يا لها من نبوءة صادقةٍ؛ فهذا الكلام هو وصفٌ دقيق لأحداث مايو/ أيار (١٩٦٨) ولهيجان الشباب الذي رافقها، قد صدر عن (مورين) قبل عشر سنوات من هذه الأحداث.
إنها نظرةٌ تشخيصيةٌ دقيقةٌ. لكن (أدغار مورين) يستخلص منها علاجًا يتسم بالمخاطرة، أو هو على الأقل غير كامل؛ حينما يحدد له نتيجة وحيدة هي قوله: «يجب أن نعيش حضارة الرفاهية في العمق، وهذه يجب أن تتحقق في حضارة الوفرة لكي تنشئ نقدها الذاتي وأبعادها المستقبلية الخاصة بها».
إن هذه الخاتمة البركانية تنطوي على شيء من التناقض. فحينما يوصي (مورين) بأن يترك الداء حتى يصل إلى منتهاه فينتج بنفسه دواءه؛ فذلك يعني أنه في تشخيصه لم يأخذ باعتباره أي علاجٍ له.
وفي هذه الحالة قد يأتي (النقد الذاتي) - كما حدث في باريس (١٩٦٨) - في شكل معارضةٍ لا تبتغي الإصلاح، بل ترسخ فوضى لا هدف لها سوى الفوضى، معارضة لا تكون تحريرًا وعتقًا من عبودية الأشياء وإنما تفجيرًا للأفكار في المدينة.
وقبل أن يكون الداء اجتماعيًا هو داءٌ نفسيٌ، وهو لا يكن في درجة إشباع مجتمع لأنه يستهلك؛ ولكنه يكن في اتجاه علاقة الفكرة بالشيء في وعيه، ذلك الاتجاه الذي يستطيع أن يتحول نحو الفكرة أو نحو الشيء.
إن اختلال توازن هذه العلاقة لصالح الشيء: هو الذي ولّد الاضطراب الذي لا يقتصر على نطاق الدول التقدمة؛ وخاصةً منها المشبعة بالأشياء، بل يمتد أيضًا إلى البلاد الأقل (استهلاكًا) كالاتحاد السوفياتي.
إننا نعلم شيئًا، من ذلك عبر المناقشة المفتوحة والتي جرت على صفحات