The Grammar Application
التطبيق النحوي
Daabacaha
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
Lambarka Daabacaadda
الأولى ١٤٢٠هـ ١٩٩٩م
Noocyada
باب المقدمات:
بين يدي هذا الكتاب:
نحمد الله تعالى، ونستعينه، ونستهديه، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد،،،
فقد ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب منذ ست وعشرين سنة، وكنت قد توفرت على كتابته والانتهاء منه في شهر رمضان الواقع في سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وتسعين للهجرة، فأدركتْهُ بركة هذا الشهر الكريم؛ فلقي من القبول ما لم أكن أطمح إليه ولقيت بسببه من التشجيع والتكريم ما أراني عير أهل له، وظهرت منه نسخة مصورة كل سنة في كثير من بلاد العالم في الشرق والغرب، غير أن ذلك لفتني عما ينبغي نحوه من مراجعته ومعاودة النظر فيه.
وهأنذا الآن أعود إليه بعد هذه السنوات التي نيفت على ربع قرن من الزمان، مؤكدا ما قلته في مقدمة طبعته الأولى عن حال تعليم النحو العربي في عصرنا هذا، مضيفا إليه ما كتبته -من قبل- في غير موضع من ضرورة التزام "العلم" في تعليم العربية، ومن الإفادة من جهود الناس -حيثما يكونون- في هذا المجال.
لا تختلف هذه الطبعة عن سابقتها في المنهج ولا في التبويب ولا في طريقة العرض؛ غير أني صوبت ما وقع في الأولى من خطأ، وحذفت ما حسبته غير نافع، وزدت فصلا جديدا بما أسميته بالجمل الأسلوبية، وضمنت المسائل جميعها عددا غير قليل من التنبيهات تلفت إلى الأخطاء التي شاعت في الاستعمال المعاصر.
أدين بشكر أراه نعمة من نعم الله التي لا تُحصى لكل أساتذتي وزملائي وتلاميذي ممن زودوني بنصائحهم وتعليقاتهم، وممن أكرموني في هذا الكتاب. وأود أن أشكر لأخي الأستاذ سعد الراشد صاحب مكتبة المعارف
1 / 5
للنشر والتوزيع بالرياض جهده الكريم في إخراج هذا الكتاب على هذه الصورة، والذي قد آلت له حقوق هذا الكتاب ونشره وتوزيعه، وجزاه الله خيرا، كما أشكر لابني وتلميذي الأستاذ السيد عبد القادر جهده في تصحيح صف هذا الكتاب والسهر على تصويب أصوله.
وأما زوجتي الحبيبة وأبنائي الأعزاء، فلا أملك لهم من الشكر إلا أن أدعوَ الله أن يتقبل مني ومنهم لقاء ما نقصت من وقتهم ومن حقوقهم عن سعادة منهم ورضًى.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب وأن يجعله خالصا لوجه الكريم.
عبده الراجحي
الإسكندرية في ١٥ ربيع الثاني ١٤٢٠هـ
٢٨ من يوليو ١٩٩٩م
1 / 6
مقدمة الطبعة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد،،،
فالذي لا شك فيه أن كثرة كثيرة من الناس تشكو من درس النحو العربي، ومما تعانيه من الكد في سبيل إتقانه وإقامة ألسنتها وأقلامها عليه. وعجيب أمر هذه اللغة المفترَى عليها! وعجيب أمر نحوها! فمنذ فجر الحضارة العربية نهض أصحاب هذه اللغة يدرسونها ويضعون القوانين التي تحكمها حتى إننا لا نعرف لغة اهتم بها أصحابها قدر ما لقيت العربية من اهتمام، ومنذ عصر الخلفاء الراشدين رضوان الله عنهم والعلماء يتتابعون واحدا في إثر واحد ومدرسة بعد مدرسة، في إنشاء النحو العربي وتطويره وتأصيله، حتى بلغ مرحلة من النضج العلمي والوضوح المنهجي لم يبلغها علم آخر.
