ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة تنزيه الله ﷿ عن الكذب، وتنزيه أنبياءه عن الكذب عليه أي فيما أخبروا به عنه أو عن دينه. وقد تقدم الكلام في ذلك، وفيه بيان تنزههم عن تعمد الكذب فيما عدا ذلك، فإن ثبت أن كلمات إبراهيم ﵇ مما يطق عليه اسم الكذب، فاظاهر أنها كانت قبل النبوة كما مر، وبالجملة فهي أشد ما حكي عنه الأنبياء، فقد سماها إبراهيم ومحمد ﵉ «كذبات» وسميت في الحديث «خطايا» ويرى إبراهيم ﵇ أنها تقعد به عن رتبة الشفاعة في المحشر، وتقتضي أن يستحي من ربه ﷿.
وأرى أن أو ازن بين تلك الكلمات وبين النصوص التي زعم المتعمقون بطلان معانيها
الظاهرة ليتضح للناظر أنه يلزم أن يكون إبراهيم أصدق من رب العالمين - لا من محمد فحسب - بدرجات لا نهاية لها. وذلك من وجوه:
الأول: أن كلمات إبراهيم ثلاث فقط لم يقطع منه طول عمره غيرها، وتلك النصوص تبلغ آلافًا، عن أنهم يزعمون أن نصوص التوراة وسائر كتب الله ﷿ كذلك.
الثاني: أن كلمات إبراهيم في مقاصد موقتة، وتلك النصوص تعم الأزمنة إلى يوم القيامة.
الثالث: أن كلمات إبراهيم تتعلق بالذين خاطبهم فقط وتلك النصوص تعم حاجة الناس إليها إلى يوم القيامة.
الرابع: أن كلمات إبراهيم في مقاصد دنيوية ليس فيها إخبار عن الله ﷿ ولا عن دينه، وتلك النصوص في أصل الدين وأساسه.
الخامس: ان إبراهيم لم يكن عند الذين خاطبهم نبيًا فيشتد وثوقهم بخبره، وفي الحديث: «كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك به مصدق وانت له لك به