The Multiplicity of Caliphs and the Unity of the Ummah: Jurisprudence, History, and Future
تعدد الخلفاء ووحدة الأمة فقها وتاريخا ومستقبلا
Noocyada
تعدد الخلفاء ووحدة الأمَّة
فقهًا وتاريخًا ومستقبلًا
أطروحة علمية أعدَّها لنيل درجة الدُّكتوراه
في الفقه الإسلاميِّ وأصوله
الدكتور محمد خلدون أحمد نورس مالكي
١٤٣١هـ / ٢٠١٠ م
بسملة إِنَّ ﴿هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ الأنبياء / ٩٢
الإهداء إلى الحبيب الأعظم محمد ﷺ عسى الله أن يجمعني به في مستقر رحمته إلى والدي الحبيب أحمد نورس مالكي ووالدتي الحنونة نها سبع الليل حفظهما الله لَعَلي أردُّ جزءًا من فضلهما عليَّ إلى جميع أساتذتي ومشايخي وإخواني في الله وأخص بالذكر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله وأمتعنا به والدكتور مصطفى ديب البغا حفظه الله ونفعنا به
تمت مناقشة الأطروحة يوم السبت: ٢٨/ رجب /١٤٣١ هـ، الموافق ١٠/ ٧/٢٠١٠ م، من السادة الأساتذة: ١ - أ. د محمد سعيد رمضان البوطي الأستاذ في قسم الفقه الإسلامي وأصوله / جامعة دمشق / عضوًا ﴿المشرف﴾. ٢ - أ. د حمزة حمزة الأستاذ في قسم الفقه الإسلامي وأصوله / جامعة دمشق / عضوًا. ٣ - أ. د أسامة الحموي الأستاذ في قسم الفقه الإسلامي وأصوله / جامعة دمشق / عضوًا. ٤ - د. عبد اللطيف الشيرازي الصباغ الأستاذ المساعد في قسم العقائد والأديان / جامعة الملك عبد العزيز / عضوًا. ٥ - د. تيسير برمو المدرس في قسم الفقه الإسلامي وأصوله / جامعة دمشق / عضوًا.
بسملة إِنَّ ﴿هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ الأنبياء / ٩٢
الإهداء إلى الحبيب الأعظم محمد ﷺ عسى الله أن يجمعني به في مستقر رحمته إلى والدي الحبيب أحمد نورس مالكي ووالدتي الحنونة نها سبع الليل حفظهما الله لَعَلي أردُّ جزءًا من فضلهما عليَّ إلى جميع أساتذتي ومشايخي وإخواني في الله وأخص بالذكر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله وأمتعنا به والدكتور مصطفى ديب البغا حفظه الله ونفعنا به
تمت مناقشة الأطروحة يوم السبت: ٢٨/ رجب /١٤٣١ هـ، الموافق ١٠/ ٧/٢٠١٠ م، من السادة الأساتذة: ١ - أ. د محمد سعيد رمضان البوطي الأستاذ في قسم الفقه الإسلامي وأصوله / جامعة دمشق / عضوًا ﴿المشرف﴾. ٢ - أ. د حمزة حمزة الأستاذ في قسم الفقه الإسلامي وأصوله / جامعة دمشق / عضوًا. ٣ - أ. د أسامة الحموي الأستاذ في قسم الفقه الإسلامي وأصوله / جامعة دمشق / عضوًا. ٤ - د. عبد اللطيف الشيرازي الصباغ الأستاذ المساعد في قسم العقائد والأديان / جامعة الملك عبد العزيز / عضوًا. ٥ - د. تيسير برمو المدرس في قسم الفقه الإسلامي وأصوله / جامعة دمشق / عضوًا.
Bog aan la aqoon
خطبة الكتاب
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، والصلاة والسلام على مَنْ لأجله أقسم الله بالبلد، سيدنا محمد ﷺ المفدَّى بالنفس والوالد والولد، خيرِ مَنْ رَبَّه عَبَد، وأتقى من ركع وسجد، هدانا الله به إلى الطريق المستقيم وحمانا من أن نكون ممن عن صراطه شَرَدْ، أو على شرعه مَرَدْ، هدم الطاغوتَ والصنمَ، ورفع لنا بالإسلام رايةً قادت الأمم، وخفقتْ عاليًا فوق القمم، وأقام لنا دولة الحق، بالسيف لمن جالد وعاند، وبالحكمة لمن تفكر واعتبر، نهانا عن الفُرقة، ودعانا إلى الاعتصام بالوحدة، والحُكمِ بخير شريعةٍ ومِلَّة، وأَمَرَنا - إنْ أردنا الهدى والبعد عن الضلالة والردى- أن نتمسك بالقرآن والسُّنَّة والعترة، وأن نقتدي بعده بخير الأمَّة؛ الأربعةِ الخلفا، ساداتنا الحنفا، وموالينا الشُرَفا، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ﵃ وعن بقية الصحابة، الذين بذلوا الغالي والنفيس لرفع منار الدين، وحذَّرنا من اتباع طريق المغضوب عليهم أو الضالين، حتى نلقاه على الحوض، ونكون تحت ظل العرش يوم العرض.
وبعد فهذه أطروحةٌ أُعدَّت لنيل درجة الدكتوراه، تبحث في حكم تعدد الخلفاء في الفقه الإسلامي، وترصد حركة مؤسسة الخلافة، مبينةً جهد الأمة في الدفاع عن وحدتها لتبقى تحت راية واحدة، حتى شاء الله أن تغيب شمس الخلافة، لتظهر من بعدها هممُ الرجال والحصافة (١)، ولِيَبينَ الصادق الذي هو لمجد أمته ساع وقاصد، مِنَ المنافق الذي هو لعدوه موافق ومرافق، ثم بيَّنتْ هذه الأطروحة السبيلَ إلى إعلاء كلمة الله وعزة هذه الأمة ووحدتها.
وكانت انطلاقة فكرة هذه الأطروحة مع بداية الانتفاضة الثانية في فلسطين عام ٢٠٠٠ م إثر زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شارون للقدس الشريف، وما صاحبها من ضعف ظاهر في رد فعل الدول العربية والإسلامية، تجاه الاحتلال الإسرائيلي المتغطرس الذي يفتك بأخوتنا في فلسطين، الذين كانوا - ولازالوا - يستنجدون بأمتهم العربية والإسلامية، ولا يكادون يجدون مجيبًا، لأن الدول الإسلامية تفرقت وتشتت كلمتها، وتبِع كل منها اتجاهًا مختلفًا، مُؤْثرين
_________
(١) الحَصافةُ: ثَخانٌَةُ العَقْل. والحَصيفُ: الرجل المُحْكَمُ العقل. لسان العرب لابن منظور: ٩/ ٤٨ مادة (حصف).
1 / 1
مصلحتَهم على مصلحة الأمَّة.
