تبسيط العقائد الإسلامية
تبسيط العقائد الإسلامية
Daabacaha
دار الندوة الجديدة
Lambarka Daabacaadda
الخامسة
Sanadka Daabacaadda
١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
Noocyada
تبسيط العقائد الإسلامية
حسن أيوب
الشيخ حسن أيوب ووراثة النبوة بقلم أ. أحمد زكريا عبد اللطيف إنَّ أعظمَ مصيبةِ حصلت في الإسلام المصيبةُ بوفاة نبيِّنا محمد ﷺ، والمصائبُ العظمى بعد تلك المصيبة إنَّما هي بموت ورثتِه ﷺ، وقد قال ﷺ: «إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياءَ لَم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذ به، أخذ بحظٍّ وافر»، رواه أبو داود وغيرُه، وسنده حسن. * ومن هؤلاء الورثة العظام شيخنا حسن أيوب الذي أسلم قياده لمولاه ولحق بالرفيق الأعلى في يوم الخميس الماضي .. الرابع عشر من شهررجب ١٤٢٩ الموافق١٧/ ٧/٢٠٠٨. وتلك وربي من أعظم البلايا التي تحيق بالأمة الإسلامية .. وإن كان عزاؤنا فيمن بقي من علماءنا ومشايخنا .. نسأل الله أن يحفظهم ذخرا للإسلام. وقد قضى الشيخ حسن رحمه الله تعالى نحبه، بعد رحلة مديدة من العطاء والبذل لدين الله ﷿، والشيخ حسن علم بارز، لكن مع وجود هذا المناخ الفاسد، وانتشار الفضائيات انقلبت الموازين، فتصدر ضعاف الدعاة، واستأسد الحمل، واعتلى منابر الدعوة أشباه العلماء إلا من رحم الله تعالى، وانخدع الشباب بهذا البريق الزائف، وغفلوا عن أولئك الأعلام الذين هم شعار الأمة ودثارها. * من أجل ذلك كان هذا المقال الموجز من أجل التعريف برجل من الذين سبقونا، عرفانا بحقهم وفضلهم، وإظهارا ً للقدوة الصالحة التي ترسم الطريق الصحيح لشبابنا. المولد والنشأة * ولد الشيخ حسن محمد أيوب في العشرينيات من القرن العشرين، في مركز منوف بمحافظة المنوفية، لأبوين كريمين في أسرة تحكمها أخلاق الريف الأصيلة، مما غرس فيه منذ النشأة التواضع والتبسط مع الناس .. وتلك من أهم أسباب نجاح الداعية، ثم ألحقه أبوه بالكتاب فمن الله عليه بحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، مما شجع والده على إلحاقه بالأزهر الشريف، أملا ً في أن يكون عالما ً كبيرا ً من علماء الإسلام، وقد تحقق الأمل بفضل الله تعالى، حتى تخرج من كلية أصول الدين عام١٩٤٩. رحلة الشيخ العملية * بدأ فضيلته حياته العملية مدرسًا بوزارة التربية، وكان مشهودا ً له بإتقان العمل والتمكن العلمي والتواصل مع الطلاب والقدرة الفائقة على إيصال المعلومة وتبسيطها برغم صعوبة المناهج في تلك الفترة، ثم انتقل للعمل موجهًا بوزارة الأوقاف، ثم مديرًا للمكتب الفني بها. الشيخ والحركة الإسلامية *وبعد ازدهار دعوة الإخوان وانتشارها، كان للشيخ دور بارز في الدعوة، لمكانته كشيخ أزهري مع قدراته العلمية والخطابية والدعوية المؤثرة، فقد كان الشيخ ﵀ من فرسان المنابر العظام فإذا تكلم أسمع، وإذا وعظ أثر مع طرافة في الأسلوب، وذهن حاضر متقد، فمدرسته قريبة من مدرسة الشيخ كشك ﵀. * فعندما احتدت الأزمة بين الإخوان وضباط الثورة .. كان للشيخ نصيب مما نال الإخوان من الإيذاء والاعتقال، حتى ضاقت أرض مصر به فكانت رحلته للخليج .. وعندها ذهب لدولة الكويت، فعمل بها واعظًا وخبيرًا ومؤلفًا، وكانت له عطاءاته في كل مجال من هذه المجالات، فترك بصمة واضحة في مجال الدعوة والتربية حتى افتقده أهل الكويت كثيرا ً بعد رحيله، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. * ثم بدأت مرحلة جديدة في حياة الشيخ الدعوية والعلمية وكانت من أخصب مراحل حياته هي مرحلة انتقاله إلى المملكة العربية السعودية .. حيث عمل أستاذًا للثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، ثم أستاذًا بمعهد إعداد الدعاة بمكة المكرمة، فتخرج على يديه الكثير من الطلاب التلاميذ والدعاة. عودته إلى مصر * وبعد أن كبر السن وضعفت القوى، حن الشيخ لوطنه، فعاد ليكمل مسيرة العطاء في مركزه منوف فأخذ يواصل الجهاد والعطاء بإقامة الدروس والمحاضرات ولم يكتف بمسجده في منوف، بل امتدت دعوته لتشمل الطلاب الوافدين للدراسة بكلية الهندسة جامعة المنوفية .. والموجودة بمركز منوف، فكان يلقي المحاضرات ويتعهد الطلاب بالنصائح الغالية. * وكان ﵀ له دور اجتماعي، فكان يتعهد فقرائهم بالمعونات المادية، ويحاول جاهدا أن يبذل جهده وطاقته لراحتهم وإسعادهم، وظل على هذا الحال حتى حيل بينه وبينهم بسبب الظروف التي مرت بها البلاد وقتها، وظل ﵀ يؤدي رسالته بحسب ما يتاح له من فرص ووسائل ومناسبات .. حتى لقي ربه يوم الخميس الماضي ﵀ رحمة واسعة. مكانته عند الناس * للشيخ ﵀ مكانةٌ مرموقةٌ ومنزلةٌ رفيعةٌ، فقد رُزق القبول، وأحبَّه الناسُ، وحرصوا على سماع دروسه وفتاواه، واقتفاء آثاره العلمية، وأشرطة دروسه ومحاضراته، وهو عالٍمٌ كبيرٌ، وفقيهٌ متمكِّن .. وقد كان الناس يفزعون إليه عند الملمات، فيجدون عنده ما يخفف عنهم هموم الدنيا ومصائبها. * ومما يذكر له أن كثيرا ً من الآباء ذهبوا إليه لينصح أبناءهم بحلق لحاهم عند اشتداد القبضة الأمنية في التسعينيات، فرفض ﵀، وأوصاهم بأن يتركوا أبناءهم يتمسكون بسنة الحبيب ﷺ، فكان لهذا فعل السحر في قلوب الآباء، وامتلأت قلوبهم ثقة في الله جل وعلا. تراث الشيخ العلمي والدعوي * وقد ترك الشيخ ﵀ تراثا ضخما، يتمثل في مكتبته الصوتية تلك التي بلغت أكثر من ألف شريط كاسيت وفيديو .. كذلك ضمّنها الشيخ الإسلام كله بكلياته وفروعه على شكل سلاسل صوتية رائعة ومن أمثلتها: * سلسلة قصص الأنبياء: وقد حققت السلسلة شهرة واسعة لما تميزت بربط الواقع المعاصر بقصص الأنبياء في أسلوب رائع ضاحك مبك في نفس الوقت، لما يحمله من التهكم والسخرية والمرارة لما يمر به المسلمون في هذه المرحلة الخطيرة من الزمن. * سلسلة الدار الآخرة: والتي كان لها تأثيرها البالغ في نفوس كل من سمعوها، لما تشعر في أسلوب الشيخ من صدق وإخلاص نحسبه كذلك والله حسيبه. * كذلك فقد أسهم الشيخ بنصيب وافر في مجال الكتابة فألف مجموعة من الكتب تعتبر نسيج وحدها في أسلوبها وموضوعاتها. ومن هذه الكتب * فقه العبادات: وقد شرح فيه الشيخ العبادات في مجلد واحد في أسلوب سهل ممتنع لا تنقصه الرصانة العلمية والملكة الفقهية، ولم ينحاز الشيخ في كتابه لمذهب بعينه، بل ما ترجح بالدليل عنده هو ما يذهب إليه، وقد استفدت كثيرا من هذا الكتاب، في بحثي المعنون ب (ثبوت الهلال بين الرؤية البصرية والحسابات الفلكية). * السلوك الاجتماعي في الإسلام. * ومن أخطر كتبه التي أثارت ضجة كبيرة، كتابه: (تبسيط العقائد الإسلامية)،فقد رجح الشيخ حسن أيوب أن المصدق بقلبه ناجٍ عند الله وإن لم ينطق بالشهادتين، (تبسيط العقائد الإسلامية ٢٩ - ٣٢). ومال إليه البوطي (كبرى اليقينيات ١٩٦). * وفي هذا مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، ومخالفة لنصوص القرآن الكريم الكثيرة منها: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) .. عليه يكون إبليس من الناجين من النار لأنه من المصدقين بقلوبهم، وكذلك أبو طالب عم النبي ﷺ وغيرهم كثير. * ويقول في نفس الكتاب: (أهل السنة هم أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي ومن سلك طريقهما، وكانوا يسيرون على طريقة السلف الصالح في فهم العقائد)، (تبسيط العقائد الإسلامية ٢٩٩)، ومخالفة هذا الكلام لعقيدة أهل السنة واضح بين، وليس هذا المقام مقام أخذ ورد. * وبالرغم من خطورة هذا المعتقد الذي يمثل إلى حد كبير مذهب الأشاعرة، وكان هذا الفهم سببا أساسيا في خروج الشيخ من المملكة السعودية، إلا أني أقول: إنَّ الشيخ ﵀ من العلماء الذين اجتهدوا وحرصوا على إتباع الدَّليل من الكتاب والسُّنَّة، وله عناية في التحقيق في المسائل والاستدلال عليها بالكتاب والسُّنَّة والإجماع والمعقول، حيث يذكر الأدلَّة إجمالًا ثمَّ يفصِّلها، ويُبيِّن وجهَ الاستدلال، وهو مِمَّن رُزق فقهًا في الدِّين، وعناية في فقه الشريعة أصولًا وفروعًا، وهو كغيره يخطئ ويُصيب، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويُردُّ إلاَّ رسول الله ﷺ. * وللشيخ أيوب آراء في مسائل يسيرة، بغض النظر عن هذه المسألة الخطيرة، يرى غيرُه أنَّ الصوابَ على خلاف ما قال، وقد يكون هو المصيب. * ومن المعلوم أنَّ كلَّ مجتهد للوصول إلى الحقِّ لا يعدم الحصول على أجرٍ أو أجرَين، على أجرين إن أصاب، وأجرٍ واحد إن أخطأ؛ لقوله ﷺ في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عمرو ابن العاص قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «إذا حكم الحاكمُ فاجتهدَ ثمَّ أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثمَّ أخطأ فله أجرٌ»، وهذا لفظ البخاري. فقد قسم النَّبِيُّ ﷺ الحكَّام في هذا الحديث إلى قسمين: مصيب ومخطئٌ، فدلَّ على أنَّ الحقَّ يُصيبه من يُصيبه، ويخطئه مَن يخطئه، وأنَّه ليس كلُّ مجتهدٍ في اختلاف التضادِّ مصيبًا حقًّا، وإنَّما كلّ مجتهد مصيبٌ أجرًا، مع تفاوتِهم في الأجر كما هو واضح من هذا الحديث. * والحاصلُ أنَّ الشيخَ ﵀ عالِمٌ كبيرٌ، وعلمُه غزيرٌ، وصوابُه كثير، ونفعُه عميم، فأوصي بالاهتمام بآثاره والاستفادة منها. وكذلك من كتب الشيخ * الجهاد والفدائية في الإسلام. * رحلة الخلود. * رسائل صغيرة في موضوعات مختلفة كالصلاة والحج وغير ذلك. * الموسوعة الإسلامية الميسرة .. وهذه الموسوعة هي آخر ما كتب الشيخ وتبلغ حوالي خمسين جزءًا من القطع الصغير، وهي شاملة لكل كليات الاسلام وفروعه وعلومه ومعارفه المختلفة. وقبل أن أختم مقالي أذكر بعض الآثار عن السلف والتي تدلُّ على مدى عِظم المصيبة بموت العالِم: - فعن سَلمان الفارسي قال: «لا يزال الناسُ بخير ما بقي الأول حتى يتعلَّم الآخِر، فإذا هلك الأوَّلُ قبل أن يتعلَّم الآخِر هلك الناس» رواه الدرامي في سننه - وعن ابن عباس ﵄ أنَّه لَمَّا مات زيد بن ثابت قال: «هكذا ذهابُ العلم، لقد دُفن اليوم علمٌ كثير» رواه الحاكم في المستدرك. وعن الحسن قال: «موتُ العالِم ثلمه في الإسلام لا يسدُّها شيء ما طرد الليل والنهار» رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. وعن أيُّوب السّختياني قال: «إنَّه ليَبلُغنِي موتُ الرَّجل من أهل السُّنَّة، فكأنَّما سقط عضوٌ من أعضائي» رواه أبو نعيم في الحلية. وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (ص:٧٤): «... لَمَّا كان صلاحُ الوجود بالعلماء، ولولاهم كان الناسُ كالبهائم، بل أسوأ حالًا، كان موتُ العالِم مصيبة لا يجبرها إلاَّ خلف غيرِه له، وأيضًا فإنَّ العلماءَ هم الذين