The Parables of the Quran Illustrating Faith in God
الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله
Daabacaha
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٤هـ/٢٠٠٣م
Goobta Daabacaadda
المملكة العربية السعودية
Noocyada
المجلد الأول
المقدمة
...
الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله
"مع نماذج من بعض الأمثال"
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ ١.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣.
أما بعد:
فبتوفيق من الله وفضل تم قبولي في الدراسات العليا، المرحلة العالمية
_________
١ سورة آل عمران آية (١٠٢)
٢ سورة النساء آية (١)
٣ سورة الأحزاب آية (٧٠ - ٧١) .
1 / 9
العالية "الدكتوراه" بقسم العقيدة، بكلية الدعوة وأصول الدين، التابعة للجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، بتاريخ ٧/٧/ ١٤١٤ هـ.
وكان عليَّ أن أختار موضوعًا ليكون البحث فيه لنيل الدرجة المذكورة.
وقد تم بتيسير الله اختيار موضوع هام، بعنوان: "الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للركن الأول من أركان الإيمان الستة "الإيمان بالله"".
وكان سبب اختيار الموضوع هو: الأهمية العظيمة للأمثال القرآنية عامة، والإيمانية منها خاصة.
1 / 10
أهمية الموضوع:
يكتسب الموضوع أهميته من أهمية القرآن الكريم، حيث إنه في أمثاله وهي جزء منه.
كما يكتسب أهمية بالغة من جهة أخرى حيث يتعلق بأشرف العلوم، الإيمان بالله.
ويكتسب أهمية من جهة ثالثة حيث يبحث في الأمثال التي لها منزلة وأهمية كبيرة بين أساليب البيان.
فللأمثال في اللغة مكانة رفيعة لما لها من دور بارز في الإقناع، وسرعة التفهيم، وإزالة الإشكال.
وأحسن الأمثال هي أمثال القرآن الكريم لما حوته من المعاني الحسنة، والدلائل العميقة، المتضمنة للحكمة، ودلائل الحق في المطالب العالية.
"وغاية المثل القرآني: إصلاح النفوس، وصقل الضمائر، وتهذيب الأخلاق، وتقويم المسالك، وتصحيح العقائد، وتنوير البصائر، والهداية إلى ما فيه خير الفرد، وصلاح الجماعة، والتنبيه إلى المساوئ لتجتنب، وإلى المحاسن لتقبل عليها النفوس الطيبة، والقلوب الزكية"١.
والأمثال في القرآن الكريم من تصريف الآيات الَّذِي ورد في القرآن الكريم، كما قَال تعالى:
_________
١ أمثال ونماذج بشرية من القرآن الكريم، أحمد بن محمد طاحون (١/ ١٠٤) .
1 / 11
﴿انظُرْ كَيفَ نُصَرِّفُ الآياتِ ثُمَّ هُم يَصْدِفُون﴾ ١.
وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا﴾ ٢.
وتصريف الآيات يشمل تنويع الحجج والبراهين على قضية واحدة، فيؤتى للقضية الواحدة بأكثر من دليل وبرهان، فتتابع عليهم الحجج وتُصرَّف لهم الأمثال والعبر.٣
ويشمل تصريف الآيات تنويع الأساليب، فيؤتى بالدليل الواحد بأكثر من أسلوب: فتارة بالخبر، وتارة بالاستفهام، وأخرى بالنفي والإثبات، وأحيانا بضرب الأمثال أو القصص، ونحوها. وكل ذلك وارد في القرآن.
فالأمثال جزء من البيان الإلهي، تسهم في إبراز الحقائق الإيمانية من خلال أسلوبها المتميز الفعال في تشخيص الحقائق والإقناع، والفصل عند الاشتباه والخلاف. وخاصة قضايا الإيمان التي وقع فيها الخلاف: كالأصول التي ينبني عليها الإيمان بالله، وأسباب الهدى والضلال، وتوحيد
_________
١ سورة الأنعام آية (٤٦) .
٢ سورة الإسراء آية (٨٩) .
٣ انْظر: جامع البيان، لابن جرير، (٥/ ١٩٥) .
1 / 12
الألوهية وما يضاده من الشرك، والبعث بعد الموت، وحقيقة الأنبياء والأولياء وأن ليس لهم ولا فيهم من خصائص الألوهية شيء، وحال الدنيا وسرعة زوالها وسوء عاقبة الاغترار بها، ونحو ذلك من القضايا الهامة.