وتأكدت ظاهرة الضعف هذه بالحدث الجلل الذي حصل للعراق الشقيق، من احتلال له من قبل القوات الأمريكية والبريطانية ومن تحالف معهما، الأمر الذي يدعو بشكل عاجل وحثيث للبحث في أسباب هذا الضعف العربي والإسلامي وتجنبه، والتوجه نحو مستقبل العزة والكرامة لهذه الأمة المظلومة التي تكالب عليها الناس من أطراف الأرض، فلا يجوز الاكتفاء بردود الأفعال، بل لا بد من تأسيس عمل جاد يدفع عن هذه الأمة طمعَ أعدائها بها، فولدت هذه الأطروحة من رحم الواقع الأليم، تطلعًا نحو فعل يقي الأمة الإسلامية غوائل القادم من غدر أو احتلال.
مما سبق من كلام تتبين أهمية الفكرة التي يتناولها البحث وحجمها؛ أما أهميتها فتتجلى في أنها لا زالت قضية الساحة، وإن اختبأت خلف الكلمات حينًا وأسفرت على ألسنة المفكرين والسياسيين حينًا آخر، وأما حجم فكرة الوحدة فهو كبير جدًا؛ كبيرٌ من الناحية التاريخية، لأنه يمتد من فجر الإسلام حتى اليوم، وكبير من الناحية السياسية، فأي حديث - فضلًا عن العمل- عن وحدةٍ بين الدول الإسلامية تحت أي اسم يثير خوف دول الغرب والشرق، ويحرك ذاكرتهم نحو دولة الخلافة التي بذلوا الكثير ليحطموها، لأنها كادت وأكثر من مرة أن تحول قارة أوروبا إلى قارة إسلامية، مما يعني اضمحلال حضارتهم إلى الأبد، حتى صار السعي إلى إقامة دولة إسلامية - فضلًا عن الخلافة - تهمة يتهمون بها من يريدون محاربته حربًا لا هوادة فيها.
خطة البحث:
جاءت هذه الأطروحة مقسَّمة على أربعة أبواب:
الباب الأول: تعاريف ومقدمات فقهية لا بد منها، وجاء مشتملًا على فصلين:
الفصل الأول: التعاريف ويشتمل على أربعة مباحث:
١ - المبحث الأول: تعريف الخليفة لغة وشرعًا.
٢ - المبحث الثاني: تعريف الخلافة لغة وشرعًا.
٣ - المبحث الثالث: تعريف الإمام لغة وشرعًا.
٤ - المبحث الرابع: تعريف الإمامة لغة وشرعًا.
1 / 2
الفصل الثاني: مقدمات فقهية لابد منها: ويشتمل على ثلاثة مباحث:
١ - المبحث الأول: حكم إقامة الخلافة ودليله.
٢ - المبحث الثاني: هل الخلافة من مباحث علم الكلام أو من فروع الفقه؟
٣ - المبحث الثالث: عمن تكون الخلافة؟
الباب الثاني: تعدد الخلفاء من المنظور الفقهي: ويتضمن ثلاثة فصول:
الفصل الأول: التمهيد: وفيه ثلاثة مباحث:
١ - المبحث الأول: معنى الخلافة الكاملة والخلافة الناقصة.
٢ - المبحث الثاني: دلالة حديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين».
٣ - المبحث الثالث: الأحداث التي استند إليها الفقهاء في مسألة التعدد.
الفصل الثاني: الشروط والواجبات ونظرية الضرورة وفيه ثلاثة مباحث:
١ - المبحث الأول: الشروط الواجب توفرها في الخليفة.
٢ - المبحث الثاني: واجبات الخليفة أو الأحكام المنوطة به، ومن يقوم بتنفيذها عند تعدد الخلفاء أو عند فقد الخليفة.
٣ - المبحث الثالث: نظرية الضرورة وبعض تطبيقاتها السياسية.
الفصل الثالث: حكم تعدد الخلفاء: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: من لم يجوز تعدد الخلفاء أو أجازه بشروط:
أولًا: حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى المكان.
ثانيًا: حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى الزمان.
المبحث الثاني: من أجاز تعدد الخلفاء مطلقًا.
المبحث الثالث: الأدلة.
الباب الثالث: تعدد الخلفاء في التاريخ الإسلامي والتكييف الفقهي لذلك: ويتضمن فصلين:
١ - الفصل الأول: الخلاف بين عبد الله بن الزبير ﵁ والأمويين.
1 / 3
٢ - الفصل الثاني: الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية والخلافة الأموية في الأندلس. ويشتمل على ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: الخلافة العباسية.
- المبحث الثاني: الخلافة الفاطمية.
- المبحث الثالث: الخلافة الأموية في الأندلس.
الباب الرابع: التعدد والوحدة في المستقبل
ويشتمل على أربعة فصول:
- الفصل الأول: منظمة المؤتمر الإٍسلامي.
- الفصل الثاني: جامعة الدول العربية.
- الفصل الثالث: رابطة العالم الإسلامي.
- الفصل الرابع: سبل تحقيق الوحدة.
منهج البحث:
تختلف مناهج البحوث باختلاف طبيعة البحث المراد دراسته، كما أنها قد تتعدد في البحث الواحد، وذلك حسب طبيعة الموضوعات التي تتناولها أبواب البحث أو فصوله.
وبما أن هذه الأطروحة قد تعددت فيها الموضوعات الرئيسة التي تتناولها، فقد استدعى هذا التعددُ التعاملَ مع أكثر من منهج - تبعًا لطبيعة الأطروحة الفقهية والتاريخية والسياسية - فقد ألحق كثير من العلماء الكلامَ على الخلافة والإمامة بكتب العقيدة، وألحقها بعضهم بالفقه، كما أن للدراسة ارتباطًا قويًا بالحديث وشروحه، وبالتفسير، وبالتاريخ، وبالتراجم والسير وغيرها.
لهذا فقد اتبعت في البابين الأول والثاني المنهجَ الاستقرائي في تتبع الأحكام الفقهية، ثم المنهجَ المقارِن في مقارنة الآراء في المسائل والموضوعات المختلفة للتوصل إلى فهم الفروق فيما بينها، وفيما تتفق فيه وفيما تختلف، كما استخدمت المنهج التحليلي لتحليل الآراء ووجهات النظر، وتجزئتها وتفكيك أفكارها للتوصل إلى ما به تفرد وتمييزه عما به اشتراك.
1 / 4
وفي البابين الثالث والرابع اتبعت المنهج الوصفي والتحليلي في النظر في الوقائع والآراء للتوصل إلى دقائق العلم في موضوع الأطروحة، كما اتبعت المنهج الاستنتاجي - عند الكلام على كيفية تحقيق الوحدة - في البناء على كل ما سبق للتوصل إلى الآراء الخاصة التي إن أصابتْ فبتوفيق من الله وإن أخطأَتْ فمن نفسي المقصرة.
سالكًا في كل ذلك - جهد استطاعتي - سبيل النزاهة والموضوعية دون حيف أو ميل لرأي أو دليل.
وقد تضمن منهج البحث الأمور التالية:
١ - عزو الآيات إلى مواضعها من القرآن الكريم، وتصنيف أوائلها على الترتيب الألفبائي في فهرس ملحق بآخر الأطروحة.
