The Delightful Explanation on Zad Al-Mustaqni'
الشرح الممتع على زاد المستقنع
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢ - ١٤٢٨ هـ
Noocyada
ـ[الشرح الممتع على زاد المستقنع]ـ
المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: ١٤٢١هـ)
دار النشر: دار ابن الجوزي
الطبعة: الأولى، ١٤٢٢ - ١٤٢٨ هـ
عدد الأجزاء: ١٥
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
_________
أعده للشاملة / أبو أيوب السليمان - ١٤٢٩هـ
Bog aan la aqoon
مقدمة المؤلف (الشيخ محمد بن صالح العثيمين)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه؛ والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعدُ:
فإن كتاب " زاد المستقنع في اختصار المقنع " - تأليف: أبي النجا موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي - كتاب قليل الألفاظ، كثير المعاني، اختصره من " المقنع "، واقتصر فيه على قولٍ واحدٍ، وهو الراجح من مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولم يخرُج فيه عن المشهور من المذهب عند المتأخرين إلا قليلًا.
وقد شُغِفَ به المبتدئون من طلاب العلم على مذهب الحنابلة، وحَفِظَهُ كثير منهم عن ظهر قلب.
وكان شيخُنا عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي " رحمه الله تعالى "، يَحُثنا على حفظه، ويُدرِّسنا فيه.
وقد انتفعنا به كثيرا ولله الحمد، وصرنا نُدرِّس الطلبة فيه بالجامع الكبير بعُنيزة، بحلِّ ألفاظه، وتبيين معانيه، وذِكر القول الراجح بدليله أو تعليله، وقد اعتنى به الطلبة وسجَّلوه وكتبوه.
1 / 5
ولما كَثُرَ تداوله بين الناس عبر الأشرطة والمذكرات؛ قام الشيخان الكريمان الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل، والدكتور خالد بن علي المشيقح بإخراجه في كتاب سُمِّيَ: " الشرح الممتع على زاد المستقنع "، فخرَّجا أحاديثه، ورقَّما آياته، وعلَّقا عليه ما رأياه مناسبًا، وطبعاه الطبعة الأولى، فجزاهما الله خيرًا.
ولما كان الشرح بالتقرير لا يساوي الشرح بالتحرير؛ من حيث انتقاء الألفاظ؛ وتحرير العبارة؛ واستيعاب الموضوع؛ تَبيَّن أنَّ من الضروري إعادة النظر في الكتاب، وتهذيبه وترتيبه. وقد تمَّ ذلك فعلًا - ولله الحمد -؛ فحذفنا ما لا يُحتاج إليه، وزدنا ما تدعو الحاجة إليه، وأبقينا الباقي على ما كان عليه.
وقد كان في مقدمة من قرأه علينا في هذه الطبعة الدكتور خالد بن علي المشيقح، جزاه الله خيرًا.
والله أسأل؛ أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه، موافقًا لمرضاته، وأن ينفع به عباده، إنه سميعٌ قريبٌ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد؛ وعلى آله وأصحابه؛ والتَّابعين لهم بإحسان.
المؤلف
محمد الصالح العثيمين
٤/ ٦ / ١٤٢٠ هـ
1 / 6
شرح مقدمة الزاد
قال المؤلف رحمه الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: «بسم الله»، الجار والمجرور متعلِّق بمحذوف فعلٍ مؤخَّرٍ مناسبٍ للمقام، فعندما تريد أن تقرأ تقدِّر: بسم الله أقرأُ، وعندما تريد أن تتوضَّأ تقدِّر: بسم الله أتوضَّأُ، وعندما تريد أن تذبحَ تقدِّر: بسم الله أذبحُ، وإنما قَدَّرناه فعلًا، لأن الأصلَ في العمل للأفعال، وقدَّرناه مؤخَّرًا لفائدتين:
الأولى: التبرُّكُ بالبَداءة باسم الله ﷾.
الثانية: إفادةُ الحصر؛ لأن تقديم المتعلِّق يُفيد الحصر.
وقدّرناه مناسبًا؛ لأنه أدلُّ على المُراد، فلو قلت مثلًا - عندما تريد أن تقرأَ كتابًا ـ: بسم الله أبتدئُ ما يُدْرَى بماذا تبتدئُ؟ لكن: بسم الله أقرأ، يكون أدلَّ على المراد الذي ابتدئ به.
قوله: «الله»، هو عَلَمٌ على الباري جلَّ وعلا، وهو الاسم الذي تَتْبَعُه جميعُ الأسماء، حتى إِنه في قوله تعالى: ﴿كِتابٌ أنزلناهُ إِليكَ لتُخرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلماتِ إِلى النُّور بإِذنِ رَبهم إِلى صِراطِ العزِيزِ الحميدِ * اللَّهِ الذي لهُ ما في السَّماواتِ وما في الأَرضِ﴾ [إبراهيم: ١، ٢]، لا نقولُ: إِن لفظ الجلالة «الله» صفة، بل نقول: هو عطف بيان؛ لئلا يكون لفظُ الجلالة تابعًا.