يسوسون العبادَ والبلاد والممالك، فموتُهم فسادٌ لنظام العالَم، ولهذا لا يزال اللهُ يغرسُ في هذا الدِّين منهم خالفًا عن سالف يحفظُ بهم دينَه وكتابَه وعبادَه، وتأمَّل إذا كان في الوجود رجلٌ قد فاق العالَم في الغنى والكرم، وحاجتهم إلى ما عنده شديدة، وهو محسنٌ إليهم بكلِّ ممكن ثم مات، وانقطعت عنهم تلك المادة، فموتُ العالِم أعظمُ مصيبة من موت مثل هذا بكثير، ومثل هذا يموت بموته أممٌ وخلائق». وقبل ذلك كلِّه ما قاله الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، في الحديث المتفق على صحَّته عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يَقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لَم يُبق عالِمًا اتَّخذ الناسُ رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأَضلُّوا»، وهذا لفظ البخاري. ولا شكَّ أنَّ وجودَ العالِم المحقِّق بين الناس غنيمةٌ عظيمةٌ، يستفيدون من نُصحه، ويستضيئون بنورِ علمِه، فإذا فقدوه شعروا بالفراغ الواسع. وفي هذا المعنى قال الشاعر: خَبَتْ مصابيحُ كنّا نستضيء بها ... وطوّحَتْ للمغيب الأنجُمُ الزُّهُرُ واستحكمتْ غُرْبَةُ الإسلام وانكسفتْ ... شمسُ العلومِ التي يُهدى بها البَشَرُ وختامًا فقد ورد في صحيح مسلم من حديث أمِّ سلمة ﵂ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ دعا لأبي سلمة عند موتِه فقال: «اللَّهمَّ اغفر لأبي سلمة، وارفع درجتَه في المهديِّين، واخلفه في عقِبِه في الغابرين، واغفر لنا وله يا ربَّ العالَمين، وأفسح له في قبره، ونوِّر له فيه». ونحن نقول: اللَّهمَّ اغفر للشيخ حسن أيوب، وارفع درجتَه في المهديِّين، واخلفه في عقِبِه في الغابرين، واغفر لنا وله يا ربَّ العالَمين، وأفسح له في قبره، ونوِّر له فيه. ونسألُ اللهَ أن يُوفِّقنا جميعًا لتحصيل العلمِ النافع، والعمل الصالِح، إنَّه سميعٌ مجيب. وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين. كتبه خادم القرآن أحمد زكريا عبد اللطيف (باحث شرعي) _________ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: المقال من شبكة الألوكة، نسخته هنا للفائدة
الشيخ حسن أيوب في ذمة الله موقع اسلام أون لاين الشيخ حسن أيوب القاهرة - رحل في وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء العالم الشيخ حسن أيوب - من قيادات الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين في مصر - عن عمر يناهز الـ٩٠ عاما، قضى جلها في مجال الدعوة الإسلامية. وشيعت جنازة الشيخ أيوب بعد ظهر اليوم الخميس ١٧ - ٧ - ٢٠٠٨ من مسجد الأشبكية بمسقط رأسه كفر فيشا بمحافظة المنوفية شمال غرب القاهرة. وأسهم الشيخ الراحل بنصيب وافر في المكتبة الإسلامية بلغ نحو ١٠٠٠ تسجيل صوتي وفيديو، فضلا عن عشرات المؤلفات التي تنوعت بين الفقه وعلوم القرآن والحديث والأخلاق والسيرة. ومن أبرز تلك المؤلفات "الموسوعة الإسلامية الميسرة" التي نشرت في ٥٠ جزءًا من القطع الصغير، وشملت كليات الإسلام وفروعه وعلومه ومعارفه المختلفة بطريقة مبسطة تناسب جميع المسلمين على مختلف تخصصاتهم ومستوياتهم، وكانت آخر ما كتب الشيخ. وترجمت بعض مؤلفاته إلى اللغة الإنجليزية، مثل "السلوك الاجتماعي في الإسلام"، كما ألف للأطفال العديد من القصص الدينية. وعمل الشيخ بعد تخرجه في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام ١٩٤٩ مدرسا بوزارة التربية والتعليم المصرية، ثم موجها بوزارة الأوقاف فمديرا لمكتبها الفني، قبل أن يعتقل لنحو ٢٠ عاما لانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. داعية شعبي وبعد خروجه من المعتقل عمل الفقيد بدولة الكويت واعظا وخبيرا ومؤلفا في الشئون الدينية، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية كأستاذ للثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، ثم أستاذ بمعهد إعداد الدعاة بمكة المكرمة. التجربة الكويتية وخلال فترة عمله بدول الخليج العربي وتنقلاته الدعوية بدأ المئات من التلاميذ يلتفون حوله، من أبرزهم القياديان بحركة "حماس" خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة ومحمد نزال. كما كان من تلامذته المقربين الداعية الكويتي الشهير الشيخ أحمد القطان الذي سجل تجربته معه في إصدار خاص وصفه فيه بأنه كان السبب في توبته وميلاده من جديد، قائلا: "إنني حسنة من حسنات حسن". ويروي القطان أن الشيخ أيوب كان داعية شعبيا، آثر أن يحاضر في مسجد العثمان بالكويت ليكون بين البسطاء تاركا المساجد الكبرى كمسجد السالمية وغيره، وأنه قد جعل من هذا المسجد قبلة تتوحد فيها كل الجنسيات للمرة الأولى بالكويت، كما تحتشد فيه النساء لسماع خطبه ومحاضراته، حتى أصبح الحضور يجلسون في الطرقات حول المسجد. وأسس الشيخ الراحل بالكويت العديد من المشروعات الدعوية والخيرية، في مقدمتها "لجنة زكاة العثمان" التي تعد من أشهر لجان الزكاة بالعالم العربي