٢ - تخريج الأحاديث تخريجًا مفصلًا وبيان درجتها في الأغلب، وتصنيف أطرافها على الترتيب الألفبائي في فهرس ملحق بآخر الأطروحة.
٣ - الرجوع إلى الكتب والمصادر الفقهية والعقدية والتاريخية المعتمدة في كل مذهب، وقد أعزو - إضافة إلى كتبهم - إلى غير كتب أهل هذا المذهب للتأكيد على مذهبهم، ثم تصنيف المصادر على الترتيب الألفبائي تبعًا لاسم المؤلف، في فهرس ملحق بآخر الأطروحة.
٤ - وزن أغلب الأبيات الشعرية، وتصنيفها على الترتيب الألفبائي في فهرس ملحق بآخر الأطروحة.
٥ - وضع فهرس للأعلام للدلالة على أماكن ورودها في الأطروحة، وتصنيفها على الترتيب الألفبائي، وإذا تكرر اسم العَلَم في الصفحة الواحدة أضع حرف (م) أي مكرر، بعد رقم الصفحة.
٦ - ترجمة أغلب الأعلام الواردة في الأطروحة، وخاصة من كان له رأي بموضوع الأطروحة، وتصنيف هذه الأعلام على الترتيب الألفبائي في فهرس ملحق بآخر الأطروحة.
٧ - ترجمة الفرق والمذاهب الواردة في الأطروحة، وتصنيفها على الترتيب الألفبائي في فهرس ملحق بآخر الأطروحة. وقد جعلت فهرسي التراجم والفرق في آخر الرسالة تخفيفًا عن الحواشي.
1 / 5
٨ - شرح المفردات الغريبة.
٩ - التعريف بالأماكن الوارد ذكرها خلال البحث.
مع الإشارة دائمًا إلى مصدر المعلومة، وقد أكثرت من العزو إلى المصادر في كثير من المواضع لتكون الأطروحة دليلًا ومرشدًا لهذه المصادر يستفيد منه الباحثون وطلبة العلم، في موضوع الأطروحة.
صعوبات البحث:
وقد واجهتُ صعوبات جمة أثناء بحثي في هذا الموضوع، منها ما هو عائد لظروف شخصية، دفعتني إلى السفر بحثًا عن الرزق، وما تبعه ذلك من البعد عن المكتبات العامة، سواء في قطر أو في السعودية، حيث أنني لم أتمكن من الوصول إلى المكتبات العامة في قطر لسنة كاملة، وكنت أسافر مسافة ٥٠٠ كم لأصل إلى مكتبة الملك فهد في الرياض في المملكة العربية السعودية.
ومن الصعوبات التي واجهتني في موضوعي هذا فيما يتعلق بالباب التاريخي، أنني وجدت نفسي أثناء تتبعي لحالات تعدد الخلفاء في التاريخ، أمام تاريخ ممتد على أزمنة طويلة جدًا، وله جذور طائفية وقبلية وعرقية كبيرة، بل وله صلة بالصراع مع أتباع الأديان السماوية السابقة، أو أصحاب الدول التي قضى عليها الإسلام كالفارسية مثلًا.
كما واجهتني صعوبات أخرى خلال عملي إضافة لما سبق، لم أتخيل - في البداية - أنني مقبل على السير فيها، وهي كحقول من الألغام المختلفة، لم يكن قصدي عند اختياري لهذا البحث أن أفتح ملفاتِها، فقد كان كلُّ همي الخروجُ من حالة الضعف المهينة التي تعيشها أمتنا اليوم، ولكني وجدت نفسي مضطرًا لتناولها كدراسة الفتنة بين سيدنا علي وسيدنا معاوية رضي الله تعالى عنهما وعن جميع صحابة رسول الله ﷺ، وأن أدرس آراء الفرق الإسلامية المختلفة، التي تكلمت في موضوع الخلافة، صحيح أن بعض هذه الآراء قد بات اليوم مجرد دراسة أكاديمية، لأن قائليها قد انتهوا مع مرور الزمن، ولكنه ليس خافيًا على أحد أن بعض هذه الآراء لا زال حيًا إلى اليوم، فهي قضية قديمة جديدة، لا زالت تتفاعل فصولًا حتى يومنا هذا.
فكان عليَّ -لأعطي هذا البحث حقه- أن أرجع إلى عدد كبير من العلوم
1 / 6
الإسلامية ومصادرها المختلفة، ككتب الفقه، والعقيدة، والحديث وشروحه، والتفسير، والتراجم، والتاريخ، والسياسة، وغيرها، وأن أرجع كذلك إلى كتب الفرق الإسلامية المختلفة، ككتب الإمامية والإسماعيلية والزيدية والمعتزلة، وأن أبين آراء الخوارج، وأن أخوض أيضًا في عالم جديد لا يقل توسعًا عن عالم الكتب، وهو عالم الإنترنت، وغير ذلك من التشعبات التي اضطررت للخوض فيها.
الدراسات السابقة:
لم أعلم - عند اختياري للبحث - أن هناك من تناول هذه الفكرة منذ سقوط الخلافة حتى اليوم، بالبحث والدراسة بشكل علمي متخصص مستقل معتدل غير منحاز لجهة أو لأخرى، صحيح أن من تكلم في فكرة الخلافة كثيرون، سواء أكان هذا الكلام نقدًا أو دفاعًا، ولكن تناولَها بشكل أكاديمي متخصص كان شبه معدوم، ثم تبين لي أن هناك رسالة ماجستير بعنوان: حكم تعدد الخلفاء (وحدة رئاسة الدولة) للأستاذ حسن عبد الغني أبو غدة، نوقشت في جامعة الأزهر عام ١٩٧٨م بإشراف الدكتور محمود العدوي، وهي لم تطبع ولا زالت حبيسة الأدراج ومكتوبة على الآلة الكاتبة، وقد علمت فيما بعد أنها في طور الطباعة قريبًا.
وقد تقاطعت هذه الرسالة مع أطروحتي في عدد من المواضيع، ولكنها كانت مختصرة (في حوالي ١٢٠ صحيفة) وكانت محصورة في إطارها الفقهي، لم تتجاوزه إلى التاريخ أو المستقبل، وهي -على كل حال- جهد مشكور طيب.
شكر خاص: ولا يفوتني أن أشكر كل من ساعدني في إنجاز هذا البحث وإخراجه إلى النور، وأخص بالشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي المشرف على الرسالة، والسادة أعضاء اللجنة الذين تفضلوا وقبلوا مناقشة الأطروحة، وخاصة فضيلة الدكتور عبد اللطيف الشيرازي الصباغ الذي قدم لي توجيهات مهمة، وبذل جهده ووقته في مساعدتي، وأشكر كلية الشريعة بجميع العاملين فيها، وجامعة دمشق، وبلدي الغالي الطيب المعطاء سوريا، وأولي الأمر فيه العاملين على نصرته وعزته، والمحافظين على دينه وأخلاقه، وأقدم شكرًا خاصًا لصهري الأخ محمد درويش الكردي لمساعدته لي عندما كنت أسافر إلى الرياض وأنزل في بيته.
