The Precious Collection on the Ruling of Supplicating to Other than the Lord of the Worlds
المجموع الثمين في حكم دعاء غير رب العالمين
Noocyada
وقال أيضًا: "الوجه الخامس: أن يقال: نحن لا ننازع في إثبات ما أثبته الله من الأسباب والحكم، لكن من هو الذي جعل الاستغاثة بالمخلوق ودعاءه سببا في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى؟.
ومن الذي قال: إنك إذا استغثت بميت أو غائب من البشر نبيًا كان أو غير نبي كان ذلك سببا في حصول الرزق والنصر والهدى وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى؟ ومن الذي شرع ذلك وأمر به؟ ومن الذي فعل ذلك من الأنبياء والصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؟
فإن هذا المقام يحتاج إلى مقدمتين:
إحداهما: أنّ هذه أسباب لحصول المطالب التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى.
والثانية أن هذه الأسباب مشروعة لا يحرم فعلها، فإنه ليس كل ما كان سببا كونيًا يجوز تعاطيه، فإن قتل المسافر قد يكون سببًا لأخذ ماله، وكلاهما محرم.
والدخول في دين النصارى قد يكون سببًا لمال يعطونه له وهو محرم، وشهادة الزور قد تكون سببا لمال يؤخذ من المشهود له وهو حرام، وكثير من الفواحش والظلم قد يكون سببا لنيل مطالب وهو محرم، والسحر والكهانة سبب في بعض المطالب وهو محرم.
وكذلك الشرك في مثل دعوة الكواكب والشياطين وعبادة البشر قد يكون سببًا لبعض المطالب، وهو محرم، فإن الله تعالى حرم من الأسباب ما كانت مفسدته راجحة على مصلحته وإن كان يحصل به بعض الأغراض أحيانًا.
وهذا المقام مما يظهر به ضلال هؤلاء المشركين خلقا وأمرًا، فإنهم مطالبون بالأدلة الشرعية على أن الله ﷿ شرع لخلقه أن يسألوا ميتًا أو غائبًا، وأن يستغيثوا به، سواء كان ذلك عند قبره أو لم يكن عند قبره، والله تعالى حي عالم قادر لا يغيب، كفى به شهيدًا، وكفى به عليمًا، وهم لا يقدرون على ذلك.
بل نقول في الوجه السادس: سؤال الميت والغائب نبيًا كان أو غيره من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين.
وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين أنّ أحدا منهم ما كان يقول إذا نزلت به ترة أو عرضت له حاجة لميت: يا سيدي فلان أنا في حسبك، أو اقض حاجتي كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين.
ولا أحد من الصحابة ﵃ استغاث بالنبي ﷺ بعد موته ولا بغيره من الأنبياء لا عند قبورهم ولا إذا بعدوا عنها، وقد كانوا يقفون تلك المواقف العظام في مقابلة المشركين في القتال ويشتد البأس بهم ويظنون الظنون، ومع هذا لم يستغث أحد منهم بنبي ولا غيره من المخلوقين، ولا أقسموا بمخلوق على الله أصلا" (^١).
_________
(^١) المصدر السابق (١/ ٤٤٥ - ٤٤٩).
1 / 17