واحدةً، فَبقيت اثنتان، فأُدْغِمَت في صاحبتها. ثُمَّ أنشد الفراءُ على ذلك ثلاثة شواهد شعرية. الأول منها قول الشاعر (١):
وإِنِّي لَمِمَّا أُصدرُ الأمرَ وجْهَهُ ... إذا هو أعيا بالسَّبيلِ مَصادرُهْ (٢)
والشاهد في قوله: «لَمِمَّا»، أصلها «لَمِنْ مَا»، قُلبت النونُ ميمًا، واجتمعت ثلاثُ ميماتٍ، فحُذفت الوسطى، فصارتْ «لَمِمَّا». و«ما» على هذا القول بِمَعنى «من». وما ذهب إليه الفراء في توجيه هذه القراءة ردَّهُ بعضُ النحويِيْن، كابن الحاجب فقال: «وهذا بعيد لا ينبغي أَن يُحملَ عليه كتابُ الله، فإِنَّ حذفَ مثل هذه الميم استثقالًا لم يثبت في كلامٍ ولا شعرٍ، فكيف يُحملُ عليه كتابُ الله تعالى» (٣). واختار ابنُ الحاجب أَنَّها لَمَّا الجازمةُ حُذِفَ فعلُها للدلالة عليه، والتقديرُ: لَمَّا يهملوا أو لَمَّا يُتركوا؛ لدلالة ما تقدم من قوله: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٥] (٤)، ثُمَّ ذكر الأشقياءَ والسعداءَ ومُجازاتِهم، ثم بَيَّنَ ذلكَ بقوله: ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [هود: ١١١]، ثُمَّ ختم بقوله: «وما أَعرفُ وجهًا أشبه من هذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهةِ أن مثله لم يقع في القرآن، والتحقيقُ يأَبَى استبعادَهُ لذلك» (٥)، وقالَ بِمِثله أبو حيان (٦).
٢ - الشاهد الثاني الذي أورده الفراء قول الشاعر (٧):
كأنَّ مِنْ آخِرِها إِلقادِمِ ... مَخْرِمَ نَجْدٍ قارعَ المَخارِمِ (٨)