1 / 7
الباب الأول
تعاريف ومقدمات فقهية لا بد منها
الفصل الأول: التعاريف:
ويشتمل على أربعة مباحث:
١ - المبحث الأول: تعريف الخليفة لغة وشرعًا.
٢ - المبحث الثاني: تعريف الخلافة لغة وشرعًا.
٣ - المبحث الثالث: تعريف الإمام لغة وشرعًا.
٤ - المبحث الرابع: تعريف الإمامة لغة وشرعًا.
الفصل الثاني: مقدمات فقهية لا بد منها:
وتشتمل على ثلاثة مباحث:
١ - المبحث الأول: حكم إقامة الخلافة ودليله.
٢ - المبحث الثاني: هل الخلافة من مباحث علم الكلام أو من فروع الفقه؟
٣ - المبحث الثالث: عمن تكون الخلافة.
1 / 8
الفصل الأول
التعاريف
ويشتمل على أربعة مباحث:
١ - المبحث الأول: تعريف الخليفة لغة وشرعًا.
٢ - المبحث الثاني: تعريف الخلافة لغة وشرعًا.
٣ - المبحث الثالث: تعريف الإمام لغة وشرعًا.
٤ - المبحث الرابع: تعريف الإمامة لغة وشرعًا.
1 / 9
المبحث الأول: تعريف الخليفة لغةً وشرعًا
تعريف الخليفة لغة:
الخليفة أو الخليف فعيل بمعنى فاعل، أو فعيل بمعنى مفعول (١)، والهاء للمبالغة كعلاَّم وعلاَّمة، ونسَّاب ونسَّابة، وهو قول الفراء (٢)، أو هي للنقل (٣). وقيل: لتأنيث الصيغة (٤).
١ - «فإن قلنا هو فعيل بمعنى فاعل - كعليم بمعنى عالم، وقدير بمعنى قادر- كان المعنى: أنَّه يخْلُف مَنْ قَبْلَه، وعليه حَمَلَ قولَه ﷿: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ (خَلِيفَةً﴾ البقرة/٣٠، مَنْ قال: كان الجنُّ أو الملائكةُ قَبْلَ آدم ﷺ في الأرض وإنَّه خلفهم فيها، واختاره أبو جعفر النحاس (٥) في كتابه صناعة الكُتَّاب، وعليه اقتصر البغوي في شرح السُّنَّة (٦) والماوردي في الأحكام السلطانية (٧)» (٨). وهو قول ابن عباس والحسن (٩) وقتادة (١٠).
_________
(١) نهاية المحتاج للرملي: ١/ ٦ خطبة الكتاب.
(٢) تفسير أبي السعود: ١/ ٨١ عند تفسير الآية ٣٠ من سورة البقرة. تفسير البيضاوي: ١/ ٢٨٠. مشكل إعراب القرآن للقيسي: ١/ ٨٧. مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١٠ - ١١. صبح الأعشى للقلقشندي: ٥/ ٤١٩. صناعة الكُتَّاب للنحَّاس: ص ٩٧.
(٣) كما في تاج العروس للزبيدي: ١٢/ ١٩٤. ومعنى للنقل: أي أن الهاء علامة على نقل الكلمة من الوصفية إلى الاسمية وليست للتأنيث. وانظر: تفسير أبي السعود: ١/ ٧ عند تفسير سورة الفاتحة، و: ٢/ ١٦١ عند تفسير كلمة ربيبة في قوله ﷿: ﴿وربائبكم﴾ النساء/٢٣. وفتح القدير للشوكاني: ١/ ١٤ عند تفسير الفاتحة، وغيرهم. وزاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٦٠.
(٤) مشكل إعراب القرآن للقيسي: ١/ ٨٧. مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١١. صبح الأعشى للقلقشندي: ٥/ ٤١٩. صناعة الكُتَّاب للنحَّاس: ص ٩٧.
(٥) صناعة الكُتَّاب للنحَّاس: ص ٩٦. وانظر ترجمة النحاس في فهرس التراجم: رقم (٢٢).
(٦) شرح السنة للبغوي: ١٤/ ٧٥. مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١٠. وانظر ترجمة البغوي في فهرس التراجم: رقم (٣٧).
(٧) الأحكام السلطانية للماوردي: ص ٣، ١٧. وانظر ترجمة الماوردي في فهرس التراجم: رقم (١٠٤).
(٨) صبح الأعشى للقلقشندي: ٥/ ٤١٧ - ٤١٨.
(٩) تفسير البغوي: ١/ ٦٠ عند الآية المذكورة أعلاه. تفسير البيضاوي: ١/ ٢٨٠ عند نفس الآية. تفسير القرطبي: ١/ ٢٦٣، ٢٧٤. تفسير الطبري: ١/ ١٩٩. تفسير أبي السعود: ١/ ٨٠ - ٨١. زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٦٠. تفسير الثعالبي: ١/ ٤٣. تفسير الجلالين: ١/ ٨. تفسير الرازي: ٢/ ١٦٥. العين للفراهيدي: ٤/ ٢٦٧ مادة خلف. المحيط لابن عباد: ٤/ ٣٤٦ مادة (خلف).
(١٠) تفسير القرطبي: ١/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
1 / 10
وأرى أنَّه لا يصح هذا القول لأنَّ آدم ﷺ لم يأت إلى الأرض بدلًا عن الجنِّ أو الملائكة، بل بقي الجنُّ في الأرض بعد مجيئه، كما بقيت أنواعٌ من الملائكة تنزل إلى الأرض، فهو في الحقيقة مشاركٌ لهما في سكنى الأرض وليس خَلَفًا لهما، إلا أنْ يُقال: إنَّ السيطرة أصبحت للإنسان وألجئ الجنُّ إلى الجبال والجزائر فكان هو المسيطر والخليفة دون الجنِّ.
٢ - «وإن قلنا هو فعيل بمعنى مفعول - كجريح بمعنى مجروح، وقتيل بمعنى مقتول - يكون المعنى: أنَّه يخلفه مَنْ بعدَه، وعلى هذا المعنى حَمَلَ قولَه ﷿ في حق آدم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ (خَلِيفَةً﴾ مَنْ قال: إنَّ آدم أولُ من عمر الأرض وخلفه فيها بنوه بعده» (١).
قال النَّحاس (٢): وإطلاق الخليفة على أمير المؤمنين محتمل لهذين الوجهين، وأَولاهما أنه يخلف من كان قبله. ويُجْمَعُ لفظ (الخليفة) على خلفاء بناءً على المعنى المذكَّر، ويُجْمَعُ على خلائف بناءً على اللفظ المؤنث (٣).
تعريف الخليفة شرعًا:
هو الإمام الأعظم القائم بخلافة النُّبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (٤).