يقول المستشرق الألماني "يوهان فك" ولقد تكلفت القواعد التي وضعها النحاة العرب في جهد لا يعرف الكلل، وتضحية جديرة بالإعجاب بعرض اللغة الفصحى وتصويرها في جميع مظاهرها، من ناحية الأصوات، والصيغ، وتركيب الجمل، ومعاني المفردات على صورة شاملة، حتى بلغت كتب القواعد الأساسية عنده مستوى من الكمال لا يسمح بزيادة لمستزيد١.
وتلك حقيقة لا نستشهد بكلام مستشرق على صوابها؛ ولكنا نشير فحسب إلى هذا النحو وقدرته على حفظ العربية طوال هذه القرون، وصيانتها من التحلل والفساد، وذلك وحده كافٍ أن نطرح من فكرنا تشكيك الناس في النحو العربي، وعلينا أن نبحث عن الداء في موطن آخر.
_________
١ يوهان فك: العربية، دراسة في اللغة واللهجات والأساليب، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار، مطبعة الخانجي، القاهرة ١٩٥١، ص٢.
1 / 7
والمتتبعون لتاريخ العربية في العصر الحديث يعلمون أنها تعرضت لخطة مدروسة تستهدف القضاء عليها من خلال القضاء على نحوها، وظلت هذه الخطة تعمل عملها حتى وقر في أذهان الناس أن النحو العربي صار جامدا لا يساير العصر، وأن علينا أن نبحث عن نحو جديد، وظهرت إلى الوجود تجارب من هنا ومن هناك ماتت الواحدة منها بعد الأخرى، وظل النحو العربي هو هو دون أن يصل المخططون إلى ما يبغون من القضاء عليه.
على أننا لا ينبغي أن ننكر أن طريقة تدريس النحو في مدارسنا وفي جامعاتنا غير صالحة في نقل ما وضعه النحاة إلى الناشئة والدارسين، ولعل ضعف مدرس العربية ثمرة من ثمرات التخطيط الذي أشرنا إليه منذ قليل. فالعيب -في الحق- ليس في النحو العربي ولكنه يكمن فينا نحن لا جدال. ولقد رأينا شبابا من الأوربيين يتكلمون النحو العربي ويتقنونه ويرجعون فيه إلى مصادره الأولى، كما نرى كل يوم أعدادا لا حصر لها ممن يمارس اللغة فيتقنها كتابة وضبطا وأداء.
والنحو أساس ضروري لكل دراسة للحياة العربية، في الفقه والتفسير والأدب والفلسفة والتاريخ وغيرها من العلوم؛ لأنك لا تستطيع أن تدرك المقصود من نص لغوي دون معرفة بالنظام الذي تسير عليه هذه اللغة، يقول عبد القاهر: "إن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتحها، وإن الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرج لها، وإنه المعيار الذي لا يُتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يُعرض عليه، والمقياس الذي لا يُعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه، ولا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه، وإلا من غالط في الحقائق نفسه"١.
_________
١ عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، مطبعة المنار ١٣٣١هـ، ص٢٣.
1 / 8
ونحن نؤمن بضرورة تدريس النحو في جامعاتنا في مظانه القديمة إلى جانب الدرس التطبيقي، ولقد كان ذلك نهج القدماء قدموا لنا كتبا تضم أبواب النحو وتَوَفَّر عدد منهم على معالجة النصوص معالجة نحوية تطبيقية؛ فكثير من كتب التفسير يهتم بالقضايا النحوية في النص كما أفرد غير واحد كتبا خاصة في تحليل القراءات القرآنية تحليلا نحويا كما نعرف عن أبي علي الفارسي في كتابه "الحجة في القراءات السبع"، وعن تلميذه ابن جني في كتابه "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها"، وكتب آخرون كتبا في إعراب القرآن مثل "إعراب القرآن" المنسوب إلى الزجاج، و"إعراب ثلاثين سورة من القرآن" لابن خالويه، و"إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن" لأبي البقاء العكبري، كما كتب ابن جني شرحا نحويا لديوان المتنبي.