والأمثال القرآنية يُفَصِّل الله بها آياته من الحجج والعبر والمواعظ، ونحوها. بين الله ذلك - سبحانه - بعد أن أورد مثلا لبيان حال الدنيا وما تؤول إليه، حيث قَال ﵎: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ١.
وقد أشاد الله سبحانه بأمثال القرآن مبينا أنه اشتمل على كل مثل من الحق يحتاجه الناس، وأن السبيل قد استبان بتلك الأمثال. وما بقي على الناس إلا أن يتفكروا بها ويتذكروا.
قَال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ ٢.
_________
١ سورة يونس آية (٢٤) .
٢ سورة الكهف آية (٥٤)
1 / 13
وقال: ﴿وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ﴾ ١.
وقال: ﴿وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ﴾ ٢.
وبين سبحانه أن الأمثال من حجته البالغة على عباده. وأنه لم يعذب أمة بتكذيبها إلا بعد أن بين لها الأمثال.
قَال تعالى: ﴿وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ﴾ ٣.
وقال تعالى: ﴿وَكُلًاّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلًاّ تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ ٤.
وبين ﵎ أن الأمثال المضروبة في القرآن من أسباب الهداية. وأنه سبحانه يهدي بها كثيرا ممن تدبرها وانتفع بها، ويضل كثيرا ممن أعرض عنها.
_________
١ سورة إبراهيم آية (٢٥) .
٢ سورة الحشر آية (٢١) .
٣ سورة إبراهيم آية (٤٤- ٤٥) .
٤ سورة الفرقان آية (٣٩) .
1 / 14
قَال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الفَاسِقِينَ﴾ ١.
وبين سبحانه أنه ضرب للناس أمثالهم التي يتعرفون بها على الهدى والضلال، والخير والشر، والحق والباطل، وما آل إليه أهلها من العواقب الحميدة، أو النهايات السيئة الوخيمة.
قَال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا البَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾ ٢.
وأعظم أمثال القرآن أهمية، وأرفعها شأنا ومنزلة الأمثال الإيمانية، التي تبين أركان الإيمان، وتبين أسس الدين، وتعرف بالله رب العالمين، وبحقه على عباده، وغير ذلك من المطالب الإيمانية.
الحاجة إلى دراسة الأمثال القرآنية:
إن أكثر أمثال القرآن مضروبة للقضايا الكبار، والمطالب العالية، والمسائل الجليلة المتعلقة بأصول الدين، لذلك اختص أهل العلم
_________
١ سورة البقرة آية (٢٦) .
٢ سورة محمد آية (٣)
1 / 15
بفهمها وتعلقها.١
قَال تعالى:
﴿وَتَلْك الأمْثَال نَضْرِبُها للنَّاسِ وَما يَعقلهَا إِلا العَالمونَ﴾ ٢.
وفي هذا توجيه لطلاب العلم إلى تفهم وتعقل الأمثال القرآنية، وتكليف لهم بشرحها وبيانها للناس. ففيه حث على تعلمها وتعليمها، ولأجل ذلك كان النبي ﷺ يعلم أصحابه الأمثال.
قَال عمرو بن العاص ﵁: "عقلت عن رسول الله ﷺ ألف مثل".٣
قَال ابن كثير ﵀: "وهذه منقبة عظيمة لعمرو بن العاص ﵁ حيث يقول الله تعالى: ﴿وَتَلْك الأمْثَال نَضربهَا للنَّاس وَمَا يَعقِلهَا إِلا العَالمونَ﴾ "٤.
وأولى من يقوم بذلك الأقسام العلمية في الجامعات الإسلامية المتخصصة في قضايا العقيدة، التي تعتني بإبراز ما كان عليه السلف الصالح من الدين في مسائل الإيمان وما يتصل بها، كقسم العقيدة
_________
١ انْظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، (٦/٨٩ - ٩٠) بتصرف.
٢ سورة العنكبوت آية (٤٣) .
٣ رواه الإمام أحمد في مسند عمرو بن العاص، (ح١٧٧٣٣)، (١٣/٥٠٥) تحقيق / حمزة أحمد الزين، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى،١٤١٦ هـ
٤ تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، (٣/٤١٤) .
