The Clearest Exegesis
أوضح التفاسير
Daabacaha
المطبعة المصرية ومكتبتها
Lambarka Daabacaadda
السادسة
Sanadka Daabacaadda
رمضان ١٣٨٣ هـ - فبراير ١٩٦٤ م
Noocyada
ـ[أوضح التفاسير]ـ
المؤلف: محمد عبد اللطيف الخطيب
الناشر: المطبعة المصرية ومكتبتها
الطبعة: السادسة، رمضان ١٣٨٣ هـ - فبراير ١٩٦٤ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]
Bog aan la aqoon
(ك)
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله واهب ما يشاء لمن يشاء، بيده وحده المنع وبيده العطاء؛ وبيده مفاتيح الخير ومغاليق الشر: يفتح الخير لمن يطلبه ويسعى إليه، ويغلق الشر عمن ينبذه ويبتعد عنه ﴿ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم﴾.
والصلاة والسلام على رسوله الكريم، ونبيه العظيم: المؤيد بالآيات البينات، والمعجزات الظاهرات؛ جاءنا بأفضل كتاب على الإطلاق، وهدانا إلى مكارم الأخلاق؛ وحثنا على اتباع المعروف والأمر به، واجتناب المنكر والنهي عنه ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس: تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله﴾.
صلى الله تعالى وسلم عليه: صلاة وسلامًا دائمين بدوام ملك الله! نكون بهما أهلًا لمحبته ورضاه؛ وموطنًا لشفاعته يوم نلقاه!
وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن أحبهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين!
أما بعد: فهذا كتابي [أوضح التفاسير] في طبعته السادسة؛ وقد تناولته الأمة -منذ طبعته الأولى- بالرضا والقبول؛ فضلًا من الله ونعمة!
وهذا وقد نفدت طبعاته السابقة فور صدورها؛ وعاقني عن موالاة إصداره عوائق، وحالت دون إبرازه حوائل. فلما آذن فجره الطلوع، وأذن المولى الكريم بصدوره: جعل الصعب سهلًا، والعسر يسرًا؛ وأبدل سبحانه من ضعفى قوة، ومن شيخوختي فتوة؛ فإذا بي أستحف المتاعب؛ وكنت أنوء بحملها. وأستهين بالعقبات؛ وكنت أئن من ثقلها!
المقدمة / 11
(ل)
ولكنه الله: ﴿الغفور الودود. ذو العرش المجيد. فعال لما يريد﴾!
فاستعنت الله تعالى، وشمرت عن ساعد الجد، وأخذت في تبييض أصوله؛ متوخيًا الإفاضة فيما أوجزته، والإطناب فيما لخصته؛ وقد زدت فيه زيادات كثيرة مما فتح به الكريم الوهاب، ورفعت النقاب عن درر الكتاب؛ ليكون مسرح ذوي الألباب، ومطمح مبتغي الثواب؛ وليكون علمه واسعًا نافعًا، وفيضه عظيمًا عميمًا!
وقد عملت جاهدًا على أن أبسط للقارئ ما تحتاجه الكلمات والعبارات من معان كثيرة غزيرة: لأغنيه عن الموسوعات التي يضرب الباحث في صحرائها، ويتيه في بيدائها، ويحتمل حرها اللافح، وشمسها المحرقة؛ فإذا ما لاحت له واحة المعاني وارفة الظلال: لم يبق له الجهد ما يتنفس به من هوائها العليل، وما يستسيغه من مائها السلسبيل.
وليس هذا قدحًا فيها، أو ذمًا لها؛ فهي ملجأ الباحثين، وملاذ المتقين؛ غير بعض الهنات، وسبحان من تنزه عن السيئات!
جزى الله واضعها ومؤلفيها أحسن الجزاء؛ فهو جل شأنه ﴿أهل التقوى وأهل المغفرة﴾.
وطالما خالفت الكثير من أقوال المفسرين؛ معتمدًا -في هذه المخالفة- على لب القرآن، وحكمة نزوله، وقدر منزله!
وكثيرًا ما طعنت طعنًا مريرًا فيما استندوا إليه من منقول: لا يبلغ حد إلغاء العقول! ومن مقول لا يبلغ حد المعقول!
وقلت في نفسي: أليس من حقي -وأنا من عداد المؤمنين المكلفين- أن أقرع الحجة الواهنة، بالحجة البينة، وأن أدفع الرأي الفاسد، بالرأي السديد؛ أم أسلم مع المسلمين، وأقول مع القائلين: لم يترك الأول شيئًا للآخرين، ومن قلد عالمًا لقي الله سالمًا؛ وقد كان إبليس اللعين أول العالمين!
لقد قالوا ما قالوا، وأوردوا ما أوردوا -بحسن نية، وصدق طوية- وهم من خيرة الخلصاء المؤمنين!
المقدمة / 12
(م)
ولكن الإثم كل الإثم: أن نرى المنكر ولا نغيره، ونتلو الباطل ولا نمحوه؛ ويهبنا المولى الجليل ميزان الأمور؛ بقسطاس العقل المنير -الذي به شرفنا وفضلنا على كثير ممن خلق من العالمين- فنلغى ما وهبنا، ونربط عقلنا بعقال غيرنا. وقد يكون هذا الغير آثمًا أو مخطئًا -وقد كتب الخطأ على سائر بني آدم- «كل ابن آدم خطاء»، فكيف نحمل أنفسنا إثم الآثمين، وخطأ المخطئين؛ ونمتطي تكلم الآثام، ونترسم خطى هاتيك الأخطاء؟!
ولكني -بحمد الله تعالى وحسن توفيقه- استعنت بقلبي وربي، وحكمت عقلي ولبي؛ في كل ما قرأت وسمعت؛ فهداني الهادي إلى ما كتبت؛ وروح القدس معي، والرحمن يحدوني بإلهامه وإكرامه، ويمدني بفيض فضله وإنعامه!
وقد أسوق الدليل: فلا يروقك -بادئ ذي بدء- لغرابته وجدَّته، ولما سيطر على ذهنك من أقوال سابقة كالهواء، وحجج متلاحقة كالهباء! ولكنك بعد قليل من التذوق والتروي: تجده أروى من الرواء (١)، وأصفى من الصفاء!
وها هو ذا -كما قلت في مقدمة طبعته الأولى-، «يعني عن جل التفاسير، حيث لا تغني كلها عنه!» ولا بدع فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم!
هذا ولم أدع مزيدًا من العلم والرواية؛ بل زعمت صحة التمحيص والدراية (٢)، والغوص وراء حقيقة المعاني: المحتجبة إلا عن الواصلين، المغطاة إلا عن المتقين!
وحاربت -حربا ً لا هوادة فيها- كل ميل عن السبيل، وزيغ عن الطريق، وحيدة عن الصراط؛ ليكون التكلم في كتاب الله: خالصًا لوجه الله!
ومما يدعو لشديد الأسف، ومزيد الألم: أن بعض الأمة الإسلامية -وقد اصطفاها الله تعالى من بين الأمم، واختصها بخير رسول، وميزها بأفضل كتاب - قد استكانوا
ــ
(١) ماء رواء: كثير مرو.
(٢) من معاني الزعم: القول الحق، وفي الحديث «زعم جبريل».
المقدمة / 13
(ن)
للضعف؛ وقد نهاهم الله عنه، وركنوا للنفاق؛ وقد توعدهم الله عليه! وصار دينهم الجري وراء المادة؛ وهي مطغية، والسعي وراء الشهوات، وهي مردية!
فكل قول يقولونه، وكل عمل يعملونه: لا يريدون به وجه الله؛ بل يريدون به المنفعة الشخصية؛ فكأنما باعوا أخراهم بدنياهم، واشتروا رضا الناس بسخط مولاهم؛ ففازوا في الحالتين بالعقوبتين: خزي الدنيا وعذاب الآخرة! وقديمًا الشاعر:
وابغ رضا الله؛ فأغبى الورى ... من أغضب المولى، وأرضى العبيد!
ولكني -علم الله- لم أبغ فيما كتبت سوى رضا الله! لأنه تعالى هو وحده المعطي المانع، الخافض الرافع، المعز المذل، الغفور الرحيم!
وها هو ذا -أيها المؤمن- بين يديك؛ فإن راقك كله؛ فلله الحمد والمنة، والفضل والنعمة! وإن أعجبك بعضه ولم يعجبك بعضه؛ فلعلي أكون ممن خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم! وإن لم يعجبك كله - ولا إخاله كذلك - فيشفع لي حسن ظني ويقيني، وما يكنه قلبي لربي؛ من حب وإيمان، وإخلاص وإيقان؛ وشهادتي بربوبيتي ووحدانيتي! ناصيتي بيده، ومرجعي إليه! أعوذ بوجهه الكريم من غضبه، وبعفوه من عقوبته، وبرضاه من سخطه!
جعلني الله تعالى وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أولئك الذين هداهم الله وألئك هم أولوا الألباب!
محمد محمد عبد اللطيف ابن الخطيب
المقدمة / 14
(ف)
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه الذي من تمسك بشريعته فاز ونجا، وعلى آله وصحبه الذين أناروا حالك الدجى.
أما بعد: فقد كنت منذ حداثة سني ولوعًا بالكتاب الكريم، شغوفًا بمطالعة ما كتبه أئمة المفسرين، وما دونه علماء الملة والدين؛ وكنت دائمًا أناقش من حضرني من أفاضل الأدباء وجلة العلماء، فيما كان يبدو لي مشوهًا متناقضًا؛ وكثيرًا ما وضح ترجيح رأيي، وتفضيل مذهبي.