قوله: «الرحمن»، من أسماء الله المختصَّة به، لا يُطلقُ على غيره، و«الرَّحْمن» معناه: المتَّصف بالرَّحمةِ الواسعةِ.
قوله: «الرَّحيم»، المُراد به ذو الرحمةِ الواصلةِ.
وإِذا جُمِعَا - الرَّحمن الرَّحيم - صار المُراد بالرَّحيم: الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده، كما قال تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ *﴾ [العنكبوت]، فهو ملحوظٌ فيه الفعل.
1 / 7
وأما الرَّحمن: فهو الموصوف بالرَّحمة الواسعة؛ فهو ملحوظٌ فيه الصِّفةُ.
وابتدأَ المؤلِّفُ كتابَه بالبسملة اقتداءً بكتاب الله ﷿، فإِنه مبدوءٌ بالبسملة، واقتداءً بالنبيِّ ﷺ فإنه كان يبدأ كُتُبَه بالبسملة (١).
إِنَّ الحمدَ لله ................
قوله: «الحمدُ لله»، جملةٌ اسميَّةٌ مكوَّنةٌ من مبتدأ وخبر.
والحمدُ: وصفُ المحمود بالكمال؛ سواءٌ كان ذلك كمالًا بالعَظَمة؛ أو كمالًا بالإحسان والنِّعمة. واللَّهُ تعالى محمودٌ على أوصافه كلِّها وأفعاله كلِّها.
واللام في قوله: «لله»، قال أهل العلم: إنها للاختصاص والاستحقاق.
فالمستحقُّ للحمد المطلق هو الله، والمختصُّ به هو الله، ولهذا كان النبيُّ ﷺ إِذا أصابته السَّرَّاءُ قال: «الحمدُ لله الذي بنعَمِه تَتمُّ الصَّالحاتُ»، وإن أصابته الضَّرَّاءُ قال: «الحمدُ لله على كُلِّ حالٍ» (٢).
_________
(١) مثال ذلك ما جاء في الحديث بلفظ: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إِلى هِرَقل عظيم الروم ...» الحديث. رواه البخاري، كتاب بدء الوحي،
رقم (٧)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير: باب كتاب النبي ﷺ إِلى هِرَقل، رقم (١٧٧٣) من حديث ابن عباس عن أبي سفيان.
(٢) رواه ابن ماجه، كتاب الأدب: باب فضل الحامدين، رقم (٣٨٠٣)، والطبراني في «الدعاء»، رقم (١٧٦٩)، وابن السني في «عمل اليوم والليلة»، رقم (٣٧٨)،
والحاكم (١/ ٤٩٩) من طرق عن الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن منصور بن عبد الرحمن، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة به.
وهذا إِسناد ضعيف. زهير بن محمد ثقة؛ إِلا أن رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة؛ والراوي عنه الوليد بن مسلم دمشقي. أضف إِلى ذلك أن الوليد كثير التدليس
والتسوية وقد عنعن.
إِلا أن للحديث شواهد - يتقوَّى بها - من حديث ابن عباس، وعلي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وغيرهم.
انظر: «الأسماء والصفات» للبيهقي، رقم (١٥٠)، و«الدعاء» للطبراني، رقم (١٧٧٠)، و«تاريخ بغداد» (٣/ ١٣١)، و«مسند البزار»، رقم (٥٣٣)، و«شرح السنة»
للبغوي، رقم (١٣٨٠)، و«الحلية» لأبي نعيم (٣/ ١٥٧).
1 / 8
أما غيرُ اللَّهِ فيُحمَدُ على أشياءَ خاصَّة؛ ليس على كُلِّ حالٍ.
وأيضًا: هي للاختصاص، فالذي يَختصُّ بالحمد المطلق الكامل هو الله، فهو المستحقُّ له المختصُّ به.
حَمْدًا لا يَنْفَدُ، أفضَلَ مَا يَنْبغِي أن يُحْمَدَ، ..........
قوله: «حمدًا لا ينفد»، «حمدًا» مصدر، والعامل فيه المصدر قبله، فهو مصدرٌ معمولٌ لمصدر. والمصدر المحلَّى بأل يعمل مطلقًا، و«حمدًا» مصدرٌ مؤكِّدٌ لعامله؛ لأنه إذا جاء المصدر بلفظ الفعل أو معناه فهو مؤكِّدٌ؛ كقوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤].
ومع كونه مؤكِّدًا وُصِفَ بقوله: «لا يَنفَدُ». فيكون أيضًا بصفته مبيِّنًا لنوع الحمد؛ وأنَّه حمدٌ لا ينفَدُ، بل هو دائم، والربُّ ﷿ مُستحِقٌّ للحمد الدي لا ينفَد، لأن كمالاته لا تنفد، فكذلك الحمد - الذي هو وصفه بالكمالات - لا ينفَد.