1 / 16
بالجامعة الإسلامية.
ولأجل هذه الاعتبارات مجتمعة:
- الأهمية العظيمة للأمثال القرآنية الإيمانية.
- وما أخذه الله من الميثاق على طلاب العلم من بيان القرآن للناس ومنه الأمثال.
- وما يضطلع به قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية من العناية بكل ما يتعلق بالإيمان بالله ومسائل الاعتقاد.
لأجل ذلك اخترت هذا الموضوع، وتم قبوله بالقسم والحمد لله، واستقر العنوان على ما أشرت إليه في بداية المقدمة.
ولعل من علامات التوفيق استقرار العنوان على بحث الأمثال المتعلقة بالإيمان بالله، الركن الأول من أركان الإيمان الستة، الَّذِي هو أصل الإيمان. وذلك لتأخذ دراسة الأمثال الإيمانية تسلسلها الصحيح حين تبدأ من الركن الأول من أركان الإيمان.
وقد اشتمل البحث على دراسة أمثال هي أصول في بيان أصل الإيمان، وأسباب الهداية، والضلال، ونحوها.
كما اشتمل على دراسة آيات لها علاقة بالأمثال وهي أصول في التعريف بالله، وبيان تفرده بالألوهية والربوبية وسائر صفات الكمال.
1 / 17
شرح العنوان:
"الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للركن الأول من أركان الإيمان الستة "الإيمان بالله"".
الأمثال القرآنية: تخرج به الأمثال غير القرآنية.
القياسية: تخرج به الأمثال غير القياسية كالأمثال التي بمعنى الحكم السائرة ونحوها. وينحصر البحث في الأمثال التي وردت بالقياس التمثيلي التشبيهي، أو بالقياس الشمولي، أو بقياس الأولى. ويدخل في ذلك ما تُوهِّم دخوله في أحدهما لبيان المراد به.
المضروبة: ضرب المثل إما أن يكون بقرينة لفظية، وهي لفظ "مثل" أو أحد تصاريفه، مقرونا بلفظ "ضرب" أو "اضرب" أو بدونها.
أو بقرينة معنوية، وهي ورود المثل بأسلوب التشبيه سواء ذكرت أداة التشبيه أم لم تذكر.
وبذلك تخرج الأمثال التي لم يذكر فيها لفظ مثل وليست بأسلوب تشبيه، كالقصص، وسائر الحجج الواردة في القرآن الكريم.
الإيمان بالله: المراد الركن الأول من أركان الإيمان القلبي الستة الواردة في حديث جبريل ﵇. وبذلك تخرج شعب الإيمان وأركانه الأخرى، وينحصر البحث في الأمثال المتعلقة بالإيمان القلبي الخاص بالركن الأول "الإيمان بالله".
ومعلوم أن الإيمان بالله "الركن الأول" أصل لكل شعب الإيمان.
1 / 18
وكمالها داخل في الإيمان الكامل.
وعليه فإن الأمثال الداخلة في هذا النوع هي الأمثال الأصول التي تتكلم عن طبيعة أصل الإيمان، وأسباب حصوله التي هي أسباب الهداية. وعن أسباب الضلال، وعن الذات الإلهية وما لها من الكمال ونحوه.
أما المطالب الإيمانية التي يدخل أصلها في الركن الأول، وتكون تفاصيلها وكمالها داخلة في مفهوم الإيمان الكامل، فإن الأمثال المضروبة لتفاصيلها أو آثارها أو كمالها غير داخلة في هذا البحث.
وهذا ينطبق على الأمثال المضروبة لتوحيد الألوهية.
حيث إن أصله يشتمل عليه الإيمان بالله "الركن الأول"، ولكن كماله لا يتحقق إلا بالعمل وإخلاص العبادة لله. فهو داخل في مفهوم الإيمان الشامل.
1 / 19
الصعوبات:
لم أواجه صعوبة - والحمد لله - في جمع المادة العلمية فهي تتعلق بأمثال القرآن، وقد تكفلت كتب التفسير والعقيدة بحفظ أقوال أهل العلم في ذلك. إلا أن البحث لم يخل من بعض الصعوبات في جوانب أخرى من أهمها:
١- تحقيق المعنى الراجح في كثير من ألفاظ الأمثال، وما يتعلق بها استنادًا إلى الدلائل المعتبرة في المنهج المرسوم للبحث.
