168

Kacaanka Maansada Casriga ah laga bilaabo Baudelaire ilaa Waqtiga Casriga (Qeybta Koowaad): Daraasadda

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

Noocyada

قد يكون هذا حقا، ولكنه لا يمثل كل الحقيقة؛ فقد سار مالارميه على طريقة درامية وأدار الحوار على لسان هيرودياد ومربيتها ليصور جانبي الصراع الذي قد يعبر عن نفسه. أما فاليري فليس في قصيدته شيء من هذه الدرامية، وموضوعاتها بغير معالم أو حدود، وهي تبدأ وتنتهي بغير حدث معين، والخيط الوحيد الذي قد نعثر عليه فيها هو هذه الحالة المركبة التي تعبر عن وجدان أو وعي نصف حالم، تتوالى عليه أمواج ودرجات مختلفة من المشاعر والتجارب، وتترابط فيه مجموعة من الرموز التي تتجاوب مع التغيرات المختلفة في جو الحلم العام. وقد ننسى لدى قراءتها شخصية «الآلهة» التي تدور حولها، بل قد نحس بأن الشاعر نفسه قد نسيها! وربما كان الحق معنا ومعه فهو يعالج أمورا لا يكفي الرمز الذي اختاره للإلمام بها، ويتناول مشاعر يصعب تحديدها وترتيبها في نظام أو تفكير محدد. هكذا يكون التلميذ قد ذهب إلى أبعد من أستاذه. فنحن نستطيع أن نفهم «هيرودياد» بغير حاجة إلى النظر وراء شخصيتها هي ومربيتها. أما «آلهة القدر» فندخل معها في عالم شحب فيه كل شيء حتى شخصية هذه الآلهة نفسها. هذا الشحوب أو الغموض أو عدم التحدد يميز القصيدة من بدايتها. لنستمع إلى هذه الأبيات التي تفتتح بها القصيدة وتوحي بأن الشاعر يتكلم عن نفسه:

من يبكي هناك، غير الريح البسيطة، في هذه الساعة الوحيدة

ذات الجواهر القصية؟ ... لكن من يبكي،

قريبا كل القرب مني في لحظة البكاء؟

ولكننا لا نلبث أن ننتقل - بغير إشارة ولا تحذير - إلى مونولوج الآلهة الفتية التي جاءت إلى عالم غريب عليها، ويتغلغل الشاعر فيها، وتصبح كلماتها هي كلماته التي تجسد أفكاره وتأملاته . ومع ذلك فنحن لا نكاد نتأكد من شيء على وجه اليقين. لا نكاد نعرف، حين تبدأ في الكلام، إن كانت هي التي تتكلم أو إن كان الشاعر هو الذي ينطق بلسانه أو لسانها. إن من الصعب التمييز بين الشاعر ورمزه. فآلهة القدر مخلوقة تنبثق من حالة وسط بين اليقظة والحلم، والوعي واللاوعي، وهي تخرج من الشاعر لكي تعود فتذوب فيه، بحيث لا ندري إن كانت مثل هذه الأبيات تصدق على الشاعر أم على آلهته الفتية:

نامي، يا حكمتي، نامي. شكلي لنفسك هذا الغياب؛

عودي إلى المنشأ والبراءة المظلمة،

هبي نفسك حية للأفاعي، للكنوز.

نامي أبدا! اهبطي، نامي على الدوام!

اهبطي، نامي، نامي!

Bog aan la aqoon