The Civilization of the Arabs - Gustave Le Bon
حضارة العرب - غوستاف لوبون
Daabacaha
مؤسسة هنداوي للنشر والثقافة القاهرة
Goobta Daabacaadda
مصر
Noocyada
والواقع أن تقدم أولئك البرابرة الذين هدموا الدولة الرومانية لم يحدث إلا بتوالي الأجيال، وأنهم لبطء تقدمهم لم يستطيعوا إقامة حضارة جديدة على أنقاض حضارة القرون الأولى إلا بعد جهود استمرت قرونًا كثيرة.
أما الترك والمغول فلم يكن لهم، على رأي لوبون، شأنٌ في ميدان الحضارة، ولم يقدروا على الانتفاع بحضارة العرب انتفاعًا كافيًا، فضلًا عن عدم استطاعتهم إبداع أيَّ شيء بتوالي القرون.
حقًا إن العرب أخذوا ينظمون شؤونهم بعد انتهاء دور الفتوح، فحولوا جهودهم إلى ميدان الحضارة، وأبدعوا حضارة أينعت فيها الآداب والعلوم والفنون، وبلغت الذروة.
وهنا نذكر أن العلامة لوبون، الذي رأى أن العرب أثبتوا منذ ساعة اتصالهم بالعالم الخارجي أنهم من ذوي العقول الناضجة المستعدة للتمدن والتمدين، لم يسعه، حين تكلم عن تهمة حرق مكتبة الإسكندرية، سوى ردها عنهم بحرارةٍ في الكلمات الآتية، وهي:
وأما إحراق مكتبة الإسكندرية المزعوم فمن الأعمال الهمجية التي تأبها عادات العرب، والتي تجعل المرء يسأل: كيف جازت هذه القصة على بعض العلماء الأعلام زمنًا طويلًا؟ وهذه القصة دحضت في زماننا فلا نرى أن نعود إلى البحث فيها، ولا شيء أسهل من أن تثبت، بما لدينا من الأدلة الواضحة، أن النصارى هم الذين أحرقوا كتب المشركين في الإسكندرية قبل الفتح العربي بعناية كالتي هدموا بها التماثيل، ولم يبق منها ما يحرق.
٧
رأى العرب ذوو الذكاء اللامع والخيال الخصب والحيوية أنفسهم، في دور الفتح، في بيئات متباينة واقعة بين بلاد الهند والمحيط الأطلنطي، وكان لهذه البيئات تأثيرٌ متنوع فيهم مع تشابه صفاتهم الخاصة بعرقهم، فكان ما ترى من تفاوت في آثارهم الماثلة القائمة في تلك الأقطار، ومن وجود أوجه شبه بينها على العموم.
قال لوبون: «كان شأن العرب بالنسبة إلى المهندسين الأجانب الذين استخدموهم في دور الفتح كشأن الرجل الغني الذي يقيم لنفسه بيتًا، فكما أن المهندس الذي يرسم بيت ذلك الغني يراعي فيه، لا ريب، ذوقه، نرى مهندسي الروم قد راعوا ذوق العرب فيما أقاموا لهم من المباني الأولى، فتجلت عبقرية العرب فيها.
1 / 20