وكلمة (خليفة) ليست اصطلاحًا اصطلح عليه المسلمون بعد رسول الله ﷺ كما ذكر بعضهم (٥)، فقد ورد هذا المصطلح في الشرع للدلالة على من يتبوأ منصب
_________
(١) صبح الأعشى للقلقشندي: ٥/ ٤١٨. تفسير البغوي: ١/ ٦٠. مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ٩. تفسير القرطبي: ١/ ٢٦٣. وانظر مراجع حاشية (٩) من ص (١٠). وهذا المعنى يشير إلى عدم ديمومة هذا الحال، فيُذكِّر الخليفةَ بدايةً أنَّه مخلوف، أي سيذهب ويخلُفه غيرُه، كما جاء هو خلفًا لمن كان قبْلَه، فيحثُّه ذلك على تقوى الله في منصب ذاهب غير دائم، وهو معنى جميل.
(٢) صناعة الكُتَّاب للنحَّاس: ص ٩٦.
(٣) مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١٠، ١١، ١٢. وانظر تفسير القرطبي: ١/ ٢٦٣. وتفسير البغوي: ١/ ٦٠ عند قوله تعالى: «إني جاعلٌ في الأرض خليفة» حيث ذكر الرأيين معًا. صناعة الكُتَّاب للنحَّاس: ص ٩٧.
(٤) مغني المحتاج للخطيب الشربيني: ٤/ ١٢٩ كتاب البغاة، فصل في شروط الإمام. الأحكام السلطانية للماوردي: ص٥ الباب الأول في عقد الإمامة. تحفة المحتاج للهيتمي: ١١/ ٣٤٧. نهاية المحتاج للرملي: ٧/ ٤٠٩ كتاب البغاة، فصل في شروط الإمام الأعظم. وانظر معالم الخلافة للدكتور الخالدي: ص ٢٧. الخلافة لرشيد رضا: ص ٨٧. موقع الخلافة على الإنترنت: www.khilafah.net/subdustur.php .
(٥) كما قال الخطيب في كتابه الخلافة والإمامة: ص ٢٤٢، ٣٣٧. وهو رأي الدكتور العوا الرئيس الحالي للاتحاد = = العالمي لعلماء المسلمين.
1 / 11
الخلافة في الدولة الإسلامية، فهو اسم لمتولي أمر الدولة الإسلامية لكونه يخلف النبي ﷺ في أمته، قال النبي ﷺ: «ما استُخلف خليفة إلا له بطانتان؛ بطانة تأمره بالخير وتحضُّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضُّه عليه، والمعصوم من عصم اللهُ» (١).
ولا يعني هذا عدم جواز استبدال كلمة (رئيس الدولة) أو نحوها بكلمة (خليفة) مع بقاء مضمونها الذي لا يمكن بحال من الأحوال التنازل عنه، وهذا ما رضي به عمر بن الخطاب ﵁ عندما ناداه الصحابةُ بأمير المؤمنين (٢).
وهل يشترط فيمن يخلف شخصًا آخر أن يستخلَفه الأولُ حتى يطلق عليه اسم خليفة أو لا؟
ميَّز ابن حزم بين أصل وضع الكلمة في اللغة وبين الاستعمال الشرعي لها:
- أما في اللغة فقال ﵀: «الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه المرء لا الذي يَخْلُفُه دون أن يستخلفه هو، لا يجوز غير هذا البتَّة في اللغة بلا خلاف، نقول: استخلف فلان فلانًا يستخلفه فهو خليفة فإن قام مكانه دون أن يستخلفه لم يُقل إلا: خلف فلان فلانًا يخلفه فهو خالف» (٣). وقد ذُكر في اللغة فرق آخر بين الخالف والخليفة، بأن الخالف هو الذي لا غناء عنده ولا خير فيه، وأما الخليفة فهو من يقوم مقام الذاهب ويسد مسدَّه (٤).
- وأما في الاستعمال الشرعي فقال: «الخليفة هو كل من يخْلُف شخصًا آخر، وإنْ كان لم يستخلِفه، وعزاه إلى الجمهور ورجَّحه بقوله: إنَّ الاستعمال
_________
(١) روي عن أبي سعيد الخدري في: صحيح البخاري: ٦/ ٢٤٣٨ كتاب القدر، باب المعصوم من عصم الله رقم (٦٢٣٧). وسنن النسائي الكبرى: ٥/ ٢٣٠ كتاب البيعة، باب بطانة الإمام رقم (٤٢٠١). ومسند أحمد: ١٧/ ٤٤١ - ٤٤٢ رقم (١١٣٤٢) وقال محقق الكتاب: إسناده صحيح على شرط الشيخين. و: ١٨/ ٣٤٨ رقم (١١٨٣٤) وقال محقق الكتاب: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن إسحاق وهو السلمي المروزي فمن رجال الترمذي، وهو ثقة.
(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص ٢٣، ١٣٨. تاريخ الطبري: ٢/ ٥٦٩. مقدمة ابن خلدون: ص ٢٢٧ الفصل الثاني والثلاثون. البداية والنهاية لابن كثير: ٧/ ١٥٤.
(٣) الفصل في الملل لابن حزم: ٤/ ٨٨. منهاج السنة النبوية لابن تيمية ناقلًا عن ابن حزم: ١/ ٣٠٨.
(٤) الفائق في غريب الحديث للزمخشري: ١/ ٣٩١. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ٢/ ٦٩. لسان العرب لابن منظور: ٩/ ٨٩ مادة (خلف). ومآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١٤.
1 / 12
الموجود في الكتاب والسُّنَّة يدل على أنَّ هذا الاسم يتناول كل من خَلَفَ غيره، سواء استخلفه أو لم يستخلفه، فقوله ﷿: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ يونس/١٤. وقوله ﷿: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾ الأنعام/١٦٥، وقوله ﷿: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ﴾ الزخرف/٦٠. وغيرها، يدل على الخلافة دون استخلافٍ ممن قبله. وقوله ﷿: ﴿وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾ الأعراف/١٤٢، يدل على الاستخلاف. وإن كان الغالب في الاستعمال للكلمة هو من كان خليفة عن الأول وإن كان الأول لم يستخلفه، ومعلوم أنَّ النبي ﷺ لم يستخلِف واحدًا معينًا، وكان عمر ﵃ يقول: «إنْ أستخلفْ فقد استخلَف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسولُ الله ﷺ» (١). وكان - رغم عدم استخلاف النبي ﷺ لأبي بكر ﵁ يقول لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، فعُلم أنَّ الاسم عامٌ فيمن خَلَفَ غيرَه. اهـ (٢). وهذا هو رأي ابنُ تيمية (٣)، ولكن الأمثلة التي ضربها ﵀ للدلالة على أنَّ كلمة (خليفة) تطلق على من كان خليفة دون استخلاف، إنَّما هي أمثلة لا تَدلُّ على ما استَدَل عليه منها، لأنَّ هذه الآيات كلَّها تنطق بأنَّ الله هو الذي جعلهم خلائفَ إذًا فهو المستخلِف، ولم يَخْلُفوا دون استخلاف، ولئن لم يظهر لنا كيف استخلَفهم الله فلأنَّ هذا من شؤون التدبير والقدرة الإلهية، ومظهرُها اتفاقُ الناس على خليفة (٤).