الشيخ حسن أيوب ووراثة النبوة بقلم أ. أحمد زكريا عبد اللطيف إنَّ أعظمَ مصيبةِ حصلت في الإسلام المصيبةُ بوفاة نبيِّنا محمد ﷺ، والمصائبُ العظمى بعد تلك المصيبة إنَّما هي بموت ورثتِه ﷺ، وقد قال ﷺ: «إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياءَ لَم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذ به، أخذ بحظٍّ وافر»، رواه أبو داود وغيرُه، وسنده حسن. * ومن هؤلاء الورثة العظام شيخنا حسن أيوب الذي أسلم قياده لمولاه ولحق بالرفيق الأعلى في يوم الخميس الماضي .. الرابع عشر من شهررجب ١٤٢٩ الموافق١٧/ ٧/٢٠٠٨. وتلك وربي من أعظم البلايا التي تحيق بالأمة الإسلامية .. وإن كان عزاؤنا فيمن بقي من علماءنا ومشايخنا .. نسأل الله أن يحفظهم ذخرا للإسلام. وقد قضى الشيخ حسن رحمه الله تعالى نحبه، بعد رحلة مديدة من العطاء والبذل لدين الله ﷿، والشيخ حسن علم بارز، لكن مع وجود هذا المناخ الفاسد، وانتشار الفضائيات انقلبت الموازين، فتصدر ضعاف الدعاة، واستأسد الحمل، واعتلى منابر الدعوة أشباه العلماء إلا من رحم الله تعالى، وانخدع الشباب بهذا البريق الزائف، وغفلوا عن أولئك الأعلام الذين هم شعار الأمة ودثارها. * من أجل ذلك كان هذا المقال الموجز من أجل التعريف برجل من الذين سبقونا، عرفانا بحقهم وفضلهم، وإظهارا ً للقدوة الصالحة التي ترسم الطريق الصحيح لشبابنا. المولد والنشأة * ولد الشيخ حسن محمد أيوب في العشرينيات من القرن العشرين، في مركز منوف بمحافظة المنوفية، لأبوين كريمين في أسرة تحكمها أخلاق الريف الأصيلة، مما غرس فيه منذ النشأة التواضع والتبسط مع الناس .. وتلك من أهم أسباب نجاح الداعية، ثم ألحقه أبوه بالكتاب فمن الله عليه بحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، مما شجع والده على إلحاقه بالأزهر الشريف، أملا ً في أن يكون عالما ً كبيرا ً من علماء الإسلام، وقد تحقق الأمل بفضل الله تعالى، حتى تخرج من كلية أصول الدين عام١٩٤٩. رحلة الشيخ العملية * بدأ فضيلته حياته العملية مدرسًا بوزارة التربية، وكان مشهودا ً له بإتقان العمل والتمكن العلمي والتواصل مع الطلاب والقدرة الفائقة على إيصال المعلومة وتبسيطها برغم صعوبة المناهج في تلك الفترة، ثم انتقل للعمل موجهًا بوزارة الأوقاف، ثم مديرًا للمكتب الفني بها. الشيخ والحركة الإسلامية *وبعد ازدهار دعوة الإخوان وانتشارها، كان للشيخ دور بارز في الدعوة، لمكانته كشيخ أزهري مع قدراته العلمية والخطابية والدعوية المؤثرة، فقد كان الشيخ ﵀ من فرسان المنابر العظام فإذا تكلم أسمع، وإذا وعظ أثر مع طرافة في الأسلوب، وذهن حاضر متقد، فمدرسته قريبة من مدرسة الشيخ كشك ﵀. * فعندما احتدت الأزمة بين الإخوان وضباط الثورة .. كان للشيخ نصيب مما نال الإخوان من الإيذاء والاعتقال، حتى ضاقت أرض مصر به فكانت رحلته للخليج .. وعندها ذهب لدولة الكويت، فعمل بها واعظًا وخبيرًا ومؤلفًا، وكانت له عطاءاته في كل مجال من هذه المجالات، فترك بصمة واضحة في مجال الدعوة والتربية حتى افتقده أهل الكويت كثيرا ً بعد رحيله، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. * ثم بدأت مرحلة جديدة في حياة الشيخ الدعوية والعلمية وكانت من أخصب مراحل حياته هي مرحلة انتقاله إلى المملكة العربية السعودية .. حيث عمل أستاذًا للثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، ثم أستاذًا بمعهد إعداد الدعاة بمكة المكرمة، فتخرج على يديه الكثير من الطلاب التلاميذ والدعاة. عودته إلى مصر * وبعد أن كبر السن وضعفت القوى، حن الشيخ لوطنه، فعاد ليكمل مسيرة العطاء في مركزه منوف فأخذ يواصل الجهاد والعطاء بإقامة الدروس والمحاضرات ولم يكتف بمسجده في منوف، بل امتدت دعوته لتشمل الطلاب الوافدين للدراسة بكلية الهندسة جامعة المنوفية .. والموجودة بمركز منوف، فكان يلقي المحاضرات ويتعهد الطلاب بالنصائح الغالية. * وكان ﵀ له دور اجتماعي، فكان يتعهد فقرائهم بالمعونات المادية، ويحاول جاهدا أن يبذل جهده وطاقته لراحتهم وإسعادهم، وظل على هذا الحال حتى حيل بينه وبينهم بسبب الظروف التي مرت بها البلاد وقتها، وظل ﵀ يؤدي رسالته بحسب ما يتاح له من فرص ووسائل ومناسبات .. حتى لقي ربه يوم الخميس الماضي ﵀ رحمة واسعة. مكانته عند الناس * للشيخ ﵀ مكانةٌ مرموقةٌ ومنزلةٌ رفيعةٌ، فقد رُزق القبول، وأحبَّه الناسُ، وحرصوا على سماع دروسه وفتاواه، واقتفاء آثاره العلمية، وأشرطة دروسه ومحاضراته، وهو عالٍمٌ كبيرٌ، وفقيهٌ متمكِّن .. وقد كان الناس يفزعون إليه عند الملمات، فيجدون عنده ما يخفف عنهم هموم الدنيا ومصائبها. * ومما يذكر له أن كثيرا ً من الآباء ذهبوا إليه لينصح أبناءهم بحلق لحاهم عند اشتداد القبضة الأمنية في التسعينيات، فرفض ﵀، وأوصاهم بأن يتركوا أبناءهم يتمسكون بسنة الحبيب ﷺ، فكان لهذا فعل السحر في قلوب الآباء، وامتلأت قلوبهم ثقة في الله جل وعلا. تراث الشيخ العلمي والدعوي * وقد ترك الشيخ ﵀ تراثا ضخما، يتمثل في مكتبته الصوتية تلك التي بلغت أكثر من ألف شريط كاسيت وفيديو .. كذلك ضمّنها الشيخ الإسلام كله بكلياته وفروعه على شكل سلاسل صوتية رائعة ومن أمثلتها: * سلسلة قصص الأنبياء: وقد حققت السلسلة شهرة واسعة لما تميزت بربط الواقع المعاصر بقصص الأنبياء في أسلوب رائع ضاحك مبك في نفس الوقت، لما يحمله من التهكم والسخرية والمرارة لما يمر به المسلمون في هذه المرحلة الخطيرة من الزمن. * سلسلة الدار الآخرة: والتي كان لها تأثيرها البالغ في نفوس كل من سمعوها، لما تشعر في أسلوب