Saddex Nin iyo Haweenay
ثلاثة رجال وامرأة
Noocyada
قال: لماذا؟ القطار حاضر، والإسكندرية تنتظر مقدمك السعيد بلهفة.
قالت: لكأني بك تريد أن تحملني الساعة وتضعني في القطار وتدفعه بيديك، ما الداعي إلى العجلة؟!
قال: لا داعي سوى أني أخشى على الوردة الذبول في هذا الجو الثقيل.
وكانت هذه أول عبارة جرى بها لسانه مما يشبه أن يكون إعرابا عن إعجاب، أو يقرب أن يكون غزلا، وكانت هي تحمد الله على اتقائه أن يقول شيئا يجري هذا المجرى؛ فقد كانت تخشى أن تضطر إلى تخييب أمله، وحينئذ يكون ماذا؟
بأي لسان تقول: لا، وهو رب نعمتها؟ وكيف تطيق أن يظن بها الجحود، وهي غير جاحدة؟ وإنها لتعلم - على الأقل مذ نبهها الأستاذ حليم - أن هذا حال لا يمكن أن يدوم، وأنه لا معدى عن الانتقال إلى حال أخرى، وها هو ذا قد أجرى لسانه بأول كلمة تشير إلى قرب الانتقال ووشك التحول، أفلا يحسن أن تغتنم الفرصة التي أتاحها لها وتفر إلى الإسكندرية وتقضي فيها أياما توسع فيها هذا الأمر تفكيرا وتدبرا؟!
ولقد تلطف فأشار إلى أنه سيدعها وحدها، ويتخلف هو في القاهرة، ففي مقدورها وهي بعيدة عنه، أن تنظر في أمره وأمرها معه، وأن تتأمل ما تحسه له وهي نائية عنه، وأن تشاور نفسها فيما عدا ذلك أيضا؛ في مستقبلها معه، أو بمعزل عنه، إذا استقر رأيها على التأبي والنفور، وفيما ينبغي أن تحدثه أو لا تحدثه به إذا آثرت الرضى بما يخطو إليه ببطء وعلى حذر.
دار هذا كله بنفسها في مثل لمح البصر، فقالت له: إذا كنت تبغي جادا أن أسافر، فأنا أفعل ما تأمر، وإن كنت لا أشعر أن بي حاجة إلى ذلك، ولا أعرف لماذا تبغيه، على كل حال، أمرك، وماذا أقول غير ذلك؟!
وكان نسيم تخير لها مكانا خاليا في القطار ولبث معها حتى دق الجرس إيذانا بالرحيل، ثم وقف على الرصيف يودعها ضاحكا.
ولم تجد محاسن مشقة في إقناع أمها بأنها ندبت لعمل في الإسكندرية، أما أبوها فلم تكن بها حاجة إلى استئذانه، وإن كانت في سريرتها تخشاه، ولكنه كان يبيت في حيث لا يعلم أحد، ويغيب يوما أو يومين أو أياما، ثم يئوب على غير انتظار، ويكتفي بأن يقول إنه كان في «مهمة»، ولا يسأل عن شيء أو أحد، كأنما يشفق أن يسأل هو أيضا إذا فتح هذا الباب.
ولبثت محاسن وحدها دقائق، فتناولت قصة بوليسية وهمت بالقراءة، وإذا برجل يدخل ويضع حقيبة ضخمة على الرف، وينحط على المقعد أمامها، فثقل عليها أن يتطفل على وحدتها غريب، ورفعت رأسها وألقت إليه نظرة استهجان لتطفله واستثقال لوجوده، وما كادت تصعد طرفها إليه حتى دهشت وشخصت، فقد كان الرجل تمثالا حيا لمن قالت لجارتها فريدة إنها تحلم به؛ طويلا، أسمر اللون، ملوحا، عريض الكتفين، أرسخ، حاد العين كالصياد، قوى الفم، بارز الذقن متينها.
Bog aan la aqoon