من الأعمال المنجية من عذاب الله بر الوالدين
طلع النبي ﷺ عليهم في يوم من الأيام يقول: (إني رأيت الليلة عجبًا) خيرًا يا رسول الله! قال: (رأيت كأن القيامة قد قامت).
فالقيامة قد قامت بالنسبة لسيدنا الحبيب ﷺ، فهو يرى صورًا حقيقية ليس للشيطان أن يمثلها له؛ لأن كل واحد من بني آدم له شيطان يتسلط عليه قالوا: حتى أنت يا رسول الله! قال: (حتى أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم).
وليس أسلم معناها: نطق بالشهادة؛ لأن الشيطان لا يسلم ولكن معناها هنا: أسلمُ من شره (فلا يأمرني إلا بخير) وقد أراد الشيطان مرة أن يشوش على الحبيب ﷺ صلاته، قال ﷺ: (جاءني الشيطان الليلة أراد أن يلبس علي صلاتي، فما كان مني إلا أن أخذت بخناقه) أي: سيدنا الحبيب ﷺ أخذ بخناق الشيطان، فسال لعابه على يده، قال: (فأردت أن أربطه بسارية من سواري المسجد لكي يلعب به صبيان المدينة عند الصباح) ليصنع خصيصة ومعجزة، يأتي بالشيطان ويربطه، قال: (لولا أن تذكرت دعوة أخي سليمان) رب هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي (فأبيت أن أتعدى على دعوة أخي سليمان).
وهذا من أدب رسول الله ﷺ، فهو يقول: أحببت أن أربطه بالعمود من أجل الصبيان يلعبون به في الصباح، فتذكرت دعوة أخي سليمان: رب أعطني ملكًا لا يكون لأحد بعدي، ومن ضمن ملك سيدنا سليمان: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ﴾ [ص:٣٧ - ٣٨].
وكان سيدنا سليمان يؤدب أي شيطان يريد العصيان، فإذا قال الشيطان: لن أنفذ، يقول له: احترق، فيحترق، ويقول له: تقيد مكانك، فيقيد مكانه، سبحان الله! وبعد ذلك: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ:١٣]، اللهم احشرنا في زمرة الشاكرين.
وقال ﷺ: (رأيت القيامة قد قامت أو كأن القيامة قامت) شك الراوي، يعني: الراوي الذي يروي عن عبد الرحمن بن أبي سمرة شك في الرواية وكلًا قال: (فرأيت رجلًا وقد جاءه ملك الموت ليقبض روحه) أي: كأنه في الدنيا، يعني: أن الرسول ﷺ تعرض عليه الدنيا والأخرى، فجاء ملك الموت ليقبض روح شخص، قال: (فجاءه بره بوالديه فخلصه من ملك الموت فطال عمره).
فقد يقول قائل: ألا تقولون: إن العمر هذا مكتوب؟
الجواب
نعم، مكتوب عند الله ﷿، وملك الموت معه الدفتر الذي فيه نهاية كل حي، لكن لا يوجد شيء يطيل العمر إلا بر الوالدين، اللهم اجعلنا من البارين بوالدينا أحياءً وأمواتًا يا رب العالمين! وقد كان النبي ﷺ قاعدًا مع الصحابة فضحك حتى بدت نواجذه، خيرًا ما يضحكك يا رسول الله؟! قال: (رجل من أمتي يوم القيامة كان عاقًا لوالديه في الدنيا، فلما وزنوا له حسناته وسيئاته، رجحت سيئاته فأخذوه إلى النار، فرأى أباه أمامه فأخذته رقة، فقال: يا رب! مادمت ذاهبًا إلى النار بما اكتسبت فخذ بقية حسناتي فضعها لأبي، وخذ من سيئاته فضع علي، وضاعف علي عذابي ونج أبي من النار، قال: عجبًا لك عبدي! أعققته في الدنيا وبررته في الآخرة، أنت وأبوك في الجنة).
وهذه صورة من صور الرحمة الإلهية في هذا الموقف العظيم، فإذا أراد الله أن يرحم أحدًا يفتح له باب الرحمة، اللهم افتح لنا أبواب رحمتك، ارحمنا فإنك بنا راحم، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، اللهم آمين يا رب العالمين!
13 / 3