142

Kacaanka Maansada Casriga ah laga bilaabo Baudelaire ilaa Waqtiga Casriga (Qeybta Koowaad): Daraasadda

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

Noocyada

كان من طبيعة الأمور أن يتفكر الشعراء المحدثون منذ عهد إدجار بو وبودلير في شعرهم فيضعوا له البرامج والنظريات التي لا تقل أهمية عن إنتاجهم من هذا الشعر. ولم ينشأ هذا عن رغبة في التعليم بقدر ما نشأ عن اقتناع بأن العمل الشعري هو إحدى مغامرات العقل الذي يعمل ويتأمل ذاته في وقت واحد فيزيد بهذا التأمل من حدة التوتر الشعري نفسه. ويوشك معظم الشعراء الكبار في القرن العشرين أن يكونوا قد وضعوا مذهبا نظريا أو فنا شعريا عن أدبهم أو عن الأدب بوجه عام. ومع أن الفنان المبدع قد لا يحسن النقد في أغلب الأحيان، إلا أن في استطاعتنا القول بأن هذه الكتابات النظرية التي أخرجها الشعراء لا تقل أهمية عن شعرهم نفسه، وأنها قد أكدت الرأي المعروف في أوائل القرن التاسع عشر من أن الشعر الغنائي هو أنقى وأعلى ظواهر الإبداع الأدبي وأنه ما من طريق يصل بين قمة الشعر الوحيدة وبين منعرجات الأدب المستوية، وأن هناك مسافة بعد شاسعة بين الشعر وبين الفنون الروائية والدرامية التي تعتمد على المنطق والواقع، وهي نفسها مسافة البعد بين كتابة يتحدث فيها الأديب إلى نفسه (مونولوج) وأخرى يريد بها التوصيل إلى الآخرين، لأن الشعر، كما يقول جوتفريد بن، هو فن متنسك معتزل.

ويصح أن نعرض هنا لرأيين في الشعر بقلم شاعرين كبيرين يؤكدان فيهما أن كثيرا من الملامح والخصائص الهامة في فن الشعر في القرن التاسع عشر قد انتقلت إلى فن الشعر في القرن العشرين.

ويرجع الرأي الأول إلى الشاعر الفرنسي «جيوم أبوللينير»، وهو برنامجه الذي نشره في سنة 1918م بعنوان «الروح الجديدة والشعراء» في مجلة «مر كيردي فرانس».

2

والروح الجديدة التي يقصدها أبوللينير هي روح الحرية المطلقة. والحرية في الشعر معناها أن يعالج الشاعر كل مادة ممكنة بغير اعتبار لدرجتها أو شرفها وأهميتها. فالشاعر يستطيع أن يجد مادة إلهامه في الكواكب والمحيطات، كما يجدها في منديل ملقى على الأرض أو في عود ثقاب مشتعل. إن خياله يرى في أسمى الأشياء وأحقرها ما لم يره أحد، وأذنه تسمع فيها ما لم يسمعه إنسان قبله. إنه يحولها فجأة إلى مفاجآت مثيرة و«أفراح جديدة ولو كان في تحملها العذاب كل العذاب.» إن أقل الأشياء وأحقرها شأنا يصلح أن يكون معبرا إلى لانهاية مجهولة، تلمع فيها أضواء المعاني المتعددة، كما يصلح أن يكون سبيلا مؤديا إلى غياهب اللاشعور.

إن الشيء المضحك العابث يستوي في درجته وقيمته مع أمجاد البطولة. وكذلك لا يجد الشعر حرجا من اختيار مادته من واقع الحياة الآلية والتقنية التي وصلت إليها المدنية الحديثة، فيتسع للكلام عن التلغراف والتليفون والطائرة، والآلات التي هي «بنات الرجال اللاتي لا أمهات لهن». وهو يربط هذه الأشياء جميعا بأساطير يبتكرها خياله؛ أساطير يسمح فيها بكل شيء، وبالمحال نفسه أو المستحيل قبل أي شيء آخر. وهدف الشعر من ذلك كله هو الوصول إلى ما يسميه أبوللينير «القصيدة المركبة» التي تشبه صفحة في جريدة يومية، تلتقي العين فيها بأشياء مختلفة في وقت واحد، أو فيلما تتجاور فيه الصورة إلى جانب الصورة. لا مكان هناك لأسلوب الوصف والزخرفة والتنميق والخطابة، بل صيغ جادة تعالج أعقد الموضوعات بأدق شكل ممكن. إن الإبداع الأدبي أشبه ما يكون بعمل الميكانيكي الدقيق، ومن واجب الأدب والشعر بوجه خاص أن يبذلا كل ما في وسعهما لمنافسة العلوم الرياضية في دقتها وجسارتها، ومن واجب، الشعر كذلك أن يتشبه بالكيمائيين القدامى فيضني نفسه في البحث عن «صيغ وكشوف نادرة» تجعل منه «كيمياء شعرية عريقة».

إن الشعر الجديد تواجهه الأخطار والمزالق، مثله في ذلك مثل الروح الجديدة بوجه عام. ولكنه يظل تجربة تستحق الإقدام عليها، وتستمد قيمتها من شجاعة المخاطرة لا من النجاح النهائي. ينبغي أن يقوم الشعر دائما على المفاجأة؛ فالمفاجأة التي تذهل القارئ بغرابتها أو بلهجتها الدرامية المعادية له هي أهم ما يميز الشعر الحديث عن الشعر القديم؛ وعلى الشاعر الذي يبحث عن المجهول ويعبر عنه بلغة شاذة غير مألوفة ولا مقبولة أن يتحمل الوحدة والانعزال، ويصبر على سخرية الناس أو تشهيرهم به.

ونعرض الآن - بعد هذا البرنامج الجريء الذي يستمد كما نرى من روح رامبو والذي يعد أهم حلقة نظرية تربط بين شعر رامبو وبين الشعر في القرن العشرين - نعرض لرأي آخر أبداه جارثيا لوكا في حديث ألقاه في سنة 1928م في ذكر الشاعر الإسباني الكبير جونجورا

3

بعنوان «الخيال الشعري عند دون لويس دي جونجورا».

Bog aan la aqoon