The Epistle of the Angels
رسالة الملائكة ت الجندي
Baare
محمد سليم الجندي، عضو المجمع العلمي العربي
Daabacaha
دار صادر
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
ـ[رسالة الملائكة]ـ
أملاه: أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري (المتوفى ٤٤٩ هـ)
عني بتحقيقه وشرحه وضبطه ومعارضته: محمد سليم الجندي، عضو المجمع العلمي العربي
الناشر: دار صادر - بيروت
عام النشر: ١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م.
عدد الأجزاء: ١
أعده للشاملة/ فريق رابطة النساخ برعاية (مركز النخب العلمية)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Bog aan la aqoon
المقدمة: "كلمة المصحح"
تعاقبت سنون كثيرة ولا يعلم الناس من رسالة الملائكة إلا اسمها وأنها رسالة تشتمل على أجوبة صرفية سُئل عنها أبو العلاء على نحو ما ذكره ياقوت في معجم الأدباء وابن العديم وغيرهما.
ثم عثر على قطعة منها في كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي، فتوهموا أنها هي الرسالة بعينها. ثم عثر فريق من العلماء المشارقة والمغاربة على نسخ منفردة لا تزيد عنا في الأشباه والنظائر فأطلقوا عليها رسالة الملائكة، ثم طبعت غير مرة، وعني جماعة بضبطها وتحريرها على اعتقاد أنها رسالة الملائكة بتمامها.
أول ما عرفه الغربيون من هذه الرسالة:
ظل علماء الغرب حينًا من الدهر لا يعلمون من أمر هذه الرسالة شيئًا حتى دخلت نسخة خطية من مقدمتها مكتبة ليدن. ثم دخلت بعض بلاد الغرب نسخ من الأشباه والنظائر تحمل في مطاويها هذه المقدمة.
ولما ترجم كتاب كشف الظنون إلى بعض اللغات الأوروبية حمل إلى الغرب تعريفًا مجملًا بهذه الرسالة على نحو ما حمله كتاب معجم الأدباء بعد أن طبع ودخل الغرب.
وقد ذكرها جماعة من المستشرقين فيما كتبوه أو طبعوه من الآثار
مقدمة / 1
العربية، منهم كولسبير في شرح ديوان الحطيئة ومرجليوث في رسائل أبي العلاء وكيير في شعر الأعشى ثم طبع الأستاذ كرانشكوفسكي المستشرق الروسي هذه المقدمة سنة ١٩٣٢ بعد أن صرف عشرين عامًا في تحقيقها وضبطها وبعد أن اطلع على نسخة ليدن ونسخة الجامع الأزهر ونسخة أحمد تيمور باشا وغيرها ووضع لها مقدمة ممتعة باللغة الروسية.
أول ما عرفه المتقدمون من المشارقة من هذه الرسالة:
ذكر بعض المتقدمين الذين كتبوا في أبي العلاء من جملة كتبه ورسائله رسالة الملائكة ومنهم ابن العديم وياقوت في معجم الأدباء.
وكل ما كتبوه أن لأبي العلاء كتاب ديوان الرسائل، وأن رسائله ثلاثة أقسام: الأول رسائل طوال تجري مجرى الكتب المصنفة ككتاب رسالة الغفران وكتاب رسالة الملائكة. الثاني رسائل دون هذه الرسائل في الطول كرسالة المنيح ... والثالث الرسائل القصار التي جرت بها العادة في المكاتبة ... وقال فريق منهم إن هذا الكتاب أربعون جزءًا وقال آخر إنه ثمانمائة كراسة.
واتفقت كلمتهم على أن رسالة الملائكة ألفها جوابًا عن مسائل صرفية سأله عنها بعض الطلبة وأنها جزء واحد فتكون عشرين كراسة على تقديرهم.
واقتفى أثرهم في ذلك صاحب كشف الظنون. وذكر في الفلك المشحون ص ٤٤ في كتب محمد بن طولون من رجال القرن العاشر الكلام
مقدمة / 2
على رسالة الملائكة وهو في المسودة. ونقل في الأشباه والنظائر مقدمتها ونقل البديعي في أوج التحري قطعة من المقدمة ولم أر من تعرض لوصفها أو التعريف بها من المتقدمين ولا من ذكر شيئًا من أجوبة المسائل التي فيها.