الشيخ من صدق وإخلاص نحسبه كذلك والله حسيبه. * كذلك فقد أسهم الشيخ بنصيب وافر في مجال الكتابة فألف مجموعة من الكتب تعتبر نسيج وحدها في أسلوبها وموضوعاتها. ومن هذه الكتب * فقه العبادات: وقد شرح فيه الشيخ العبادات في مجلد واحد في أسلوب سهل ممتنع لا تنقصه الرصانة العلمية والملكة الفقهية، ولم ينحاز الشيخ في كتابه لمذهب بعينه، بل ما ترجح بالدليل عنده هو ما يذهب إليه، وقد استفدت كثيرا من هذا الكتاب، في بحثي المعنون ب (ثبوت الهلال بين الرؤية البصرية والحسابات الفلكية). * السلوك الاجتماعي في الإسلام. * ومن أخطر كتبه التي أثارت ضجة كبيرة، كتابه: (تبسيط العقائد الإسلامية)،فقد رجح الشيخ حسن أيوب أن المصدق بقلبه ناجٍ عند الله وإن لم ينطق بالشهادتين، (تبسيط العقائد الإسلامية ٢٩ - ٣٢). ومال إليه البوطي (كبرى اليقينيات ١٩٦). * وفي هذا مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، ومخالفة لنصوص القرآن الكريم الكثيرة منها: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) .. عليه يكون إبليس من الناجين من النار لأنه من المصدقين بقلوبهم، وكذلك أبو طالب عم النبي ﷺ وغيرهم كثير. * ويقول في نفس الكتاب: (أهل السنة هم أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي ومن سلك طريقهما، وكانوا يسيرون على طريقة السلف الصالح في فهم العقائد)، (تبسيط العقائد الإسلامية ٢٩٩)، ومخالفة هذا الكلام لعقيدة أهل السنة واضح بين، وليس هذا المقام مقام أخذ ورد. * وبالرغم من خطورة هذا المعتقد الذي يمثل إلى حد كبير مذهب الأشاعرة، وكان هذا الفهم سببا أساسيا في خروج الشيخ من المملكة السعودية، إلا أني أقول: إنَّ الشيخ ﵀ من العلماء الذين اجتهدوا وحرصوا على إتباع الدَّليل من الكتاب والسُّنَّة، وله عناية في التحقيق في المسائل والاستدلال عليها بالكتاب والسُّنَّة والإجماع والمعقول، حيث يذكر الأدلَّة إجمالًا ثمَّ يفصِّلها، ويُبيِّن وجهَ الاستدلال، وهو مِمَّن رُزق فقهًا في الدِّين، وعناية في فقه الشريعة أصولًا وفروعًا، وهو كغيره يخطئ ويُصيب، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويُردُّ إلاَّ رسول الله ﷺ. * وللشيخ أيوب آراء في مسائل يسيرة، بغض النظر عن هذه المسألة الخطيرة، يرى غيرُه أنَّ الصوابَ على خلاف ما قال، وقد يكون هو المصيب. * ومن المعلوم أنَّ كلَّ مجتهد للوصول إلى الحقِّ لا يعدم الحصول على أجرٍ أو أجرَين، على أجرين إن أصاب، وأجرٍ واحد إن أخطأ؛ لقوله ﷺ في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عمرو ابن العاص قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «إذا حكم الحاكمُ فاجتهدَ ثمَّ أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثمَّ أخطأ فله أجرٌ»، وهذا لفظ البخاري. فقد قسم النَّبِيُّ ﷺ الحكَّام في هذا الحديث إلى قسمين: مصيب ومخطئٌ، فدلَّ على أنَّ الحقَّ يُصيبه من يُصيبه، ويخطئه مَن يخطئه، وأنَّه ليس كلُّ مجتهدٍ في اختلاف التضادِّ مصيبًا حقًّا، وإنَّما كلّ مجتهد مصيبٌ أجرًا، مع تفاوتِهم في الأجر كما هو واضح من هذا الحديث. * والحاصلُ أنَّ الشيخَ ﵀ عالِمٌ كبيرٌ، وعلمُه غزيرٌ، وصوابُه كثير، ونفعُه عميم، فأوصي بالاهتمام بآثاره والاستفادة منها. وكذلك من كتب الشيخ * الجهاد والفدائية في الإسلام. * رحلة الخلود. * رسائل صغيرة في موضوعات مختلفة كالصلاة والحج وغير ذلك. * الموسوعة الإسلامية الميسرة .. وهذه الموسوعة هي آخر ما كتب الشيخ وتبلغ حوالي خمسين جزءًا من القطع الصغير، وهي شاملة لكل كليات الاسلام وفروعه وعلومه ومعارفه المختلفة. وقبل أن أختم مقالي أذكر بعض الآثار عن السلف والتي تدلُّ على مدى عِظم المصيبة بموت العالِم: - فعن سَلمان الفارسي قال: «لا يزال الناسُ بخير ما بقي الأول حتى يتعلَّم الآخِر، فإذا هلك الأوَّلُ قبل أن يتعلَّم الآخِر هلك الناس» رواه الدرامي في سننه - وعن ابن عباس ﵄ أنَّه لَمَّا مات زيد بن ثابت قال: «هكذا ذهابُ العلم، لقد دُفن اليوم علمٌ كثير» رواه الحاكم في المستدرك. وعن الحسن قال: «موتُ العالِم ثلمه في الإسلام لا يسدُّها شيء ما طرد الليل والنهار» رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. وعن أيُّوب السّختياني قال: «إنَّه ليَبلُغنِي موتُ الرَّجل من أهل السُّنَّة، فكأنَّما سقط عضوٌ من أعضائي» رواه أبو نعيم في الحلية. وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (ص:٧٤): «... لَمَّا كان صلاحُ الوجود بالعلماء، ولولاهم كان الناسُ كالبهائم، بل أسوأ حالًا، كان موتُ العالِم مصيبة لا يجبرها إلاَّ خلف غيرِه له، وأيضًا فإنَّ العلماءَ هم الذين يسوسون العبادَ والبلاد والممالك، فموتُهم فسادٌ لنظام العالَم، ولهذا لا يزال اللهُ يغرسُ في هذا الدِّين منهم خالفًا عن سالف يحفظُ بهم دينَه وكتابَه وعبادَه، وتأمَّل إذا كان في الوجود رجلٌ قد فاق العالَم في الغنى والكرم، وحاجتهم إلى ما عنده شديدة، وهو محسنٌ إليهم بكلِّ ممكن ثم مات، وانقطعت عنهم تلك المادة، فموتُ العالِم أعظمُ مصيبة من موت مثل هذا بكثير، ومثل هذا يموت بموته أممٌ وخلائق». وقبل ذلك كلِّه ما قاله الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، في الحديث