The Fundamentals of the People of the Sunnah and the Community
أصول أهل السنة والجماعة
Noocyada
واقع قصة الغرانيق المقبولة
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وأصلي وأسلم عليه أتم صلاة وأكمل تسليم المعصوم ﵊.
قصة هذه الآية أيها الإخوة الكرام! أن إبليس اللعين قعد في هذا النادي مع النبي ﵊ ومع المشركين والمسلمين، والأمر كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف:٢٧]، إنه يراكم هو وقبيله، أي: هو وأبناؤه ونسله، وإنكم لا ترونهم، فلما تلا النبي ﵊ هاتين الآيتين: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى﴾ [النجم:١٩ - ٢٠]، تمثل اللعين إبليس صوت النبي ﵊ فقال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، فسمعها المشركون دون المسلمين، فعصم الله ﵎ منها المؤمنين والموحدين، فلما نطق إبليس اللعين بهاتين الآيتين المفتريتين على الله ﷿ وعلى رسوله بنغمة صوت النبي ﵊ ظن المشركون الذين لا يرون إبليس في هذا الموطن أن النبي ﵊ هو الذي نطق بهاتين الآيتين؛ ففرحوا لذلك فرحًا شديدًا وأقبلوا يصغون إليه ﵊ حتى ختم السورة كلها، وفي آخرها سجدة -إلا عند مالك فإنه لا يسجد عندها- فسجد النبي ﵊ وسجد معه المشركون والمسلمون جميعًا.
وأصل هذه الرواية عند البخاري في صحيحه: (أن النبي ﵊ قرأ سورة النجم، فسجد في آخرها وسجد معه الناس) أي: المسلمون والمشركون، وقد يقول قائل: لماذا سجد المسلمون والمشركون كذلك؟
الجواب
أما سجود المسلمين فإنه لا إشكال فيه؛ لأن آيات السجدة في القرآن الكريم السجود فيها مستحب ومندوب وليس واجبًا، ولذلك قرأ عمر بن الخطاب ﵁ آية سجدة في كتاب الله، فسجد على المنبر، وسجد معه المسلمون، وفي الجمعة التي تلتها قرأ سجدة في القرآن فتهيأ الناس للسجود، فقال عمر ﵁: على رسلكم.
فإن الله لم يفرضها عليكم، للدلالة على أن سجود التلاوة مستحب وليس واجبًا، ولا يشترط فيه طهارة ولا استقبال قبلة ولا له تكبير ولا نزول ولا سجود، كسجدة الشكر لا يشترط فيها طهارة ولا استقبال قبلة ولا تكبير ولا نزول ولا سجود.
أما المشركون فإنهم سجدوا مع النبي ﷺ لما تلا هذه السورة ووصل إلى آخرها، وذلك لأنه يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم أو خوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى﴾ [النجم:٥٠ - ٥٤] إلى آخر آيات سورة النجم، فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، واستشعروا أنهم إن لم يسجدوا مع النبي ﵊ تنزل عليهم صاعقة من السماء فتجتاحهم وتستأصل شأفتهم، فخافوا من ذلك خاصة وأنهم قد رءوا عقوبة الجاحدين والمنكرين للرسالة والرسل والنبوة والنبوات التي جاءت من قبل نبينا ﵊، فأرادوا أن يفلتوا بجلودهم ودمائهم من هذا النازل، فما كان لهم إلا أن يسجدوا؛ لبيان الذلة والاحتقار لما هم عليه من عناد وجحود وكفر وإنكار، ولعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه ﵊، وهو قائم بين يدي ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير، وقد ظنوا من ترتيب الأمر بالسجود أن سجودهم -وإن لم يكن عن إيمان- كاف في دفع ما توهموه من العذاب، ولا يستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك من النبي ﵊، فقد نزلت سورة: ﴿حم﴾ [السجدة:١] بعد ذلك، كما جاء مصرحًا به في حديث عن ابن عباس، ذكره السيوطي في أول كتاب: (الإتقان في علوم القرآن) قال: فلما سمع عتبة بن ربيعة قول الله تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت:١٣]، أي: فإن أعرضوا عنك يا محمد! فإني قد أنذرتهم صاعقة تنزل عليهم تمامًا مثل الصاعقة التي نزلت على عاد وثمود، فلما قرأ النبي ﵊ آية السجدة خافوا أن يمثل بهم كما مثل بسلفهم، فسجد عتبة بن ربيعة، ولما سجد خشي أن يقول المشركون عنه إنه صبأ وإنه خرج عن دينهم، فأمسك على فم رسول الله ﷺ كأنه يكفه عن القراءة وعن التلاوة ويناشده الرحم، واعتذر لقومه حين ظنوا أنه صبأ، وقال: كيف وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب.
عتبة بن ربيعة من زعماء الشرك يقول: إن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب، فإذا كان الكذب محالًا عليه في مخاطبة البشر، فأكثر استحالة
2 / 14