٢- الكيفية التي ينبغي أن ينظم عليها البحث، وتوزيع المسائل على أبوابه وفصوله ومباحثه ومطالبه، ونحوها.
ذلك أنه لم يسبق أن أفردت الأمثال الإيمانية ببحث مستقل، أو وضع لدراستها منهج مميز، ولاشك أن إبداع الشيء أصعب من محاكاته.
٣- الإحساس النفسي بصعوبة البحث لتعلقه بتفسير القرآن الكريم، وقضايا الإيمان بالله، وذلك أمر ثقيل يتطلب التثبت والبحث في المراجع الموثوقة قبل إثبات المعاني والأقوال.
٤- صعوبة المنهج المرسوم لهذا البحث الَّذِي يتطلب حصر الدلائل المختلفة على المعاني المختارة. وفي ذلك تقييد مفيد للباحث حيث يبعده عن التكلف والمجازفة، إلا أنه متعب يحتاج إلى روية وجهد.
1 / 20
المنهج المتبع في هذه الدراسة:
أولا: في مجال دراسة الأمثال:
إن المنهج الذي اتبعته في دراسة الأمثال هو المنهج التفصيلي التحليلي، وذلك أن لأهل العلم في دراسة الأمثال القرآنية طريقتين هما:
الطريقة المجملة، والطريقة المفصلة.
وقد أشار ابن القيم ﵀ إلى هاتين الطريقتين في معرض كلامه على مثل النور في قوله تعالى: ﴿مَثَلُ نُورِه كَمشْكَاةٍ﴾ ١ فقال: "وفي هذا التشبيه لأهل المعاني طريقتان:
إحداهما: طريقة التشبيه المركب وهي أقرب مأخذا، وأسلم من التكلف. وهي تشبيه الجملة برمتها بنور المؤمنين، من غير تعرّض لتفصيل كل جزء من أجزاء المشبه ومقابلته بجزء من المشبه به وعلى هذا عامة أمثال القرآن٢....
والطريقة الثانية: "طريقه التشبيه المفصل"٣.
_________
١ سورة النور آية (٣٥) .
٢ قوله: "وعلى هذا عامة أمثال القرآن" استدراك منه لقوله في أول الكلام: "وفي هذا التشبيه لأهل المعاني ... "، وذلك لكي لا يظن أن هاتين الطريقتين خاصتان بذلك التشبيه فقط، فبيّن أنهما عامتان لسائر أمثال القرآن. والله أعلم.
٣ اجتماع الجيوش الإسلامية، ص (٨) .
1 / 21
وكلا هاتين الطريقتين مهمة ومطلوبة، ولها مميزاتها.
فالأولى: أسهل وأسلم كما وصفها ابن القيم ﵀ بقوله:
"وهي أقرب مأخذًا، وأسلم من التكلف". ويناسب خطاب العامة ومن في حكمهم.
والثانية: تبيّن خاصية الأمثال في دقة التصوير وسرعة التفهيم، وإصابة المعاني، وإزالة الإشكال، وإبراز الفوائد، ونحوها.
كما تبيّن إعجاز القرآن، وبلاغته. وذلك أن الأمثال تفتح لمن يتأملها آفاقًا بعيدة من العلوم السامية، والفوائد المتعددة، يأخذ كل من يتفكر فيها من ذلك بقدر ما أعطاه الله من العلم والإدراك، وقد يجد غيره فوق ذلك. إلا أن الإحاطة بما أودع الله فيها من العلم أمر تقصر عنه عقول أولي الألباب، وتكلّ عن التعبير عنه بلاغة الفصحاء ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ ١.
ومما يؤيد أهمية المنهج التفصيلي في دراسة الأمثال أن الله أخبر أن العلماء هم الذين يعقلونها بقوله: ﴿وَمَا يَعقِلُهَا إِلا العَالمونَ﴾ ٢، وبين أن طريق ذلك هو التفكر فيها بقوله: ﴿لَعَلهم يَتَفَكرُونَ﴾ ٣. وإنما يكون ذلك بإعمال
_________
١ سورة يوسف آية (٧٦) .
٢ سورة العنكبوت آية (٤٣) .