فجرأني هذا، وألجأني إلحاف من يحسنون الظن بي؛ إلى الشروع في كتابة تفسير صغير للقرآن المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فترددت بادئ ذي بدء، وخفت من الزلل، وخشيت من الخطل، ولكني راجعت نفسي قائلًا: إن الأمر بيد الله تعالى. وهو وحده القادر على أن يمدني بنور من عنده، ويكشف عن بصري وبصيرتي، وينقي سري وسريرتي، فاستعنته تعالى، وابتدأت التأليف؛ بعد أن تصفحت أغلب كتب التفسير وأمهاتها، ولا أكتم القول أن جلها - إن لم يكن كلها - قد يجمع على ضلالة. وأنها لا تخلو من حشو اليهود وإفك الأفاكين؛ إلى غير ذلك من الأحاديث الكاذبة، والأقاويل الباطلة.
ورب قائل يقول: ومن أنت حتى تنقد أقوال المفسرين وتسفه آراءهم؟ وهل أنت أجل من ابن جرير الطبري، وأنبغ من ابن كثير والإمام الرازي والزمخشري؟!
وجوابي على هذا: إنني من بحرهم استقيت، ومن معينهم ارتويت؛ إلا بعض الهنات، وسبحان من تنزه عن السيئات. وقد أخذت خلاصة آرائهم، وزبدة أقوالهم، وطرحت ما لا يتفق والدين، وما كان مخلًا بعصمة الملائكة والنبيين، وتحريت التنبيه على الأحكام الشرعية، وما يعادلها من القوانين الوضعية. وتوخيت في بعض المواطن
المقدمة / 17
(ص)
الإقلال حيث لا خلل، وفي بعضها الإكثار حيث لا ملل. وقد حاولت جهد الطاقة الابتعاد عن دس الدساسين، ووضع الزنادقة والملحدين!
أما التشدق بتصريف الألفاظ وتأويلها، وتحميلها ما لا تحتمله -كشأن أكثر التفاسير- فلم أعره أي التفات، بل كان جل همي إيضاح المعاني وحل المشكلات.
وقد التزمت الإطالة في المواضع التي طرقتها طائفة المبشرين، ولمزتها أعداء الملة والدين، ووفيت أبحاثها، ودعمت حججها وبراهينها.
وقد أغفلت بضع مواطن لم أوفق لحلها، ولم أهتد لتأويلها، ولم أجد فيما قاله فيها المتقدمون والمتأخرون ما يرتاح إليه الضمير، وينشرح له الصدر: فتركته راغمًا لا راضيًا؛ وهذا نهاية عزمي، وقصارى جهدي.
ولم أقل إنني أحطت بكل دقائق التأويل، وسائر حقائق التنزيل؛ فهذا ما لا يستطيعه بشر، ولا يقوى عليه إنسان ﴿وما يعلم تأويله إلا الله﴾.
وحقًا إننا لو أردنا استيفاء معنى آية واحدة؛ لما استطعنا حصر ما فيها من جليل الحكم وغزير الفوائد، وإن الأوائل -رغم شدة توسعهم، وعظم تبحرهم- لم يستطيعوا فهم سائر معانيه وإدراك كل مراميه؛ وإنني في كثير من الأحيان أشعر بفهم آية من الآيات حيث لا أملك الإبانة عما فهمته، أو الإفاضة بما علمته؛ وحقًا إن هذا الضرب، لمن ضروب الإعجاز الذي امتاز به القرآن الكريم، ولعل من تقدمني من أفاضل المفسرين عرض له مثل الذي عرض لي، وهكذا يقتضي العجز البشري تجاه عظمة لا نهائية كعظمة القرآن.
مع العلم أن القرآن الكريم فوق سائر العقول والأفهام؛ وجميع التفاسير مهما علت وجلت: لا يصح أن تكون حجة عليه، بل هي ترجمة له.
وقد جرت عادة المؤلفين أن يصدروا مؤلفاتاهم بمقدمات يذكرون فيها أنهم جابوا الصحارى والقفار، وجاسوا الممالك والأقطار؛ حتى وصلوا إلى ما عجز عنه الأوائل، ولم يهتد إليه الأواخر.
المقدمة / 18
(ق)
ولكني أصارح القول إنني حينما شرعت فيما صنعت، أخذت مصحفًا وبدأت في تلاوته؛ وكلما وجدت لفظة لغوية رجعت في حلها إلى كتب اللغة المعتمدة وأثبته على هامشه، وكلما وجدت معنى غامضًا عرضت على ذهني آراء كبار المفسرين، وأثبت ما عن لي من ثنايا تلك الآراء، وإن لم يرق لي أحدها أملت علي الذاكرة شيئًا لم أسبق إليه، وقد ثبتت لي صحته لما ظهر لي من تحبيذ كبار الفضلاء، وأفاضل العلماء له حينما أسمعتهم إياه، وأقسم إنني كنت أكتب ما أكتب وأنا منشرح الصدر، منبسط النفس؛ حتى لو خيرت بين الاستمرار في تفسير آي الذكر الحكيم، وبين السعادة لاخترت الأولى، وذلك لما كنت أجده من تذوق حلاوة القرآن، وفتح مغلق معانيه. كيف لا وهي السعادة كل السعادة: سعادة الدنيا والآخرة، سعادة القرب من حضرة الرب!
فإن كنت أخطأت فيما قدمت؛ فمن عجزي وقصوري -وهكذا الإنسان، على مر الزمان- وإن كنت قد أصبت -وهذا ما آمله وأرجوه- فالشكر وحده للمنان، حيث تفضل بالإحسان.
وقد جاء -رغم صغر حجمه- كبير النفع، جزيل الفائدة؛ يغني عن جل التفاسير، حيث لا تغني كلها عنه. ولا بدع فالمثقال من الماس، يفضل القناطير من النحاس.
والله أسأل أن ينفعني به، ويجعله يوم المآب، وسيلة لنيل الثواب، ويجعله من صالح عملي، الذي لا ينقطع بانقضاء أجلي، وأن يكون حجة لي لا على، وأن يهب لي الفوز برضاه وشفاعة مصطفاه!
ابن الخطيب
المقدمة / 19
سورة الفاتحة
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ آية من الكتاب الكريم؛ تدل على ذات الله العلية، وصفاته السنية وقد ورد أنها المعنية بقول الحكيم العليم: «وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورًا» قيل: إن من قرأها - متعبدًا بها - أنجاه الله تعالى من ملائكة الجحيم التسعة عشر «عليها تسعة عشر» فعدد حروفها بعددهم. وقال بعضهم: إنها تيجان لسور القرآن؛ وليست بآية منه. وعلى ذلك قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها. وقيل: إنها آية من كل سورة؛ وعلى ذلك قراء مكة والكوفة وفقهاؤهما. وقد رجحوا أنها آية من الفاتحة فحسب؛ لأحاديث وردت بذلك. والرأي أنها آية من كل سورة عدا براءة؛ لثبوتها في المصحف الإمام؛ الذي لا زيادة فيه ولا نقصان بإجماع الأمة الإسلامية. قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم: فهو أبتر» أي ناقص وقليل البركة وجب علينا أن نبدأ بها في كل أمورنا: لتحل بركتها، ويعم نفعها هذا وقد جرت عادة بعض كتاب هذا العصر على إغفالها في مؤلفاتهم؛ وهو خطأ فاحش شنيع إذ كيف نبدأ في أمورنا باسم بعض المخلوقات الفانية العاجزة، ونغفل اسم الإله الباقي العظيم الخبير، اللطيف القدير؟
﴿رَبِّ﴾ مالك وسيد. يقال: «رب» الدار أي مالكها، و«رب» الغلام؛ أي مالكه قال تعالى: «ارجع إلى ربك» أي إلى سيدك ولا يقال لمخلوق: هذا الرب: معرفًا بالألف واللام. فإن هذا لا يجوز إلالله تعالى وحده. وإنما يقال: «رب» المنزل، و«رب» القرية. فيعرف بالإضافة أنه من الأرباب المخلوقين؛ فتعالى رب الأرباب رب العالمين ﴿الْعَالَمِينَ﴾ جمع العالم. والعالم: الخلق كله. والمراد: رب سائر المخلوقات؛ من ملك وإنس وجن، ووحش وطير وغيره وبالجملة فهو ما سوى الله تعالى من أحياء وجماد ويتناول أيضًا سائر العوالم الكائنة بشتى الكواكب المتناثرة في ملكوت الله تعالى. فتعالى الله رب العالمين
﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ مالك يوم الجزاء - وهو يوم القيامة - فلا شفيع إلا بإذنه، ولا عقاب إلا بأمره، ولا ثواب إلا بفضله
﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ أي طريق الذين أنعمت عليهم بالهداية والاصطفاء كالنبيين، ⦗٣⦘ والصديقين، وخواص المؤمنين ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم﴾ وهم العصاة؛ الذين جعلوا إلههم هواهم، واشتروا دنياهم بأخراهم، ولم يبالوا بغضب مولاهم؛ فارتكبوا الذنوب وهم بها عالمون، ولعاقبتها مقدرون. وقيل: هم اليهود ﴿وَلاَ الضَّآلِّينَ﴾ وهم الذين يرتكبون الذنوب حال كونهم غير عالمين بجرمها، ولا بمبلغ إثمها. وقيل: هم النصارى. ولا يخفى أن اليهود: مغضوب عليهم وضالون، وأن النصارى: ضالون ومغضوب عليهم. «آمين» ليست من القرآن بالإجماع؛ ويسن قولها بعد الفراغ من قراءة الفاتحة؛ وبعد سكتة قصيرة؛ للفرق بينها وبين كلامه تعالى. ومعناها: اللهم استجب، أو كذلك فليكن. وقيل: هي اسم من أسمائه تعالى.
