف قد لا يتسع لأسماء أخرى غير اسم الكاتب، وصحيح أن الكاتب يتحمل بمفرده المسؤولية الكاملة عن مضمون كتابه، لكن ذلك لا يقلل قط من أهمية المساهمة المباشرة أو غير المباشرة التي قدمها الآخرون، إلى أولئك الآخرين أتوجه هنا بكلمة شكر نابعة من القلب، فيطيب لي أن أشكر- بعد شكر الله وحمده- الجامعة الإسلامية، ممثلة بكلية الدعوة وأصول الدين بالمدينة المنورة، وعلى رأسها عميد الكلية، وأشكر قسم العقيدة رئيسًا وأعضاءً، على تعاونهم الكبير، وأشكر جامعة الملك خالد على إتاحة هذه الفرصة العلمية لمواصلة البحث والدراسة في مرحلة الدكتوراه.
كما أتقدم بالشكر الوافر، والعرفان الجميل لفضيلة المشرف على اهتمامه وحرصه، ولا يفوتني أن أوصل الشكر لكل من ساعدني وأعانني في بحثي من مشايخي وزملائي، بفائدة علمية أو إعارة كتاب والمقام يضيق عن ذكرهم فأسأل الكريم أن يعظم لهم الأجر والثواب.
كما أتوجه بالشكر الجزيل للشيخين الفاضلين، والأستاذين الكريمين، اللذين تجشما عناء قراءة هذا البحث لمناقشته، وبذلا جهدًا في تصحيحه وتقويمه، مع كثرة مشاغلهما وضيق وقتهما، فجزاهما الله عني خيرًا، وزادهم الله توفيقًا وسدادًا وهدى وعلمًا.
وبعد فهذا الجهد مبلغ وسعي، فأرجو أن يصادف هذا العمل منكم القبول، وأن يقع منكم الإغضاء عما فيه من الغفلة والذهول.
وأسأل الله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن وأن يحفظنا من فتنة القول والعمل. إنه على كل شيء قدير .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
1 / 16
كتبه
أحمد بن علي بن محمد الزاملي عسيري
وهذا أوان الشروع في المقصود، فيا رب يسر وأعن يا كريم.
1 / 17
التمهيد
وفيه أربعة مباحث
1 / 18
المبحث الأول التعريفات بمفردات البحث
وفيه ثلاثة مطالب:
إن فهم مصطلحات البحث هو مفتاح فهم مرامي الباحث ومقاصده؛ لأن تلك المصطلحات -في الغالب- ألفاظ جامعة ينبني عليها كثير من مسائل البحث وموضوعاته، والوعي بمفاهيمها يعدُ مدخلًا أساسيًا لتضييق دائرة الخلاف، أو إزالته، فأحكام الناس على الأفكار أو على الأشخاص عائدة إلى التصور، وفي المأثور من أقوال أسلافنا الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وفيما يلي التعريف بمفردات البحث:
المطلب الأول: تعريف "الآيات".
تعريف الآيات في اللغة (١): الآيات جمع آية (٢)، والآية: أصلها من أيي بياءين، فقلبت عينها ألفا، فأصبحت آية، وقيل: إنها من أوي، من قوله: أوى إليه، ويرى الراغب الأصفهاني (٣) أن الصحيح أنها مشتقة من التأيي (٤) الذي هو التثبيت والإقامة على الشيء (٥).
والآية تطلق ويراد بها معان عدة:
فمنها العلامة، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ البقرة: ٢٤٨.
والآية كذلك العبرة، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧)﴾ يوسف: ٧، أي أمور وعبر مختلفة.
_________
(١) ينظر: لسان العرب، لابن منظور (١/ ١٨٥)، والقاموس المحيط للفيروز آبادي، تحقيق: الشيخ يوسف البقاعي (١/ ٦٢٨)، والمعجم الوسيط (١/ ٣٥)، وتاج العروس من جواهر القاموس لمحمد بن الزبيدي (٣٧/ ١٢٢).
(٢) قال الكرماني: ما جاء في القرآن من "الآيات" فلجمع الدلائل، وما جاء من "الآية" فلوحدانية المدلول عليه. البرهان في توجيه متشابه القرآن، (ص ٢٤٠)، وينظر: درة التنزيل وغرة التأويل للإسكافي (٢/ ٨٢٠ - ٨٢٥).
(٣) هو: إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي التميمي الأصبهاني، المعروف بأبي القاسم قوام السنة، شافعي، من مؤلفاته: الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، دلائل النبوة، سير السلف الصالحين وغيرها، توفي سنة ٥٣٥ هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (٢/ ٨)، شذرات الذهب (٤/ ١٠٥)، الأعلام (١/ ٣٢٣).
(٤) والتأيّي: التنظر والتؤدة، يقال: تأيّا الرجل: إذا تأنّى في الأمر. ويقال: قد تأييت أي: تلبّثت وتحبّست. ينظر: المفردات للراغب (ص ١٠٢).
(٥) المفردات في غريب القرآن للراغب، مادة آي (ص ١٠١ - ١٠٢).
1 / 19
وتطلق الآية على المعجزة، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)﴾ المؤمنون: ٥٠.
ويراد بها الجماعة: يقال: خرج القوم بآيتهم أي: بجماعاتهم.
وآيات الله أي: عجائبه: وهي الآيات الكونية والدلائل، المقصودة في قوله تعالى: ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤)﴾ الجاثية: ٤، وقوله سبحانه: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ فصلت: ٥٣.
والآية: من آيات القرآن العزيز المتلوة، وسميت بذلك؛ لأنها علامة لانقطاع كلام من كلام، ويفضي منها إلى غيرها، وقيل: سميت بذلك؛ لأنها جماعة من الحروف (١)؛ كما في قوله تعالى: ﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)﴾ آل عمران: ١١٣، وقوله سبحانه: ﴿يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ الزمر: ٧١.
وهذا المعنى هو المقصود في هذا البحث.
تعريف الآيات القرآنية اصطلاحا:
تعددت تعاريف الآيات في الاصطلاح، ومن هذه التعاريف:
أن الآية: هي الواحدة من المعدودات في السور; سميت به؛ لأنها علامة على صدق من أتى بها، وعلى عجز المتحدى بها (٢).
وقال بعضهم: الآية طائفة حروف من القرآن، علم بالتوقيف انقطاعها عن الكلام الذي قبلها والذي بعدها (٣). إلا أن المختار (٤) أن يقال: الآيات جمع آية: وهي طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها (٥) معروفة بالسماع، مندرجة في السورة (٦).
_________
(١) مختار الصحاح، مادة أيا.
(٢) البرهان في علوم القرآن، الزركشي (١/ ٢٦٦)، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (١/ ١٨١).
(٣) البرهان في علوم القرآن، (١/ ٢٦٦)، الإتقان في علوم القرآن (١/ ١٨١).
(٤) لأنه ضم الآية إلى السورة، فكان التعريف جامعًا مانعًا -والله أعلم-.
(٥) وليس معنى انقطاع الآية عما قبلها وما بعدها، ألا يكون لها تعلق في المعنى بسابقتها أو لاحقتها.
(٦) أورده السيوطي في الإتقان (١/ ١٨١)، ينظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (١/ ٢٦٦)، والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني (ص ٣٣)، والمنار في علوم القرآن مع مدخل في أصول التفسير ومصادره (ص ١٦٥)، والتيسير في قواعد علم التفسير: للإمام العلامة محمد بن سليمان الكافيجي (١٦٧ - ١٦٨).
1 / 20