من الكلام - ما فاق العرب جميعا، وهو ذوو بصر بصناعة الكلام، فيعجب الرسول ﷺ بشعر النابغة الجعدي، ويقول له: "لا يفضُض الله فاك"، وبلغ من استحسانه لقصيدة (بانت سعاد) أن صفح عن كعب وأعطاه بردته، واستمع إلى الخنساء واستزادها مما تقول، وتأثر تأثرا رقيقا لشعر قُتيلة بنت النضر..١.
بل إن الأمر ليتعدى حد الإعجاب إلى الدعوة إليه؛ إذ دعا الرسول ﷺ شعراء المسلمين إلى الدعوة إلى الإسلام، وإلى هجاء المشركين الذين وقفوا في وجه الدعوة الإسلامية، فالشعر ما زال سلاحا ماضيا من الأسلحة العربية التي لا يستغني عنها صاحب دعوة.
إننا نعلم من التاريخ الإسلامي أن معركة كلامية دارت بين المسلمين والمشركين بجانب المعركة الحربية، وأن شعراء المسلمين كانوا يقفون في صف واحد أمام شعراء المشركين، كي يردوا عليهم افتراءاتهم وأباطيلهم التي كانوا يرمون بها الإسلام والمسلمين، لا سيما وأن الدعوة الإسلامية كانت بحاجة إلى من يدافع عنها ويرد عنها أعداها؛ لذلك لا نعجب إذ دعا رسول الله ﷺ شعراء المسلمين من أمثال حسان بن ثابت٢، وكعب بن مالك٣، وعبد الله بن رواحة٤ - إلى الدفاع عن الإسلام، وإلى الدعوة إليه، والإشادة بذكره وبمبادئه، وهجاء الكفر والكفار، ولا عجب - لكل هذا - إذ رأينا رسول الله ﷺ يستحسن الشعر، ويستنشده أصحابه ويمدح به، ويثيب عليه، بل ينقده ويصلح منه.
أما دعوته ﷺ شعراء المسلمين إلى الدعوة إلى الإسلام، وهجاء المشركين فيدل عليها ما روي أنه: لما كان عام الأحزاب، وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، قال الرسول ﷺ: "من يحمي أعراض المسلمين؟ " فقال كعب بن مالك: أنا يا رسول الله! وقال عبد الله بن رواحة: أنا يا رسول الله! وقال حسان: أنا يا رسول الله! فقال ﵊: "نعم اهجهم أنت (يعني حسانا) فإنه سيعينك روح القدس".
وروي أيضا أن رسول الله ﷺ قال: "أمرت عبد الله بن رواحة،