ثلاثة الأصول
تأليف شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه المتوفى سنة ١٢٠٦ هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل:
الأولي: العلم.
وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة..
الثانية: العمل به.
الثالثة: الدعوة إليه.
الرابعة: الصبر على الأذى فيه.
والدليل قوله تعالى: بسم الله الرّحمن الرّحيم ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ ١.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم. وقال البخاري رحمه الله تعالى: باب العلم قبل القول والعمل.
والدليل قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ ٢.
فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
_________
١ سورة العصر آية: ١-٢-٣.
٢ سورة محمد آية: ١٩.
1 / 185
اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل، والعمل بهن.
الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا، بل أرسل إلينا رسولا؛ فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
والدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا﴾ ١.
الثانية: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
والدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ ٢ الثالثة: أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب.
والدليل قوله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ٣.
اعلم أرشدك الله لطاعته، أن الحنيفية ملة إبراهيم: أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ ٤. ومعنى يعبدون: يوحدون، وأعظم ما أمر الله به: التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة وأعظم ما نهى عنه: الشرك وهو دعوة غيره معه.
_________
١ سورة المزمل آية: ١٥-١٦.
٢ سورة الجن آية: ١٨.
٣ سورة المجادلة آية: ٢٢.
٤ سورة الذاريات آية: ٥٦.
1 / 186
والدليل قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ١. فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟ فقل: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه محمدا ﷺ. فإذا قيل لك: من ربك؟ فقل ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه.
والدليل قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ٢. وكل ما سوى الله عالم، وأنا واحد من ذلك العالم. فإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار، والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهما.
والدليل قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ ٣. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ٤. والرب هو المعبود.
والدليل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ٥. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة. وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل
_________
١ سورة النساء آية: ٣٦.
٢ سورة الفاتحة آية: ٢.
٣ سورة فصلت آية: ٣٧.
٤ سورة الأعراف آية: ٥٤.
٥ سورة البقرة آية: ٢١-٢٢.
1 / 187
الإسلام، والإيمان، والإحسان، ومنه الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها الله تعالى.
والدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ ١، فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر.
والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ ٢ وفي الحديث: "الدعاء مخ العبادة" ٣.
والدليل قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ ٤.
ودليل الخوف قوله تعالى: ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ٥.
ودليل الرجاء قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ ٦.
ودليل التوكل قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ٧. وقال: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ ٨ ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ ٩.
_________
١ سورة الجن آية: ١٨.
٢ سورة المؤمنون آية: ١١٧.
٣ سنن الترمذي: كتاب الدعوات (٣٣٧١) .
٤ سورة غافر آية: ٦٠.
٥ سورة آل عمران آية: ١٧٥.
٦ سورة الكهف آية: ١١٠.
٧ سورة المائدة آية: ٢٣.
٨ سورة الطلاق آية: ٣.
٩ سورة الأنبياء آية: ٩٠.
1 / 188
ودليل الخشية قوله تعالى ﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ ١.
ودليل الإنابة قوله تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ ٢.
ودليل الاستعانة قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ٣. وفي الحديث: "إذا استعنت فاستعن بالله" ٤.
ودليل الاستعاذة قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ ٥، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ ٦.
ودليل الاستغاثة قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ ٧.
ودليل الذبح قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ﴾ ٨.
ومن السنة: "لعن الله من ذبح لغير الله" ٩.
ودليل النذر قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ ١ ٠.
(الأصل الثاني): معرفة دين الإسلام بالأدلة، وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله. وهو ثلاث مراتب: الإسلام والإيمان والإحسان. وكل مرتبة لها أركان. فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء
_________
١ سورة البقرة آية: ١٥٠.
٢ سورة الزمر آية: ٥٤.
٣ سورة الفاتحة آية: ٥.
٤ سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٦)، ومسند أحمد (١/٢٩٣،١/٣٠٣،١/٣٠٧) .
٥ سورة الفلق آية: ١.
٦ سورة الناس آية: ١.
٧ سورة الأنفال آية: ٩.
٨ سورة الأنعام آية: ١٦٢-١٦٣.
٩ صحيح مسلم: كتاب الأضاحي (١٩٧٨)، وسنن النسائي: كتاب الضحايا (٤٤٢٢)، ومسند أحمد (١/١٠٨،١/١١٨،١/١٥٢،١/٢١٧،١/٣٠٩،١/٣١٧) .
١٠ سورة الإنسان آية: ٧.
1 / 189
الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.
فدليل الشهادة: قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ١. ومعناها لا معبود بحق إلا الله " لا إله " نافيا جميع ما يعبد من دون الله " إلا الله " مثبتا العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه، وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ٢ وقوله: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ ٣.
ودليل شهادة أن محمدا رسول الله قوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ٤.
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
ودليل الصلاة، والزكاة، وتفسير التوحيد: قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ ٥.
ودليل الصيام قوله تعالى: ﴿اأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ٦.
_________
١ سورة آل عمران آية: ١٨.
٢ سورة الزخرف آية: ٢٦-٢٧-٢٨.
٣ سورة آل عمران آية: ٦٤.
٤ سورة التوبة آية: ١٢٨.
