184

Kacaanka Maansada Casriga ah laga bilaabo Baudelaire ilaa Waqtiga Casriga (Qeybta Koowaad): Daraasadda

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

Noocyada

وليس ثمة حدود لغوية تفصل في هذا العالم الشعرى بين الكلمات المجردة والكلمات البسيطة الأخرى، وليست هناك كذلك حدود موضوعية بين مضموناته المعنوية والحسية. يقول أحد الأبيات: «ريش البجعة يرسم نظاما من الصمت المقدور ...»

وفي قصائد أخرى تصور مشهدا من مشاهد الطبيعة نرى المجردات تتحول إلى ذوات فاعلة. ولكن اللغة تكيف نفسها بوسائل أخرى وفقا للموضوع. فقد تستخدم جملا اسمية فقيرة في الأفعال، وتعزل بواسطتها مختلف الظواهر والأفكار التي تخلصها من الزمان أو تضعها خارج الزمان. لن تحس بتدفق هذه اللغة، بل ستشعر بأنها تتردد وتتعثر وترص الكلمات كما ترص الكتل الصخرية بجوار بعضها البعض، ثم تعود فتنفتح على سؤال قصير، أو لمسة سريعة كلمسة الوتر. وستشعر أيضا ببراعة الشاعر وقدرته على أن يستخرج من الكلمات المركزة مجموعة من الأصداء التي تتردد طويلا في فضاء مملوء بالأسرار. وستتبين في هذا شيئا هاما يشترك فيه عدد كبير من الشعراء المحدثين، وهو التناقض بين عذوبة اللغة وصعوبة الفكرة، بين بساطة العبارة وغموض المضمون. وتظهر المضمونات، سواء أكانت صورا أم أفكارا، على شكل شذرات وضعت بجانب بعضها البعض، لم ينم أحد منها من داخل المضمون السابق عليه، ولم تبق رابطة - مهما كانت صغيرة - إلا وتحطمت.

هناك شيء يحدث دائما في قصائد جيان، ولكن مراحل هذا الحدث وخطواته - ما دامت في مجال التجربة - لا تحمل ضرورة في ذاتها، ولا تعرف تسلسل السبب والنتيجة. ولا تصبح للضرورة فاعلية أو تأثير إلا مع تفاعل التوترات المجردة أو تغيرها وتبدلها. والمهم أن هناك شيئا واحدا في هذه القصائد لا يختلف حوله اثنان؛ أنها تفتقد الألفة بينها وبين القارئ.

ولكن ماذا يحدث عندما يتناول هذا الشعر موضوعا قديما؟ تستطيع قصيدة «ليلة قمرية» (التي تحمل عنوانا فرعيا آخر هو «بلا حل») أن تجيب على هذا السؤال.

38

إنها ترسل لنا لوحة طبيعية من أفكار كهذه: علو، بياض، انتظار إرادة، نحولة، تكون في مجموعها سورا من الماهيات المتعالية فوق الأشياء، يحيط بحدث يتم في برودة الليل دون أن يشارك فيه إنسان. وإذا تلفتنا داخل هذا السور لم نجد شيئا تراه العين، وحتى لو عثرنا على شيء فسوف نراه ينزلق كالأشباح في ثنايا الحدث اللاواقعي. ويسير هذا الحدث في حركته من الهبوط (بينما ترف رياش البرد) إلى التريث لحظات في السهل (بينما ينتشر الانتظار المتموج في صمت)، والصعود من الأعماق لأول مرة؛ صعود إلى البياض (بينما تلتمس الشواطئ الرائعة نعمة الرياح)، يتلوه صعود ثان، لا يزال يتم في تساؤل، ولكنه في تساؤله يرفع العالم إلى «زوال أبيض، تام، أبدي».

هذه القصيدة، ككثير غيرها، نسيج يتكون من مجالات توتر خالصة. والسؤال الذي تطرحه في النهاية ثم تتركه بغير جواب يزيد التوتر حدة. وليست هناك أنا تتكلم. لأن اللغة وحدها هي التي تتكلم اللغة التي توجد بين المرئي والمعقول وتنزل عليهما برودة الصيغ الرياضية، ولكنها صيغ تشدو وتغني. وهذا هو الذي يجعلها شعرا. (12) شعر بلا منطق أو وراء المنطق

وعلى الطرف الآخر من هذا الشعر النابع من تراث مالارميه نجد ما يمكن تسميته بالشعر اللامنطقي، أي شعر الهواجس والأحلام والهلوسات التي تصدر أو تحاول الصدور عن اللاشعور الباطن. والشعراء الذين يمثلون هذه النزعة يتأثرون رامبو ولوتريمو وعلوم الأسرار والكيمياء القديمة والكتابات اليهودية السرية المعروفة «بالقبلة». إن شعرهم هو شعر الأحلام - بالمعنى النقي لهذه الكلمة - سواء أكانت أحلاما طبيعية ترى في النوم أو أحلام يقظة «فنية» تصطنع بالمخدرات والعقاقير لتنشيط ملكة التخيل الخلاق. والواقع أن الفارق بين الحلم بمعناه النفسي أو بمعناه الفني فارق غير ملموس، والمهم أنهما يتلاقيان في شيء واحد هو أن ذات الشاعر فيهما ذات منسلخة عن الواقع وأن الإنسان هو سيد العالم بفضل ملكة الحلم التي وهبت له وحده.

الشعر اللامنطقي يستفيد إذن مثله في ذلك مثل الشعر العقلي من قدرة الإنسان على تخيل الصور اللاواقعية، ولكنه في حالتنا هذه يتلقى هذه الصور من أعمق طبقات الحلم دون أن يتدخل في ترتيبها وتنظيمها. فالإنسان عند شعراء الحلم ليس وحشا ذهنيا كما يقول «بريتون» ولكنه - بفضل أبحاث فرويد ويونج التي سبقت الإشارة إليها - كائن ينطوي على قوى مظلمة مجهولة تكمن في أعمق طبقات وجدانه وتسبق ذاته الشخصية الواعية. وقد رأينا أمثلة لتأثير هذا العالم المظلم على خيال الشاعر في كثير من قصائد رامبو. ثم جاءت أبحاث فرويد ويونج فأحدثت هي الأخرى أثرها. فيونج مثلا يفسر الأدب والشعر بوجه خاص بأنه ينشأ تحت تأثير «رؤى أولية قديمة» تعيش في اللاشعور الجمعي وما الشاعر إلا «الوسيط» الذي تتدفق هذه الرؤى من خلاله، وبذلك تكون عملية التشكيل الفني عملية ثانوية إلى جانب الاهتمام بهذا العالم المعتم السحيق.

ومن الطبيعي أن يكون لهذا تأثيره على السيرياليين ورائدهم الأول أبوللينير الذي أوجد كلمة السيريالية نفسها. فقد كتب، في سنة 1908م شعرا منثورا بعنوان «أو نيرو كريتيك»

Bog aan la aqoon