أنَّ عالمًا من رجال الإصلاح سُئل عن (حكم الصّياح في التَّهليل والتكبير، وغيرهما أمام الجنائز)، فأفتى بأنه «مكروه تحريمًا، وبدعة قبيحة، يجب على علماء المسلمين إنكارها، وعلى كل قادر إزالتها، مستدلًا بآية قرآنية، وحديث صحيح، وأقوال الفقهاء»، وسأل هذا المستفتي عن السؤال نفسه رجلًا آخر ينتمي في الظَّاهر إلى العلم، فأجاب بالسَّلب، ونفى ما قرره الأولُ نفيًا رجمًا بالغيب، وتهجُّمًا على الحقِّ بقول الزور، ولم يكتفِ بذلك وحده، بل تجاوز حدودَ الأدب والإنصاف، ورمى الرَّجلَ بالزَّيغ والضَّلال، وأسند إليه ما لم يقل به، ولم يجر به قلمه، شأن أصحاب الهوى والإفك، وأن في قصة الإفك (١) لعبرة لقوم يعقلون.
إنّ هذه المسألة، وكذا مسألة المولد النبوي، ونظائرها؛ لمن الأمور البديهية، التي لا يحسن بمنتمٍ إلى العلم، وشادٍ شيئًا من الفقه، أن يُنازع أو يختلف فيها، ومن نازع فقد أعرب عن جهلٍ عريقٍ، وفَهَاهَة باقلية (٢)، وجهالة غبشانية!
فقد أجمعتْ كلمةُ المحقِّقين من السَّلفِ والخلفِ على إنكار هذه البدع، التي لم يُنَزِّل الله بها من سلطان، ولم يختلف منهم قط اثنان.