وليس المعنى: لا ينفَدُ منِّي قولًا، لأنَّه ينفَد منه بموته، أو بتشاغله، بغيره، ولكن المعنى: أن اللَّه مُستحِقٌّ للحمد الذي لا ينفَدُ باعتبار ذلك منسوبًا إِليه؛ فهو لا ينفَدُ.
قوله: «أَفْضَلَ ما يَنْبَغِي أنْ يُحمدَ»، صفةٌ لحمد،
1 / 9
فيكون المؤلِّفُ ﵀ وصفَ الحمدَ بوصفين:
الأول: الاستمرارية بقوله: «لا ينفَدُ».
الثاني: كمالُ النَّوعيَّة بقوله: «أفضل ما ينبغي أن يُحمَد»، أي: أفضل حَمْدٍ يَستحقُّ أن يُحمدَهُ.
وعلى هذا تكون «ما» نكرة موصوفة، يعني: أفضل حمدٍ ينبغي أن يُحمَده.
وَصَلَّى الله وسَلَّمَ ..............
قوله: «وصلَّى الله وسلَّمَ»، لما أثنى على الله ﷿ بما ينبغي أن يُثْنَى عليه، ثَنَّى بالصَّلاة والسَّلام على أفضل الخلق.
قال بعضُ العلماء: الصَّلاةُ من الله: الرَّحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدُّعاء (١).
والصَّواب ما قاله أبو العالية: «إنَّ الصَّلاة من الله ثناؤه على المُصَلَّى عليه في الملأ الأعلى» (٢)، أي: عند الملائكة المقرَّبين، وهذا أخصُّ من الرَّحمة المطلقة.
وعلى هذا، فمعنى «صلَّى الله على محمَّدٍ»، أي: أثنى عليه في الملأ الأعلى. وهذه جملة خبرية لفظًا، إنشائية
_________
(١) انظر: «جلاء الأفهام» ص (٢٥٦ - ٢٧٦).
(٢) رواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، كتاب التفسير: باب «إِن الله وملائكته يُصَلُّون على النبي»، رقم (٤٧٩٧).
1 / 10
معنى؛ لأنه ليس المراد أنِّي أُخبرُ بأن الله صلَّى؛ ولكنَّني أدعو الله ﷿ أن يُصلِّيَ، فهي بمعنى الدُّعاء، والدُّعاءُ إِنشاءٌ.
وقوله: «وسلَّم»، وهذه أيضًا جملةٌ خبريةٌ لفظًا، إِنشائيَّةٌ معنى، أي: أدعو الله تعالى بأن يُسَلِّمَ على محمَّدٍ ﷺ.
والسَّلامُ: هو السَّلامةُ من النقائص والآفات. فإِذا ضُمَّ السَّلامُ إلى الصَّلاةِ حَصَلَ به المطلوبُ، وزال به المرهوبُ، فَبالسَّلامِ يزولُ المرهوبُ وتنتفي النقائصُ، وبالصَّلاة يحصُلُ المطلوبُ وتَثْبُتُ الكمالاتُ.
على أفضلِ المُصْطَفَيْنَ ...............
قوله: «المُصْطَفَيْن»، بضمِّ الميم وفتح الفاء، أصله «المصتفين» بالتَّاء من الصفوة؛ وهي خُلاصة الشَّيء. والمصطفَوْنَ من الرُّسل: أولو العزم من الرُّسل. وهم مَذْكُورون في القرآن الكريم في موضعين: في سورة الأحزاب: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [الآية: ٧]، وفي الشُّورى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾ [الشورى الآية: ١٣].
فهؤلاء الخمسة هم أولو العزم، ومحمَّدٌ ﷺ أفضلهم. ويدلُّ على ذلك أنَّه خاتمهم (١)، وإمامُهم ليلة المعراج (٢)؛ ولا يُقَدَّم إلا الأفضل، وصاحبُ الشَّفاعةِ العُظمى (٣)، وهناك أشياء
_________
(١) وروى البخاري، كتاب المناقب: باب خاتم النبيين، رقم (٣٥٣٥)، ومسلم، كتاب الفضائل: باب ذكر كونه خاتم النبيين، رقم (٢٢٨٦) بلفظ: «وأنا خاتم النبيين».
(٢) رواه أحمد (١/ ٢٥٧) من حديث ابن عباس. قال ابن كثير: «إِسناده صحيح ولم يخرِّجوه». التفسير (٥/ ٢٦) (الإِسراء: ١). وله شاهد من حديث أنس بن مالك رواه
النسائي، كتاب الصلاة: باب فرض الصلاة، (١/ ٢٢١) رقم (٤٤٩).
(٣) حديث الشفاعة العُظمى رواه البخاري، كتاب الرقاق: باب صفة الجنة والنار، رقم (٦٥٦٥)، وفي كتاب التفسير: باب ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾، رقم (٤٧١٢)،
ومسلم كتاب الإِيمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة رقم (١٩٣، ١٩٤).
