فقالت جوكوندا: أنا أضمن!
فقالت فينوموس الداهية: أأنت تضمنين الله تعالى خالقك يا ذات الجلالة العليا؟ قبلنا الضمانة.
وخرت فينوموس إلى الأرض ساجدة وقالت: عزمنا على إجراء عملية التوبة منذ الآن.
فارتعدت جوكوندا وقالت: ويحك يا فاجرة! لقد هورتني بدهائك، واستدرجتني إلى تجديف بالله تعالى لا يغتفر؛ ربي غفرانك! أثمت عن غير قصد مني لقصر نظري. - أي تجديف هذا؟ - استدرجتني إلى أن أضمن الله، والله ضامن الصديقين، وهل يخلف الله وعده حتى تطلبي ضمانة له؟
وسجدت جوكوندا إلى الأرض مستغفرة، ورسمت إشارة الصليب على صدرها مرارا ثم قالت: تبا لك! أيساوم الله على رحمته؟! معاذ الله.
فقالت فينوموس جادة: نعم يا ذات الجلالة! ألم تكن مساحات السماء في زمن من الأزمنة معروضة للمساومة؟ أما كانت تباع بأثمان وتسجل بصكوك وحجج كضمانة لحصول الشارين لها عليها؟ فلماذا تستنكرين علينا طلب ضمانة أو صك على الأقل؟ اتفقنا أن نتوب إليه تعالى! فما هي الضمانة لنا أو الحجة بامتلاك حق الرحمة؟
فوجفت جوكوندا تغيظا من هذا التلميح إلى عهد صكوك الغفران وقالت: قلت لك إن الله لا يساوم على رحمته؛ توبتكم هي حجتكم وضمانة لكم؛ لأنه تعالى وعد التائبين بالمغفرة رحمة بهم. - ولكنه لم يعد الملائكة الساقطين بمغفرة لقاء توبة، وإلا لتبنا من زمان، وكنا خدام جلالته. - لا تخافي أن تذهب توبتكم سدى، إن رحمة الله تعالى أوسع من الأرض وجهنم وسائر الأكوان، فإذا تبتم أتشفع لديه تعالى بكم فيشملكم برحمته، وسبحانه يقبل شفاعة القديسين.
فسجدت فينوموس إلى الأرض وقالت: حمدا لله وشكرا لشفاعتك أيتها القديسة، إني أول من يزمع التوبة، فعليك بإقناع سائر الرجماء الزعماء، ومتى اقتنعوا يتبعهم الأبالسة والشياطين، ثم نعقد حفلة التوبة تأهبا لدخول الملكوت الأرضي سالمين.
فقالت جوكوندا متهللة: وحينئذ تنقطع وسوستكم، وينتفي الشر عن الأرض بتاتا. - وأظن أنه يسمح لنا حينئذ أن ننتقل مع البشر الصالحين. - وهل عندك شك بذلك؟ ويكون فرح عظيم في السماء؛ لأن جميع الأرواح التي خلقها الله تابت إليه، واشتركت جميعا بتسبيحه، لله منه يوما حين يدوي فيه «خوروس» (جوقة موسيقية) الأبرار بترنيمة انتصار الفضيلة على الرذيلة، ومحو القداسة لدرن كل دنس. - لا ريب أنه سيكون يوما سعيدا لا نهاية له، بمجرد تصوره أشعر بغبطة فائقة ما شعرت بمثلها قط! - فكيف بك حين تتمتعين بالسعادة الحقيقية إذن؟ - وا شوقاه! متى يكون ذلك؟ - حين نخرج من جهنم بموكب عظيم مرنمين مسبحين ممجدين الله.
فقالت فينوموس وهي تتلوى دلالا: ولكن لا تنسي يا ذات الجلالة. - ماذا؟ - الصف الأول من ذلك الموكب العظيم. - كيف يكون؟ - صف الرجماء. - طبعا. - وهل تعلمين أني ملكة جهنم؟ - لم أجهل هذا. - إذن. - ماذا؟ - أين أكون في الموكب؟ - طبعا قدام الصف الأول، هذا مفهوم. - وأنت؟ - أنا؟ - نعم، أين تكونين جلالتك في الموكب. - هذا ما لم أفكر به قط. - أظن هذه نقطة جوهرية في الرسميات يا ذات الجلالة، يجب أن نقررها منذ الآن؛ لئلا يقع خلاف حينئذ، فيضطرب الموكب، وتزدحم البوابة، فيقفلها الملائكة في وجوهنا. - لا بأس أن أكون وراء الموكب.
Bog aan la aqoon