أول ما عرفه المتأخرون من المشارقة منها:
لم يقف المتأخرون على هذه الرسالة كلها وإنما اطلعوا على مقدمتها في الأشباه والنظائر وقد وجدت منها نسخ في ليون والجامع الأزهر في مصر ونسخة عند المرحوم أحمد تيمور باشا ونسخة في حيدر أباد.
ثم طبعت منها نسخة في مصر سنة ١٩١٠ وطبع الأستاذ عبد العزيز الميمني نسخة منها في آخر كتابه: أبو العلاء وما إليه سنة ١٣٤٥ ثم طبعها الأستاذ كامل الكيلاني مع رسالة الغفران ثلاث مرات آخرها سنة ٩٣٨ وقد قمنا أن الأستاذ كراجكوفسكي طبعها سنة ١٩٣٢ وكل ما اطلع عليه هؤلاء وطبعوه هو مقدمة الرسالة وكانوا كغيرهم يظنون أنها رسالة الملائكة بتمامها حتى ظهرت نسخة دار الكتب الظاهرية في دمشق فاتضح للناس أن كل ما طبع أو اطلع عليه هو المقدمة.
كيف ظفرت دار الكتب بهذه الرسالة:
في هذه السنة قتل المرحوم السيد محمد المنير من أعيان دمشق فأهدت ورثته إلى دار الكتب الظاهرية طائفة من كتبه وكان في جملتها هذه الرسالة، رسالة الملائكة فسارع المجمع العلمي في دمشق إلى طبعها ليطلع عليها الناس وصدق قول أبي الطيب المتنبي:
بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد
مقدمة / 3
التعريف بهذه النسخة:
كنت كتبت كلمة نشرت في مجلة المجمع العلمي في دمشق في ص ٤٨ من الجزء (١ و٢) من المجلد ١٩ وفي ص ١٢٢ من الجزء (٣ و٤) من المجلد المذكور وقد تكلفت هذه الكلمة بالتعريف بهذه النسخة تعريفًا كافيًا.
ومن المفيد أن نذكر هنا ما لابد منه حتى نتبين مزية هذه النسخة ولا يحتاج المطلع عليها إلى الرجوع إلى موضع آخر.
ويلخص ذلك فيما يأتي:
١ - ورق هذه النسخة ثخين مصقول وعدد صفحاتها ٢٣٠ وطول كل ورقة ١٧ سانتيمًا وعرضها ١٢.٥ وفي كل صفحة ١٣ سطرًا مستوية متساوية في الحجم، وفي أطرافها الأربعة حاشية خالية من الخط تبلغ نحو ٣ سانتيمات وكلها بخط واحد جيد وأكثرها مضبوط بالشكل ضبطًا تغلب عليه الصحة.
وفيها كلمات يخالف رسمها الطريقة المتبعة اليوم في الرسم كرسم الهمزة ياء في كل موضع ونقطها في أكثر المواطن وكرسم يسئل ومسئلة، وحذف الهمزة من آخر الاسم الممدود ونقط الياء في مثل موسى وترى، وإهمال النقط في مثل العربيه ورائحه وجعل الضمة علامة السكون ووضعها فوق الياء والواو الساكنتين وفيها شيء من التحريف وإذا كان عدد الكراسة في عرف المتقدمين عشر ورقات فإنها لا تبلغ ١٢ كراسة.
وقد كتب على الورقة الثانية فهرست ما في هذه الرسالة من المسائل وتحتها ذكرت عناوين المباحث التي تشمل عليها وقد أثبتناها كما هي.
مقدمة / 4
وكتب على الورقة الثالثة هذا العنوان.
رسالة الملائكة إملاء الشيخ الإمام أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري. والفهرست والعنوان مكن خط الرسالة.
وكتب حول العنوان أسماء أناس ملكوا هذه الرسالة منهم إسحق بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد أخي أبي العلاء.
وإسحق هذا لم أقف على ترجمته أما إبراهيم فقد توفى سنة ٦٣٠ وعمره نحو خمس وثلاثون سنة على ما ذكره ابن العديم فتكون هذه النسخة ملكًا لإسحق في أوائل السابع.
سبب تأليف رسالة الملائكة:
ألمعنا فيما سبق إلى أن المتقدمين ذكروا أن هذه الرسالة جواب عن مسائل صرفية سأله عنها بعض الطلبة ولم يبين واحد منهم من هو السائل ولا ما هي تلك المسائل ولا تعرض أحد لتاريخ تأليفها ولا لشيء يفيد المباحث في إزالة الغموض والإبهام عن ناحية من النواحي:
وقد جاء في المقدمة المطبوعة والمخطوطة هذه الجملة: "ولما وافى شيخنا أبو فلان بتلك المسائل ... ولم يعرف أحد من هو أبو فلان".