المتفق على صحَّته عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يَقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لَم يُبق عالِمًا اتَّخذ الناسُ رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأَضلُّوا»، وهذا لفظ البخاري. ولا شكَّ أنَّ وجودَ العالِم المحقِّق بين الناس غنيمةٌ عظيمةٌ، يستفيدون من نُصحه، ويستضيئون بنورِ علمِه، فإذا فقدوه شعروا بالفراغ الواسع. وفي هذا المعنى قال الشاعر: خَبَتْ مصابيحُ كنّا نستضيء بها ... وطوّحَتْ للمغيب الأنجُمُ الزُّهُرُ واستحكمتْ غُرْبَةُ الإسلام وانكسفتْ ... شمسُ العلومِ التي يُهدى بها البَشَرُ وختامًا فقد ورد في صحيح مسلم من حديث أمِّ سلمة ﵂ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ دعا لأبي سلمة عند موتِه فقال: «اللَّهمَّ اغفر لأبي سلمة، وارفع درجتَه في المهديِّين، واخلفه في عقِبِه في الغابرين، واغفر لنا وله يا ربَّ العالَمين، وأفسح له في قبره، ونوِّر له فيه». ونحن نقول: اللَّهمَّ اغفر للشيخ حسن أيوب، وارفع درجتَه في المهديِّين، واخلفه في عقِبِه في الغابرين، واغفر لنا وله يا ربَّ العالَمين، وأفسح له في قبره، ونوِّر له فيه. ونسألُ اللهَ أن يُوفِّقنا جميعًا لتحصيل العلمِ النافع، والعمل الصالِح، إنَّه سميعٌ مجيب. وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين. كتبه خادم القرآن أحمد زكريا عبد اللطيف (باحث شرعي) _________ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: المقال من شبكة الألوكة، نسخته هنا للفائدة
الشيخ حسن أيوب في ذمة الله موقع اسلام أون لاين الشيخ حسن أيوب القاهرة - رحل في وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء العالم الشيخ حسن أيوب - من قيادات الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين في مصر - عن عمر يناهز الـ٩٠ عاما، قضى جلها في مجال الدعوة الإسلامية. وشيعت جنازة الشيخ أيوب بعد ظهر اليوم الخميس ١٧ - ٧ - ٢٠٠٨ من مسجد الأشبكية بمسقط رأسه كفر فيشا بمحافظة المنوفية شمال غرب القاهرة. وأسهم الشيخ الراحل بنصيب وافر في المكتبة الإسلامية بلغ نحو ١٠٠٠ تسجيل صوتي وفيديو، فضلا عن عشرات المؤلفات التي تنوعت بين الفقه وعلوم القرآن والحديث والأخلاق والسيرة. ومن أبرز تلك المؤلفات "الموسوعة الإسلامية الميسرة" التي نشرت في ٥٠ جزءًا من القطع الصغير، وشملت كليات الإسلام وفروعه وعلومه ومعارفه المختلفة بطريقة مبسطة تناسب جميع المسلمين على مختلف تخصصاتهم ومستوياتهم، وكانت آخر ما كتب الشيخ. وترجمت بعض مؤلفاته إلى اللغة الإنجليزية، مثل "السلوك الاجتماعي في الإسلام"، كما ألف للأطفال العديد من القصص الدينية. وعمل الشيخ بعد تخرجه في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام ١٩٤٩ مدرسا بوزارة التربية والتعليم المصرية، ثم موجها بوزارة الأوقاف فمديرا لمكتبها الفني، قبل أن يعتقل لنحو ٢٠ عاما لانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. داعية شعبي وبعد خروجه من المعتقل عمل الفقيد بدولة الكويت واعظا وخبيرا ومؤلفا في الشئون الدينية، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية كأستاذ للثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، ثم أستاذ بمعهد إعداد الدعاة بمكة المكرمة. التجربة الكويتية وخلال فترة عمله بدول الخليج العربي وتنقلاته الدعوية بدأ المئات من التلاميذ يلتفون حوله، من أبرزهم القياديان بحركة "حماس" خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة ومحمد نزال. كما كان من تلامذته المقربين الداعية الكويتي الشهير الشيخ أحمد القطان الذي سجل تجربته معه في إصدار خاص وصفه فيه بأنه كان السبب في توبته وميلاده من جديد، قائلا: "إنني حسنة من حسنات حسن". ويروي القطان أن الشيخ أيوب كان داعية شعبيا، آثر أن يحاضر في مسجد العثمان بالكويت ليكون بين البسطاء تاركا المساجد الكبرى كمسجد السالمية وغيره، وأنه قد جعل من هذا المسجد قبلة تتوحد فيها كل الجنسيات للمرة الأولى بالكويت، كما تحتشد فيه النساء لسماع خطبه ومحاضراته، حتى أصبح الحضور يجلسون في الطرقات حول المسجد. وأسس الشيخ الراحل بالكويت العديد من المشروعات الدعوية والخيرية، في مقدمتها "لجنة زكاة العثمان" التي تعد من أشهر لجان الزكاة بالعالم العربي
Bog aan la aqoon
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم ولا الضالين.
اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجورحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
الهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد.
1 / 5
تقديم
أقدم الى القارئ الكريم هذا الكتاب فيما يجب اعتقاده في حق الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، وما يجب الإيمان به فيما يتصل باليوم الآخر ومقدماته ومآل العالم فيه، مستدلا على ذلك بالأدلة النقلية ذات الدلالة القطعية، وبالأدلة العقلية والعلمية القديمة والحديثة.
وقد سلكت في عرض موضوعات هذا الكتاب الأسلوب السهل الميسر، ليستطيع القارئ العادي تفهم قضاياه، والإلمام بكل ما ذكر فيه من مبادئ وعلوم، كما يستطيع أن يدرسه لأسرته ومجتمعه دون وقوع في خطأ أولبس.