ومن هذه الطريقة، ومن الإيمان بضرورة تدريب الطلاب على درس النحو درسا تطبيقيا، نقدم هذا الكتاب وقد قسمناه بابين: أولهما عن الكلمة، وثانيهما عن الجملة، ثم ألحقنا به قسما خاصا عن بعض المتفرقات التي لها استعمالات معينة بالإضافة إلى نماذج إعرابية.
ويرى الدارس أننا نعتمد في عرض المادة النحوية على المصطلحات القديمة مع شرح ما تعنيه هذه المصطلحات بالأمثلة الموضحة وطريقة إعراب كل مثال، ثم ذيلنا كل قسم بتدريبات من القرآن الكريم، وغني عن البيان أن هذا الكتاب لا يعرض لشرح أبواب النحو جميعها على طريقة الكتب التفصيلية، وإنما يهدف إلى تقديم الاستعمالات المختلفة للجملة مع تحليلها تحليلا نحويا تطبيقيا، ولقد دلت التجربة على أن هذه الطريقة التطبيقية -بجانب الدرس اللغوي- تأخذ بيد الطالب إلى فهم أصول الجملة العربية وإلى إدراك نظامها ومن ثم إلى إتقان النحو إتقانا واضحا.
واللهَ نسألُ أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه.
والله وحده ولي التوفيق،،،
عبده الراجحي
1 / 9
الباب الأول: الكلمة
١- تحديد نوع الكلمة:
الجملة ميدان علم النحو؛ لأنه العلم الذي يدرس الكلمات في علاقة بعضها ببعض، وحين تكون الكلمة في جملة يصبح لها معنى نحوي؛ أي: تؤدي وظيفة معينة تتأثر بغيرها من الكلمات وتؤثر في غيرها أيضا. وأنت حين تقول: إن هذه الكلمة "فاعل" مثلا فإنك تعني أن قبلها "فعلا" بينه وبين الفاعل علاقة من نوع ما، وهكذا في بقية أبواب النحو.
النحو إذن لا يدرس أصوات الكلمات، ولا بنيتها، ولا دلالتها، وإنما يدرسها من حيث هي جزء في كلام تؤدي فيه عملا معينا.
على أن أهم خطوة في التحليل النحوي هي أن تحدد الكلمة، وعلى تحديدك لها يتوقف فهمك للجملة، ويتوقف صواب تحليلك من خطئه.
وأنت تعلم أن الكلمة العربية إما أن تكون اسما أو فعلا أو حرفا، فهي لا تخرج عن واحد من هذه الثلاثة. وعليك أن تسأل نفسك دائما:
ما نوع هذه الكلمة؟ أهي اسم أم فعل أم حرف؟
إن هذا السؤال له أهمية خاصة في التطبيق النحوي؛ لأن إجابتك عنه ستترب عليها كل خطواتك بعد ذلك.
وذلك:
- أن الكلمة إن كانت حرفا فهي مبنية ولا محل لها من الإعراب.
- إن كانت فعلا فقد تكون مبنية وقد تكون معربة، ولكن لا بد لها من معمولات تعمل فيها على ما سنعرفه تفصيلا.
- وإن كانت اسما فلا بد أن يكون لها موقع إعرابي، مبنية كانت أو معرفة.
فضلا عن أن نوع الكلمة يعينك على معرفة نوع الجملة التي هي مدار الدراسة النحوية.
1 / 13
ولننظر في الأمثلة التالية:
١- ما جاء علي.
٢- ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ .
٣- إنما محمد رسول.
٤- ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ .
٥- ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ .
٦- ما أدراك أن عليا قادم؟
٧- ما أكلت اليوم؟
٨- ما أجمل السماء!
فأنت ترى أن الكلمة المشتركة في هذه الجمل هي "ما"، ولكن نوعها في بعض الجمل يختلف عنه في الجمل الأخرى:
١- فهي في الجملة الأولى حرف نفي لا محل له من الإعراب، ولا تأثير لها على بقية كلمات الجملة إلا من ناحية المعنى وهو النفي.
