The Precious Collection on the Ruling of Supplicating to Other than the Lord of the Worlds
المجموع الثمين في حكم دعاء غير رب العالمين
Noocyada
ومن ذهب إلى الاستغاثة بالموتى فقد شرع له دينًا لم يؤذن له به، وليس معه في الاستغاثة بهم سوى فعل بعض المتأخرين وكلامهم ممن ليس هو معدود من أهل الإجماع والاختلاف، فليس معه تقليد المقلدين ولا اجتهاد المجتهدين، ومن ابتدع بدعة في الدين بدون اجتهاد أهل الاجتهاد أو التقليد لأهل الاجتهاد كان من أهل الضلال والغي لا من أهل الهدى والرشاد.
وأما السؤال بهم فغاية ما معه فيه قول بعض العلماء مع منازعة غيره له فيه وقد قال تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾، وقد نص غير واحد من العلماء على أنه لا يجوز السؤال لله بالأنبياء والصالحين فكيف بالاستغاثة بهم، مع أن الاستغاثة بالميت والغائب مما لا نعلم بين أئمة المسلمين نزاع في أن ذلك من أعظم المنكرات، ومن كان عالما بآثار السلف علم أن أحدا منهم لم يفعل هذا، وإنما كانوا يستشفعون ويتوسلون بهم بمعنى أنهم يسألون الله لهم مع سؤالهم هم لله، فيدعو الشافع والمشفوع له كما قال
عمر بن الخطاب: «اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا» " (^١).
وقال أيضًا: "فإن المستغيث بالنبي ﷺ طالب منه وسائل له، والمتوسَّل به لا يُدعى ولا يُطلب منه ولا يُسأل، وإنما يُطلب به، وكل أحد يفرِّق بين المدعو والمدعو به.
والاستغاثة طلب الغوث وهو إزالة الشدة كالاستنصار طلب النصر والاستعانة طلب العون، والمخلوق يطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه منها ...
وقول القائل: إنّ من توسل إلى الله بنبي، فقال: أتوسل إليك برسولك فقد استغاث برسوله حقيقة في لغة العرب وجميع الأمم، قد كذب عليهم، فما يعرف هذا في لغة أحد من بني آدم، بل الجميع يعلمون أن المستغاث مسؤول [به] مدعو، ويفرّقون بين المسؤول والمسؤول به" (^٢).
وقال أيضًا: "وأما من يأتي إلى قبر نبي أو صالح، أو من يعتقد فيه أنه قبر نبي أو رجل صالح وليس كذلك، ويسأله ويستنجده فهذا على ثلاث درجات:
إحداها: أن يسأله حاجته مثل أن يسأله أن يزيل مرضه أو مرض دوابه أو يقضي دينه أو ينتقم له من عدوه أو يعافي نفسه وأهله ودوابه ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله ﷿، فهذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل.
وإن قال: أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي في هذه الأمور؛ لأني أتوسل إلى الله به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه وأعوانه، فهذا من أفعال المشركين والنصارى فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء يستشفعون بهم في مطالبهم، وكذلك أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ وقال ﷾: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾ ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ﴾ " (^٣).
وقال أيضًا: "والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين:
أولهما: تعظيم قبور الصالحين وتصوير تماثيلهم للتبرك بها، وهذا أول الأسباب التي بها ابتدع الآدميون الشرك وهو شرك قوم نوح ...
والسبب الثاني: عبادة الكواكب ... " (^٤).
_________
(^١) المصدر السابق (١/ ١٠٨ - ١١٢).
(^٢) مجموع الفتاوى (١/ ١٠٣ - ١٠٤).
(^٣) المصدر السابق (٢٧/ ٧٢).
(^٤) الرد على المنطقيين (ص: ٢٨٥ - ٢٨٦) دار المعرفة - بيروت.
1 / 19