وحاولت جهدي أن أجمع بين طريقة الأقدمين وطريقة المحدثين، سواء فيما يتصل بالقضايا والمبادئ، أم فيما يتصل بعرض الأدلة واستخلاص النتائج. وقصدي من ذلك أن يستفيد من قراءته من درس هذا العلم على الطريقة القديمة، ومن درسه حسب المنهج الحديث، ومن لم يدرسه أصلا ولم يعره من قبل اهتماما. ولا أكون مبالغا إذا قلت: إن هذا الكتاب-على صغره-يعتبر الأول من نوعه في أنه جمع بين دفتيه كثيرا من قضايا التوحيد المبعثرة في ثنايا الكتب العديدة، بحيث كان يشق على الباحث الحصول عليها، ويصعب على المتعلم جمع شتاتها، وذلك مثل:-إعجاز القرآن-وخواص الجن وأعمالهم المتصلة بالإنس-وتحضير الأرواح-والأمور المنافية للتوحيد-وذكر بعض الفرق الإسلامية بترجمة موجزة لكل فرقة، وزدت عيه في هذه الطبعة زيادات تناسب المقرر بالنسبة لمنهج الثقافة الإسلامية بالجامعة. مثل"من أجل ثقافة إسلامية"و"العبادات وصلتها بالعقيدة"و"بين العقيدة والأخلاق"إلى ما أضيف أوحذف من الكتاب الأصلي وهوقليل جدا وبحيث لا يعدوعشر صفحات من مجموع الكتاب، وذلك شأن كل مؤلف يحاول أن يقارب الكمال ما استطاع.
1 / 7
والفضل في بحث قضايا هذا الكتاب وتمحيصها لمن سبقنا من العلماء الفضلاء، فهم الأصل، وإليهم يرجع الفضل في إبرازها وتوضيحها وجمع أدلتها، وما كان عملي إلا جمع ما تفرق، وتبسيط ما تعقد، وتيسير ما ظاهره العسر، ثم تقديم ذلك إلى القارئ في أسلوبه المناسب حسب ظني، مع إبداء رأيي في بعض القضايا مدعما بالأدلة من الكتاب والسنة.
وإني أعترف بأن الدافع الأول لإخراج هذا الكتاب هو الجمهور المسلم الطيب الذي استمع الى موضوعاته أثناء محاضرات الخميس بكلية هندسة القاهرة ثم بمسجد فهد السالم بالسالمية، بالكويت بعد ذلك. فلولا مطلبة هذا الجمهور بطبع هذه المحاضرات لتكون في متناول كل من أرادها ما اهتممت هذا الاهتمام في هذا الوقت بتقديم هذا الكتاب للطبع والله أسأل أن يحفظ من الزيغ قلوبنا، وأن يطهر من الشرك الخفي نفوسنا، وأن يعز أمتنا وينصر ديننا إنه نعم المولى ونعم النصير.
1 / 8
من أجل ثقافة إسلامية
مادة الثقافة الإسلامية مقرر تدريسها في جميع الكليات والمعاهد العلمية بالمملكة العربية السعودية، وقد زاد الإهتمام بهذه المادة في هذه الفترة العصيبة من حياة أمتنا الإسلامية ذات الماضي الجيد، والحاضر المضطرب، والمسقبل المحفوف بالمخاوف والمخاطر، وإذا كانت الأمة الإسلامية قد حملها الله أمانة توعية الإنسانية وترشيدها، ورسالة قيادتها وهدايتها، ومؤلية إخراجها من الظلمات إلي النور، ومن الشقاء إلى السعادة، فإن نكبة الإنسانية تكون فادحة، وحسرتها تكون طويلة، إذا انحرفت أمة القيادة عن الخط المرسوم، والنهج الرباني القويم.
ويوم يصل انحراف هذه الأمة الإسلامية إلى أن تلقي ما بعدها من كنوز ربانية لا مثيل لها، ثم تذهب شرقا وغربا تتسول أفكارا بشرية المنبع، مظلمة المطلع، خبيثة المظهر والمخبر، فإنها بذلك تكون قد فقدت كل ما بينها وبين الله من صلة، وحرمت عناية الله ورعايته، ونصره وتأييده وهانت على الله هوانا لا مثيل له.
ومن هنا تبدوأهمية الثقافة الإسلامية كمادة أساسية في جميع سني الدراسة من أجل إعداد الناشئين والناشئات ليكونوا خير أمة.
وبذلك يبرأ المسؤلون أمام الله من التقصير والقصور.
ويشعر البنون والبنات بعطف الآباء وحنوهم عليهم.
وتنقشع عن العقول والقلوب سحب الشهوات والشبهات.
وينشأ جيل يحمل راية العزة الإسلامية في الآخرين كما حملها أمثاله في الأولين.
1 / 9
مفهوم الثقافة:
كلمة "ثقف" بضم القاف وكسرها مثل "كرم وفرح" تأتي لازمة ومتعدية.
فتقول في اللازمة: ثقف يثقف ثقفا وثقافة، وتقول في المتعدية بنفسها ثقفة، وفي المتعدية بالتضعيف ثقفته، وفي المتعدية بالهمزة أثقفته.
وتأتي هذه الكلمة بمعنى الحذق والفطنة والخفة، فتقول: ثقف فلان ثقافة بمعنى صار حاذقا خفيفا فطنا.
وبمعنى الظفر والمصادفة: فتقول ثقفته في مكان كذا: أي صادفته ووجدته ومنه قوله تعالى:
﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء﴾ (١)
والمعنى: إن يظفروا بكم، أويصادفوكم.
وتأتي بمعنى التسوية والإعداد المناسب. فتقول: ثقفت الرماح بمعنى سويتها وأعددتها لما هي له، وهذبتها لتؤدي الغرض منها.
ويمكنك أن تعبر بالكلمة من إطلاقها على الأمور المادية إلى إطلاقها على الأمور المعنوية على سبيل المجاز، فتقول ثقفت ولدي وتلميذي، بمعنى أدبته وهذبته وسويت أخلاقه على النمط المرضي.
قال الزمخشري في أساس البلاغة: ومن المجاز: أدبه وثقفه، ولولا تثقيفك وتوفيقك لما كنت شيئا، وهل تهذبت وتثقفت إلا على يدك؟. هذه خلاصة ما نحتاجه في مقامنا هذا من معاني هذه الكلمة "ثقافة" حسبما جاء في القاموس المحيط وفي مختار الصحاح، وفي أساس البلاغة مع تصرف في النقل والتعبير.
وإذا كان المجاز قد أسعفنا في إطلاق الكلمة على معاني التهذيب والتأديب والتربية الحسنة، فهل يسعفنا هذا المجاز في إطلاق كلمة "ثقافة" على معنى آخر؟ وما هوهذا المعنى؟.
_________
(١) الممتحنة: ٢.