٢- وهي في الجملة الثانية حرف نفي لا محل له من الإعراب، ولكنها عاملة عمل ليس؛ أي: أنها تؤثر على كلمات الجملة، فكلمة "هذا" اسمها مبني على السكون في محل رفع، وكلمة "بشرا" خبرها منصوب بالفتحة.
٣- وهي في الجملة الثالثة حرف كافّ لا محل له من الإعراب، كفَّ "إن" عن العمل.
٤- وهي في الجملة الرابعة حرف زائد بين حرف الجر والمجرور.
٥- وهي في الجملة الخامسة اسم موصول مبني على السكون في محل رفع؛ لأنه فاعل للفعل "يسبح".
1 / 14
٦- وهي في الجملة السادسة اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، ولا بد أن يكون له خبر، والخبر هو الجملة الفعلية بعده.
٧- وهي في الجملة السابعة اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به للفعل بعده.
٨- وهي في الجملة الثامنة اسم تعجب مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والجملة الفعلية بعده خبر.
ثم لننظر في الأسئلة الآتية:
١- هل حضر علي؟
٢- متى حضر علي؟
٣- مَن حضر اليوم؟
كلمة "هل" حرف استفهام لا محل له من الإعراب.
وكلمة "متى" اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب ظرف زمان.
وكلمة "من" اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
ومعنى ذلك أن كلمات الاستفهام ليست نوعا واحدا؛ فقد تكون حرفا أو اسما، وهي حين تكون اسما لا تكون في موقع إعرابي واحد، فقد تكون في محل رفع أو نصب أو جر.
فأنت ترى إذن أن تحديدك لنوع الكلمة يترتب عليه فهمك لموقعها ولوظيفتها في الجملة ولعلاقتها بالكلمات الأخرى مما يهديك في النهاية إلى المعنى المقصود، وهو الغاية الأساسية للدارسة النحوية.
ملحوظة: يخطئ بعض الدارسين حين يستعمل في دراسة النحو كلمة "أداة"، فيقول: أداة استفهام أو أداة نفي أو أداة شرط، وذلك كله خطأ؛ لأن الكلمة العربية -كما حددها النحاة- ليس فيها أداة، وإنما هي اسم أو فعل أو حرف ليس غير، ولو أنك أعربت الأمثلة الأخيرة وقلت عن "هل -
1 / 15
متى - من" إنها أداة استفهام لما أعانك ذلك على معرفة موقعها الإعرابي، ولا ارتباطها بما يتلوها من كلمات.
1 / 16
٢- حالة الكلمة "الإعراب والبناء":
والكلمة المعربة هي الكلمة التي يتغير آخرها لتغير العامل، أما الكلمة المبنية فهي التي لا يتغير آخرها مهما يتغير عليها من عوامل.
مثلا:
حضر زيدٌ حضر هذا
رأيتُ زيدًا رأيت هذا
مررتُ بزيدٍ مررت بهذا
كلمة "زيد" تغير شكل آخرها لتغير العوامل التي هي "حضر - رأيت - مررت بـ" وهي بذلك كلمة معربة، على حين بقيت كلمة "هذا" دون تغيير رغم تغير العوامل نفسها؛ فهي إذن كلمة مبنية.
وكل كلمة لا تخرج عن حالة من هاتين الحالتين؛ فهي إما مبنية وإما معربة، وليست هناك حالة ثالثة، كما أن الكلمة لا تكون مبنية ومعربة في وقت واحد.
ولننظر في المثال التالي:
ذهب محمد إلى المدينة صباحا.
فإذا أعربنا هذه الجملة قلنا:
ذهب: فعل ماضٍ مبني على الفتح.
محمد: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.
إلى: حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
المدينة: مجرور بإلى وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
صباحا: ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة.