_________
(١) صحيح البخاري: ٦/ ٢٦٣٨ كتاب الأحكام، باب الاستخلاف، رقم الحديث (٦٧٩٢) عن ابن عمر. صحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب الاستخلاف وترْكُه، رقم الحديث (١٨٢٣) عن ابن عمر. المستدرك: ٣/ ١٠١ رقم (٤٥٢٦) عن ابن عمر، ولم يعلق عليه الذهبي. والترمذي في سننه: ٤/ ٥٠٢ كتاب الفتن باب ما جاء في الخلافة رقم (٢٢٢٥) عن ابن عمر. وسنن أبي داود: ٣/ ١٣٣ كتاب الخراج، باب في الخليفة يستخلف رقم (٢٩٣٩) عن ابن عمر. ومسند أحمد: ١/ ٣٩٣ في مسند عمر بن الخطاب رقم (٢٩٩) قال محقق الكتاب: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وسنن البيهقي الكبرى: ٨/ ١٤٨ كتاب قتال أهل البغي، باب الاستخلاف، عن عمر بن الخطاب، بدون رقم. ومسند أبي يعلى: ١/ ١٨٢ رقم (٢٠٦) عن ابن عمر.
(٢) المحيط في اللغة لابن عباد: ٤/ ٣٤٦ مادة (خلف). معجم متن اللغة لأحمد رضا: ٢/ ٣٢٣ مادة (خلف). لسان العرب لابن منظور: ٩/ ٨٢ - ٨٣ مادة (خلف). الصحاح للجوهري: ١/ ٣٦٥ مادة (خلف). منهاج السنة النبوية لابن تيمية: ٣/ ١٠، ٥٢٠، ٥٢١. وانظر: الإمامة من كتاب المغني للقاضي عبد الجبار: ص ١٧٢. والموسوعة الفقهية: ٦/ ٢١٦ وما بعدها (الإمامة الكبرى).
(٣) انظر ترجمة ابن تيمية في فهرس الأعلام: رقم (٥).
(٤) مما يدل صراحة أن الله هو المستخلف ما رواه البخاري في صحيحه: ٣/ ١٤٠٥ كتاب المناقب، باب هجرة = = الحبشة رقم (٣٥٨٣) عن عثمان ﵁ وفيه: «ثم استخلف الله أبا بكر».
1 / 13
وقال الشِّيعة وابن حزم: الخليفة هو من استخلفه غيره (١).
وجمع الفراهيدي المعنيين معًا فقال: الخليفة هو من استُخلف مكان مَن قبلَه، ويقوم مقامه. أي بغض النظر عن المستخلف (٢).
ولم يبين في محيط المحيط هل يشترط الاستخلاف أو لا فقال: «الخلافة هي الإمارة والنيابة عن الغير إما لغيبة المناب عنه، أو لموته، أو لعجزه، أو لتشريف المستخلف، وعلى هذا - أي التشريف- استخلف الله عباده في الأرض» (٣).
وإنني إذ أُثْبِتُ أنَّه لا بدَّ من الاستخلاف، لا أتبنى رؤية الأخوة الشِّيعة في أنَّه لا بد أن يكون الاستخلاف من صاحب الشرع مباشرة، لأنني أقول بأنَّ المستخلِف للخليفة هو الشرع ولكن بطريقٍ غير مباشر أي عن طريق الأمَّة، فالله شَرَع للأمة الإسلامية أن تستخلفَ خليفة لها بالشورى أو بالطرق الأخرى للاستخلاف والانتخاب، وبعبارة صريحة: الله هو المستخلف حقيقة (٤)، ولكنْ ظهر ذلك في قلوب العباد وإرادتهم واجتماع رأيهم على هذا الخليفةَ أو ذاك. قال ﷿: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ آل عمران/٢٦ وقال ﷺ: «إنَّ اللَّه ﷿ رضي لَكُمْ ثَلاثًا، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: رَضِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَنْصَحُوا لِمَنْ وَلاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» (٥) فذكر ﷺ أن الله هو
_________
(١) الألفين للحِلِّي: ص ٤٤ - ٤٥. منار الهدى لعلي البحراني: ص ٢٢. الفصل في الملل لابن حزم: ٤/ ٨٨. الأربعين للرازي: ٢/ ٢٦٩. وانظر ترجمة الشيعة في فهرس الفرق: رقم (١٤).
(٢) كتاب العين للخليل أحمد الفراهيدي: ٤/ ٢٦٧ مادة خلف.
(٣) محيط المحيط للبستاني: ص ٢٥٠ مادة (خلف).
(٤) ورد التصريح باستخلاف الله للخليفة في قوله ﷺ الذي يرويه البخاري في صحيحه: ٦/ ٢٦٣٢ كتاب الأحكام، باب بطانة الإمام وأهل مشورته رقم (٦٧٧٣) عن أبي سعيد الخدري ولفظه: «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان ...». ويقول الجرجاني في شرح المواقف: ٨/ ٣٥١: «البيعة عندنا ليست مثبتة للإمامة بل هي علامة مظهرة لها كالأقيسة والإجماعات».
(٥) صحيح مسلم: ٣/ ١٣٤٠ كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل، رقم (١٧١٥) عن أبي هريرة بلفظ قريب. مسند أحمد: ١٤/ ٣٣٥ رقم (٨٧١٨) بلفظه عن أبي هريرة و: ١٤/ ٧٨ رقم (٨٣٣٤) عن أبي هريرة، قال محقق الكتاب فيهما: إسناده صحيح على شرط مسلم. موطأ مالك: ٢/ ٩٩٠ كتاب الكلام، باب ما جاء في إضاعة المال رقم (١٧٩٦) عن أبي هريرة. صحيح ابن حبان: ٨/ ١٨٢ باب المسألة بعد أن أغناه الله جل وعلا عنها رقم (٣٣٨٨) عن أبي هريرة. و: ١٠/ ٤٢٣ باب طاعة الأمراء رقم (٤٥٦٠) عن أبي هريرة.
1 / 14
الذي يولي الولاة على المسلمين. ومثله ما ورد عنه ﷺ أيضًا أنه قال: «مَنْ وَلاهُ اللَّهُ ﷿ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَرَادَ بِهِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ فَإِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ» (١).
ويساعدنا على فهم هذا المعنى ما ورد عنه ﷺ مما يرويه أنس بن مالك قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنُوا عَلَيْهَا خَيْرًا فقال النبي ﷺ: «وَجَبَتْ» ثم مَرُّوا بِأخرى فَأَثْنوا عَلَيْهَا شَرًا فقال: «وَجَبَتْ». فقال عمر بن الخطاب ﵁: ما وجبت؟. قال: ... «هذا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وهذا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًا فوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ» (٢).