٥ سورة البينة آية: ٥.
٦ سورة البقرة آية: ١٨٣.
1 / 190
ودليل الحج قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ ١. المرتبة الثانية: الإيمان: وهو بضع وسبعون شعبة: فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.
وأركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
والدليل على هذه الأركان الستة: قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ ٢.
ودليل القدر: قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ ٣.
المرتبة الثالثة: الإحسان ركن واحد وهو: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" ٤. والدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ ٥. وقوله: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ٦ وقوله: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ ٧.
_________
١ سورة آل عمران آية: ٩٧.
٢ سورة البقرة آية: ١٧٧.
٣ سورة القمر آية: ٤٩.
٤ صحيح البخاري: كتاب الإيمان (٥٠) وكتاب تفسير القرآن (٤٧٧٧)، وصحيح مسلم: كتاب الإيمان (٨)، وسنن النسائي: كتاب الإيمان وشرائعه (٤٩٩٠،٤٩٩١)، وسنن أبي داود: كتاب السنة (٤٦٩٥)، ومسند أحمد (١/٢٧،١/٥١) .
٥ سورة النحل آية: ١٢٨.
٦ سورة الشعراء آية: ٢١٧-٢١٨-٢١٩-٢٢٠.
٧ سورة يونس آية: ٦١.
1 / 191
والدليل من السنة حديث جبرائيل المشهور عن عمر ﵁ قال: "بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ إذ طلع علينا رجل، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي ﷺ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. فقال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال فمضى، فلبثنا مليا. فقال: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم".
الأصل الثالث: معرفة نبيكم محمد ﷺ وهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبيا أفضل الصلاة والسلام. وله من العمر ثلاث وستون سنة. منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيا رسولا. نُبِّئَ ب ﴿اقْرَأْ﴾ وأُرْسِلَ بالمدثر، وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة. بعثه الله بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد،
1 / 192
والدليل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْوَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ ١ ومعنى ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ ٢، ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد. ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ ٣، أي: عظمه بالتوحيد. ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ ٤، أي: طهر أعمالك عن الشرك. ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ ٥، الرجز بالأصنام، وهجرها تركها، والبراءة منها وأهلها. أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد. وبعد العشر عُرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة.
والهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام؛ والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة.
والدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرا ًإِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًافَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ ٦ وقوله تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ ٧ قال البغوي رحمه الله تعالى: سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين بمكة لم يهاجروا، ناداهم الله باسم الإيمان.
والدليل على الهجرة من السنة قوله ﷺ: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" ٨.
_________
١ سورة المدثر آية: ١-٢-٣-٤-٥-٦-٧.
٢ سورة المدثر آية: ٢.
٣ سورة المدثر آية: ٣.
٤ سورة المدثر آية: ٤.
٥ سورة المدثر آية: ٥.
٦ سورة النساء آية: ٩٧-٩٨-٩٩.
٧ سورة العنكبوت آية: ٥٦.
٨ أبو داود: الجهاد (٢٤٧٩)، وأحمد (٤/٩٩)، والدارمي: السير (٢٥١٣) .
1 / 193
فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام، مثل الزكاة والصوم والحج والجهاد والأذان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام.
أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي صلوات الله وسلامه عليه، ودينه باقٍ، وهذا دينه، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه. والخير الذي دل عليه: التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه. والشر الذي حذر منه: الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه. بعثه الله إلى الناس كافة. وافترض الله طاعته على جميع الثقلين: الجن والإنس.
والدليل قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ ١، وأكمل الله به الدين.
والدليل قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِينًا﴾ ٢.
والدليل على موته ﷺ قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون َثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ ٣، والناس إذا ماتوا يبعثون.
والدليل قوله تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ ٤. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ ٥، وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم.
_________
١ سورة الأعراف آية: ١٥٨.
٢ سورة المائدة آية: ٣.
٣ سورة الزمر آية: ٣٠-٣١.
٤ سورة طه آية: ٥٥.
٥ سورة نوح آية: ١٧-١٨.
1 / 194
والدليل قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ ١، ومن كذب بالبعث كفر.
والدليل قوله تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ ٢. وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين.
والدليل قوله تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ ٣. وأولهم نوح ﵇، وآخرهم محمد ﷺ.
والدليل على أن أولهم نوح ﵇ قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ ٤. وكل أمة بعث الله إليها رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة الطاغوت.
والدليل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٥.
وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع. والطواغيت كثيرة، ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله.
_________
١ سورة النجم آية: ٣١.
٢ سورة التغابن آية: ٧.
٣ سورة النساء آية: ١٦٥.
٤ سورة النساء آية: ١٦٣.
٥ سورة النحل آية: ٣٦.
1 / 195
والدليل قوله تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ ١. وهذا معنى لا إله إلا الله، وفي الحديث: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" ٢ والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
_________
١ سورة البقرة آية: ٢٥٦.
٢ الترمذي: الإيمان (٢٦١٦)، وابن ماجه: الفتن (٣٩٧٣)، وأحمد (٥/٢٣١،٥/٢٣٤،٥/٢٣٧،٥/٢٤٥) .
1 / 196