Saddex Nin iyo Haweenay
ثلاثة رجال وامرأة
Noocyada
فتكلف نسيم الدهشة والألم وقال: إيه يا دنيا! من كان يظن أن رجلا كوالدي - ينطوي لك على الإكبار والحب - ورجلا له مثل مواهبك العظيمة تقع بينهما النبوة وتحل الجفوة؟! على أني مستعد لإصلاح ما لعله فسد إذا سمحت لي.
قال هذا لظهره، فقد ألقى الصحيفة، ونهض وخرج.
ولم يزل نسيم يلج في تعقب المدير حتى كف عن الذهاب إلى النادي.
وشكا نسيم إلى زميله عزت بثه وخيبة أمله فقال: إني لا أدري ماذا أقول في صاحبنا راتب؟ ولعلي مخطئ، ولكني كنت أتوقع أن يرحب بابن صديقه، ويتلقاه في كل مكان مفتوح الذراعين، ولكني أرى وجودي في النادي يثقل عليه، وقد بذلت كل ما وسعني لأكسب رضاه وأفوز بحسن رأيه ومودته، ولكنه كان يقابل جهودي بالسخط والاستنكار ومغادرة المكان، لم تبق لي حيلة يا صاحبي إلا الصبر، وهو كما علمتك، طيب.
وكان نسيم هذا هو الذي حمى محاسن من الملل، ورد وجه الحياة وضيئا، وأشاع في نفسها الرضى والاستبشار؛ فقد كان لا يفتأ يدخل عليها ويتحدث إليها فيضحكها ويسليها، وقد يدعوها إلى العشاء فيقول لها مثلا: تواترت إلي الإشاعات بأن على مقربة من شركتنا العظيمة التي تعتمد علينا في أعمالها الجليلة النافعة، مطعما يتكفل بأن يوفر للإنسان ما أتلف الكد في العمل من أنسجة البدن، بثمن زهيد، وقد نظرت الساعة إلى وجهي في المرآة، فراعني ما عراه من الذبول والتغير، فقلت لنفسي: إنك يا نسيم ضحية الإخلاص في العمل، وإني لأخشى أن يقتلك اجتهادك، وحينئذ ماذا يكون؟ كيف تقف هذه الشركة على قدميها بدونك؟! فما قولك؟ أليس هذا حقا؟
فتضحك محاسن، وتسأله: ثم ماذا؟
فيقول: وأنت أيضا، صاحبنا راتب يرهقك بما يكلفك فوق طاقتك، وسأخاطبه في هذا، وأؤنبه عليه، ولكنه لا يجوز - ولا يفيد - أن أفعل هذا ومعدتي فارغة، وجسمي هزيل، ولوني ممتقع، وصوتي خافت من الضعف، فتعالي نجرب هذا المطعم الذي يقول عنه رواده إنه هو المطعم الذي يحتاج إليه، وكان يبحث عنه، أساطين التجارة وأقطابها وعمدها وأسنادها مثلنا، وسننظر في أمر صاحبنا راتب فيما بعد، وإنه ليعز علي أن أدعه ينتظر، وما أشك في أنه سيقضي ليلته حائرا قلقا مسهد الجفن، ولكنه لن يضيره أن يتعلم الصبر ، كما تعلمناه نحن العاملين المجدين، فتعالي.
وكان خير ما فيه أنه لا يحاول أن يغازلها، كأنها رجل مثله، فكانت تحمد له سيرته معها، وتخلد إليه بالثقة ولا يساورها قلق، وإن كان لا يرضيها في سريرتها أنه لا يبدو عليه أنه يشعر بأنها فتاة لها جمال وفتنة. على أنها كانت تتعزى بأنه ما كان ليقبل عليها ويطيب نفسا بصحبتها لولا أنه يرى أن لها حظا من الجمال، وحدثت نفسها أنها تؤثر أن يظل كما هو، لا يقاربها بغزل.
4
وكان نسيم متكئا على مكتبه ذات مساء على عادته بعد أن يفرغ من عمله، فقال له عزت: اسمع يا نسيم.
Bog aan la aqoon