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ آية من الكتاب الكريم؛ تدل على ذات الله العلية، وصفاته السنية وقد ورد أنها المعنية بقول الحكيم العليم: «وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورًا» قيل: إن من قرأها - متعبدًا بها - أنجاه الله تعالى من ملائكة الجحيم التسعة عشر «عليها تسعة عشر» فعدد حروفها بعددهم. وقال بعضهم: إنها تيجان لسور القرآن؛ وليست بآية منه. وعلى ذلك قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها. وقيل: إنها آية من كل سورة؛ وعلى ذلك قراء مكة والكوفة وفقهاؤهما. وقد رجحوا أنها آية من الفاتحة فحسب؛ لأحاديث وردت بذلك. والرأي أنها آية من كل سورة عدا براءة؛ لثبوتها في المصحف الإمام؛ الذي لا زيادة فيه ولا نقصان بإجماع الأمة الإسلامية. قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم: فهو أبتر» أي ناقص وقليل البركة وجب علينا أن نبدأ بها في كل أمورنا: لتحل بركتها، ويعم نفعها هذا وقد جرت عادة بعض كتاب هذا العصر على إغفالها في مؤلفاتهم؛ وهو خطأ فاحش شنيع إذ كيف نبدأ في أمورنا باسم بعض المخلوقات الفانية العاجزة، ونغفل اسم الإله الباقي العظيم الخبير، اللطيف القدير؟
﴿رَبِّ﴾ مالك وسيد. يقال: «رب» الدار أي مالكها، و«رب» الغلام؛ أي مالكه قال تعالى: «ارجع إلى ربك» أي إلى سيدك ولا يقال لمخلوق: هذا الرب: معرفًا بالألف واللام. فإن هذا لا يجوز إلالله تعالى وحده. وإنما يقال: «رب» المنزل، و«رب» القرية. فيعرف بالإضافة أنه من الأرباب المخلوقين؛ فتعالى رب الأرباب رب العالمين ﴿الْعَالَمِينَ﴾ جمع العالم. والعالم: الخلق كله. والمراد: رب سائر المخلوقات؛ من ملك وإنس وجن، ووحش وطير وغيره وبالجملة فهو ما سوى الله تعالى من أحياء وجماد ويتناول أيضًا سائر العوالم الكائنة بشتى الكواكب المتناثرة في ملكوت الله تعالى. فتعالى الله رب العالمين
﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ مالك يوم الجزاء - وهو يوم القيامة - فلا شفيع إلا بإذنه، ولا عقاب إلا بأمره، ولا ثواب إلا بفضله
﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ أي طريق الذين أنعمت عليهم بالهداية والاصطفاء كالنبيين، ⦗٣⦘ والصديقين، وخواص المؤمنين ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم﴾ وهم العصاة؛ الذين جعلوا إلههم هواهم، واشتروا دنياهم بأخراهم، ولم يبالوا بغضب مولاهم؛ فارتكبوا الذنوب وهم بها عالمون، ولعاقبتها مقدرون. وقيل: هم اليهود ﴿وَلاَ الضَّآلِّينَ﴾ وهم الذين يرتكبون الذنوب حال كونهم غير عالمين بجرمها، ولا بمبلغ إثمها. وقيل: هم النصارى. ولا يخفى أن اليهود: مغضوب عليهم وضالون، وأن النصارى: ضالون ومغضوب عليهم. «آمين» ليست من القرآن بالإجماع؛ ويسن قولها بعد الفراغ من قراءة الفاتحة؛ وبعد سكتة قصيرة؛ للفرق بينها وبين كلامه تعالى. ومعناها: اللهم استجب، أو كذلك فليكن. وقيل: هي اسم من أسمائه تعالى.
1 / 2
سورة البقرة
﴿الم﴾ قيل: إن المعنى: ألف، لام، ميم
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ أي إن هذا الكلام البليغ المعجز: مكون من جنس الأحرف التي يتكون منها كلامكم؛ وهي الألف، واللام، والميم؛ وهكذا. وقيل: إن «آلم»: اسم للسورة، وهكذا سائر أوائل السور المكونة من الأحرف. وقيل: غير ذلك. وجميع ما ذكر في هذا الصدد لا يرتاح إليه الضمير،؛ والله تعالى أعلم بما يريد. وقد جاءت ﴿الم﴾ في بدء ست سور من القرآن الكريم: البقرة، وآل عمران، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة. وزيدت عليها الصاد في الأعراف: ﴿المص﴾ وزيدت عليها الراء في الرعد: ﴿المر﴾ (انظر آية ١ من سورة غافر) ﴿لاَ رَيْبَ﴾ لا شك
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ بما غاب عنهم؛ من أمر البعث والحساب، وغير ذلك؛ مما غاب عن البصر، ولم يغب عن البصيرة ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ من الثمار والأموال والخيرات ﴿يُنْفِقُونَ﴾ يتصدقون على الفقراء والمعوزين (انظر آيتي ٤٤ من سورة الروم، و١٠٧ من سورة الصافات)
﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ من القرآن ﴿وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ على من تقدمك من الرسل: كالتوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود؛ ﵈. والمراد أنهم يؤمنون بالرسول ﵊ وما أنزل إليه، وبالرسل المتقدمة - الذين جاء ذكرهم في القرآن - وصدق دعواهم: «قولوا آمنا ب الله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى ⦗٤⦘ وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون» ﴿وَبِالآخِرَةِ﴾ وما فيها من نعيم مقيم، وعذاب أليم ﴿هُمْ يُوقِنُونَ﴾ يؤمنون بالقيامة وما فيها تمام الإيمان؛ من غير شك ولا شبهة
﴿الم﴾ قيل: إن المعنى: ألف، لام، ميم
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ أي إن هذا الكلام البليغ المعجز: مكون من جنس الأحرف التي يتكون منها كلامكم؛ وهي الألف، واللام، والميم؛ وهكذا. وقيل: إن «آلم»: اسم للسورة، وهكذا سائر أوائل السور المكونة من الأحرف. وقيل: غير ذلك. وجميع ما ذكر في هذا الصدد لا يرتاح إليه الضمير،؛ والله تعالى أعلم بما يريد. وقد جاءت ﴿الم﴾ في بدء ست سور من القرآن الكريم: البقرة، وآل عمران، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة. وزيدت عليها الصاد في الأعراف: ﴿المص﴾ وزيدت عليها الراء في الرعد: ﴿المر﴾ (انظر آية ١ من سورة غافر) ﴿لاَ رَيْبَ﴾ لا شك
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ بما غاب عنهم؛ من أمر البعث والحساب، وغير ذلك؛ مما غاب عن البصر، ولم يغب عن البصيرة ﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ من الثمار والأموال والخيرات ﴿يُنْفِقُونَ﴾ يتصدقون على الفقراء والمعوزين (انظر آيتي ٤٤ من سورة الروم، و١٠٧ من سورة الصافات)
﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ من القرآن ﴿وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ على من تقدمك من الرسل: كالتوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود؛ ﵈. والمراد أنهم يؤمنون بالرسول ﵊ وما أنزل إليه، وبالرسل المتقدمة - الذين جاء ذكرهم في القرآن - وصدق دعواهم: «قولوا آمنا ب الله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى ⦗٤⦘ وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون» ﴿وَبِالآخِرَةِ﴾ وما فيها من نعيم مقيم، وعذاب أليم ﴿هُمْ يُوقِنُونَ﴾ يؤمنون بالقيامة وما فيها تمام الإيمان؛ من غير شك ولا شبهة
1 / 3
﴿أُولَئِكَ﴾ المذكورون ﴿عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ﴾ هداية أضفاها عليهم، وعناية أحاطهم بها: لإيمانهم بالغيب، وإقامتهم الصلاة، وإنفاقهم مما رزقهم الله ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الفائزون بالجنة، الناجون من النار
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ أي وعظتهم أم لم تعظهم، وخوفتهم أم لم تخوفهم ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ عنادًا واستبدادًا
﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ أي غطى عليها وطبع ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ غطاء. من غشاة: إذا غطاه. والمعنى: أنه تعالى طبع وغطى على قلوبهم؛ فلا تفهم العظة، وعلى أسماعهم؛ فلا تسمع النصح، وعلى أبصارهم؛ فلا ترى الحقيقة
﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ وهم المنافقون ﴿مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ وغاية الإيمان: أن يؤمن الإنسان بقلبه ب الله فيتقيه، وباليوم الآخر وما فيه. أما إذا كان الإيمان لا يجاوز اللسان: فهو خداع ونفاق؛ وذلك لأنك إذا تيقنت أن هناك إلهًا قادرًا عظيمًا؛ يراك حين تعصاه، ويسمعك حين تبغى على مخلوقاته: وجب عليك أن تتجنب هذا العصيان وذلك البغي، وإذا آمنت أن هناك يومًا تحاسب فيه على الكبير والصغير، والنقير والقطمير: وجب عليك ألا تفعل إلا طيبًا، ولا تقول إلا حسنًا
﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ يبدون من الإيمان، خلاف ما يخفون من الكفران
﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شك ونفاق. لأن الشك: تردد بين الأمرين، والمريض: متردد بين الحياة والموت
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ هكذا شأن المفسدين في كل زمان ومكان: يظنون في أنفسهم الإصلاح وهم عنه بعداء، ويتوهمون ما يفعلونه الخير وهم منه براء يعنون بالسفهاء: أئمة المسلمين، وهداة الدين؛ الذين آمنوا بالرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه «وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه» والسفهاء: الجهال. قال تعالى ردًا عليهم: لمزيد جهلهم، وفرط سفههم
﴿وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ أي إذا انفردوا بمن هم كالشياطين في العتو والتمرد والكفر؛ وهم رؤس الكفر والضلال من قسسهم ورهبانهم. ⦗٥⦘ ﴿قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ﴾ في الدين؛ فلا تظنوا أنا قد آمنا مع هؤلاء واتبعنا دينهم ﴿إِنَّمَا نَحْنُ﴾ بتظاهرنا بالإيمان ﴿مُسْتَهْزِئُونَ﴾ بمحمد وأصحابه. قال تعالى ردًا على استهزائهم بالمؤمنين
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ أي وعظتهم أم لم تعظهم، وخوفتهم أم لم تخوفهم ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ عنادًا واستبدادًا
﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ أي غطى عليها وطبع ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ غطاء. من غشاة: إذا غطاه. والمعنى: أنه تعالى طبع وغطى على قلوبهم؛ فلا تفهم العظة، وعلى أسماعهم؛ فلا تسمع النصح، وعلى أبصارهم؛ فلا ترى الحقيقة
﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ وهم المنافقون ﴿مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ وغاية الإيمان: أن يؤمن الإنسان بقلبه ب الله فيتقيه، وباليوم الآخر وما فيه. أما إذا كان الإيمان لا يجاوز اللسان: فهو خداع ونفاق؛ وذلك لأنك إذا تيقنت أن هناك إلهًا قادرًا عظيمًا؛ يراك حين تعصاه، ويسمعك حين تبغى على مخلوقاته: وجب عليك أن تتجنب هذا العصيان وذلك البغي، وإذا آمنت أن هناك يومًا تحاسب فيه على الكبير والصغير، والنقير والقطمير: وجب عليك ألا تفعل إلا طيبًا، ولا تقول إلا حسنًا
﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ يبدون من الإيمان، خلاف ما يخفون من الكفران
﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شك ونفاق. لأن الشك: تردد بين الأمرين، والمريض: متردد بين الحياة والموت
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ هكذا شأن المفسدين في كل زمان ومكان: يظنون في أنفسهم الإصلاح وهم عنه بعداء، ويتوهمون ما يفعلونه الخير وهم منه براء يعنون بالسفهاء: أئمة المسلمين، وهداة الدين؛ الذين آمنوا بالرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه «وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه» والسفهاء: الجهال. قال تعالى ردًا عليهم: لمزيد جهلهم، وفرط سفههم
﴿وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ أي إذا انفردوا بمن هم كالشياطين في العتو والتمرد والكفر؛ وهم رؤس الكفر والضلال من قسسهم ورهبانهم. ⦗٥⦘ ﴿قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ﴾ في الدين؛ فلا تظنوا أنا قد آمنا مع هؤلاء واتبعنا دينهم ﴿إِنَّمَا نَحْنُ﴾ بتظاهرنا بالإيمان ﴿مُسْتَهْزِئُونَ﴾ بمحمد وأصحابه. قال تعالى ردًا على استهزائهم بالمؤمنين
1 / 4
﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ﴾ أي يسخر منهم، ويجازيهم على استهزائهم. وسمي الجزاء باسم العمل؛ كقوله تعالى: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ وقوله جل شأنه: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾ يمهلهم ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ وذلك لأنهم ابتدأوا بالكفران؛ فزاد لهم ربهم في الطغيان. والطغيان: تجاوز الحد في العصيان يتحيرون ويترددون
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى﴾ أي الكفر بالإيمان (انظر آية ١٧٥ من هذه السورة)
﴿مَثَلُهُمْ﴾ في طغيانهم ونفاقهم، وزعمهم الإيمان، وإنكارهم له ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ أوقدها، أو طلب إيقادها للإضاءة ﴿فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ واستبدل ظلمته نورًا؛ بالتلفظ بالإيمان؛ وهو قولهم عند ملاقاة المؤمنين: «آمنا» ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ عندما خلوا إلى شياطينهم، و«قالوا» لهم «إنا معكم إنما نحن مستهزئون» ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ وهي ظلمات الكفر، والنفاق، والجهل. والدنيا كلها ظلمات؛ إلا موضع العلم، والعلم كله هباء؛ إلا موضع العمل، والعمل كله هباء؛ إلا موضع الإخلاص. فالإخلاص أس العبادة، وجماع الإيمان والفضائل
﴿صُمٌّ﴾ عن سماع الحق ﴿بِكُمُ﴾ عن النطق به. ﴿عُمْيٌ﴾ عن رؤيته. والصمم: انسداد الأذن، وثقل السمع. والبكم: الخرس ﴿فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ عن الظلمات التي يعمهون فيها؛ وذلك لصممهم وعماهم وخرسهم
﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾ أي «مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا» أو مثلهم «كصيب» والصيب: المطر الشديد. وأريد بالصيب: القرآن الكريم ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ﴾ وهو تمثيل لما فيه من الوعيد الشديد؛ بنيران الجحيم، والعذاب الأليم ﴿بَرِقَ﴾ أي فيه ظلمات الوعيد، ورعد العذاب «وبرق» المعرفة لأنه أريد بالبرق: نور الحجج البينة المنيرة اللامعة ﴿يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ﴾ وقاية وحذرًا منها. والصاعقة: نار تنزل من السماء؛ عند قصف الرعد. وهل تمنع الأصابع في الآذان، عذاب الملك الديان؟ وكيف تمنع ﴿واللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ﴾ عالم بهم، قادر عليهم؛ لا يفوته شيء من أعمالهم؛ ولا تعجزه أفعالهم؛ فلا يستطيع أحد الفرار من بطشه، أو النجاة من بأسه، أو الخروج عن أمره
﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ لسرعة وميضه، وشدة لمعانه ⦗٦⦘ ﴿كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ﴾ أي كلما لمع البرق مشوا مسرعين في ضوئه ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ﴾ أي إذا سكت البرق، وخبت ناره، وانطفأ نوره: وقفوا في أماكنهم متحيرين مترصدين خفقة أخرى؛ عسى يتسنى لهم الوصول إلى مقاصدهم
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى﴾ أي الكفر بالإيمان (انظر آية ١٧٥ من هذه السورة)
﴿مَثَلُهُمْ﴾ في طغيانهم ونفاقهم، وزعمهم الإيمان، وإنكارهم له ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ أوقدها، أو طلب إيقادها للإضاءة ﴿فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ واستبدل ظلمته نورًا؛ بالتلفظ بالإيمان؛ وهو قولهم عند ملاقاة المؤمنين: «آمنا» ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ عندما خلوا إلى شياطينهم، و«قالوا» لهم «إنا معكم إنما نحن مستهزئون» ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ وهي ظلمات الكفر، والنفاق، والجهل. والدنيا كلها ظلمات؛ إلا موضع العلم، والعلم كله هباء؛ إلا موضع العمل، والعمل كله هباء؛ إلا موضع الإخلاص. فالإخلاص أس العبادة، وجماع الإيمان والفضائل
﴿صُمٌّ﴾ عن سماع الحق ﴿بِكُمُ﴾ عن النطق به. ﴿عُمْيٌ﴾ عن رؤيته. والصمم: انسداد الأذن، وثقل السمع. والبكم: الخرس ﴿فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ عن الظلمات التي يعمهون فيها؛ وذلك لصممهم وعماهم وخرسهم
﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾ أي «مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا» أو مثلهم «كصيب» والصيب: المطر الشديد. وأريد بالصيب: القرآن الكريم ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ﴾ وهو تمثيل لما فيه من الوعيد الشديد؛ بنيران الجحيم، والعذاب الأليم ﴿بَرِقَ﴾ أي فيه ظلمات الوعيد، ورعد العذاب «وبرق» المعرفة لأنه أريد بالبرق: نور الحجج البينة المنيرة اللامعة ﴿يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ﴾ وقاية وحذرًا منها. والصاعقة: نار تنزل من السماء؛ عند قصف الرعد. وهل تمنع الأصابع في الآذان، عذاب الملك الديان؟ وكيف تمنع ﴿واللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ﴾ عالم بهم، قادر عليهم؛ لا يفوته شيء من أعمالهم؛ ولا تعجزه أفعالهم؛ فلا يستطيع أحد الفرار من بطشه، أو النجاة من بأسه، أو الخروج عن أمره
﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ لسرعة وميضه، وشدة لمعانه ⦗٦⦘ ﴿كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ﴾ أي كلما لمع البرق مشوا مسرعين في ضوئه ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ﴾ أي إذا سكت البرق، وخبت ناره، وانطفأ نوره: وقفوا في أماكنهم متحيرين مترصدين خفقة أخرى؛ عسى يتسنى لهم الوصول إلى مقاصدهم
1 / 5
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا﴾ تقعدون عليها وتمشون وتنامون ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً﴾ ماء المطر: ينزل من السماء رأى العين؛ ومنشؤه البحار، وتحمله السحب. قال الشاعر:
كالبحر يمطره الغمام وما له
فضل عليه لأنه من مائه
﴿أَندَادًا﴾ شركاء ونظراء وأمثالًا
﴿وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ شك ﴿مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ محمد من آيات الكتاب المجيد ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ تحداهم أولًا بقوله: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ وبعد ذلك تدرج تعالى معهم - نكاية بهم، وزيادة في توبيخهم - بقوله: ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ﴾ وبعد كل هذا الاحتقار والازدراء؛ أراد أن يستثير كامن همتهم، وماضي عزيمتهم بقوله: ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ﴾ أيّ سورة، بل أيّ آية؛ وأنى لهم أن يأتوا بأقصر سورة من مثل هذا القرآن الذي أعجز البلغاء، وأخرس الفصحاء؛ وانظر - يارعاك الله - في أي عصر من العصور حصل هذا التحدي؟ إنه في عصر الفصاحة التي لا تمارى، والبلاغة التي لا تجارى، والمنطق الذي لا يلحق له بغبار. وقد وقف الجميع مكتوفي الأيدي، ناكسي الرؤوس؛ لا يستطيعون أن يحيروا جوابًا أو أن ينبسوا ببنت شفة ﴿وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم﴾ آلهتكم التي تعبدونها
﴿قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾ أي رزقنا في الدنيا مثله: في المنظر، لا في المخبر ﴿وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ من الحيض والأقذار، والأدناس الحسية والمعنوية
﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحى﴾ من الحياء؛ جاءت ردًا على الكفرة حيث قالوا: أما يستحي رب محمد أن يضرب مثلًا بالذباب والعنكبوت. فجاءت على سبيل المقابلة ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ في الحقارة والصغر ﴿يُضِلُّ بِهِ﴾ أي بهذا المثل ﴿كَثِيرًا﴾ من المنافقين؛ لكفرهم وعنادهم ﴿وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ من المؤمنين؛ لتسليمهم وانقيادهم. ⦗٧⦘ ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ الكافرين؛ لأن الله تعالى لا يضل مؤمنًا ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾ وإنما إضلال الله تعالى يقع عقوبة لمن يصر على الكفران، ويأبى داعي الإيمان
﴿وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ شك ﴿مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ محمد من آيات الكتاب المجيد ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ تحداهم أولًا بقوله: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ وبعد ذلك تدرج تعالى معهم - نكاية بهم، وزيادة في توبيخهم - بقوله: ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ﴾ وبعد كل هذا الاحتقار والازدراء؛ أراد أن يستثير كامن همتهم، وماضي عزيمتهم بقوله: ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ﴾ أيّ سورة، بل أيّ آية؛ وأنى لهم أن يأتوا بأقصر سورة من مثل هذا القرآن الذي أعجز البلغاء، وأخرس الفصحاء؛ وانظر - يارعاك الله - في أي عصر من العصور حصل هذا التحدي؟ إنه في عصر الفصاحة التي لا تمارى، والبلاغة التي لا تجارى، والمنطق الذي لا يلحق له بغبار. وقد وقف الجميع مكتوفي الأيدي، ناكسي الرؤوس؛ لا يستطيعون أن يحيروا جوابًا أو أن ينبسوا ببنت شفة ﴿وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم﴾ آلهتكم التي تعبدونها
﴿قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾ أي رزقنا في الدنيا مثله: في المنظر، لا في المخبر ﴿وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ من الحيض والأقذار، والأدناس الحسية والمعنوية
﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحى﴾ من الحياء؛ جاءت ردًا على الكفرة حيث قالوا: أما يستحي رب محمد أن يضرب مثلًا بالذباب والعنكبوت. فجاءت على سبيل المقابلة ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ في الحقارة والصغر ﴿يُضِلُّ بِهِ﴾ أي بهذا المثل ﴿كَثِيرًا﴾ من المنافقين؛ لكفرهم وعنادهم ﴿وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ من المؤمنين؛ لتسليمهم وانقيادهم. ⦗٧⦘ ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ الكافرين؛ لأن الله تعالى لا يضل مؤمنًا ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾ وإنما إضلال الله تعالى يقع عقوبة لمن يصر على الكفران، ويأبى داعي الإيمان
1 / 6
﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ والمراد بناقضي العهد: المنافقين، أو الكفار جميعًا، أو هم أحبار اليهود؛ بدليل قوله تعالى: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ كصلة الأقرباء، والعطف على الفقراء، ومعاونة الضعفاء، وإشاعة المحبة بين الناس، والإلفة والمرحمة
﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ نطفًا في أصلاب آبائكم. والموت يطلق على السكون وعدم الحركة ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ في الأرحام، أو بالخروج إلى الدنيا ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ يبعثكم ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ يوم القيامة؛ فيؤاخذكم بما فعلتم و
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ لخدمتكم ومصلحتكم: لقد سخر تعالى لكم الحيوان والطير، والنبات والجماد، والماء والهواء؛ بغير حول لكم ولا قوة فانظر أيها المؤمن إلى تذليل الله تعالى للحيوان، وخضوعه واستكانته لبني الإنسان: فترى البعير الكبير، وقد انقاد للطفل الصغير وكيف أن الفيل - رغم قوته وضخامته - ينقاد لبني الإنسان، ويكون له مطية في كثير من الأحيان، ومعوانًا له في الرحال، وحمل الأثقال. وانظر إلى الطير، وكيف يرحل من مواطنه، ويسير آلاف الأميال؛ حتى يرتمي بين فكيك، وينسحق تحت ماضغيك، وانظر إلى الثمار والنبات: كيف ترمي البذرة فتنتج لك الجنات، وتلقي بالحبة فتنبت لك الأقوات. وانظر أيضًا إلى الجماد: فقد علمك المعلم على الاستفادة به في شتى الحالات. وكذلك الماء: فقد ساقه الله تعالى لك سلسلًا؛ تستقى منه وتسقي ما تشاء من العجماوات. والهواء: وقد أجراه الله تعالى لك؛ ليحييك ويكفيك صنوف البلاء ولو شاء ربك لقلب هذه النعم نقمًا، وجعل الداء مكان الدواء؛ لأنه تعالى وحده خالق الخلق الفاعل لما يشاء ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ﴾ وجه قدرته وإرادته لخلقها بعد خلق الأرض ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ خلقهن مستويات؛ لا عوج فيها، ولا خلل، ولا خطأ «لا ترى في خلق الرحمن من تفاوت»
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ يخلفني في تنفيذ أحكامي، والقيام بأوامري؛ وهو آدم أبو البشر ﵇. ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ﴾ وهذا يدل على وجود الأرض قبل آدم، وسكناها بأمم قبل بني آدم؛ كان دأبها الإفساد في الأرض وسفك الدماء. أو كان قول الملائكة استفهامًا عن الحكمة الداعية لذلك الخلق؛ وقد كانوا ﵈ ملء الأرض والسموات، وقد رأوا في اللوح المحفوظ فساد بني الإنسان، ⦗٨⦘ وشهوته إلى سفك الدماء وها هو الجنس الآدمي قد حقق ظن الملائكة فيه؛ فملأ الأرض فسادًا وإفسادًا، وأراق الدماء بحارًا وأنهارًا، وعصى خالقه ورازقه جهارًا، وكفر بموجده ومربيه نهارًا؛ فلا حول ولا قوة إلا ب الله العلي العظيم هذا ولم يكن سؤال الملائكة ﵈ اعتراضًا على فعله تعالى، أو مخالفة لأمره؛ فحاشا أن يعترض على الله تعالى أعلمهم به، وأخوفهم منه، وأتقاهم له ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ ننزهك عن كل نقص، ونحمدك على نعمائك ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ أي نعظمك، أو نطهر أنفسنا لعبادتك. ومعنى تقدس: تطهر
﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ نطفًا في أصلاب آبائكم. والموت يطلق على السكون وعدم الحركة ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ في الأرحام، أو بالخروج إلى الدنيا ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ يبعثكم ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ يوم القيامة؛ فيؤاخذكم بما فعلتم و
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ لخدمتكم ومصلحتكم: لقد سخر تعالى لكم الحيوان والطير، والنبات والجماد، والماء والهواء؛ بغير حول لكم ولا قوة فانظر أيها المؤمن إلى تذليل الله تعالى للحيوان، وخضوعه واستكانته لبني الإنسان: فترى البعير الكبير، وقد انقاد للطفل الصغير وكيف أن الفيل - رغم قوته وضخامته - ينقاد لبني الإنسان، ويكون له مطية في كثير من الأحيان، ومعوانًا له في الرحال، وحمل الأثقال. وانظر إلى الطير، وكيف يرحل من مواطنه، ويسير آلاف الأميال؛ حتى يرتمي بين فكيك، وينسحق تحت ماضغيك، وانظر إلى الثمار والنبات: كيف ترمي البذرة فتنتج لك الجنات، وتلقي بالحبة فتنبت لك الأقوات. وانظر أيضًا إلى الجماد: فقد علمك المعلم على الاستفادة به في شتى الحالات. وكذلك الماء: فقد ساقه الله تعالى لك سلسلًا؛ تستقى منه وتسقي ما تشاء من العجماوات. والهواء: وقد أجراه الله تعالى لك؛ ليحييك ويكفيك صنوف البلاء ولو شاء ربك لقلب هذه النعم نقمًا، وجعل الداء مكان الدواء؛ لأنه تعالى وحده خالق الخلق الفاعل لما يشاء ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ﴾ وجه قدرته وإرادته لخلقها بعد خلق الأرض ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ خلقهن مستويات؛ لا عوج فيها، ولا خلل، ولا خطأ «لا ترى في خلق الرحمن من تفاوت»
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ يخلفني في تنفيذ أحكامي، والقيام بأوامري؛ وهو آدم أبو البشر ﵇. ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ﴾ وهذا يدل على وجود الأرض قبل آدم، وسكناها بأمم قبل بني آدم؛ كان دأبها الإفساد في الأرض وسفك الدماء. أو كان قول الملائكة استفهامًا عن الحكمة الداعية لذلك الخلق؛ وقد كانوا ﵈ ملء الأرض والسموات، وقد رأوا في اللوح المحفوظ فساد بني الإنسان، ⦗٨⦘ وشهوته إلى سفك الدماء وها هو الجنس الآدمي قد حقق ظن الملائكة فيه؛ فملأ الأرض فسادًا وإفسادًا، وأراق الدماء بحارًا وأنهارًا، وعصى خالقه ورازقه جهارًا، وكفر بموجده ومربيه نهارًا؛ فلا حول ولا قوة إلا ب الله العلي العظيم هذا ولم يكن سؤال الملائكة ﵈ اعتراضًا على فعله تعالى، أو مخالفة لأمره؛ فحاشا أن يعترض على الله تعالى أعلمهم به، وأخوفهم منه، وأتقاهم له ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ ننزهك عن كل نقص، ونحمدك على نعمائك ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ أي نعظمك، أو نطهر أنفسنا لعبادتك. ومعنى تقدس: تطهر
1 / 7
﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَآءَ كُلَّهَا﴾ أي ألهمه معرفة كل شيء يحتاج إليه. وسمى «آدم» لخلقته من أديم الأرض؛ وهو ما على وجهها من تراب. وزعم بعضهم: أن آدم وإبليس ليسا على حقيقتهما؛ وإنما هما رمزان لا أصل لهما؛ يمثلان الشر والمعصية. وهو قول بادي البطلان؛ يدفعه صريح القرآن ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ﴾ أي عرض المسميات لا الأسماء؛ بدليل قوله تعالى: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَؤُلاءِ﴾ المسميات؛ ليريهم أنه تعالى قد وهب لآدم من المعرفة ما لم يهبه لهم، وليريهم آيته في حكمة خلق الإنسان وخلافته في الأرض.