٣ سورة الأعراف آية (١٧٦)، وسورة الحشر آية (٢١) .
1 / 22
أهل العلم عقولهم في صورة الممثَّل به، وفهم أجزائه، وما يقابلها من حال الممثَّل له، فيحصل بذلك فهمها وإدراك المراد بها، واستخلاص العبر والفوائد منها.
كما أن المنهج التفصيلي متفق مع ما أخبر الله من أنه يفصّل الآيات بضرب الأمثال. ولا يحصل التفصيل إلا بالدراسة المفصّلة لها، قَال تعالى في سورة يونس بعد أن ذكر مثلا لحال الدنيا: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ .
أما ما أشار إليه ابن القيم ﵀ من أن المنهج التفصيلي قد يحصل به تكلف في تعيين المراد بالمثل أو أجزائه، فهذا صحيح، وقد راعيت في منهج الدراسة - تلافيًا لذلك - تعدد الدلائل على المعاني المختارة. ولاشك أن قيام أكثر من دليل على معنى ما دليل على قوته، وبعده عن التكلف والمجازفة. وحاولت السير على ذلك ما استطعت، وما قد يوجد من خلاف ذلك فهو لا يدل على خلل في المنهج، وإنما يدل على ضعف الباحث وغفلته.
والمنهج الَّذِي يسره الله لهذه الدراسة لجانب من أمثال القرآن مهم حيث إنه يرسم طريقة واضحة المعالم متكاملة، تفيد في دراسة الأمثال القرآنية، والآيات الأصول الجامعة، ولم أجد فيما اطلعت عليه من المؤلفات في أمثال القرآن من انتهجه. وقد تم تطبيقه - بتوفيق الله - قدر الإمكان في الأمثال والآيات التي جرى بحثها.
1 / 23
أهم معالم المنهج:
يقوم المنهج المتبع في هذه الدراسة على المنهج التفصيلي، حيث يتم دراسة المثل، وبيان ألفاظه، وتحليل أجزائه، وبيان ما يقابلها في الممثَّل له، وتحديد المعنى المراد بالممثَّل له بمقايسته بالمعنى المستخلص من الممثَّل به، وحشد الدلائل والشواهد على ذلك حسب الخطوات الآتية:
١- دراسة السياق الَّذِي ورد فيه المثل أو الآية وتحديد دلالته، والاستفادة منها في تحديد المعاني المرادة، والترجيح بينها.
٢- تحديد صورة الممثَّل به، واعتبارها من الأدلة في تعيين الممثَّل له، وفي الترجيح بين الأقوال في ذلك.
٣- تحديد أجزاء الممثَّل به، وما يقابلها في الممثَّل له، والمناسبة بين المتقابلات، والدلائل الأخرى التي تدل على تلك المقابلة.
٤- اعتبار الدلائل اللغوية، وإيراد ما يحتاج إليه مما له أثر في إبراز المراد، من المعاني، والإعراب، والأساليب البلاغية ونحوها.
٥- إيراد شواهد المعاني المختارة من أقوال أهل العلم من المفسرين وغيرهم، والتركيز على التفاسير التي تعتني بالتفسير بالمأثور، وأقوال السلف الصالح، والمعاني المستفادة من أقوالهم، والاستفادة من التفاسير الأخرى بقدر ما تدعو إليه الحاجة، ولا ألتزم بذكر جميع الأقوال الواردة
1 / 24
في ألفاظ المثل، وإنما أكتفي بالمشهور منها، وبعض أقوال أهل العلم الدالة عليها، أو أحيل إلى المراجع التي أوردتها، وبيان الراجح منها، والإجابة عن الأقوال المشهورة المرجوحة.
٦- إيراد شواهد المعاني المختارة من نصوص الكتاب والسنة، لتكون دليلا على قوة تلك المعاني، يضاف إلى الدلائل الأخرى المتقدمة.
٧- بيان أهمية المثل، والغرض الَّذِي ضُرب من أجله.
٨- استنباط أهم الفوائد الإيمانية التي دل عليها المثل، والكلام عليها بالقدر الَّذِي أرى أنه يفي باستخلاص العبرة والحكمة منها.
ثانيا: التوثيق:
في مجال التوثيق أشير إلى اسم السورة، ورقم الآية.