وجاء في هذه النسخة: "ولما وافى شيخنا أبو القاسم على بن محمد بن همام بتلك المسائل .. فقد صرح بمن أتى بتلك المسائل.
وأبو القاسم هذا لم أقف على ترجمته ولكني أعلم في التنوخيين رجلين كل منهما اسمه همام أحدهما همان بن عامر جد بني المهذب التنوخي وهذا توفى سنة ٢٣٤ والثاني همام بن الفضل بن جعفر من أحفاد المهذب وهذا
مقدمة / 5
كان معاصرًا لأبي العلاء وله تاريخ نقل عنه ياقوت وابن العديم وابن الوردي كثيرًا من الحوادث وله ولد يقال له أبو الحسن علي بن همام وهذا كان تلميذًا لأبي العلاء وقد رثاه بأبيات منها قوله:
إن كنت لم ترق الدماء زهادة ... فلقد أرقت اليوم من عيني دمًا
فأما أن يكون أبو القاسم صاحب المسائل هو هذا التلميذ وقد وقع في كنيته تحريف ونسب إلى جده. وإما أن يكون لهمام ولدان أحدهما علي والثاني محمد ولمحمد يقال له أبو القاسم علي وهذا أقرب إلى القبول مع جواز أن يكون أبو القاسم غير من ذكرنا.
متى ألف هذه الرسالة وأين ألفت:
لم أعثر على نص تاريخي يعين الزمان أو المكان الذي ألفت فيه هذه الرسالة وقد قال الأستاذ الميمني: يظهر من فحواها أنها ألفت نحو سنة ٤٣٥ تقريبًا وهو احتمال قريب ويرى الأستاذ كراجكوفسكى أنها ألفت في الزمن ألفت فيه رسالة الغفران يعني قبل ذلك ببضع سنوات.
وقد ذكر أبو العلاء في المقدمة ما يدل على أنه ألفها حين صدق فجر اللمة وبلغ سن الأشياخ وانقطع عن المعاشر وأصبح الظعن إلى الآخرة قريبًا ولم يعين الزمن وهذه الرسالة إن كانت سابقة على رسالة الغفران فهي نواة لها وإن كانت متأخرة عنها فهي صورة مصغرة عنها.
وعلى كلا التقديرين لا يجد الباحث في رسالة الغفران من المسائل العلمية والصرفية معشار ما يجده في هذه الرسالة.
مقدمة / 6
ما تشتمل عليه هذه الرسالة:
سأل أبو القاسم أبا العلاء أو نقل السؤال له عن ست عشرة مسألة وهي المذكورة في فهرس هذه الرسالة فأجابه عنها أبو العلاء وقدم أمام الأجوبة مقدمة ذكر فيها إحدى وعشرين مادة بحث عن أصولها وأوزانها واشتقاقها وأحكامها وغير ذلك وهي:
١ - ملك
٢ - عزرائيل
٣ - منكر ونكير
٤ - موسى
٥ - ارزبة
٦ - الجدث
٧ - الريم
٨ - الزبانية
٩ - غسلين
١٠ - جهنم
١١ - سفر
١٢ - مخاطبة الواحد بصيغة المثنى
١٣ - يا رضو
١٤ - الكمثرى
١٥ - سفرجل
١٦ - سندس
١٧ - طوبى
١٨ - الحيوان
١٩ - الحور
٢٠ - الاستبرق
٢١ - العبقري
ويظهر للمتأمل إن من هذه المسائل التي سئل عنها ما لا علاقة له بعلم الصرف كقول الراجز أين الشظاظان وأين المربعة فالظاهر من الجواب أن السؤال كان عن الوزن والمعنى وليس فيه ما يتعلق بالصرف إلا ما ذكره في اشتقاق مطبعة وكالقول في المسالة التي ذكرها ابن كيسان فلا يدل الجواب على أن المسالة صرفية وكالمسألتين اللتين ذكرهما النحويون فإن القول فيهما يتعلق بالنحو وكذلك ذكر في المقدمة مثل يا رضو ...
وبهذا القدر يظهر أن قول المتقدمين إن الرسالة جواب عن مسائل صرفية مبني على أن أكثر المسائل يتعلق بعلم الصرف والعلماء يتسامحون
مقدمة / 7
بمثل ذلك والمتأخرون كثيرًا ما يشايعون المتقدمين من غير تثبيت اعتمادًا على ثقتهم بهم.
