* الدَّعْوَةُ فِي الأَقْرَبِينَ:
بَدَأَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ بَتَنْفِيذِ أمْرِ ربِّهِ، فكَانَ أوَّلَ شَيْءٍ فَعَلَهُ أَنْ دَعَا جَمِيعَ ذَوِيهِ وأَهْلِ قَرَابَتِهِ، وعَشِيرَتِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، ونَفَرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَاجْتَمَعَ أرْبَعُونَ أَوْ خَمْسَة وأرْبَعُونَ رَجُلًا، فَصَنَعَ لَهُمْ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ عَلَيْهِ رِجْلُ شَاةٍ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وبَقِيَ الطَّعَامُ كَمَا هُوَ كَأنَّهُ لَمْ يُمَسَّ، ثُمَّ دَعَا بِغُمَرٍ (١) مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبُوا حتَّى رَوَوْا وبَقِيَ الشَّرَابُ كأنَّهُ لَمْ يُمَسَّ، فَلَمَّا انْتَهَوْا مِنْ طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُخْبِرُهُمْ بِمَا أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وأرَادَ ﷺ أَنْ يُكْمِلَ كَلَامَهُ ويَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَابْتَدَرَهُ أَبُو لَهَبٍ الْكَلَامَ، وَقَالَ:
هَؤُلَاءَ هُمْ عُمُومَتُكَ وبَنُو عُمُومَتِكَ فتَكَلَّمْ بِمَا تُرِيدُ وَدعَ الصُّبَاةَ (٢)، واعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِقَوْمِكَ بِالْعَرَبِ قَاطِبَةً طَاقَهٌ، وَأَنَّ أحَقَّ مَنْ أخَذَكَ فَحَبَسَكَ بَنُو أبِيكَ، إِنْ أَقَمْتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، فَهُوَ أيْسَرُ عَلَيْكَ مِنْ أَنْ تَثِبَ عَلَيْكَ بُطُونُ قُرَيْشٍ وتُمِدَّهَا العَرَبُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَاءَ عَلَى بَنِي أبِيهِ بِشَرٍّ مِمَّا جِئْتَهُمْ بِهِ.
فتَفَرَّقَ القَوْمُ، وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في ذَلِكَ المَجْلِسِ.
ثُمَّ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَانِيَةً، وصَنَعَ لَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ مِثْلَ مَا صَنَعَ أوَّلَ