Saddex Cashar oo ku Saabsan Descartes
ثلاثة دروس في ديكارت
Noocyada
ترجمة
يوسف كرم
الدرس الأول
اجتمعنا هنا اليوم لنحتفل بانقضاء المائة الثالثة على حدث أدبي عظيم هو ظهور كتاب ديكارت «مقال في المنهج»، ذلك الكتاب الذي يعد من أكثر الكتب الفلسفية مدعاة للدهشة، والذي كان إخراجه حدثا روحيا كبيرا؛ أي ثورة روحية نحن ورثتها، وإن تفاوت حظنا في هذا الإرث.
ثلاثة قرون - وأي قرون! - تفصلنا من ديكارت ومن كتبه، وهي فترة طويلة بالإضافة إلى التاريخ، وإلى العلم نظريا، وعمليا، وإلى الحياة، ولكنها قصيرة بالإضافة إلى الفلسفة، فإنا نعترف صراحة أن تقدم الفلسفة بطيء، أنها تعنى بأمور بسيطة جدا: تعنى بالوجود، وبالمعرفة، وبالإنسان؛ وهذه أمور بسيطة لا ينقطع اهتمامنا بها؛ لذلك تظل أجوبة كبار الفلاسفة عن هذه المسائل البسيطة خليقة بالعناية، مفيدة هامة قرونا طويلة بل آلاف السنين، فإن الفلسفة في حاضر مستمر، وقد لا يوجد اليوم فكر فلسفي أكثر ملاءمة من فكر ديكارت، إلا أن يكون فكر أفلاطون.
ولكن لندع أفلاطون جانبا، وسنصادفه أثناء سيرنا، فإنما أقصد أن أحدثكم اليوم عن ديكارت، وعن «المقال في المنهج».
نحن نعرف جميعا هذا الكتاب، فقد قرأناه جميعا، ودرسناه في المدرسة مع تفاوت في العناية، وذاكرتنا مليئة بعباراته المتثاقلة اللطيفة، كلها سذاجة وتهكم وحكمة، وكلها «أصالة رأي»، تلك الأصالة التي هي أندر وأنفس شيء في العالم، مهما يقل في ذلك ديكارت، أو بعبارة أخرى أدق جريا مع ديكارت نفسه.
جميعنا نذكر قوله: «إن أصالة الرأي أعدل الأشياء توزعا بين الناس، فإن كلا يعتقد أن حظه منها موفور، حتى الذين هم أقل الناس رضى فيما عدا ذلك فليس من عادتهم أن يطلبوا منها أكثر مما قسم لهم.» وجميعنا تذوقنا ما في هذا التدليل من تهكم، وجميعنا نعلم أن المهم «ليس أن يكون عقلنا جيدا، بل أن نجيد استخدامه»، ولقد تساءلنا جميعا كيف السبيل إلى ذلك، وجميعنا نذكر «أنه ينبغي أن نكون حازمين في العمل، محاكين في ذلك المسافرين الذين إذا ضلوا في غابة حرصوا على ألا يدوروا فيها دورانا، بل مضوا في اتجاه واحد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ لأنهم بذلك إن لم يذهبوا إلى حيث يرغبون فإنهم يصلون حيث يكونون في الراجح أحسن حالا منهم في وسط الغابة»، وإن «قراءة الكتب القيمة بمثابة حديث مع أفضل رجال القرون السالفة» و«إنا لا نستطيع أن نتصور شيئا أكثر غرابة، وأبعد عن التصديق إلا وقد قاله أحد الفلاسفة.»
ثم إننا جميعا منذ ثلاثة قرون متشبعون بالفكر الديكارتي عن طريق مباشر أو غير مباشر من حيث إن الفكر الأوربي بأجمعه، أو على الأقل الفكر الفلسفي بأجمعه يتجه ويتعين منذ ثلاثة قرون بالنسبة إلى ديكارت؛ لذلك يصعب علينا جدا أن ندرك أهمية عمل ديكارت وجدته، فقد كان ثورة من أعمق ما عرفته الإنسانية من ثورات فكرية بل روحية، كان عبارة عن استعادة العقل سلطانه على نفسه، وكان نصرا حاسما في الطريق الوعر الشاق المؤدي بالإنسان إلى التحرر الروحي إلى حرية العقل والحقيقة، وإنه لأصعب من ذلك إن لم يكن مستحيلا أن نتصور ما كان «للمقال» من أثر عند الذين كانوا يقرءونه لأول مرة منذ ثلاثة قرون.
وإنا لنكرر القول: إن ثلاثة قرون حقبة طويلة، ومع أن المسائل الفلسفية هي في الواقع دائمة فإن من الحق أيضا أن ما كان لمعاصري ديكارت من المرامي الروحية يختلف أشد اختلاف عما لنا نحن من مرام روحية؛ لذلك اختلف ما كانوا يطلبونه في هذا الكتاب عما نطلبه نحن.
Bog aan la aqoon