سبب تسميتها رسالة الملائكة:
لم يصرح أبو العلاء في هذه الرسالة بسبب تسميتها ولعله جعل ذلك عنوانًا لها كما سمى غيرها كرسالة المنيح والغفران والاغريض وتاج الحرة. وربما كان سبب تسميتها بذلك أنه افتتح القول فيها بالكلام على ملك وملائكة ثم ذكر جملة من أسماء الملائكة كعزرائيل واسرافيل وجبرائيل وميكائيل ومنكر ونكير ورضوان ...
أول معرفتي بهذه الرسالة:
أول ما وقفت عليه مقدمة رسالة الملائكة التي طبعها الأستاذ الميمني ثم التي طبعها الأستاذ الكيلاني ثم الرسالة المطبوعة في روسية. ثم تلطف الأستاذ السيد قدري الكيلاني من فضلاء حماة فبعث إلي بنسخة عنده من المقدمة نقلها من الأشباه والنظائر وعارضها بنسخة مصر ونسخ لرجل من طرابلس ثم اطلعت على ما ذكره منها البديعي في أوج التحري.
هذا ما اطلعت عليه من نسخ المقدمة وأما الرسالة كلها فلم أقف لها على أثر ولا رأيت من ذكر لها خبرًا قبل أن ظهرت هذه النسخة في دار الكتب الظاهرية.
وقد عارضت مقدمتها بالنسخ المتقدم ذكرها ورمزت بحرف (م) نسخة الميمني وبحرف (ك) لنسخة كامل الكيلاني وبحرف (ر) نسخة كراجكوفسكي وبحرف (ح) نسخة قدري الكيلاني:
مقدمة / 8
الفروق التي بين المقدمة التي في هذه النسخة وبين بقية النسخ المذكورة:
١ - يتبين من نسخة دار الكتب أنها صححت بعد كتابتها بطريقتين أحدهما القراءة على شيخ لم يبين من هو. زالثاني مقابلتها بغيرها. يدلنا على ذلك أن بعض الكلمات المصححة كتبت في حواشي الصحائف وقد كتب على بعضها. "بلغت قراءة ومقابلة على الشيخ ... " وعلى بعضها "بلغت قراءة عليه أيده الله ... " والتصحيح من خط النسخة.
٢ - إن كثيرًا من الكلمات فيها مضبوط بالشكل ضبطًا صحيحًا.
٣ - إن هذه النسخة صرح فيها باسم الرجل الذي جاء بتلك المسائل وفي غيرها كني عنه بأبي فلان.
٤ - إن الخطأ والتحريف فيها أقل مما في غيرها وإن بعض الطابعين لم يوفقوا إلى الصواب في كثير من الضبط والشرح وقد بينا جملة من ذلك في الكلمة التي نشرت في مجلة المجتمع العلمي وأشرنا إلى بعضه في ذيل هذه النسخة المطبوعة الآن كما أشرنا إلى فروق أخر غير ما ذكرنا.
رسالة الملائكة على حسب نسخة دار الكتب:
تشتمل هذه الرسالة على مقدمة وعلى الأجوبة عن المسائل التي سئل عنها ابو العلاء أما المقدمة فقد ذكر فيها إحدى وعشرين مادة كما قلنا وهذه المواد فيها من كل واد عصا ومن كل باقة زهرة. وقد أراد أبو العلاء أن يجعل لها مناسبات تجعل منها وحدة جامعة لهذه الألفاظ وآصرة محكمة بين كل واحد وآخر منها فجعل نفسه كأنه أشرف على الموت وأراد أن يدافع ملك الموت ويشغله بالبحث عن أصل ملك واشتقاقه ثم جعل نفسه
مقدمة / 9
كأنه دخل القبر فذكر أسماء لبعض الملائكة ثم خرج إلى المحشر فتصدى إلى البحث عن أسماء مسميات تكون في الجنة أو النار.
وجعل من ذلك صورة خيالية ترتاح إليها النفس، واستطاع بسببها أيضًا أن يجمع بين تلك الألفاظ التي تكلم فيها ولولا هذه الصورة لما وجد الإنسان مناسبة بين ملك وجهم والكمثرى وطوبى والسندس وغيرهما وبهذه الصورة دل على قدرة واضطلاع بهذا العلم وسعة إطلاع على الغريب والنادر والفصيح.