1 / 17
فأنت ترى أن الكلمتين "ذهب" و"إلى" كلمتان مبنيتان، وأن الكلمات "محمد" و"المدينة" و"صباحا" كلمات معربة.
وينبغي أن تكون مدققا في استعمال العبارات التي تستخدمها في كل من الإعراب والبناء، ولعلك لاحظت أنا نقول:
مبني على الفتح، ولم نقل: مبني بالفتحة أو على الفتحة.
ومرفوع بالضمة، ولم نقل: مرفوع بالضم أو على الضم.
ففي حالة البناء نقول:
مبني على الضم.
مبني على الكسر.
مبني على الفتح.
مبني على السكون.
وفي حالة الإعراب لا بد أن نذكر كلمة مرفوع أو منصوب أو مجرور أو مجزوم فنقول:
مرفوع بالضمة.
منصوب بالفتحة.
مجرور بالكسرة.
مجزوم بالسكون.
1 / 18
٣- الإعراب:
الإعراب هو العلامة التي تقع في آخر الكلمة وتحدد موقعها من الجملة؛ أي: تحدد وظيفتها فيها، وهذه العلامة لا بد أن يتسبب فيها عامل معين، ولما كان موقع الكلمة يتغير حسب المعنى المراد كما تتغير العوامل، فإن علامة الإعراب تتغير كذلك.
ففي الجملة السابقة "ذهب محمد إلى المدينة صباحا" نرى أن كلمة "محمد" مرفوعة بالضمة، وهي علامة إعرابها التي دلت على موقعها أو وظيفتها وهي كونها فاعلا، فكلمة "محمد" هي المعرب، والفعل "ذهب" هو العامل، والضمة علامة الإعراب.
وكذلك كلمة "المدينة" اسم مجرور بالكسرة، فهو معرب، والعامل هو الحرف "إلى"، والكسرة علامة الإعراب. وكلمة "صباحا" ظرف منصوب بالفتحة، فهي اسم معرب، والعامل فيه هو الفعل "ذهب"، والفتحة علامة الإعراب. وكل اسم من هذه الأسماء المعربة معمول للعامل الذي عمل فيه الإعراب.
فالإعراب -إذن- له أركان لا بد أن تكون محيطا بها عند إعرابك الكلمة، وهي:
١- عامل: وهو الذي يجلب العلامة.
٢- معمول: وهو الكلمة التي تقع في آخرها العلامة.
٣- موقع: وهو الذي يحدد معنى الكلمة -أي وظيفتها- مثل الفاعلية والمفعولية والظرفية وغيرها.
٤- علامة: وهي التي ترمز إلى كل موقع على ما تعرفه في أبواب النحو.
1 / 19
ملحوظة: ليس من هدف هذا الكتاب تقديم معالجات نظرية، لكننا نلفت إلى أن العامل عنصر جوهري في الفكر النحوي العربي.
1 / 20
٤- علامات الإعراب:
يحدد النحاة الكلمة المعربة بأنها الاسم المتمكن والفعل المضارع غير المتصل بنون التوكيد أو نون النسوة.
والاسم -كما تعلم- ينقسم قسمين: اسم متمكن، واسم غير متمكن. أما الاسم المتمكن فهو الذي لا يختلط بالحرف، وهو الذي إذا نطقته جلب إلى ذهنك على الفور صورة الشيء الذي يدل عليه دون التباسه بحرف من الحروف؛ فأنت حين تقول: "رجل - كتاب - شجرة" فإن كل كلمة منها لا تشبه الفعل ولا الحرف بأي وجه من وجوه الشبه، وبخاصة في بنيتها. وهذا النوع من الأسماء هو الاسم المعرب، وكل واحد منها يسمى اسما متمكنا.
فالمعربات إذن هي:
١- الاسم المتمكن.
٢- الفعل المضارع غير المتصل بنون التوكيد أو بنون النسوة.
وللإعراب حالات أربع، لكل منها علامة خاصة، هي:
١- الرفع وعلامته الضمة.
٢- النصب وعلامته الفتحة.