وقد خرجت الأحاديث من كتب السنة، فإن كان في الصحيحين أو أحدهما فإني أكتفي بالإشارة إلى موضعه ذاكرا اسم الكتاب والباب ورقم الحديث، والجزء والصفحة. وإن كان في غيرهما ذكرت بعض كتب السنة التي أخرجته، ثم أتبع ذلك ببعض أقوال أهل العلم التي تبين درجة الحديث وصلاحيته للاحتجاج به.
أما الأقوال المقتبسة فإني أجعلها بين علامتي تنصيص، وأذكر في الهامش المرجع المقتبس منه. أما المعاني المقتبسة فإني أكتفي بوضع رقم في آخر المعنى المقتبس، وأشير في الهامش إلى المرجع المقتبس منه، مصدرًا بلفظ "انظر".
1 / 25
ثالثا: التراجم.
ترجمت للأعلام الذين ورد ذكرهم في المتن باختصار ما عدا المشاهير من الصحابة كالخلفاء الراشدين، والمعروفين منهم بكثرة رواية الحديث، والأئمة الأربعة ونحوهم، كما لم ألتزم بترجمة الأعلام المعاصرين.
1 / 26
الدراسات السابقة:
لا توجد دراسة في المؤلفات القديمة أو المعاصرة مخصصة لدراسة الأمثال الإيمانية في القرآن الكريم.
والكتب القديمة المؤلفة في أمثال القرآن لا تعتني كثيرا بالمباحث الإيمانية.١
وأوسع كتاب تناول الأمثال القياسية في القرآن هو "أمثال القرآن" للإمام ابن القيم ﵀ وهو في الأصل جزء من كتابه "إعلام الموقعين"، تكلم فيه عن الأمثال للتدليل على أن القرآن أرشد إلى القياس، فهو لم يقصد دراسة الأمثال دراسة علمية، وإنما ساقه لبيان الغرض المذكور أعلاه، وضمنها فوائد أخرى قيمة.
وهذا الكتاب هو الَّذِي استوحيت منه فكرة البحث.
أما المؤلفات الحديثة في أمثال القرآن فقد تناولتها من جوانب متعددة.
فمنها من سار على طريقة المفسرين بذكر معاني الألفاظ، والمعنى الإجمالي، وبيان المثل ونوعه، ككتاب "الأمثال في القرآن الكريم" للدكتور
_________
١ انظر لمعرفتها ومعرفة نبذة عن مناهجها:
- الأمثال في القرآن الكريم، د. الشريف منصور بن عون العبدلي، ص (٥٨-٦٨) .
- الأمثال العربية، دراسة تاريخية تحليلية، د. عبد المجيد قطامش، ص (١٤٩-١٥١) .
1 / 27
الشريف منصور العبدلي.
ومنها من درسها دراسة تربوية: مثل كتاب:"ظاهرة الأمثال في الكتاب والسنة وكلام العرب وآثارها في تربية الجيل المسلم" لمصطفى عيد الصياصنه.
ومنها كتاب وعظي تربوي شامل، فيه نقول مفيدة، ومعان إيمانية كثيرة بعنوان "أمثال ونماذج بشرية من القرآن العظيم"، لأحمد بن محمد طاحون، إلا أن مؤلفه سار به على المنهج القديم في التأليف ولم يلتزم بالمنهج العلمي، وهو يركز على "التربية وتقويم المسالك وإصلاح النفوس" كما قَال مؤلفه في المقدمة.
ومنها مؤلفات تُعنَى بالنواحي الأدبية والبلاغية لأمثال القرآن، مثل: "أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع"، للدكتور عبد الرحمن حسن حبنكه.
وهكذا فإن أمثال القرآن في البحوث الحديثة - كما وصفها أحد الباحثين١ فيها - "طرقت من ناحية اللغة، والتربية والتفسير، لكنه لا يعلم أن أحدا درسها من النواحي العقدية".
وهذا البحث إن شاء الله هو باكورة الدراسات التي تُعنى بدراسة الأمثال الإيمانية، وسنة حسنة بإذن الله لطلاب العلم في ذلك.
_________
١ هو الدكتور الشريف منصور العبدلي، أفادني ذلك مشافهة عندما اتصلت به هاتفيًا في بداية عملي في البحث عام ١٤١٤ هـ.
1 / 28