وأما الأجوبة فالمذكور منها أشرنا إلى أن بعضه لا علاقة له بعلم الصرف وأن بعضه غير مذكور وهو القول في يأجوج ومأجوج والقول في السمَّهى والقول في الحديث "أنا فرط القاصفين".
وهذه لا نستطيع الحكم على ما تكلمه فيها لعدم وجوده في هذه النسخة ولأننا لم نطلع عليه في غيرها.
ولا يبعد أن يكون السؤال عن يأجوج ومأجوج راجعًا إلى وزنها واشتقاقهما ونحو ذلك مما يتعلق بعلم الصرف وهما اسمان أعجميان لقبيلتين من خلق الله جاءت القراءة فيهما بهمز وبغير همز. واشتقاق مثلهما من كلام العرب يخرج من أجَّت النار إذا سمع صوت لهبها ومن الماء الأجاج وهو الشديد الملوحة المحرق من ملوحته ووزن يأجوج يعفول ومأجوج معفول.
ويجوز أن يكون يأجوج فاعولًا وكذا مأجوج هذا إذا كان الاسمان عربيين أما إذا كانا أعجميين فلا تشتق الأعجمية من العربية.
مقدمة / 10
ومن لا يهمز اللفظين ويجعل الألفين زائدين يقول يأجوج من يججت ومأجوج من مججت.
وكذلك السمهي بضم السين وتشديد الميم بمعنى الباطل وفيها لغات السمَّة والسميهي والسميهاء ويقال جرى فلان السمهي أي جرى إلى غير أمر يعرفه والسمهى الهواء ولعل القول فيها يرجع إلى وزنها واشتقاقها.
وقد ذكرها سيبويه في الأبنية فقال ج ٢ ص ٣٢٤. وجاء على فعلى وهو قليل قالوا السمهى وهو اسم والبدرى وهو اسم ولا نعلمه وصفًا.
وأما القول في الحديث أنا فرط القاصفين فالمشهور في روايته أنا والنبيون فراط القاصفين وفي رواية فراط القاصفين وهذا الحديث رواه نابغة بني جعدة والفراط جمع فارط المتقدم والقاصفون المزدحمون يريد أنهم يتقدمون الأمم إلى الجنة وهم على أثرهم متدافعون متزاحمون وقيل غير ذلك.
فلعل في رواية أخرى فرط القاصفين والفرط المتقدم إلى الماء يتقدم الواردة فيهيء لهم الارسان والدلاء ويملأ الحياض ويستقي لهم. فعل بمعنى فاعل ويقال رجل فرط وقوم فرط.
ولعل القول في هذه المسألة يتعلق بوزن فرط ومعناهما ومعنا القاصف واشتقاقهما ونحو ذلك.
قيمة الرسالة:
لم يصل إلينا شيء كثير من كتب المتقدمين المختصة بعلم التصريف أو الصرف وكل ما أمكننا العثور عليه من هذا العلم مسائل ذكرها
مقدمة / 11
سيبويه في كتابه والمفصل وشروحه وشراح الألفية والكافية والشافية والمراح والعزى ونحوها ولم يوفق إلى الإطلاع على كتب الأئمة المتقدمين من البصريين والكوفيين وغيرهم وإنما وقفنا على أقوال موجزة منقولة عنهم وفيها ما لا ترتاح إليه النفوس إما لذكره بغير تعليل وأما لعدم إقامة دليل عليه وإما لاختصار في بسط ذلك.
ومن وقف على رسالة الملائكة اتضح لديه أن هذا العلم بلغ الذروة القصوى في ذلك العهد وأن لرجاله باعًا طويلًا في معرفة الأبنية وضبطها ووضع المقاييس ورعايتها وقدرة على البحث عن أصول الكلمات واشتقاقها وردها إلى أصولها ومعرفة الشاذ والنادر منها وبراعة في تعليل الأحكام وإيراد الأدلة والشواهد وما شاكل ذلك من الأمور التي تدل على سعة في المدارك ونموّ في الملكات وغزارة في المادة.
فهذه الرسالة تمثل لنا صورة تامة عما وصل إليه هذا العلم في ذلك العصر والعصور التي قبله وعما بلغ إليه العلماء فيه كما تمثل لنا صورة كاملة عما كان يتمتع به العلماء من حرية القول والإقدام على نقد الأئمة ودحض حججهم ومناقشتهم في الدقيق والجليل من المسائل.