٣- الجر وعلامته الكسرة.
٤- الجزم وعلامته السكون.
وهذه العلامات هي التي تُعرف بالإعراب بالحركات.
ولنتدرب الآن على أمثلة لكل حالة:
١- يقرأ محمد كتابا.
يقرأ: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة.
1 / 21
محمد: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.
كتابا: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.
٢- يقرأ محمد في البيت كتاب النحو.
في: حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
البيت: اسم مجرور بفي وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
كتاب: مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف.
النحو: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.
وأنت تعلم أن جمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة، وأن الممنوع من الصرف يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، فتقول:
رأيت شجراتٍ مثمرةً في أماكن كثيرة.
شجرات: مفعول به منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم.
مثمرة: صفة منصوبة بالفتحة الظاهرة.
في: حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
أماكن: مجرور بفي وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف.
كثيرة: صفة مجرورة بالكسرة الظاهرة.
"أنت ترى أننا أعربنا الصفة حسب أصل الموصوف، فكلمة "مثمرة" صفة لكلمة "شجيرات" وهي منصوبة، والأصل في النصب هو الفتحة، أما الكسرة فقد جاءت لسبب عارض وهو كون الكلمة جمع مؤنث سالما، وكذلك الحال بالنسبة للصفة الثانية وموصوفها: أماكن كثيرة".
وهناك علامات أخرى غير هذه الحركات وهي التي نسميها الإعراب بالحروف، وهي الألف والواو والياء والنون.
فالمثنى يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء.
1 / 22
وجمع المذكر السالم يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء.
والأسماء الستة ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء.
والأفعال الخمسة ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها.
أمثلة:
١- يقرأ الطالبان كتابين.
الطالبان: فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى.
كتابين: مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى.
٢- المحتاجون يطلبون العون من القادرين.
المحتاجون: مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم.
يطلبون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعل "والجملة خبر المبتدأ".
القادرين: اسم مجرور بمن وعلامة جرة الياء لأنه جمع مذكر سالم.
٣- صار أبوه ذا مال وفير.
أبوه: اسم صار مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف والهاء ضمير مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.
ذا مال: ذا خبر صار منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، ومال مضاف إليه مجرور بالكسرة.
﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ .
لم: حرف جزم ونفي وقلب مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
تفعلوا: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون، والواو ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل.
الواو: حرف عطف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
لن: حرف نصب ونفي واستقبال مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
1 / 23
تفعلوا: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون، والواو ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل.
الأفعال المعتلة تجزم بحذف حرف العلة.
﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ .
لا: حرف نهي مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
تمشِ: فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف حرف العلة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.
تنبيهات:
جمع المذكر السالم مصطلح يطلق على الجمع بشروط:
١- أن يكون له مفرد.
٢- أن يكون المفرد مذكرا.
٣- أن يدل على عاقل.
٤- أن يسلم هذا المفرد عند الجمع.
فكلمة مدرس: مفرد، مذكر، عاقل، وحين نجمعه: مدرسون لا يتغير شيء في هيئة المفرد، فقد ظلت الميم مضمومة والدال مفتوحة والراء مضعفة مكسورة؛ ولذلك نقول: إنه جمع مذكر سالم.
أما كلمت رجل فهي مفرد، مذكر، عاقل وحين نجمعه: رجال نرى هيئة المفرد تغيرت، فالراء صارت مكسورة بعد أن كانت مفتوحة وفتحت الجيم وكانت مضمومة؛ أي أن المفرد لم يسلم، بل كُسر، ولذلك يسمى جمع تكسير.
فإذا فقد الاسم شرطا من الشروط السابقة وجُمع مع ذلك جمع مذكر سالم، فإننا نسميه ملحقا بجمع المذكر السالم.
1 / 24
مثلا: كلمة: عالَم تجمع عالَمون ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؛ فهي ملحق بجمع المذكر السالم؛ لأنها لا تدل على عاقل.
