146

Kacaanka Maansada Casriga ah laga bilaabo Baudelaire ilaa Waqtiga Casriga (Qeybta Koowaad): Daraasadda

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

Noocyada

وإلهه هو أبوللو لا ديونيزوس؛ الإلهام أمر ثانوي، والأصل هو فعل الاكتشاف الذي يضع التركيب والبناء في موضع الارتجال، كما يضع «مملكة التحديد الفني في مكان الحرية الفوضوية»، وفي هذه المملكة وحدها يمكن أن تبتسم الألحان. وليس فن الشعر في نهاية الأمر إلا نوعا من فلسفة الوجود (الأنطولوجيا). (5) بين الحداثة والتراث

إذا كان الشعر الحديث يحطم القديم فهل يعني هذا أنه يقطع صلته بالتراث؟ وهل يستطيع شاعر أن يستغني عن التراث فيكون كالسمكة التي خرجت من الماء؟ ثم ما هو موقفه من عالم التجربة والعلم والتصنيع والتخطيط والحروب والمحن الجماعية؟ وإلى أي حد يرفضه أو يتأثر به؟

لقد اهتم الشعر منذ عهد بودلير بهذا الوجه الجديد المزعج من المدنية والتكنيك الحديث، وكان لهذا الاهتمام جانبه السلبي والإيجابي. فأبوللينير يدخل عالم الآلة الواقعي مع أغرب أحلام العبث والمحال في نسيج واحد. وتصبح الآلة في يديه شيئا سحريا، بل قد تحل عليها البركات وتقدم إليها القرابين ... وتفضي به التجربة إلى النشاز وتنافر الأنغام، فهو في قصيدته المشهورة «منطقة»

7 - التي تجدها في مختارات هذه المجموعة - يضع قاعات المطار والكنائس في منزلة واحدة، ويجعل المسيح الطيار الأول، الذي يضرب أعلى رقم قياسي! ونجد مثل هذا في قصيدة أخرى لجاك بريفير «الصراع مع الملاك»

8 - وتجدها كذلك في هذه المجموعة - فالصراع مع الملاك يدور في حلبة «البوكس» تحت أضواء المغنيسيوم، والإنسان يخسر الملاكمة ويسقط صريعا على نشارة الخشب!

ولكن يبدو أن الشعر الجديد قد تأثر بهذا العالم الصناعي تأثرا مزدوجا. فالحياة الآلية التي نحياها، والمعيشة في المدن الكبيرة المزدحمة قد تجذب الإنسان وتستهويه، وقد تملأ نفسه بالخراب والوحدة واليأس والضياع .

وهكذا أيضا كانت استجابة الشعر الحديث ذات وجهين. فهو يعبر عن عذاب الإنسان وضياع حريته في عالم تتحكم فيه الآلات والساعات والمشروعات الكبرى والحروب والكوارث الجماعية وتحيله في ظل «الثورة الصناعية الثانية» إلى كائن صغير ضئيل. إن أجهزته وآلاته تشهد على قوته وضعفه، وتتوجه وتخلعه عن العرش في آن واحد. والنظريات الفلكية عن الانفجار الكوني ومليارات السنين الضوئية وملايين النجوم والكواكب والأنظمة الشمسية الأخرى قد أشعرته بأنه ليس إلا صدفة عارضة حقيرة في مجموع الكون اللانهائي. كل هذه أشياء صورها العلماء والفلاسفة والشعراء وعبر عنها باسكال في القرن السابع عشر في صورة تهز النفس أروع تعبير. ولكن لا شك أن هناك صلة قوية بين التجارب التي يعانيها الإنسان وبين بعض خصائص الشعر الحديث.

فالانطلاق إلى عالم اللاواقع، والبعد بالخيال الجامح عن كل ما هو مألوف، والشغف بالرموز والأسرار الخفية، وتعقيل اللغة إلى أقصى حد؛ يمكن أن تكون كلها محاولات من جانب النفس الحديثة للمحافظة على حريتها في مواجهة عالم يتحكم فيه المال والآلة، وإنقاذ معجزة العالم والخلق في زمن يلهث وراء القوة و«العلم» والمنفعة، ويعاني من البطش والقهر والتعذيب، ويسعى وراء النجاح والأرقام القياسية بأي ثمن.

ولكن إذا كان الشعر يعلن احتجاجه على هذا العصر فهو من ناحية أخرى يتأثر به وينطبع بطابعه، فالشاعر ميال إلى التجريب والمحاولة، دقيق في صنعته دقة العالم في معمله، متأثر بروح العصر في صلابته وبروده وقسوته. إنه يحاول أن ينشئ القصيدة التركيبية التي تمتزج فيها الصور الشعرية القديمة - كالنجوم والبحار والرياح - بصور الحضارة الآلية واصطلاحات العلماء المتخصصين. فالشاعر بيير جان جوف

(ولد في 1887م) يقول مثلا في إحدى قصائده: «أرى بقعة غليظة من زيت الآلة وأتفكر طويلا طويلا في دم أمي.»

Bog aan la aqoon