1 / 11
أخرى تدلُّ على أنَّه أفضلُهم لكن هذه أمثلة.
محمَّدٍ، وعلى آلِهِ، ...................
قوله: «محمد»، عطفُ بيان؛ لأن أفضل المُصطَفَيْن لا يُعرف من هو، فإِذا قيل: «محمَّد»
صار عطف بيان بَيَّنَ مَنْ هذا الأفضل.
وهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطَّلب بن هاشم القُرشي؛ كما قال عن نفسه: «إن الله اصطفى من بني إسماعيل كِنانة، واصطفى من كِنانة قريشًا، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خِيارٌ من خِيارٍ» (١).
قوله: «وعلى آله»، إذا ذُكِر «الآل» وحده فالمرادُ جميعُ أتباعه على دينه، ويدخلُ بالأولويَّة مَنْ على دينه من قرابته؛ لأنهم آلٌ من وجهين: من جهة الاتِّباع، ومن جهة القَرابة، وأما إِذا ذُكِرَ معه غيرُه فإِنَّه يكون المرادُ بحسب السِّياق، وهنا ذُكِرَ الآلُ والأصحابُ ومن تعبَّد، فنفسِّرُها بأنهم المؤمنون من قرابته؛ مثل
_________
(١) رواه مسلم، كتاب الفضائل: باب فضل نسب النبي ﷺ رقم (٢٢٧٦) إِلى قوله: «واصطفاني من بني هاشم»، من حديث واثلة بن الأسقع.
وأما قوله: «فأنا خيار من خيار»، فرواه الطبراني في «الكبير» (١٢/رقم ١٣٦٥٠)، وفي «الأوسط» رقم (٦١٨٢) عن ابن عمر. قال الهيثمي: «فيه حمَّاد بن واقد وهو
ضعيف يُعتبر به». «المجمع» (٨/ ٢١٥).
قال ابن حجر: «هذا حديث حسن ... وحماد بن واقد لم ينفرد به، فقد رواه معه عبد الله بن بكر السهمي، وهو من رجال الصحيحين. وأما شيخهما محمد بن ذكوان
فمختلف فيه، فحديثه حسن في الجُملة». «الأمالي المطلقة» لابن حجر ص (٦٨).
1 / 12
عليِّ بن أبي طالب، وفاطمة، وابن عبَّاس، وحمزة، والعبَّاس، وغيرهم.
وأصْحَابِهِ، وَمَنْ تَعَبَّدَ .................
قوله: «وأصحابِه»، جمع صَحْب، وصَحْبٌ اسم جمعِ صاحبٍ، فأصحابه: كُلُّ من اجتمع به مؤمنًا به، ومات على ذلك، ولو لم يَرَهُ ولو لم تَطُل الصُّحبةُ.
وهذا من خصائصه ﷺ، أما غيرُه من النَّاس فلا يكون صاحبًا له إلا من لازمه مُدَّةً يَستحِقُّ بها أن ينطبق عليه وصفُ صاحب.
قوله: «ومن تعبَّد»، مَنْ: اسم موصول، وهي للعموم.
وقوله: «تعبَّد»، أي: تعبَّد لله؛ وتذلَّل له بالعبادة والطَّاعة.
والعبادة مبنيَّة على أمرين:
١ - الحُبّ.
٢ - والتَّعظيم.
فبالحبِّ يكون طلب الوصول إلى مرضاة المعبود، وبالتَّعظيم يكون الهرب من الوقوع في معصيته؛ لأنك تعظِّمه فتخافه، وتحبّه فتطلبه.
وأما شرطا قَبولها فهما: الإِخلاصُ لله، والمتابعةُ لرسوله.
وكلمة «من تعبّد» عامة في كل من تعبَّد لله من هذه الأمَّة، ومن غيرها؛ ولهذا قال النبيُّ ﷺ في قولنا: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين: «إنكم إذا قلتم ذلك فقد سلَّمتم على كُلِّ عبدٍ
1 / 13
صالحٍ في السَّماء والأرض» (١) حتى الملائكة، وصالحو الجنِّ وأتباع الأنبياء السابقين يدخلون في هذا.
وهل يدخل فيها أصحابُ النبيِّ ﷺ وآله المؤمنون؟ هذا مبنيٌّ على الخلاف بين العلماء، هل إِذا عطفنا العامَّ على الخاصِّ يكون الخاصُّ داخلًا في العام، أو خارجًا بالتَّخصيص؟ في هذا قولان: فمنهم من يقول: إنه داخل فيه؛ لأن العموم يشمله. ومنهم من يقول: إِنَّ ذكره بخاصَّته يدلُّ على أنه غير مراد (٢).
وهذا الخلاف قد يترتَّبُ عليه بعضُ المسائل، لكن من قال: إنه يدخل في العموم قال: إن الخاصَّ يكون مذكورًا مرَّتين: مرَّة بالخصوص، ومرَّة بالعموم.