وكلمة أولو ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ ملحق بجمع المذكر السالم؛ لأنه ليس لها مفرد من نوعها.
وكذلك ألفاظ العقود: "عشرون - ثلاثون - أربعون ... إلخ".
وكلمة سنة تجمع: سنون ﴿وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾؛ فهي ملحق بجمع المذكر السالم؛ لأنها تدل على مؤنث غير عاقل.
ملحوظة: يكثر على ألسنة الناس استخدام كلمة "سنين" المضافة مشددة الياء وهو خطأ، فيقولون:
كان متفوقا طوال سنيّ دراسته.
فتضعيف الياء هنا خطأ؛ لأن الكلمة هي "سنين"؛ فإذا أضيفت حذفت النون ليس غير، فنقول: طوال سِنِي دراسته، كما نقول: اجتمعت بمدرسي المدرسة.
الأسماء الستة هي: أب، أخ، حم، فم، هن، ذو. أما كلمة "هن" فلا تكاد تستعمل الآن؛ ولذلك اشتهرت هذه الأسماء بأنها خمسة، وهي تعرب الإعراب الخاص بها بشرطين:
١- أن يكون الاسم مفردا.
٢- أن يكون مضافا إلى غير ياء المتكلم.
فإن فقد الاسم شرطا منهما فإنه يعرب إعرابا عاديا، مثل:
جاء أخي: فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع ظهورها حركة المناسبة.
جاء أخواك: فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى.
استشر ذوي الاختصاص: مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.
1 / 25
الأفعال الخمسة: كل فعل مضارع أسند إلى ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة.
وهي خمسة لأن:
ألف الاثنين نوعان، ضمير يدل على المثنى المذكر، أو ضمير يدل على المثنى المؤنث:
الطالبان يكتبان الطالبان تكتبان
وواو الجماعة نوعان: ضمير يدل على المخاطبين، وضمير يدل على الغائبين:
أنتم تكتبون هم يكتبون
وياء المخاطبة نوع واحد: أنت تكتبين، فالمجموع إذن خمسة.
1 / 26
٥- الإعراب الظاهر والإعراب المقدر:
لعلك لاحظت في الأمثلة السابقة أنا أعربنا كلمة بأنها مرفوعة بالضمة الظاهرة، وأخرى بأنها منصوبة بالفتحة الظاهرة، وثالثة بأنها مجرورة بالكسرة الظاهرة، وهكذا. وهذا النوع هو الذي نسميه الإعراب بالعلامات الظاهرة. وأنت تعلم أن الحرف الأخير من الكلمة هو محل الإعراب، ومعنى ظهور العلامة عليه أنه صالح لتلقي هذه العلامة.
لكن هناك كلمات لا تظهر عليها علامة الإعراب التي يقتضيها موقعها في الجملة، ولا يرجع عدم ظهور العلامات إلى أن هذه الكلمات مبنية بل إلى أسباب أخرى، وهذا النوع من الإعراب نسميه الإعراب بالعلامات المقدرة والعلامات المقدرة قد تكون حركات كما قد تكون حروفا كما يظهر من الأمثلة.
وللإعراب بالعلامات المقدرة أسباب ثلاثة هي:
١- عدم صلاحية الحرف الأخير من الكلمة لتحمل علامة الإعراب.
٢- وجود حرف يقتضي حركة معينة تناسبه.
٣- وجود حرف جر زائد أو شبيه به.
١- النوع الأول: عدم صلاحية الحرف الأخير من الكلمة لتحمل علامة الإعراب:
إذا كانت الكلمة منتهية بحرف من حروف العلة -متعذرا أو ثقيلا- أن يتقبل لأي حركة الإعراب في الأساس هي الضمة والفتحة والكسرة، وهذه الحركات -كما يقول اللغويون- أبعاض حروف المد؛ أي: أن الضمة جزء من الواو، والفتحة جزء من الألف، والكسرة جزء من الياء.
والكلمات التي من هذا النوع يمكن ترتيبها على النحو التالي:
1 / 27