وقلما رأينا كتابًا يمثل ذلك كله بالقدر الذي تمثله هذه الرسالة.
أبو العلاء في هذه الرسالة: تواضع أبو العلاء في مقدمة هذه الرسالة وأسرف في تواضعه فزعم أن حق مثله ألا يسأل فإن سئل تعين عليه ألا يجيب فإن أجاب ففرض ألا
مقدمة / 12
يسمع فإن سمع منه ففرض ألا يكتب فإن كتب فواجب أن لا ينظر فيه. إلى غير ذلك مما ذكره في المقدمة وهذا سبيله في كثير من رسائله.
ولكنه عند البحث يتخلى عن هذا التواضع وتبدو له المظاهر الآتية:
١ - سعة الخيال: فإنه أبرز صورة من خياله الواسع تدل على أنه كان لبقًا في اختراع الأخيلة قادرًا على تخير الأساليب التي تنفذ كلماته إلى أعماق القلوب فقد جعل نفسه كأنه أشرف على الموت وجاءه الملك فأراد أن يدافعه فذكر له أصل ملك واشتقاقه ثم دار الحديث بينه وبين منكر ونكير إلى أن جرى ما جرى بينه وبين رضوان واتخذ ذلك وسيلة لغايات منها إيجاد مناسبة بين الألفاظ الذى ذكرها وإحداث صلة تربط بعضها ببعض.
ومنها إيصال هذه المباحثات إلى النفوس بغير سآمة ولا ملل وأنه لو سردها ثم تكلم من واحد بعد الآخر لتسرب الملل إلى القارئ ولكنه أورد بعضها على شكل محاورة مع ملك وبعضها على سبيل التعجب ممن يتمتع بشيء من النعيم وهو لا يعرف اسمه ولا وزنه ولا ولا.
٢ - نقده العلماء والأئمة: وبعد أن تواضع ما تواضع في المقدمة وجعل منزلته إلى الجهال أدنى منها إلى العلماء ترك ذلك كله ووقف موقف من لا يثق بغيره حتى يكاد يخيل إلى القارئ أنه في مقدمة الرسالة غيره فيما بعدها ويتجلى لك نقد الأئمة في مثل قوله: وقد يقع في الكتب ألفاظ مستغلقة فمنها ما يكون تعذر فهمه من قبل عبارة واضع الكتاب وعلى ذلك جاءت عبارة سيبويه في بعض المواضع.
وقوله: أليس صاحبكم سيبويه زعم أن الياء ... قلت قد زعم
مقدمة / 13
ذلك إلا أن السماع عن العرب لم يأت فيه نحو ما قال إلا أن يكون شاذًا.
وقوله: وكان أبو إسحاق يزعم أن استبرق في الأصل مسمى بالفعل الماضي ... وهذه دعوى من أبى إسحق وإنما هو اسم أعجمي عرب.
وقوله: وزعم الفراء أن أصل لكن لاكئن وهذه دعوى لا تثبت.
وقوله: وكان الفارسي يأبى ترك صرف شيطان ... والرواية على غير ما قال والأخيار تدل على خلافه.
٣ - اعتداده بنفسه وعدم اعتداده برأي غيره ويتراءى ذلك في مثل قوله في سندس: والذي اعتقده أن النون زائدة ولا أمنع أن يكون فعللا ولكن الاشتقاق يوجب ما ذكرت.
وقوله في طوبى: والذي نذهب إليه إذا حملناها على الاشتقاق أنها من ذوات الياء".
وقوله في إياك: والذي اعتقده مذهب الخليل.
وقوله في الضمائر: ولا أمنع أن يستند شيء من ذلك.
وقوله: ولا أمنع أن يجيء الفعل على فعلن وإن لم يذكره المتقدمون.
وقوله: ولا أمنع أن يخالف الأول مخالف.
٤ - ثقته بعلمه وسعة إطلاعه ويتضح ذلك في مثل قوله ليس في كلامهم مثل اسفرجل يسفرجل.
مفقود في كلامهم الياء بعدها الواو.
أحدهما أن يكون من همن وهذا فعل ممات.
وقد تكون الكلمة حقيقة في اللفظ ولم ينطقوا بها فيما اشتهر من
مقدمة / 14
الكلام كقولهم المدع فهذه الكلمة تشبه كلام العرب ولم يذكر المتقدمون أنهم نطقوا بها وكذلك الرمح وأشياء كثيرة.
ولم يستعمل التلق ولا اللتق ولا القلت.