أمَّا بَعْدُ: ...............
قوله: «أما بعد»، هذه كلمة يُؤتى بها عند الدُّخول في الموضوع الذي يُقْصَدُ.
وأما قول بعضهم: إنها كلمة يُؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر (٣)، فهذا غيرُ صحيح، لأنه ينتقلُ العلماءُ دائمًا من أسلوب إلى آخر، ولا يأتون بأمَّا بعدُ.
وأما إعرابها فنقول: «أما» نائبة عن شرط وفعلِ الشَّرط، والتَّقدير: مهما يكن من شيءٍ بعد ذلك فهذا مختصرٌ، فيكون
_________
(١) رواه البخاري كتاب الاستئذان: باب السلام اسم من أسماء الله، رقم (٦٢٣٠)، ومسلم، كتاب الصلاة: باب التشهد في الصلاة، رقم (٤٠٢) بمعناه عن عبد الله بن
مسعود ﵁.
(٢) انظر: «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ١٨٨ - ١٩١)، «جلاء الأفهام» ص (٣٣٨).
(٣) انظر: «الروض المربع» (١/ ١٠).
1 / 14
«أما» بمعنى مهما يكن من شيء، و«بعدُ» ظرف متعلِّق بـ «يكن» المحذوفة مع شرطها؛ مبني على الضمِّ في محلِّ نصبٍ، لأنه حُذف المضافُ إليه، ونُوِيَ معناه، وهذه الظُّروف - بعدُ وأخواتها - إِذا حُذف المضاف إليه ونُويَ معناه بُنيت على الضمِّ؛ كما في قوله تعالى: ﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ [الروم: ٤].
فهذا مخْتَصَرٌ فِي الفقهِ، ..............
قوله: «مختصرٌ»، مُفْتَعَلٌ فهو اسم مفعول.
والمختصر: قال العلماء: هو ما قلَّ لفظُه وكثُرَ معناه (١).
قوله: «في الفقه»، الفقة لغةً: الفهم، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤]. وقوله: ﴿قَالُوا ياشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾ [هود: ٩١]. بمعنى لا نفهم.
وفي الشَّرع: معرفة أحكام الله العَقَديَّة والعَمَليَّة.
فالفقه في الشَّرع ليس خاصًا بأفعال المكلَّفين، أو بالأحكام العمليَّة، بل يشمل حتى الأحكام العَقَديَّة، حتى إن بعضَ أهل العلم يقولون: إِن عِلمَ العقيدة هو الفقهُ الأكبرُ (٢). وهذا حَقٌّ، لأنك لا تتعبَّد للمعبود إلا بعد معرفة توحيده بربوبيّته وألوهيّتِه وأسمائه وصفاته، وإلا فكيف تتعبَّد لمجهول؟!
ولذلك كان الأساسُ الأولُ هو التَّوحيدَ، وحُقَّ أن يُسمَّى بالفقه الأكبر.
لكنَّ مرادَ المؤلِّف هنا: الفقه الاصطلاحي وهو: معرفة الأحكام العمليَّة بأدلتها التفصيلِيَّة.
_________
(١) انظر: «الروض المربع» (١/ ١٠)، «المصباح المنير» (١/ ١٧٠).
(٢) انظر: «مجموع الفتاوى» (١٩/ ٣٠٧).
1 / 15
شرح التَّعريف:
قولنا: «معرفة» ولم نقل: علم؛ لأن الفقه إما علمٌ وإما ظنٌّ. وليس كلُّ مسائل الفقه علميَّة قطعًا، ففيه كثيرٌ من المسائل الظنِّيَّة، وهذا كثيرٌ في المسائل الاجتهادية التي لا يصلُ فيها الإِنسان إلى درجة اليقين، لكن لا يُكلِّفُ اللَّهُ نفسًا إلا وسعها.
فقولنا: «معرفةُ» لأجل أن يتناول العلم والظنَّ.
وقولنا: «العمليَّة» احترازًا من الأحكام العَقَديَّة، فلا تدخل في اسم الفقه في الاصطلاح، وإن كانت تدخل في الشرع.
وقولنا: «بأدلتها التفصيليَّة» احترازًا من أصول الفقه، لأن البحث في أصول الفقه في أدلة الفقه الإجمالية، وربما تأتي بمسألة تفصيليَّة للتمثيل فقط.
وعُلِمَ من قولنا: «بأدلَّتها» أن المقلِّدَ ليس فقيهًا؛ لأنه لا يعرف الأحكام بأدلَّتها، غايةُ ما هنالك أن يكرِّرَها كما في الكتاب فقط. وقد نقل ابنُ عبد البَرِّ الإجماعَ على ذلك (١).
وبهذا نعرف أهميَّة معرفة الدَّليل، وأن طالب العلم يجب عليه أن يتلقَّى المسائل بدلائلها، وهذا هو الذي يُنجيه عند الله ﷾؛ لأن الله سيقول له يوم القيامة: ﴿مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥]، ولن يقول: ماذا أجبتم المؤلِّفَ الفلاني،
_________
(١) انظر: «جامع بيان العلم وفضله» ص (٤٤٩، ٤٥٢).
