Kacaanka Maansada Casriga ah laga bilaabo Baudelaire ilaa Waqtiga Casriga (Qeybta Koowaad): Daraasadda

Cabd Ghaffar Makkawi d. 1434 AH
126

Kacaanka Maansada Casriga ah laga bilaabo Baudelaire ilaa Waqtiga Casriga (Qeybta Koowaad): Daraasadda

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

Noocyada

هكذا يتأكد سلطان الكلمة في الأدب الحديث كما تتأكد قوة الخيال غير المحدود على أسس أنطولوجية. فالكلمة هي الفعل الخلاق للروح الخالص، ومن تمام حريتها ألا تقيم وزنا للواقع التجريبي، بل تترك لحركاتها الخالصة التي توجهها كيف تشاء أن تبعث إيقاعاتها وإيحاءاتها.

ولعل من أهم ما يتميز به مالارميه أنه لم يفهم هذه الحركات فهما ذاتيا، بل نظر إليها كأحداث أو أفعال أنطولوجية تحمل ضرورتها في ذاتها. وعلى الرغم من ذلك نجده يسمي «العقل المطلق» مخيلة، كما يسميه حلما، وقد استعملت الكلمتان من قبل للدلالة على حرية الخلق، والواقع أن ظهور الكلمتين عنده يفيدنا فائدة كبيرة، إذ يمكننا من تتبع الطريق الطويل الذي سارت فيه كلمة المخيلة (أو الخيال الخلاق) منذ أواخر القرن الثامن عشر حتى تسلمها القرن العشرون، ويستطيع القارئ أن يراجع ما قلناه عنها عند الكلام عن روسو وديدرو وبودلير ورامبو، ليرى كيف اتفقوا على أنها قوة تسمو على الواقع، لا بل ذهبوا إلى القول بأنها ملكة دكتاتورية طاغية.

لم يقف مالارميه عند هذا الحد بل ارتفع بالمخيلة إلى مستوى أعلى، أصبحت هي المكان الذي يتحقق فيه الوجود العقلي للموجود المطلق؛ بهذا تكون فكرة المخيلة قد تطورت تطورا طبيعيا حتى صارت إلى ما هي عليه عند مالارميه. وإذا دل هذا على شيء فهو يدل على وحدة البناء التي طالما أشرنا إليها في الشعر الحديث وفي «فن الشعر» الحديث على السواء.

وفكرة مالارميه عن المخيلة تبرر من ناحية أخرى أهم خصائص شعره، ألا وهو تحطيم الواقع. ويبدو أنه قد فطن إلى هذه الخاصية الأساسية قبل أن يجد الأساس الأنطولوجي الذي يفسرها. فهو يقول في رسالة له سنة 1867م إنه لم يستطع أن يخلق أعماله إلا بالحذف أو الاستبعاد، وإنه قد تعمق باستمرار في تجربة «الظلمات المطلقة». ثم يقول مشيرا إلى بياتريش حبيبة دانتي الخالدة: « أصبح التحطيم عندي هو بياتريش.»

وإذا كانت عبارات الشاعر التي يقولها عن نفسه لا تكفي بالطبع لتفسير شعره، فيكفي أن نرجع لبعض الكلمات التي يكثر من استعمالها. فمن هذه الكلمات التي يميل دائما إلى استعمالها للدلالة على تحطيم الواقع أو إبعاد الأشياء كلية

Abolition

أي الطمس أو الإلغاء والتحطيم. وهناك كلمات أخرى تعيش في جوارها أو تدور في فلكها مثل: فجوة، فراغ، بياض، نقاء، غياب، وكلها كلمات «سالبة» تعد مفاتيح هامة لفهم شعره وتأملاته النظرية في الشعر، وثمة كلمة أخرى تبدو إيجابية على عكس الكلمات السابقة، وهي كلمة «زهرة» التي ترد في بعض الأحيان في صور أخرى كالوردة أو السوسنة ... إلخ، وتدل في كل الأحوال على أن اللغة هي الجوهر الذي يميز الإنسان: «إن الإعلاء من شأن الكلمة معناه الإشادة بأخص ما يميز جنسنا البشري، وأدلة على صميم كيانه، ألا وهو اللغة» (ص492).

وهل تتجلى فاعلية اللغة بأقصى طاقتها إلا في الأدب؟

ها هي ذي عبارة أخرى توضح ما نقصده: «ما الفائدة إذن من تحويل واقعة من الوقائع الطبيعية إلى ما يشبه أن يكون تلاشيها التام عن طريق اللعب باللغة، إن لم تخرج من ذلك - بغير أن يزعجها القرب الوثيق - الفكرة الخالصة كما تنبثق الزهرة، أقول زهرة، فترتفع بالنغم فكرة حلوة معطرة، تفتقر إليها كل الباقات» (ص368).

ونحسب الآن أن هذه العبارات لم تعد في حاجة إلى تفسير. فها هو ذا الشاعر يفسر الأدب مرة أخرى كإلغاء للشيء، أو حذف للواقع، ثم يكمل هذه الفكرة بأن هذا الإلغاء أو الحذف لا يتم إلا لأن الشيء ينبغي أن يتحول في اللغة أو في الكلمة إلى فكرة خالصة أو ماهية عقلية. ولكن هذه الفكرة لا توجد أبدا إلا في الكلمة الشاعرة؛ ولهذا يقول إن الزهرة تفتقر إليها كل الباقات.

Bog aan la aqoon