Saddex Nin iyo Haweenay
ثلاثة رجال وامرأة
Noocyada
وتناول ذراعها مترفقا بها، ومضى بها إلى السيارة التي تركاها على الطريق فدخلا فيها، وقلبها يعصره الأسى، ووجهه ناطق بالألم المر.
وانطلق بالسيارة ينهب الأرض ولا يبالي أين يذهب، وهي إلى جانبه لا ترى شيئا مما حولها أو أمامها، حتى خرجا إلى الطريق الذي ينثني إلى الريف فوقف.
وقال لها: قلت لك إن هناك أشياء يجب أن تعرفيها قبل.
قالت: يكفيني ما أعرف وتعرف، وما عدا ذلك لا قيمة له عندي، وليس يعنيني أن أطلع عليه.
قال: كلا، وستعرفين أني على صواب بعد أن تسمعي ما سأقصه عليك.
وسكت برهة، وأرسل عينه أمامه، وبدا كأنه يعالج أن يجمع متفرقا، أو يختصر مطولا، ثم التفت إليها، وأراح أنامله على راحتها وقال: كان ينبغي أن أقول لك هذا من قبل، ولكني لم أكن أظن أن الأمر يبلغ بك هذا، وقد نظرت إليك في القطار فأحببتك، ولكن لم يدر لي في خلد أن تحبني فتاة رائعة مثلك ، ولقد فاجأني حبك فأحسست لحظة أني ميت بعث من قبره، غير أني ما لبثت أن عدت إلى قبري؛ لفت الحقائق المرة كفني علي مرة أخرى وردتني إلى التراب والظلمة، لا تقاطعي فإنك لا تعلمين، إي نعم، فإني رجل ولا كالرجال، رجل باع نفسه، تتعجبين؟ لا أعني أني بعت نفسي للشيطان، وإنما أعني أن امرأة تزوجتني، هي التي تزوجتني لا أنا، وأحسب أني أدير لك رأسك بهذا الكلام الغامض، فيحسن أن أقص عليك القصة: أنا رجل فلاح متوسط الحال، أملك بضعة فدادين، ليس معولي عليها؛ فإنها قليلة وغلتها ضئيلة، وكان في وسعي إصلاحها فيكثر ريعها، وكان من الميسور أن أستأجر غيرها من الأرض الجيدة، وأعمل في هذه وتلك فأعيش في رفاهة، ولكني آثرت الأسهل، فعملت في ضيعة كبيرة لرجل من السادات، وقف أرضه على بنته دون زوجته، وإن كانت سيدة يضن الزمان بمثلها، ومات الرجل، فصار الأمر كله إلي، فأنا المشرف على الزراعة، ولكني لم أخن الأمانة، فبقي مالي الذي أعيش منه هو أجري، والقليل الذي تغله أرضي، وكبرت الفتاة، وصارت من الحوريات الرعابيب، وأنا أزداد كل يوم تعلقا بها ووفاء لها، وقدمت يوما موقومة. لا لا لا، ينبغي أن أوجز مخافة أن تظني أني أحملها التبعة وأبرئ نفسي من الضعف والطمع، ولهذا أقول بإيجاز إنها تزوجتني، إي نعم، قالت لي: كن زوجي، فكنت. وقالت إنها ستحتفظ بالعصمة في يديها، فقبلت عن طيب خاطر، فقد حسبتها تخشى على مالها، ولكن الحقيقة التي عرفتها بعد ذلك أنها لم تتزوجني لرغبة في، بل فرارا ممن تحبه هي، لا تستغربي فإن لها لحكاية، وحكايتها أنها أحبت فتى وأحبها أيضا، وهو جدير بها وإن كان لا مال له، فقد رأيته وعرفته، ولكن قومه فيهم إباء، فهم يستثقلون أن يكون ابنهم فقيرا وامرأته ذات ثراء، ويخشون أن يشقيه ويشقيهم ذلك، وهو أيضا شديد التحرج لا يرضى أن ترضخ له مالها، فألفت نفسها مقبلة على حياة لن يكون نصيبها منها إلا الشظف - بالقياس إلى ما تعودت - والمال عندها مثل التراب في الكثرة وفي الزهد فيه، ولست ألومها؛ فما من شك في أن إسراف صاحبها في التعفف كان خليقا أن يشقيها، ولكنه كان من حقي عليها، وقد اعتزمت أن تهرب منه إلي، أن تفضي إلي بالحقيقة، على أني لا أبرئ نفسي، فقد كان ينبغي أن أتريث وأفكر وأستجلي سر إقبالها علي بغتة، وأحسبني طمعت في رغد العيش ولينه وإن لم أطمع في مالها، على كل حال، هذا ما كان، ولست أشكو، ولكني أقول ما أقول تقريرا للواقع، وما زلت زوجها، ولكن بالاسم، وهي تحملني معها وتبديني للناس هنا وها هنا، وتخلطني بأصحابها، ولكني لا أختلط؛ لأني لست منهم، ولا هم مني، ولست فيما أعلم ضيق الصدر، وأستطيع أن أقول إني لست فظا ولا شكسا، ولكن هؤلاء الذين تجرني إلى مجالسهم وتدور بي معهم وتكلفني أن أنهز معهم بدلوهم، أولى بهم أن يكونوا في المحابس وعليهم القضبان؛ فإنهم لا أكثر ولا أقل - فيما أرى وأحس - من قردة، وعسى أن أكون ظالما لهم، وأعترف أنهم يكرمونني ويلاطفونني، ويحتفون بي، لا أدري لماذا؟ لأجلها على ما أظن، ولكني مللت، ولم أعد أطيقهم، وقد صارحتها بذلك، وآذنتها بالفراق، ولكن الفراق ليس معناه الطلاق؛ فإن الأمر لها وليس لي، وأحسبها ستجري علي نفقة، (وقهقه) ولم يبق أمامي إلا البحث عن عمل آخر أكسب به رزقي، والآن وقد عرفت الحقيقة كلها، وتبينت أي رجل أنا، فهل لا تزالين تحمدين الله؟!
وكانت محاسن - ككل بنات حواء - تستطيع، وتحسن أن تتكلف، ولكنها لم تتكلف في هذا الموقف شيئا، فقد غضبت - له - وتغير وجهها من الحرد وقدحت عينها شررا؛ مما يحتدم في جوفها، وكان هذا مظهر رقة وعطف لم يعرفهما حمدي من قبل، فلا عجب إذا كان حبه قد شب فجأة عن الطوق.
وانطوت يده على أناملها، وانثنى رأسه، ولثمت شفتاه كفها، وهمس: أحسبك تعرفين أني مجنون بك.
قالت: أعرف ذلك، حمدا لله، فإني أنا أيضا مجنونة بك.
فانتفض، فقد كان حسبه منها ما بدا من عطفها ، أما ...
Bog aan la aqoon