1 / 16
فإذًا لا بُدَّ أن نعرفَ ماذا قالت الرُّسل لنعمل به.
ولكن التَّقليد عند الضَّرورة جائزٌ لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]، فإِذا كُنَّا لا نستطيع أن نعرف الحقَّ بدليله فلا بُدَّ أن نسأل؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: إن التَّقليد بمنزلة أكل الميتة، فإذا استطاع أن يستخرج الدَّليلَ بنفسه فلا يحلُّ له التقليد (١).
من مُقْنعِ الإِمامِ .................
قوله: «من مُقْنِعِ»، جار ومجرور، صفة لمختصر. و«مُقْنِع» اسم كتاب للموفّق ﵀، مؤلف «زاد المستقنع».
قوله: «الإمام»، هذا من باب التَّساهل بعض الشيءِ، لأن الموفَّق ليس كالإِمام أحمد، أو الشَّافعي، أو مالك، أو أبي حنيفة، لكنه إِمام مقيَّد، له مَنْ يَنْصُرُ أقوالَه ويأخذُ بها، فيكون إِمامًا بهذا الاعتبار، أما الإِمامةُ التي مثل إِمامة الإِمام أحمد ومَنْ أشْبَهَهُ فإِنَّه لم يصلْ إلى دَرجتها.
وقد كَثُر في الوقت الأخير إطلاق الإمام عند النَّاس؛ حتى إِنه يكون الملقَّب بها من أدنى أهل العلم، وهذا أمرٌ لو كان لا يتعدَّى اللفظَ لكان هيِّنًا، لكنه يتعدَّى إلى المعنى؛ لأنَّ الإِنسان إِذا رأى هذا يُوصفُ بالإِمام تكون أقوالُه عنده قدوة؛ مع أنَّه لا يستحِقُّ. وهذا كقولهم الآن لكل مَنْ قُتِلَ في معركة: إِنَّه شهيد. وهذا حرام، فلا يجوز أن يُشْهَدَ لكل شخصٍ بعينه بالشَّهادة، وقد بَوَّبَ البخاريُّ ﵀ على هذه المسألة بقوله: (بابٌ:
_________
(١) انظر: «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٢٠٣، ٢٠٤).
1 / 17
لا يقول: فلانٌ شهيدٌ، وقال النبيُّ ﷺ: «واللَّهُ أعلمُ بمن يُجاهدُ في سبيله، والله أعلم بمن يُكْلَمُ في سبيله») (١).
وعمر بن الخطاب ﵁ نهى عن ذلك (٢).
نعم يقال: من قُتِل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قُتِل بهدمٍ، أو غرق فهو شهيد، لكن لا يُشْهَدُ لرَجُلٍ بعينه.
ولو أنَّنَا سوَّغنا لأنفسنا هذا الأمر؛ لساغَ لنا أن نشهد للرَّجُلِ المعيَّن الذي مات على الإِيمان أنَّه في الجنَّة؛ لأنَّه مؤمنٌ، وهذا لا يجوز.
المُوَفَّق أبي مُحَمَّد ..................
قوله: «الموفَّق أبي محمَّد»، الموفَّق: اسم مفعول، وهو لقب لهذا الرَّجل العالم ﵀ (٣).
«والمقنع»: كتابٌ متوسِّطٌ يذكر فيه مؤلِّفُه القولين، والرِّوايتين، والوجهين، والاحتمالين في المذهب، ولكن بدون ذِكْرِ الأدلَّة أو التَّعليل إِلا نادرًا.
وله كتاب فوقه اسمه «الكافي» يذكر القولين، أو الرِّوايتين، أو الوجهين في المذهب، أو الاحتمالين، ولكنه يذكر الدَّليل والتَّعليل، إِلا أنَّه لا يخرج عن مذهب أحمد.
_________
(١) رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم، كتاب الجهاد والسير: باب لا يقول فلان شهيد، رقم (٢٨٩٨).
(٢) رواه أحمد (١/ ٤٨)، والنسائي، كتاب النكاح: باب القسط في الأصدقة، (٦/ ١١٩)، رقم (٣٣٤٩).
قال الحافظ ابن حجر: «هو حديث حسن». «الفتح» شرح حديث رقم (٢٨٩٨).
(٣) انظر ترجمته في: «ذيل طبقات الحنابلة» (٢/ ١٣٣).
1 / 18
وله كتاب فوق ذلك هو «المغني»، فقه مُقَارَنٌ يذكر القولين، والرِّوايتين عن الإِمام أحمد وغيره من علماء السَّلف والخلف.
وله كتاب «العُمدة في الفقه» وهو مختصر على قول واحد، لكنه يذكر الأدلة مع الأحكام.