فحُسْنُ الثناء وضدُّه علامةٌ على ما عند الله تعالى للعبد، وإطلاق ألسنة الخلق التي هي أقلام الحق بشيء في العاجل عنوان ما يصير إليه في الآجل، ولأنَّ اجتماع الأمة على رجلٍ ما معصومٌ من الخطأ، بدليل قوله ﷺ: «لا تجتمع أمتي على ضلالة» (٣) واستدلالًا بكل الأدلة التي تفيد عصمة الأمة بمجموعها عن الخطأ.
ومعنى كلمة (الخليفة) الواردة في حديث الرسول ﷺ في دعاء السفر: «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل» (٤) فاللفظ - وإن جاء خبرًا في الجملة
_________
(١) مسند أحمد: ٤٠/ ٤٧٦ رقم (٢٤٤١٤) عن عائشة قال محقق الكتاب: صحيح وإسناده ضعيف لضعف مسلم بن خالد وهو الزنجي وعبد الرحمن بن أبي بكر وهو ابن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي وبقية رجاله ثقات. وانظر بمعناه ما رواه البيهقي في سننه الكبرى: ٤/ ١١٥ كتاب الزكاة، باب الاختيار في دفعها إلى الوالي، بدون رقم، عن ابن عمر: «ادفعوا صدقات أموالكم إلى من ولاه الله أمركم فمن برَّ فلنفسه ومن أثم فعليها».
(٢) صحيح البخاري: ١/ ٤٦٠ كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت، عن أنس بن مالك رقم (١٣٠١)، واللفظ له. ومسلم: ٢/ ٦٥٥ كتاب الجنائز، باب من يثنى عليه خير أو شر من الموتى رقم (٩٤٩) عن أنس.
(٣) رواه الترمذي في سننه: كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة رقم (٢١٦٧) عن ابن عمر. وأبو داود في سننه: ٤/ ٩٨ كتاب الفتن، باب ذكر الفتن رقم (٤٢٥٣) عن أبي مالك الأشعري. وابن ماجه في سننه: ٢/ ١٣٠٣ كتاب الفتن، باب السواد الأعظم رقم (٣٩٥٠) عن أنس بن مالك. ورواه الطبراني في مسند الشاميين: ٢/ ٤٤٢ رقم (١٦٦٣) عن أبي مالك الأشعري. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد في ٥/ ٢١٨: ... «رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى طلحة وهو ثقة».
(٤) صحيح مسلم: ٢/ ٩٧٨ كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره رقم (١٣٤٢) عن ابن = = عمر. سنن أبي داود: ٣/ ٣٣ كتاب الجهاد، باب ما يقول الرجل إذا سافر رقم (٢٥٩٨) عن أبي هريرة. والنسائي في سننه الكبرى: ٤/ ٤٦٠ كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من كآبة المنقلب حديث رقم (٧٩٣٨) عن أبي هريرة. وسنن النسائي: ٨/ ٢٧٣ كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من كآبة المنظر رقم (٥٥٠١) عن أبي هريرة. والترمذي في سننه: ٥/ ٤٩٧ كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج مسافرًا رقم (٣٤٣٨) عن أبي هريرة وقال: حسن غريب من حديث أبي هريرة. ورقم (٣٤٣٩) عن عبد الله بن سرجس وقال: حديث حسن صحيح. والدارمي في سننه: ٢/ ٣٧٣ كتاب الاستئذان، باب في الدعاء إذا سافر رقم (٢٦٧٣) عن ابن عمر. ومالك في الموطأ: ٢/ ٩٧٧ كتاب الاستئذان، باب ما يؤمر به من الكلام في السفر رقم (١٧٦٢). وأحمد في المسند: ٤/ ١٥٦ رقم (٢٣١١) عن ابن عباس، قال محقق الكتاب: حديث حسن كما قال الحافظ ابن حجر ورجاله ثقات رجال الصحيح إلا أن رواية سماك - وهو ابن حرب - عن عكرمة فيها اضطراب، و: ١/ ٤٥٥ رقم (٢٧٢٣) عن ابن عباس وغيرهم.
1 / 15
الاسمية - يفيدُ الدعاء، فكأنَّ الداعي يقول: اللهم اخلفني في أهلي أن تَلمَّ شعثهم وتداوي سقمهم وتحفظ عليهم دينهم وأمانتهم، أي أنت تقوم مقامي في إصلاح أمرهم (١).
وأما ما ورد عن أبي بكر ﵁ أنَّه جاءه أعرابي فقال له: أنت خليفة رسول الله ﷺ؟ قال: لا. قال: فما أنت؟ قال: الخليفة الذي يقوم مقام الذاهب ويسد مسدَّه، أنا الخالفة. فإنَّه قاله ﵁ تواضعًا وهضمًا لنفسه، وقد ظل الصحابة ينادونه بالخليفة لا بالخالف، لمعرفتهم بقصده هذا (٢).
المعنى العام لكلمة خليفة (ما نفهمه من كلمة خليفة):
إنَّ كلمة (خليفة) تتضمن الإشارة إلى الزمن حيث أن هناك دائمًا لاحقًا لسابق، وهي تتضمن أيضًا موضوعًا يتم الاستخلاف فيه، ووسائل تعين على هذا الاستخلاف.
فخلافة اللاحق تعني فرصته الزمنية في الحياة، وفي الخضوع لامتحان الله له، والمتمثل بامتثاله أو عدم امتثاله لأمر الله ﷾، وهذا هو الموضوع الذي تدور حوله الخلافة، وبهذا الفهم فالخلافة تكون لكل عاقل وليس فقط لرئيس الدولة، وإن انصرف الإطلاق إلى رئيس الدولة فلعظم مسؤوليته في تطبيق شرع الله تعالى.
وأما وسائل الاستخلاف فهي تلك الصفات المستعارة من الله تعالى، والتي بها أصبح الإنسان مكلفًا، وهي السمع والبصر والفؤاد وغيرها من الصفات المساعدة في مهمة الاستخلاف والمشار إليها بقوله ﷿: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
_________
(١) تحفة الأحوذي: ٩/ ٢٨٠ عند الكلام عن الحديث السابق تخريجه في الحاشية السابقة.
(٢) مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١٤.
1 / 16
وَالْأَرْضِوَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا (الْإِنْسَانُإِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ الأحزاب/٧٢. فيكون معنى الخليفة - بالنظر إلى المعاني الثلاثة التي تحويها الكلمة- هو آخِرُ مَنْ مُكِّن من تلك الصفات ليستخدمها في مهمته التي كلَّفه الله بها من الخلافة.
إنَّ الاستقراء لاستعمالات كلمة (الخليفة) وما يرادفها في كتاب الله، يوضح أنَّ بعض تلك الاستعمالات إنَّما تشير إلى الخلافة بمعنى الرئاسة والخلافة العظمى مثل قوله ﷿: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ النور/٥٥، بينما يشير بعضها الآخر إلى التكليف العام لكل الناس كقوله ﷿: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ الأنعام/١٦٥. وكقوله ﷿: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ﴾ يونس/١٤. ويجمع بين الاستعمالين أنَّ الكلَّ مستخلفٌ ولكن تختلف درجة الاستخلاف، وهذا ما تشير إليه آية الأنعام السابقة من أنَّ الله رفع الناس درجات بعضهم فوق بعض، وبالتالي فإنَّ درجة استخلافهم تختلف تبعًا لدرجاتهم.
