The Precious Collection on the Ruling of Supplicating to Other than the Lord of the Worlds
المجموع الثمين في حكم دعاء غير رب العالمين
Noocyada
وقال أيضًا: "والآيات المنكرة على المشركين دعاء غير الله وكونه عبادة لهم وشركًا من الله كثيرة.
ولكن المضلين للعوام من المسلمين يقولون لهم: لا بأس بدعائكم للأولياء والصالحين عند قبورهم، والتضرع والخشوع عندهم، فإنّ هذا توسّل بهم إلى الله ليقربوكم منه بشفاعتهم لكم عنده لا عبادة لهم.
وهذا تحكّم في اللغة وجهلٌ بها، فأهل اللغة كانوا يسمون ذلك عبادة، والوسيلة في الدين هي غاية للعبادة، فإن معناها القرب منه تعالى، والتوسل طلب ذلك، فهو التقرب منه بما يرتضيه، وإنما يكون بما شرعه من عبادتك له دون عبادة غيرك ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾.
والذين عبدوا الملائكة والأنبياء والأولياء كانوا يقصدون بدعائهم أن يقربوهم إلى الله زلفى وأن يشفعوا لهم عنده، ويعتقدون أنهم لا يملكون نفعهم ولا كشف الضر عنهم بأنفسهم، بل ذلك هو الله الذي يجير ولا يجار عليه، وآيات القرآن صريحة في ذلك.
نعم إنّ طلب الدعاء من المؤمنين مشروع من الأحياء دون الأموات، ويسمى في اللغة توسلا إلى الله لأنه قد شرعه، ومنه توسل عمر والصحابة بالعباس، بدلا من النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وإنما كان ذلك بصلاة الاستسقاء وما يشرع بعدها من الدعاء.
فإذا قيل لهم هذا قالوا إنّ ما ورد من ذمّ دعاء غير الله والتقرب به إلى الله خاص بالمشركين، وما يعاب من المشركين لا يعاب من المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فأنتم تحملون الآيات في المشركين على المؤمنين.
وهذا القول جهلٌ فاضح منهم، فإنّ الله تعالى ما ذم الشرك إلا لذاته، وما ذم المشركين إلا لأنهم تلبسوا به، وإن الذين أشركوا من أهل الكتاب ما كانوا إلا مؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولكن ما طرأ عليهم من الشرك أحبط إيمانهم، وكذلك يحبط إيمان من أشرك من المسلمين بدعاء غير الله، أو بغير ذلك من عبادة سواه، وإن لم يشرك بربوبيته، بأن كان يعتقد أنه هو الخالق المدبر لأمر العباد وحده، فهذا الإيمان عام قلّ من أشرك فيه، فتوحيد الإلهية هو إخلاص العبادة لله والتوجه فيها له وحده دون غيره من الأولياء والشفعاء المسخرين بأمره ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ " (^١).
(^١) المصدر السابق (٨/ ٤٠٨).
1 / 93