The Prophetic Biography between Narrated Traditions and Quranic Verses
السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية
Noocyada
خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه" (١).
إن المتأمل فيما سبق من التعريفات لا يجد مشقة أو صعوبة في أن يقرر بكل أمانة أن تلك الصفات لم تتحقق لأحد متكاملة على هذا النسق في غير محمد ﷺ، إذ لا يحتاج لروية وتدبر، أو أعمال فكر إذا كان مشتغلًا بالتاريخ فقط أن يقول إنَّ تلك الأخلاق كانت في أسمى صورها، والتي هي باقية ما بقي ناس يعلمون عن محمد ﷺ، ولو سأل المنصف نفسه من الذي ادعى، أو إدُعِيَ له على مدار التاريخ الإنساني كله أنه يتمتع بتلك الأخلاق، واتصف بأعلى كمالاتها، وما تزال آثارها باقية بل مكتملة كما كانت فيه، بلغت كما نقلت عنه، وتمثلها أتباعه، ويحاولون إلى اليوم، لم تجد مؤرخًا، ولا عالمًا، ولا عاقلًا محايدًا، منصفًا، أو غير منصف إلا أن يقول: ما ذكر ذلك إلا عن محمد ﷺ، وإن ذكر غيره في ميدان من ميادين هذه الأخلاق، فما ذكرت كل الأخلاق وأعلاها إلا له.
لا نحتاج إلى تنزيل معاني هذه التعريفات - كما أسلفنا - على النبي ﷺ، خاصة وهي تعريفات قاصرة مليئة بالثغرات والمآخذ، إذ الواقع والسير قد كفتننا مؤنه ذلك، وإنما نقف عند تعريفات العلماء المسلمين، إذ هم قد زادوا على هذه التعريفات أمورًا تسد خللها، وتكمل النقص فيها، وبالتالي تجعل هذه التعريفات أجمع وأمنع من تعريفات الغربيين، وبناء عليه، فإذا كانت هذه التعريفات الشاملة قد جمعت لمحمد ﷺ فمن باب الأولى، قد أحاطت أخلاقه بتعريفات أولئك، ولا بأس حينئذ أن نذكر تعريفًا للأخلاق عند المسلمين، يقول مقداد يالجين معرفًا الأخلاق في نظر الإسلام بقوله: "هي عبارة عن مجموعة المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني التي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان، وتحديد
(١) عبد القاهر الجرجاني "التعريفات" (١٠٤)، وكذلك الفخر الرازي "التفسير الكبير" (١٥/ ٦٤٩ - ٦٥٠)، وانظر الطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٢٩/ ٦٣).
1 / 29