226

The Hereafter - Omar Abdelkafy

الدار الآخرة - عمر عبد الكافي

Noocyada

السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كذلك من الذين يدخلون الجنة بلا حساب: السبعة الذين ذكروا في الحديث الشريف، الذين هم في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، وهم: أولًا: إمام عادل، ليس الإمام الذي يصلي بالناس، فهذه إمامة صغرى؛ لأن أصل الإمامة في الفقه نوعان: إمامة كبرى، وإمامة صغرى. الإمامة الكبرى: إمامة المسئول على أمور المسلمين، إمامة أهل الحل والعقد، هذه اسمها الإمامة الكبرى عند الفقهاء، وإمامة الصلاة إمامة صغرى؛ لأن مراعاة حقوق العباد ليست مسألة سهلة عند الله. إمام عادل؛ لأن أهل الجنة ثلاثة: إمام مقسط -يعني: عادل- ومتصدق وموفق، يعني: لو أن قاضيًا ظل يحكم بين اثنين، وتمنى في قلبه أن يكون الحق مع واحد معين؛ لأنه استراح له، وقلبه مال إليه؛ ولكنه حكم بالحق بعد ذلك، فهذا يجيء يوم القيامة على الصراط وشقه مائل، فالمسألة صعبة وليست سهلة. ثم قال: (وشاب نشأ في طاعة الله). عندما تجد المسجد بفضل الله ﷿ مليئًا بالشباب تطمئن كثيرًا، ولذلك يعجب ربك من شاب لا صبوة له، كما يضرب المثل بـ علي ﵁ أنه لم يسجد لصنم قط؛ لذلك يقال: كرم الله وجهه، وسيدنا يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يقول الله عنه: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ [يوسف:٣٣]، السجن أحسن له من المعصية التي يتمناها كثير من المنحرفين، لكن الشباب الصالح، الشباب التقي الورع الذي نشأ في أحضان كتاب الله وسنة حبيبه ﷺ هؤلاء هم الأمل. ثم قال: (ورجل قلبه معلق بالمسجد حتى يعود إليه)، إذا اعتاد الرجل المسجد فلا تشكوا في صلاحه، لكن ليعلم أنه أصبح مسئولًا عن نظر الإسلام أمام الناس؛ لأنه أصبح وجه الإسلام، أصبح هو وجهًا من وجوه الإسلام؛ لأنه لو عمل خطأً يقولون: انظر إلى هؤلاء المطاوعة الكذابين، انظر إلى هذا الذي صلى خلف الشيخ عمر كذاب، فهم سيتهموننا كلنا، وأقول لك: لنفرض أن لك هيبة عند الناس لالتزامك وطاعتك، ثم إنك وقفت في طابور تقطع تذكرة في المسرح أو السينما مثلًا والعياذ بالله رب العالمين! فأصحاب السينما أنفسهم إذا وجدوك واقفًا هكذا بلحيتك وشكلك الملتزم يتحولون إلى دعاة ووعاظ يعظونك: عيب عليك يا شيخ، هذا الأمر نفعله نحن، أنت لا ينبغي لك فعل هذا، ينقلب الحال أنهم هم الذين سيعظونك. فمن فضل الله على المؤمن أن الناس ينظرون له بهذه النظرة، حتى يبعث الله له الإنسان المنحرف ليعظه، أليس هذا من كرم الله على المؤمن؟ إذًا: المسلم ما دام أنه تعودت قدماه المشي إلى المسجد فلا تشكوا في صلاحه، ألا إن من تطهر في بيته ثم توجه إلى بيت مولاه فإن الله يتبشبش في وجهه كما يتبشبش أهل الغريب عندما يعود إليهم غريبهم. قال ﷺ: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه)، وهذه كلنا عندنا فيها أزمات نفسية، نحب نخرجها أمام الناس، والله يريدك تخرجها في السر حتى لا تعرف شمالك ما تنفق يمينك، إذًا: من باب أولى ألا يعلم صاحبك وصديقك. قال ﷺ: (إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد حتى يعود إليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه). ولابد أن ننتبه لكلمة (خاليًا)، فنحن في المسجد نرفع أصواتنا بالبكاء؛ لكن الحديث يقول: (ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)، وكان عمر بن الخطاب من كثرة بكائه وخشيته صنعت الدموع تحت عينيه خطين. ثم قال: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين) هذا هو الشاب التقي الورع الذي يخاف من الله ﷿، وقدوته في ذلك يوسف الصديق ﵇. قال: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) اللهم اجعلنا منهم يا رب. الحب في الله هذا هو الذي يمكن أن ينجينا يوم القيامة؛ فهناك من الأقوام أقوام تحابوا على غير أرحام بينهم، أنت ربما ترى شخصًا لا تعرف اسمه، لكنك لمجرد أنك نظرت إلى وجهه، فتقول في نفسك: أحب أن أقعد معه قليلًا، كلامه حلو، والجلوس معه حلو، يقول ﷺ: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف). فلو دخل مؤمن مجلسًا فيه مائة منافق وبينهم مؤمن واحد لجلس بجوار المؤمن وهو لا يعرفه، لكن قلبه دله عليه، الأرواح هكذا تتسالم مع بعضها، ولذلك إبراهيم بن أدهم لما رأى عصفورًا يسير مع غراب قال: ما الذي جمع هذا مع هذا؟ قال: فرأيتهما يعرجان فقلت: سبحان الله جمعتهما المصيبة، وهناك من الناس من تجمعهم مصيبة الانحراف والفسق! تجدهم قاعدين مع بعض في كرة الطاولة. وما زلنا نؤكد أن حلقات الدار الآخرة ليست حكايات، وإنما هي أحكام، فالطاولة حرام، والذي يلعبها حرام، والوقت الذي يهدر فيها حرام، وسوف يسألك رب العباد ﷾ عنها؛ لأنك ضيعت وقتك في شيء حرمه الرسول ﷺ. إذًا: كل جلسة ليس فيها ذكر لله ﷿ فهي حسرة، قال ﵊: (أيما قوم جلسوا مجلسًا لم يذكروا الله فيه فكأنما قاموا عن جيفة حمار) يعني: كأنما قاموا وهم يأكلون جيفة حمار، ولذلك هناك دعاء كفارة المجلس لابد أن تقوله وتقرأ سورة العصر؛ لأنه عسى أن يكون حصل هناك لغو أو كلام تخطيت به حدود الأدب مع الله ﷿. إذًا: انقسم الناس إلى أقسام ثلاثة: أناس لا حسنة لهم، فالتقطتهم أعناق من النار والعياذ بالله، وأناس لا سيئة لهم فدخلوا بفضل الله الجنة، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب العالمين، وأغلب أهل المحشر ممن اختلطت حسناته بسيئاته، هذه هي الغالبية العظمى. عن عائشة قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول في بعض صلاته: (اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا، فلما انصرف قلت: يا رسول الله! ما الحساب؟ قال: ينظر في كتابه ويتجاوز عنه، إنه من نوقش الحساب يومئذٍ يا عائشة هلك)، يعني: أنا أسأل الله أن يخفف عني الحساب لمجرد أن أقف بين يدي الله، هذا اسمه تخفيف الحساب، أما من ناقشه الله فقد هلك!

12 / 12