والثالث بناء أهمل بكليته مثل الخاء والظاء والراء نحو الخظر لم تجيء هذه الكلمة ولا شيء من وجوهها.
وهمن لم يذكره أحد من المتقدمين فيما أعلم.
ومثل هذا الكلام لا يقع إلا ممن يثق بعلمه واستقرائه التام وسعة إطلاعه.
٥ - سعة إطلاعه على اللغة وقدرته على رد الكلمات إلى الأصول التي يحملها اللفظ وتوجيهه إلى المعنى الذي يريده، وإكثاره من إيراد الأشباه والنظائر فيما يريد إثباته أو نفيه. وتتجلى قدرته على ذلك فيما أورده من الأبنية والأوزان في كلمة إياك واثنين وابن واسم ومهيمن فقد ذكر لكل واحد منها صيغًا وأوزانًا متعددة وأصولًا مختلفة ووجه كلًا منها إلى المعنى الذي يريده على كل احتمال وتقدير.
٦ - معرفته القراءات المتواترة وغيرها حتى يخيل إلى الإنسان أنه أحاط علمًا بكل قراءة معروفة في عصره ويظهر ذلك فيما ذكره من قراءة ابن مسعود وابن محيص ويحي بن وثاب ومكورة الأعرابي وغيرهم.
٧ - كثرة ما يحفظه من قواعد هذا العلم وضوابطه العامة فتراه في خلال كلامه في كل مادة ينثر جملًا من القواعد الصرفية. مثل قوله المتقدمون لا يزنون الحروف التي جاءت لمعنى ... لا يجمعون بين علة
مقدمة / 15
العين واللام. الفات الوصل لا تدخل على الأسماء التي ليست جارية على الأفعال حتى تكون نواقص من آخرها. التأنيث يدخل على التأنيث. الترخيم لا يرد الأمثلة إلى أصولها ...
٨ - كثرة ما يحفظه من القواعد والضوابط العامة اللغوية فإن في كلامه كثيرًا من ذلك مثل قوله مفقود في كلامهم الياء بعد الواو .. لم يستعملوا في الأفعال الماضية ما يجتمع فيه الياء أن غير عي وحي. لم يجيء بناء على افعيله وافعيل إلا إنجيل .. ليس في أبنيتهم ما فيه أربع متحركات ...
ليس في كلامهم واو مكسورة بعدها ياء مشددة في صدر الكلمة.
٩ - كثرة ما يحفظه من الشواهد فإنه أورد في هذه الرسالة أبياتًا لأكثر من ستين شاعرًا عرفناهم. وهناك أبيات كثيرة لم يعزها إلى أصحابها ولم نعرفهم هذا عدا ما أتى به من آيات القرآن الحكيم والأمثال السائرة وغيرها.
١٠ - الاستقصاء في البحث والقدرة على إيراد الأدلة والشواهد والأمثلة ومقايسة الأشياء بنظائرها وإيضاح الفروق بين المتشابهين وتعليل الأحكام وذكر القيود والمحترزات، ومن أنعم النظر فيما قاله في إياك مثلًا تبين له أنه لم يدع وزنًا يحتمله اللفظ ولا أصلًا يمكنه إرجاعه إليه إلا أورده، وذكر فوق ذلك ما يشابهه في بعض الصور ويخالفه في الحكم وبيَّن علة ذلك. ثم أورد بعد ذلك ما يمكن أن يبني على وزنه من الألفاظ الصحيحة والمعتلة وقد يأتي بالمثال فيه كلمتان فيبين السبب الذي
مقدمة / 16
أتى به من أجله ثم ينتقل إلى القول في الكلمة الثانية فيبحث في أصلها أو وزنها ثم يعود إلى الكلمة الأصلية فيذكر لها وزنًا آخر أو يبحث في اشتقاقها على تقدير كل معنى يحتمله اللفظ.
ولا يظهر للمتأمل أن في كلامه هذا اقتضابًا ولا تفككًا ولا يشعر باضطراب في تشبيه ولا قلق في أسلوب.
١١ - الاختراع. وقلما يجد الإنسان أثرًا لأبي العلاء إلا وفيه شيء من ابتكاره فإنه في هذه الرسالة قسم بيت الشعر إلى قادر وفاتح وواسط وخاتم وكل بيت أما أن يكمل معناه فيه أو يكمل في الذي بعده أو الذي قبله أو فيهما جميعًا وهذا التقسيم لم أره لغير أبي العلاء.