ولذا قيل:
وفي عصرنا كان الموفَّقُ حُجَّةً ... على فقهه الثَّبت الأصول معوَّل
كفى الخلق بالكافي، وأقنع طالبًا ... بمقنع فقه عن كتاب مطوَّل
وأغنى بمغني الفقه مَنْ كان باحثًا ... وعمدته من يعتمدها يحصِّل
وروضته ذات الأصول كروضة ... أماست بها الأزهار أنفاس شمأل
تدلُّ على المنطوق أقوى دلالة ... وتحمل في المفهوم أحسن محمل
وذلك مما قاله الأديب يحيى بن يوسف الصَّرصري من قصيدة طويلة يُثني بها على الله ﷿ ويمدح النبيَّ ﷺ وأصحابه ﵃، ويذكر جماعة من التَّابعين وتابعيهم، ويَذكر الإِمام أحمد وجماعةً من أصحابه رحمهم الله تعالى (١).
وقد تُوفِّيَ الموفَّق؛ عبد الله بن أحمد بن قُدامة المقدسي سنة (٦٢٠هـ).
على قَوْلٍ وَاحِدٍ، وهو الرَّاجِحُ ..................
قوله: «على قولٍ واحد»، بمعنى أنه لا يأتي بأكثرَ من قولٍ لأجل الاختصار؛ وعدم تشتيت ذهن الطَّالب.
قوله: «وهو الرَّاجح»، يعني: الرَّاجح من القولين، وقد لا يكون في المسألة إلا قولٌ واحد.
_________
(١) انظر: «ذيل طبقات الحنابلة» (٢/ ١٤١).
1 / 19
في مَذْهَب أحْمَد
قوله: «في مذهب أحمد»، المذهب في اللُّغَةِ: اسم لمكان الذَّهاب، أو زمانه، أو الذَّهاب نفسِه.
وفي الاصطلاح: مذهب الشَّخص: ما قاله المجتهدُ بدليلٍ، ومات قائلًا به، فلو تغيَّر قولُه فمذهبه الأخير.
وقولنا: ما قاله المجتهدُ. خرج به ما قاله المقلِّدُ؛ لأن المقلِّدَ لا مذهبَ له، وليس عنده علم، وقد تقدَّم حكايةُ ابنِ عبد البَرِّ الإِجماعَ على أنَّ المقلِّد ليس عالمًا (١)، ولهذا قال ابنُ القيم ﵀ في النونيَّة:
العلم معرفةُ الهدى بدليله ... ما ذاك والتقليدُ يستويان (٢)
وأحمد: هو ابن حَنْبَل الشيباني، إِمام أهل السُّنَّة والفقه والحديث. فهو إِمام أهل السُّنَّة في العقائد والتَّوحيد، وإمام أهل الفقه في المسائل الفقهية، وإِمام أهل الحديث في روايته ونقد رجاله. وقد جرى عليه من المِحَنِ في ذات الله ﷿، ما نرجو له به رِفْعَةَ الدَّرجات، وتكفير السَّيئات، ولم يصمُدْ أمام المأمون وأعوانه من المُحَرِّفين لكلام الله إِلا هو ونفرٌ قليل؛ ولكنَّه ﵀ أشدُّهم وأوثقهم عند العامَّة؛ ولهذا كان النَّاس ينتظرون ما يقول أحمد في خلق القرآن، إلا أنَّه جزم بأنَّ القرآنَ كلامُ الله غيرُ مخلوقٍ، حتى إِنهم كانوا يضربونه بالسِّياط فيُغشى عليه، ويجرُّونه في الأسواق، فأثابه الله بأن جعله إمامًا ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ *﴾ [السجدة].
واعلمْ أن قول العلماء: مذهب فلان، يُراد به أمران:
_________
(١) انظر: ص (١٦).
(٢) انظر: «القصيدة النونية» ص (٧٧).
1 / 20
الأول: المذهب الشَّخصي.
الثاني: المذهب الاصطلاحي.
والغالب عند المتأخِّرين إذا قالوا: هذا مذهب الشَّافعي، أو أحمد، أو ما أشبه ذلك، فالمراد المذهب الاصطلاحي، حتى إِنَّ الإِمام نفسَه قد يقول بخلاف ما يُسمَّى بمذهبه، ولكنهم يجعلون مذهبه ما اصطلحوا عليه.
ومُراد المؤلِّف هنا بمذهب أحمد: المذهب الاصطلاحي.
ورُبَّما حَذَفْتُ مِنْهُ مَسَائِلَ نَادِرَةَ الوقُوعِ، وزِدْتُ مَا على مِثْلِه يُعتَمد؛ ..............
قوله: «وربما حَذفتُ منه مسائلَ»، منه: الضَّميرُ عائدٌ على «المقنع».
والمسائل: جمع مسألة، والمسألة ما يُستدلُّ له في العلم؛ ولهذا قالوا: العلم دلائل ومسائل. والدلائل سمعية: إِن كانت نصًا من كتاب أو سُنَّة أو إجماع، أو عقليَّة: إن كانت قياسًا.