وإذا قلتُ إنَّ الكلَّ مُستخلفّ فهذا يشمل الكفار أيضًا، فهُم قد مُلَّكوا وسائل الاستخلاف وطُلب منهم استخدامها في موضوعها الذي من أجله مُلِّكوها ولكنهم استخدموها في اتجاه معاكس، أو لم يستخدموها أصلًا.
والكفَّار والفسَّاق إِنْ تنصَّلوا من القيام بواجبهم أصبحوا جزءًا من الامتحان والفتنة التي يتعرض لها الصالحون والمؤمنون، كما أن الصالحين أصبحوا حجةً عليهم. ولا يخفى أنَّ هذا التفسير يميل إلى ملاحظة معنى النيابة التي تشير إليها كلمة خليفة، وبهذا يندفع اعتراض من رفض تسمية الإنسان أو الخليفة بأنه خليفة عن الله ظانًَّا أنَّ الخلافة إنَّما تكون عن الميت أو الغائب والله ﵎ ليس كذلك (١)، أو ظانًَّا بأنَّ الخلافة تكون بأن يَحلَّ المستخلَف مكان
_________
(١) وهو رأي الخطيب الشربيني والنووي. انظر: مغني المحتاج للخطيب الشريني: ٤/ ١٣٢. وقد أشرت إلى = = هذا الرأي وإلى من قاله عند الحديث عمن تكون الخلافة. انظر مراجع حاشية (٤) من ص (٥٥) في هذه الأطروحة.
1 / 17
المستخلِف (١)، لأنَّ للخلافة معنى آخر هو النيابة، والنيابة تكون مع وجود الأصيل، وحتى لو قلنا: إن الخليفة يقوم بما يقوم به مستخلِفه أو يحلُّ محلَّه في أمر ما، فلا تكون العلة للاستخلاف هي العجز أو الغيبة، بل تكون للامتحان من الله للمستخلَف، أو هي للتشريف والتكريم، قال الله ﷿: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ الإسراء/٧٠.
وهذا الفهم العام لكلمة خليفة يدل عليه حديث رسول الله ﷺ: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (٢).
وأعلى مراتب الخلافة خلافة الخليفة أو رئيس الدولة ثمَّ تتدرج نحو الأدنى كلما قلَّت مسؤوليةُ صاحبها، ومن هنا - وبعد انقطاع الوحي بوفاة رسول الله ﷺ فإنَّ كلمة الخليفة عند إطلاقها تنصرف إلى أمير المؤمنين ورئيسهم، إذ هو صاحب المسؤوليَّة الأعظم بين النَّاس، فهو المسؤول أمام الله تعالى عن الدفاع عن الشرع والبلاد والعباد وإقامة الحدود والقضاء بين الناس، وإن كان هذا لا يُخْلي طرَفَ الأفراد من مسؤولية الخلافة، فالخلافة هي مهمة الأمة الإسلامية أصالةً ومهمة القيادة العليا نيابةً (٣).
_________
(١) أشرت إلى هذا الرأي وإلى من قاله عند الحديث عمن تكون الخلافة. انظر مراجع حاشية (٤) من ص (١٢) في هذه الأطروحة.
(٢) صحيح البخاري: ١/ ٣٠٤ كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن رقم (٨٥٣) عن ابن عمر. صحيح مسلم: ٣/ ١٤٥٩ كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل رقم (١٨٢٩) عن ابن عمر.
(٣) انظر الخلافة والملك للمودودي: ص ١٩ وما بعدها حيث بين المودودي أن الخلافة عن الله هي خلافة جماعية وليست لفرد أو أسرة أو طبقة، فكل فرد شريك في الخلافة.
1 / 18
المبحث الثاني: تعريف الخلافة لغة وشرعًا
تعريف الخلافة لغة:
مصدر خَلَفَ يخلف خلافة، أي بقي بعده أو قام مقامه، والخلافة: اسم للمنصب الذي يتبوؤه من يخلف الرسول ﷺ في إجراء الأحكام الشرعية ورئاسة المسلمين في أمور الدين والدنيا (١). والخلافة كذلك: نيابة المرء عن غيره، إما لغيبة المنوب عنه، وإما لموته، وإما لعجزه (٢).
تعريف الخلافة شرعًا:
الخلافة والإمامة تدلان على معنى واحد عند أهل السُّنَّة (٣)، وهي عند ابن خلدون (٤): «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية، والدنيوية الراجعة إليها» (٥)، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به.
وعرَّفها التفتازاني والماوردي بأنها: «رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا، خلافة عن النبي ﷺ» (٦).
وفي مآثر الإنافة: «هي الولاية العامة على كافة الأمة والقيام بأمورها والنهوض بأعبائها» (٧).
_________
(١) معجم متن اللغة لأحمد رضا: ٢/ ٣٢٣ مادة (خلف). وانظر الموسوعة الفقهية: ٦/ ٢١٦ (الإمامة الكبرى).
(٢) مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني: ص ٢٩٤. وانظر الفكر السياسي عند الماوردي لبسيوني: ص ٨٨. ومقدمة ابن خلدون: ص ١٩١ الفصل السادس والعشرون في اختلاف الأمة في حكم هذا المنصب وشروطه.
(٣) الموسوعة الفقهية: ٦/ ٢١٦ (الإمامة الكبرى). وانظر ترجمة أهل السنَّة في فهرس الفرق رقم (٥).
(٤) مقدمة ابن خلدون: ص ١٩١. والموسوعة الفقهية: ٦/ ٢١٦ (الإمامة الكبرى). حاشية العدوي على كفاية الطالب: ١/ ١٢٨. وانظر ترجمة ابن خلدون في فهرس التراجم رقم (٨).
(٥) أي الراجعة إلى مصلحة الآخرة، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة.
(٦) شرح المقاصد للتفتازاني: ٥/ ٢٣٤، الفصل الرابع في الإمامة. شرح العقائد النسفية للتفتازاني: ص ١٦٩. والأحكام السلطانية للماوردي: ص ٥ الباب الأول في عقد الإمامة. الفكر السياسي عند الماوردي لبسيوني: ص ٨٧. المسايرة ومعه المسامرة رسالة دبلوم لحسن عبيد: ص ٣٠٢. وهناك تعريفات أخرى مشابهة في شرح المواقف للجرجاني: ٨/ ٣٤٥. وفي مقدمة ابن خلدون: ص ١٩١. وانظر فقه الخلافة للسنهوري: ص ٨٣. الموسوعة الفقهية: ٦/ ٢١٥. وانظر ترجمة التفتازاني في فهرس التراجم رقم (٦٥).
(٧) مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ٨ - ٩. وانظر: معالم الخلافة للدكتور الخالدي: ص ٢٦.
1 / 19