وصفوة القول أن الإنسان مهما إسهب في وصف هذه الرسالة ووصف مؤلفها لا يستطيع أن يوفي كلًا منهما حقه ولا يستطيع إنسان أن يعلم كنه كل منهما حتى يعترض هذه الرسالة جملة فجملة فيتضح له حينئذ ما هي هذه الرسالة ومن هو أبو العلاء ويعلم أنه صادق حيث يقول:
واني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
ظفر المجتمع العلمي في دمشق بهذه الرسالة فأكبرها وبادر إلى طبعها ورغب إلي أن أتولى تحقيقها وضبطها وشرح الغامض منها ليسهل الانتفاع بها لكل من أراد فنزلت عند رغبته واستفرغت المجهود في تصحيحها وتنقيحها وإيضاح المغلق منها وربما لجأت إلى إيراد البحث كاملًا أو إلى تحرير المسألة بفروعها وفروقها ليتأتى فهم ما في الرسالة من ذلك. وقد صادفت عناء في تحقيق بعض الكلمات لأن
مقدمة / 17
فيها كثيرًا من الألفاظ التي أهمل نقطها وكثيرًا من المواطن التي يشتبه فيها حرف بحرف وأكثر ما يكون ذلك بين الكاف واللام لأن كاتبها يهمل الخط الذي يفرق بينهما، ويجعل الضمة علامة السكون ويضع فوق حرف اللين الساكن ضمة علامة على سكونه ونحو ذلك مما يورث الإبهام والشبهة. وقد تألب عليَّ في هذا العمل ضيق الوقت الذي حدد لإنجازه وفقدان مرجع الجأ إليه للمقابلة والتصحيح وانفرادي بالعمل وكثرة أعمالي الخاصة. فاضطررت إلى الإيجاز في بعض المواطن وإلى إهمال القول في بعض آخر وإلى إغفال تراجم بعض الرجال وربما تكرر القول في غير موضع ولم تسلم الرسالة من الهفوات التي تقتضيها العجلة ويوجبها كل واحد مما ذكرنا. وقد بينا بعض ذلك في آخر الرسالة وسنضيف إليه ما فاتنا في كلمة ننشرها في مجلة المجمع.
وبعد كل ما تقدم فإن الأدب العربي مدين للمجمع العلمي في دمشق لطبعه هذا الأثر الجليل وإخراجه للناس في اليوم الذي يحتفلون فيه بأبي العلاء لمرور ألف سنة على ميلاده.
وإني لأرجو ممن وقف على خطأ أو سهو في هذه الرسالة أن ينبهني عليه فأكون له من الشاكرين.
محمد سليم الجندي
عضو المجمع العلمي العربي في دمشق
1 / 18
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيق إلا بالله
قال (١) أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وعترته المنتخبين، ديانة مولاي الشيخ أدام الله عزه وسلم جسده ونفسه تبعث من سمع بذكره على الشوق إلى حضرته، فإذا أضيف إليها علمه وأدبه همَّ أن يطير بالمشتاق أربه (٢) وليس مولاي الشيخ بأول رائد (٣) ظعن إلى الأرض العازبة (٤) فوجدها من النبات قفرًا ولا بآخر شائم (٥) ظنَّ الخير بالسحابة فكانت من قطر صفرًا (٦) وقد شهر بالفضل وسمه والمعرفة به اسمه جاءتني من فوائد
_________
(١) في النسخة الروسية. أول الرسالة الحمد لله البديع في جلاله وجماله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه وآله وبعد فقد قال أبو الفضل مؤيد بن موفق الصاحبي في كتاب الحكم البوالغ في شرح الكلم النوابغ رسالة الملائكة ألفها أبو العلاء المعري على جواب مسائل تصريفية ألقاها إليه بعض الطلبة فأجال عنها بهذا الطريق الظريف المشتمل على الفوائد الأنيقة مع صورتها المستغربة الرشيقة
بسم الله الرحمن الرحيم وليس مولاي الشيخ بأول رائد ...
وفي نسختي مصر أولها. قال أبو الفضل المؤيد بن الموفق ..
(٢) () الأرب الحاجة والكلف بالشيء
(٣) () الرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث.
(٤) () البعيدة وفي ر العارية.
(٥) () شام السحاب والبرق نظر إليه أين يمطر.
(٦) () خاليًا والجملتان اللتان بعدها ليستا في غير هذه النسخة ..
1 / 1