قوله: «نادرةَ الوقوعِ»، يعني: قليلة الوقوع؛ لأن المسائل النادرة لا ينبغي للإنسان أن يشغل بها نفسه.
قوله: «وزدتُ ما على مثله يُعتَمد»، «ما» اسم موصول بمعنى الذي، صلتها قوله: «يعتمد»، و«على مثله» متعلِّق بـ «يعتمد»، والمعنى: زدت من المسائل أشياء مهمة يُعتمد عليها.
إذًا؛ هذا الكتاب اشتمل على ثلاثة أمور:
الأول: الاقتصار على قول واحد.
الثاني: حذف المسائل النادرة.
1 / 21
الثالث: زيادة ما يُعتمد عليه من المسائل.
إِذ الهِمَمُ قَد قَصُرَتُ، والأسباب المثبِّطَة عن نيل المُرادِ قد كَثُرَتْ
قوله: «إِذ الهِمَمُ قد قَصُرَتْ»، إذ: حرف تعليل، والهمم مبتدأ، وجملة «قد قصرت» خبره.
والهمم: جمع همَّة وهي الإِرادة الجازمة، وقد يُراد بالهمَّة ما دون الإرادة الجازمة، وهي شاملة لهذا وهذا.
والجملة تعليلٌ لقوله: «مختصر»، و«حَذفتُ».
قوله: «والأسباب المثبِّطةُ عن نيل المراد قد كَثُرت»، مع قصور الهمم هناك صوارف، ولهذا قال: «والأسباب ... إلخ».
الأسباب: جمع سبب، وهو في اللغة: ما يُتَوَصَّلُ به إلى المطلوبِ، وهو المراد هنا.
قوله: «المثبِّطة» بمعنى المفتِّرة للهمم.
قوله: «قد كثُرت»، ولكن مع الاستعانة بالله ﷿ وبذل المجهود يحصُل المقصود. وليُعلَمْ أنه كلَّما قَويَ الصَّارف، فإِن الطَّالب في جهاد، وأنه كلَّما قوِيَ الصَّارف ودافعه الإِنسان فإِنه ينال بذلك أجرين: أجر العمل، وأجر دفع المقاوم؛ ولهذا قال النبيُّ ﷺ: «إن أيام الصَّبر للعامل فيهن أجر خمسين من الصَّحابة» (١).
_________
(١) رواه أبو داود، كتاب الملاحم: باب الأمر والنهي، رقم (٤٣٤١)، والترمذي، كتاب تفسير القرآن: باب (ومن سورة المائدة)، رقم (٣٠٥٨) وقال: «حسن غريب»،
وابن ماجه، كتاب الفتن: باب قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ بمعناه من حديث أبي ثعلبة الخشني، وإِسناده ضعيف.
إِلا أن له شاهدًا من حديث ابن مسعود يتقوَّى به، رواه البزار رقم (١٧٧٦)، والطبراني في «الكبير» رقم (١٠٣٩٤)، قال الهيثمي: «ورجال البزار رجال الصحيح غير
سهل بن عامر البجلي وثقة ابن حبان»، المجمع (٧/ ٢٨٢).
1 / 22
لأن هناك أسبابًا مثبِّطة كثيرة، ولكن إِذا أَعْرَضْتَ فهذه المصيبة.
والذُّنوب من أكبر العوائق. قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ [المائدة: ٤٩]. وهذا دليل على أنَّ تولِّي الإِنسان عن الذِّكر سببه الذُّنوب، ولكن مع الاستغفار وصدق النيَّة يُيسِّر الله الأمر.
واستنبط بعض العلماء من قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا *وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا *﴾ [النساء]، أنَّه ينبغي للإِنسان إذا نزلت به حادثةٌ، سواءٌ إِفتاء أو حكم قضائيٌّ، أن يُكْثِرَ من الاستغفار (١)؛ لأنَّ الله قال: ﴿لِتَحْكُمَ﴾ ثم قال: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ﴾ وهذا ليس ببعيد؛ لأنَّ الذُّنوب تمنع من رؤية الحقِّ، قال تعالى: ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *﴾ [المطففين].
ومعَ صغَر حجمه حَوَى ما يُغْني عن التَّطوِيلِ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلاَّ بِالله، ...........
قوله: «ومع صغر حجمه حَوى ما يُغني عن التَّطويل»، حوى: جَمَعَ، وهو أجمع من كتاب الشيخ مرعي ﵀ «دليل الطَّالب»، و«دليل الطَّالب» أحسن من هذا ترتيبًا؛ لأنه يذكر الشُّروط، والأركان، والواجبات، والمستحبَّات، على وجه مفصَّل.
قوله: «ولا حول ولا قُوَّة إلا بالله»، لا: نافية للجنس، والحَوْلُ: التَّحوُّل وتَغيُّر الشيء عن وجهه.
_________
(١) انظر: «إِعلام الموقعين» (٤/ ١٧٢).
1 / 23