هذا وقد أضفى تعالى على نبينا صلوات الله تعالى وسلامه عليه علوم الأولين والآخرين؛ ليجعله رحمة للعالمين؛ ولله در البوصيري حيث يقول في همزيته:
لك ذات العلوم من عالم الغيـ
ـب ومنها لآدم الأسماء
﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ﴾ تنزهت وتعاليت (انظر آية ١ من سورة الإسراء).
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ﴾ أمرهم الله تعالى بالسجود ابتلاء لهم واختبارًا؛ وهو سجود لقدرة الله تعالى وإبداعه، ولا وجه لمن قال: إن سجودهم كان بالانحناء فحسب؛ على سبيل التحية؛ بل كان سجودًا حقيقيًا كسجود الصلاة؛ يدل عليه قول الحكيم العليم: ﴿فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾ ﴿فَسَجَدُواْ﴾ أي سجد الملائكة جميعًا، وسائر العقلاء من المخلوقات ﴿إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى﴾ رفض السجود المأمور به. و: «إبليس»: أبو الجن؛ وليس من الملائكة كما زعموا. وسمى بإبليس: ليأسه من رحمة الله تعالى وتحيره؛ لأن معنى أبلس: يئس وتحير ﴿رَغَدًا﴾ الرغد: طيب العيش وسعته ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ هي شجرة أيّ شجرة نهيا عن الأكل منها امتحانًا لهما، واختبارًا لعزمهما. وقيل: إنها الحنطة، أو العنب، أو التفاح ﴿فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾ يؤخذ من ذلك أن هناك خلقًا قبل آدم ﵇، وأن ظالمًا وظلمًا قد كان في الأرض قبله
﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ أوقعهما في الزلة. وقرىء «فأزالهما» أي عن النعيم الذي كانا فيه ﴿اهْبِطُواْ﴾ انزلوا. ⦗٩⦘ والمعنى: تحولوا من الجنة العالية، إلى الأرض السافلة، ومن النعيم، إلى البؤس والشقاء ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ بني الإنسان، وبني الشيطان، أو بعض بني الإنسان عدو لبعض ﴿وَمَتَاعٌ﴾ تمتع ﴿إِلَى حِينٍ﴾ وهو انقضاء الأجل
﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ﴾ تنزهت وتعاليت (انظر آية ١ من سورة الإسراء).
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ﴾ أمرهم الله تعالى بالسجود ابتلاء لهم واختبارًا؛ وهو سجود لقدرة الله تعالى وإبداعه، ولا وجه لمن قال: إن سجودهم كان بالانحناء فحسب؛ على سبيل التحية؛ بل كان سجودًا حقيقيًا كسجود الصلاة؛ يدل عليه قول الحكيم العليم: ﴿فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾ ﴿فَسَجَدُواْ﴾ أي سجد الملائكة جميعًا، وسائر العقلاء من المخلوقات ﴿إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى﴾ رفض السجود المأمور به. و: «إبليس»: أبو الجن؛ وليس من الملائكة كما زعموا. وسمى بإبليس: ليأسه من رحمة الله تعالى وتحيره؛ لأن معنى أبلس: يئس وتحير ﴿رَغَدًا﴾ الرغد: طيب العيش وسعته ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ هي شجرة أيّ شجرة نهيا عن الأكل منها امتحانًا لهما، واختبارًا لعزمهما. وقيل: إنها الحنطة، أو العنب، أو التفاح ﴿فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾ يؤخذ من ذلك أن هناك خلقًا قبل آدم ﵇، وأن ظالمًا وظلمًا قد كان في الأرض قبله
﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ أوقعهما في الزلة. وقرىء «فأزالهما» أي عن النعيم الذي كانا فيه ﴿اهْبِطُواْ﴾ انزلوا. ⦗٩⦘ والمعنى: تحولوا من الجنة العالية، إلى الأرض السافلة، ومن النعيم، إلى البؤس والشقاء ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ بني الإنسان، وبني الشيطان، أو بعض بني الإنسان عدو لبعض ﴿وَمَتَاعٌ﴾ تمتع ﴿إِلَى حِينٍ﴾ وهو انقضاء الأجل
1 / 8
﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ﴾ ألهم، أو أوحى إليه ﴿كَلِمَاتٍ﴾ هي قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ ربه: قبل توبته، وغفر له
﴿قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا﴾ المراد آدم وحواء؛ تؤيده قراءة من قرأ ﴿اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ وقوله تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ وقد خوطبا بلفظ الجمع: لأنهما أصل لبني الإنسان، أو على مذهب من يقول: إن أقل الجمع اثنان وقد يكون المقصود بالخطاب: آدم وحواء وإبليس ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى﴾ كتاب أو رسول
﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ خطاب لليهود. و«إسرائيل» هو يعقوب ﵇. وخص بني إسرائيل بالذكر؛ لأنهم أوفر الأمم نعمة، وأشدهم كفرًا، وأكثرهم فسادًا وعنادًا ﴿اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ أنجاهم من الذل، وفضلهم على الكل؛ فازدادوا طغيانًا وكفرًا، وبغيًا وعتوًا ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي﴾ الذي عهدته إليكم في التوراة؛ بالإيمان بمحمد عند بعثته. أو أوفوا بما عاهدتكم عليه؛ من تبليغ ما أنزل إليكم، وتبيينه للناس: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ الذي قطعته على نفسي؛ وهو إثابتكم على ذلك بالثواب والأجر ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ فخافوني وأطيعوا أمري
﴿وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ﴾ من القرآن ﴿مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ﴾ من التوراة؛ وفيها ذكر الرسول ﵊، وأنباء بعثته ﴿وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ أي بالقرآن، أو بالرسول ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ أي لا تبيعوا دينكم بدنياكم وأخراكم بأولاكم
﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ﴾ لا تخلطوا ﴿الْحَقِّ﴾ الإيمان ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ بالكفر الذي تفترونه
﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾ البر: الاتساع في الخير ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ فلا تأتمرون بما به تأمرون. قيل: نزلت في أحبار اليهود، كانوا ينصحون سرًا باتباع الرسول ﵊، ولا يتبعونه؛ طمعًا فيما يصل إلى أيديهم من الصلات والهبات والهدايا ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ التوراة؛ وفيها ذكر الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه، وأبناء رسالته
﴿وَاسْتَعِينُواْ﴾ على الأمور الشاقة، والشهوات الموبقة ﴿بِالصَّبْرِ﴾ على الطاعات، وعن الملذات ﴿والصَّلاَةِ﴾ التي هي مناجاة لرب العالمين «كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾ ثقيلة شاقة ⦗١٠⦘ ﴿إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ الذين يستغرقون في مناجاة ربهم
﴿قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا﴾ المراد آدم وحواء؛ تؤيده قراءة من قرأ ﴿اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ وقوله تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ وقد خوطبا بلفظ الجمع: لأنهما أصل لبني الإنسان، أو على مذهب من يقول: إن أقل الجمع اثنان وقد يكون المقصود بالخطاب: آدم وحواء وإبليس ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى﴾ كتاب أو رسول
﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ خطاب لليهود. و«إسرائيل» هو يعقوب ﵇. وخص بني إسرائيل بالذكر؛ لأنهم أوفر الأمم نعمة، وأشدهم كفرًا، وأكثرهم فسادًا وعنادًا ﴿اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ أنجاهم من الذل، وفضلهم على الكل؛ فازدادوا طغيانًا وكفرًا، وبغيًا وعتوًا ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي﴾ الذي عهدته إليكم في التوراة؛ بالإيمان بمحمد عند بعثته. أو أوفوا بما عاهدتكم عليه؛ من تبليغ ما أنزل إليكم، وتبيينه للناس: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ الذي قطعته على نفسي؛ وهو إثابتكم على ذلك بالثواب والأجر ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ فخافوني وأطيعوا أمري
﴿وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ﴾ من القرآن ﴿مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ﴾ من التوراة؛ وفيها ذكر الرسول ﵊، وأنباء بعثته ﴿وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ أي بالقرآن، أو بالرسول ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ أي لا تبيعوا دينكم بدنياكم وأخراكم بأولاكم
﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ﴾ لا تخلطوا ﴿الْحَقِّ﴾ الإيمان ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ بالكفر الذي تفترونه
﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾ البر: الاتساع في الخير ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ فلا تأتمرون بما به تأمرون. قيل: نزلت في أحبار اليهود، كانوا ينصحون سرًا باتباع الرسول ﵊، ولا يتبعونه؛ طمعًا فيما يصل إلى أيديهم من الصلات والهبات والهدايا ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ التوراة؛ وفيها ذكر الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه، وأبناء رسالته
﴿وَاسْتَعِينُواْ﴾ على الأمور الشاقة، والشهوات الموبقة ﴿بِالصَّبْرِ﴾ على الطاعات، وعن الملذات ﴿والصَّلاَةِ﴾ التي هي مناجاة لرب العالمين «كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾ ثقيلة شاقة ⦗١٠⦘ ﴿إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ الذين يستغرقون في مناجاة ربهم
1 / 9
﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾ يوقنون ﴿أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ﴾ فيجازيهم على طاعتهم وإخلاصهم
﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا﴾ خافوا يوم القيامة ﴿وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ بدل أو فدية
﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ يظلمونكم أشد الظلم؛ من سامه خسفًا: إذا أولاه ظلمًا ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ﴾ يتركونهن أحياء، أو يفعلون بهن ما يخل بالحياء ﴿بَلاءٌ﴾ بلية ومحنة
﴿وَإِذْ فَرَقْنَا﴾ فصلنا وفلقنا
﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ وذلك لما دخل بنو إسرائيل مصر - بعد هلاك فرعون - ولم يكن لهم كتاب يرجعون إليه: وعد الله تعالى موسى أن ينزل عليه كتابًا «التوراة» وضرب له ميقاتًا: ﴿وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ عبدتموه؛ وهو العجل الذي صنعه لهم السامري من حليهم؛ وكان الشيطان يدخل في جوفه ويخور كما يخور العجل قال تعالى: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ﴾ وقيل: صنعه بحيث إذا تعرض للهواء: أصدر صوتًا يشبه خوار العجل
﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿وَالْفُرْقَانِ﴾ الذي يفرق بين الحق والباطل ﴿بَارِئِكُمْ﴾ خالقكم
﴿فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ أي ليقتل البريء منكم المذنب؛ ولا يتستر عليه لقرابته، أو لمحبته. وقيل: كانت التوبة عندهم أن يقتل التائب نفسه إثباتًا لصدق توبته. أو المراد بقتل النفس: كبح جماحها، وقتل شهواتها، والحيلولة دون سطوتها وتسلطها، وتمردها على الحق؛ ويكفي في التوبة: الإقلاع عن المعصية، ورد المظالم، واجتناب المحارم ﴿الصَّاعِقَةُ﴾ نار تنزل من السماء؛ ذات أصوات
﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ أي من بعد أخذ الصاعقة لكم، ومعاينة أسباب الموت وموجباته. ولعل المراد بالبعث هنا: من خلفهم من ذراريهم وأبنائهم
﴿الْغَمَامِ﴾ السحاب ﴿الْمَنَّ﴾ طل ينزل من السماء وينعقد عسلًا. أو هو كل ما يمنّ الله تعالى به على الإنسان ⦗١١⦘ ﴿وَالسَّلْوَى﴾ قيل إنه السمائي؛ الطائر المعروف. أو هو كل ما يتسلى به؛ من فاكهة ونقل، ونحوهما ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ من الرزق الحلال المبارك (انظر آيتي ١٧٢ من هذه السورة و٥٨ من الأعراف) ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾ بكفرهم ومعاصيهم ﴿وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بتعريضها للعذاب الأليم المقيم
﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا﴾ خافوا يوم القيامة ﴿وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ بدل أو فدية
﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ يظلمونكم أشد الظلم؛ من سامه خسفًا: إذا أولاه ظلمًا ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ﴾ يتركونهن أحياء، أو يفعلون بهن ما يخل بالحياء ﴿بَلاءٌ﴾ بلية ومحنة
﴿وَإِذْ فَرَقْنَا﴾ فصلنا وفلقنا
﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ وذلك لما دخل بنو إسرائيل مصر - بعد هلاك فرعون - ولم يكن لهم كتاب يرجعون إليه: وعد الله تعالى موسى أن ينزل عليه كتابًا «التوراة» وضرب له ميقاتًا: ﴿وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ عبدتموه؛ وهو العجل الذي صنعه لهم السامري من حليهم؛ وكان الشيطان يدخل في جوفه ويخور كما يخور العجل قال تعالى: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ﴾ وقيل: صنعه بحيث إذا تعرض للهواء: أصدر صوتًا يشبه خوار العجل
﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿وَالْفُرْقَانِ﴾ الذي يفرق بين الحق والباطل ﴿بَارِئِكُمْ﴾ خالقكم
﴿فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ أي ليقتل البريء منكم المذنب؛ ولا يتستر عليه لقرابته، أو لمحبته. وقيل: كانت التوبة عندهم أن يقتل التائب نفسه إثباتًا لصدق توبته. أو المراد بقتل النفس: كبح جماحها، وقتل شهواتها، والحيلولة دون سطوتها وتسلطها، وتمردها على الحق؛ ويكفي في التوبة: الإقلاع عن المعصية، ورد المظالم، واجتناب المحارم ﴿الصَّاعِقَةُ﴾ نار تنزل من السماء؛ ذات أصوات
﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ أي من بعد أخذ الصاعقة لكم، ومعاينة أسباب الموت وموجباته. ولعل المراد بالبعث هنا: من خلفهم من ذراريهم وأبنائهم
﴿الْغَمَامِ﴾ السحاب ﴿الْمَنَّ﴾ طل ينزل من السماء وينعقد عسلًا. أو هو كل ما يمنّ الله تعالى به على الإنسان ⦗١١⦘ ﴿وَالسَّلْوَى﴾ قيل إنه السمائي؛ الطائر المعروف. أو هو كل ما يتسلى به؛ من فاكهة ونقل، ونحوهما ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ من الرزق الحلال المبارك (انظر آيتي ١٧٢ من هذه السورة و٥٨ من الأعراف) ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾ بكفرهم ومعاصيهم ﴿وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بتعريضها للعذاب الأليم المقيم
1 / 10
﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ﴾ وهي بيت المقدس، أو أريحًا؛ وهي بلد بالشام ﴿رَغَدًا﴾ الرغد: سعة العيش ﴿وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا﴾ أي حينما تدخلون باب هذه القرية: اسجدو الله تعالى؛ شاكرين فضله وأنعمه ﴿وَقُولُواْ حِطَّةٌ﴾ مسألتنا حطة؛ أي نطلب حط الذنوب عنا. وهو كناية عن التوبة وطلب المغفرة
﴿رِجْزًا﴾ عذابًا ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ الفسق: الترك لأمر الله تعالى، والعصيان، والخروج عن طريق الحق، وجادة الصواب
﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ طلب لهم السقيا من الله تعالى ﴿فَقُلْنَا﴾ له ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾ فضربه ﴿فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ وذلك أنه لما اشتد العطش ببهي إسرائيل: طلبوا من موسى ﵇ أن يدعو ربه ليرسل لهم الماء؛ فدعا الله تعالى؛ فقيل له: ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾ فضربه ﴿فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ تفيض بالماء؛ وذلك بعدد رؤساء الجند ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ﴾ أي قد علم كل فرقة من الجند عينهم التي يشربون منها ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ﴾ العثو: أشد الفساد
﴿لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ وهو ﴿الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ ﴿بَقْلِهَا﴾ البقل: ما تنبته الأرض من الخضر؛ كالفول والفاصوليا واللوبيا، والحمص وأمثالها؛ وهو ما ينبت في بزره لا في أصل ثابت ﴿وَفُومِهَا﴾ الفوم: الثوم. وقيل: الحنطة ﴿الَّذِي هُوَ أَدْنَى﴾ أقل وأحقر ﴿اهْبِطُواْ مِصْرًا﴾ المصر: العاصمة. أي اهبطوا مصرًا من الأمصار، أو هي مصر نفسها ﴿فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ﴾ من البقل، والقثاء، والفوم، والعدس والبصل. ⦗١٢⦘ ﴿وَضُرِبَتْ﴾ جعلت ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وصارت لزامًا لهم ﴿الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ أعطاهم الله تعالى جميع ما سألوا، ووهبهم فوق الذي طلبوا؛ فما زادهم ذلك إلا طغيانًا وكفرانًا؛ فسلبهم العزة، وألبسهم الذلة. وليس المراد بالمسكنة: الفقر نفسه؛ بل المراد لازمه؛ وهو الحقارة، وقلة الشأن، والصَّغار. ومصداق هذه الآية: اضطهاد العالم أجمع لليهود، وتشتيتهم في سائر الممالك؛ حيث لا وحدة تجمعهم، ولا رابطة تضمهم؛ اللهم سوى ما اغتصبه بعض الأفاقين من أرض فلسطين؛ وهو عائد إلى أربابه بإذن رب العالمين ﴿وَبَآءُوا﴾ رجعوا
﴿رِجْزًا﴾ عذابًا ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ الفسق: الترك لأمر الله تعالى، والعصيان، والخروج عن طريق الحق، وجادة الصواب
﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ طلب لهم السقيا من الله تعالى ﴿فَقُلْنَا﴾ له ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾ فضربه ﴿فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ وذلك أنه لما اشتد العطش ببهي إسرائيل: طلبوا من موسى ﵇ أن يدعو ربه ليرسل لهم الماء؛ فدعا الله تعالى؛ فقيل له: ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾ فضربه ﴿فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ تفيض بالماء؛ وذلك بعدد رؤساء الجند ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ﴾ أي قد علم كل فرقة من الجند عينهم التي يشربون منها ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ﴾ العثو: أشد الفساد
﴿لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ وهو ﴿الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ ﴿بَقْلِهَا﴾ البقل: ما تنبته الأرض من الخضر؛ كالفول والفاصوليا واللوبيا، والحمص وأمثالها؛ وهو ما ينبت في بزره لا في أصل ثابت ﴿وَفُومِهَا﴾ الفوم: الثوم. وقيل: الحنطة ﴿الَّذِي هُوَ أَدْنَى﴾ أقل وأحقر ﴿اهْبِطُواْ مِصْرًا﴾ المصر: العاصمة. أي اهبطوا مصرًا من الأمصار، أو هي مصر نفسها ﴿فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ﴾ من البقل، والقثاء، والفوم، والعدس والبصل. ⦗١٢⦘ ﴿وَضُرِبَتْ﴾ جعلت ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وصارت لزامًا لهم ﴿الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ أعطاهم الله تعالى جميع ما سألوا، ووهبهم فوق الذي طلبوا؛ فما زادهم ذلك إلا طغيانًا وكفرانًا؛ فسلبهم العزة، وألبسهم الذلة. وليس المراد بالمسكنة: الفقر نفسه؛ بل المراد لازمه؛ وهو الحقارة، وقلة الشأن، والصَّغار. ومصداق هذه الآية: اضطهاد العالم أجمع لليهود، وتشتيتهم في سائر الممالك؛ حيث لا وحدة تجمعهم، ولا رابطة تضمهم؛ اللهم سوى ما اغتصبه بعض الأفاقين من أرض فلسطين؛ وهو عائد إلى أربابه بإذن رب العالمين ﴿وَبَآءُوا﴾ رجعوا
1 / 11
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ ب الله تعالى، وبرسوله محمد ﴿وَالَّذِينَ هَادُواْ﴾ اليهود. من هاد: إذا تاب ورجع إلى الحق، وهم قوم موسى ﵇ ﴿وَالنَّصَارَى﴾ وهم قوم عيسى ﵇. قيل: سموا نصارى؛ لتناصرهم وتآلفهم على دينهم - وقت تسميتهم - وقيل: نصراني؛ نسبة إلى نصورية: بفتح النون، وضم الصاد، وكسر الراء وفتح الياء قرية بالشام ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ الخارجين من دين إلى آخر؛ من صبا: إذا مال. وقيل: هم قوم عبدوا الملائكة. وقيل: إنهم كانوا يعبدون الأنجم والكواكب. وقيل: هم قوم على ملة نوح ﵇؛ استمروا على إيمانهم به، فلم يقبلوا اتباع من أرسل بعده من الرسل ﴿مَنْ آمَنَ﴾ إيمانًا حقيقيًا كاملًا؛ من هؤلاء الذين آمنوا بمحمد، أو آمنوا بموسى، أو آمنوا بعيسى، أو آمنوا بنوح؛ من آمن منهم ﴿بِاللَّهِ﴾ وعظمته وقدرته ووحدانيته ﴿وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ القيامة؛ وما فيها من عقوبة للعاصين، ومثوبة للطائعين ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ في دنياه؛ تقربًا إلى مولاه وذلك لأن الإيمان لا ينفع ولا يجدي؛ ما لم يكن مقرونًا بالعمل الصالح ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ أي فلهؤلاء المذكورين جزاءهم على إيمانهم
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ العهد عليكم بالعمل بما في التوراة ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ الجبل. قيل: لما جاء موسى ﵇ لبني إسرائيل بالصحف المنزلة عليه من ربه: أمرهم بالعمل بما فيها؛ فقالوا: ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ فرفع الله تعالى الجبل فوقهم؛ حتى صار كالظلة عليهم. فقال لهم موسى: إن لم تؤمنوا وقع عليكم وكنتم من الهالكين فآمنوا جميعًا ذعرًا وخوفًا من الهلكة ﴿خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ﴾ بجد واجتهاد ﴿وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ﴾ ائتمروا بأوامره، وانتهوا بنواهيه
﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أعرضتم عن الإيمان
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ بصيد السمك فيه؛ وقد نهيناهم عنه. والمقصود بالسبت: يوم السبت؛ ومعناه لغة: الراحة؛ لأنه يوم راحتهم؛ وكانوا قد أمروا بالتفرغ فيه للعبادة؛ فخالفوا ذلك، وخرجوا للاصطياد ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً﴾ أي كالقردة؛ في الخفة والحمق والفساد. أو مسخوا قردة على ⦗١٣⦘ الحقيقة ﴿خَاسِئِينَ﴾ مطرودين
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ العهد عليكم بالعمل بما في التوراة ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ الجبل. قيل: لما جاء موسى ﵇ لبني إسرائيل بالصحف المنزلة عليه من ربه: أمرهم بالعمل بما فيها؛ فقالوا: ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ فرفع الله تعالى الجبل فوقهم؛ حتى صار كالظلة عليهم. فقال لهم موسى: إن لم تؤمنوا وقع عليكم وكنتم من الهالكين فآمنوا جميعًا ذعرًا وخوفًا من الهلكة ﴿خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ﴾ بجد واجتهاد ﴿وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ﴾ ائتمروا بأوامره، وانتهوا بنواهيه
﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أعرضتم عن الإيمان
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ بصيد السمك فيه؛ وقد نهيناهم عنه. والمقصود بالسبت: يوم السبت؛ ومعناه لغة: الراحة؛ لأنه يوم راحتهم؛ وكانوا قد أمروا بالتفرغ فيه للعبادة؛ فخالفوا ذلك، وخرجوا للاصطياد ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً﴾ أي كالقردة؛ في الخفة والحمق والفساد. أو مسخوا قردة على ⦗١٣⦘ الحقيقة ﴿خَاسِئِينَ﴾ مطرودين
1 / 12
﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ أي جعلنا هذه العقوبة، أو هذه المسخة، أو هذه الآية ﴿نَكَالًا﴾ عبرة وعظة. يقال: نكل به تنكيلًا: إذا صنع به صنيعًا يحذر به غيره ﴿وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا﴾ ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ أي لمعاصريهم ومن بعدهم، أو للسابقين واللاحقين
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ حين وجدوا قتيلًا من بينهم؛ ولم يعلموا قاتله فسألوه أن يدلهم عليه. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ وحكاية ذلك: أن رجلًا موسرًا قتله بنو عمه ليرثوه، وطرحوه عند باب المدينة، ثم جاءوا يطالبون بديته؛ فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة، ويضربوا القتيل ببعضها؛ فيحيا ويخبرهم بقاتله. فضربوه بذنبها، فحي وقال: قتلني فلان وفلان - يريد ابني عمه - فاقتص منهما، وحرما ميراثه.
﴿فَارِضٌ﴾ طاعنة في السن ﴿عَوَانٌ﴾ وسط في السن ﴿لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ﴾
﴿فَاقِعٌ لَّوْنُهَا﴾ شديد الصفرة
﴿لاَّ ذَلُولٌ﴾ أي لم تذلل للعمل ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ سالمة من العيوب ﴿لاَّ شِيَةَ فِيهَا﴾ لا علامة
﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ أصلها: فتدارأتم؛ أي تدافعتم في الخصومة، وتستر بعضكم وراء بعض ﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ﴾ مظهر ﴿مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ من الجريمة
﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ أي اضربوا القتيل ببعض البقرة فيحيا، أو اضربوا القاتل ببعض جثة القتيل؛ وهذا يكون مدعاة لاعتراف القاتل ﴿كَذَلِكَ﴾ أي مثل إحياء القتيل أمامكم ﴿يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى﴾ يوم القيامة؛ فتقوم، وتجادل، وتحاسب، وتثاب، وتعاقب؛ وعلى القول الثاني وهو ضرب القاتل ببعض جثة المقتول ﴿يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى﴾ بظهور القاتل، والاقتصاص منه.
﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أيها اليهود ﴿مِّن بَعْدِ ذلِكَ﴾ أي من بعد أن أظهر الله تعالى ما كتمتموه في أنفسكم من القتل، وبعد أن أراكم كيف يحيي الموتى؛ ومن حق القلوب التي ترى ذلك أن تخضع وتلين؛ ولكن قلوبكم ازدادت قسوة ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ﴾ في الصلابة والجمود، وعدم الخشوع والفهم ﴿أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ من الحجارة. ⦗١٤⦘ ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ﴾ إشارة إلى أن من الحجارة ما هو أرق من القلوب القاسية، وأرقى من القلوب الكافرة ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ أي وإن من الحجارة لما يخشع ويخضع خوفًا منالله؛ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ حين وجدوا قتيلًا من بينهم؛ ولم يعلموا قاتله فسألوه أن يدلهم عليه. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ وحكاية ذلك: أن رجلًا موسرًا قتله بنو عمه ليرثوه، وطرحوه عند باب المدينة، ثم جاءوا يطالبون بديته؛ فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة، ويضربوا القتيل ببعضها؛ فيحيا ويخبرهم بقاتله. فضربوه بذنبها، فحي وقال: قتلني فلان وفلان - يريد ابني عمه - فاقتص منهما، وحرما ميراثه.
﴿فَارِضٌ﴾ طاعنة في السن ﴿عَوَانٌ﴾ وسط في السن ﴿لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ﴾
﴿فَاقِعٌ لَّوْنُهَا﴾ شديد الصفرة
﴿لاَّ ذَلُولٌ﴾ أي لم تذلل للعمل ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ سالمة من العيوب ﴿لاَّ شِيَةَ فِيهَا﴾ لا علامة
﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ أصلها: فتدارأتم؛ أي تدافعتم في الخصومة، وتستر بعضكم وراء بعض ﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ﴾ مظهر ﴿مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ من الجريمة
﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ أي اضربوا القتيل ببعض البقرة فيحيا، أو اضربوا القاتل ببعض جثة القتيل؛ وهذا يكون مدعاة لاعتراف القاتل ﴿كَذَلِكَ﴾ أي مثل إحياء القتيل أمامكم ﴿يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى﴾ يوم القيامة؛ فتقوم، وتجادل، وتحاسب، وتثاب، وتعاقب؛ وعلى القول الثاني وهو ضرب القاتل ببعض جثة المقتول ﴿يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى﴾ بظهور القاتل، والاقتصاص منه.
﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أيها اليهود ﴿مِّن بَعْدِ ذلِكَ﴾ أي من بعد أن أظهر الله تعالى ما كتمتموه في أنفسكم من القتل، وبعد أن أراكم كيف يحيي الموتى؛ ومن حق القلوب التي ترى ذلك أن تخضع وتلين؛ ولكن قلوبكم ازدادت قسوة ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ﴾ في الصلابة والجمود، وعدم الخشوع والفهم ﴿أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ من الحجارة. ⦗١٤⦘ ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ﴾ إشارة إلى أن من الحجارة ما هو أرق من القلوب القاسية، وأرقى من القلوب الكافرة ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ أي وإن من الحجارة لما يخشع ويخضع خوفًا منالله؛ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾
1 / 13