1 / 10
إن الحس الإنساني هوالأصل في إطلاق الكلمة على معنى معين، وليس العكس، أعني: ليست الكلة هي الأصل في إيجاد الحس، ولذلك يزداد نجاح الأديب والخطيب والكتب كلما ازداد استيعبا للكلمات ذات اللمسات المباشرة للمشاعر الوجدانية، والإحساسات الإنسانية التي أوحت بهذه الكلمات، وإذا كان الحس الإنساني هوالأصل في التعبير اللغوي فإن من الطبيعي أن يكون لهذا الحس على الأقل حق التصرف في التعبير اللغوي تصرف المد والجزر والإطلاق والتقييد، والتوسيع والتضييق حسب مقتضى الحال في رأي هذا الحس بشرط واحد فقط: هوأن يظل بين الأصل اللغوي وبين الإطلاق التوسيعي خيط"ولورفيع" منعا للفوضى الكلامية وحفاظا على مكانة الوعاء اللغوي من التدهور والضياع، فبضيع الإنسان نفسه، إذ اللغة قوالب المعاني، والمعاني هي التي تجعل للحياة معنى، وللإنسان كرامة، وللعقل مكانة، ولكل شيئ هوية يعرف بها.
وبناء على ذلك نقول: إن كلمة "تثقيف" في اللغة يصح أن يراد بها مجاز تهذيب وتربية وكلمة "مثقف" تطلق ويراد بها ذوالسلوك الحسن، والأدب الجم، والخلق الكريم، والعمل الصالح. فيقال: فلان مثقف بمنى أنه مؤدب وفاضل بسبب علمه ومعرفته.
وكثيرا ما نسمع هذه العبارة "مثقف" مرادا بها هذا المعنى: "مهذب" في مجتمعنا العادي الذي يعبر عن الأشياء حسب فطرته وطبيعته، فتسمع شخصا يقول لآخر: فلان لا يفعل النقائص، لأنه مثقف. بمعنى مهذب بسبب تعلمه، وفلانة أجدر بك أن تتزوجها لأنها مثقفة. تعني هذبها علمها ودراستها، فالحس الإنساني إذا صار يطلق كلمة "مثقف" ويريد بها المهذب والمؤدب تهذيبا ناشئا عن العلم والمعرفة.
(فالثقافة بناء على هذا تعبير عن السلوك الحسن الناشئ عن العلم والمعرفة) لأنه لا يتصور تهذب وتأدب وتربية بدون علم ومعرفة بالحسن الذي يطلب فعله، والقبيح الذي يطلب تركه، فالمعرفة لازمة للسلوك الحسن غالبا، ثم زاد التوسع في إطلاق الكلمة فصارت تطلق أحيانا على "العلم والمعرفة".
1 / 11
وأحيانا على " التهذب والتأدب" وبمرور الزمن وانطلاق المارد العلمي المادي صارت كلمة "ثقافة" تعني أي نوع من أنواع العلوم والمعارف سواء كانت مادية أم غير مادية، وسواء كان المتعلم مؤدبا ومهذبا أوغير مؤدب ومهذب، ثم صارت تطلق على كل من عنده نوع من العلوم ولوكان إباحيا، أووجوديا، أوانحلاليا، أوشيوعيا، أوأكبر مفسد في الأرض، وأشد مدمر لأخلاق البشر.
ونزل الظلم بالكلمة كما نزل بأكثر الناس في عصر اختلت فيه الموازين والمقاييس وتحولت البشرية في أكثريتها إلى وحوش يأكل بعضها بعضا.
الثقافة الإسلامية:
وإذا كانت كلمة "الثقافة" مطلقة معناها السلوك المهذب، المبني على العلم والمعرفة، فإن الثقافة الإسلامية على هذا يكون معناها ومفهومها "أنها السلوك الحسن والعمل الصلح والخلق الكريم القائم على التشريع الإسلامي والمنهج الرباني، والملتزم بالخط المحمدي في جميع شؤنه".
وباختصار هي السلوك الملتزم بالكتاب والسنة.
وبذلك نخرج من دائرة الإختلافات الكثيرة، والتناقضات، والإضطرابات التي حدثت بسبب الوصول إلى المعنى المناسب لكلمة "ثقافة" مطلقة أوثقافة مقيدة بكونها إسلامية. فإن الإختلاف والإضطراب حول الإثنين كثير، وصل إلى درجة التنفير أحيانا عند بعض الكاتبين. مثال ذلك أن تجد الكاتب يعرف الثقافة بأنها نظرية سلوك، وعند البحث يبعد عن السلوك وما يتصل به، ويتكلم عن الثقافة كعلوم ومعارف بدون ربط بين الإثنين، وبعضهم جرى على أنها معارف إنسانية شتى، وقطع الصلة بين المعنى اللغوي والبحث العلمي في هذه المادة .... الخ، وواضح أننا لم نهتم بالثقافات الأخرى لأنها ليست ضمن بحثنا هذا، ولا جزءا منه.
مصادر الثقافة الإسلامية:
إذا كانت الثقافة الإسلامية معرفة بأنها السلوك الملتزم بالكتاب والسنة فإم مقتضى ذلك أن يكون الكتاب والسنة هما المصدران الأساسيان للثقافة والتثقيف الإسلاميين.
1 / 12
وهذان المصدران لا مثيل لهما في العالم في عصرنا الحاضر ولا فيما سبق من العصور، سواء في كونهما مصدرين نهائيين خاتمين لما سبقهما، أوفي كونهما محفوظين من التحريف والتبديل .. فإن القرآن الكريم محفوظ بقوله تعالى:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (١)
فلا يمكن أن يبدل أويغير أويحرف في لفظ من ألفاظه، ولا في كلمة من كلماته.
والسنة النبوية وإن لم تكن محفوظة في مفرداتها فهي محفوظة في جملتها، لأنها تبيان للقرآن وشرح له كما قال تعالى:
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ (٢)
ولأن اله أمر أهل الإسلام بالأخذ بما جاء به الرسول ﷺ سواء كان كتابًا أم سنة، فقال تعالى:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ (٣)
ومعنى هذا أن السنة باقية ومحفوظة لأهل الإسلام. والدلة على ذلك كثيرة. كما أنهما لا مثيل لهما في اشتمالهما على كل ما يحتاجه الإنسان من أجل حياة طيبة كريمة في الدنيا والآخرة. قال تعالى:
﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ (٤)
وإذا كانت السنة مبينة وشارحة للكتاب فهي بذلك تبيان للتبيان وتوضيح له.
(٣) المصدر الثالث "الإجماع" وذلك في الأمور التي ليس فيها نص من كتاب أو سنة.
_________
(١) الحجر: ٩.
(٢) النحل: ٤٤.
(٣) الحشر: ٧.
(٤) النحل: ٨٩.
1 / 13
(٤) الرابع "القياس" وهو أن يقاس ما استحدث من الأمور، ولا يدخل تحت نص على ما فيه نص لاشتراك اللاحق مع السابق في العلة المنضبطة.
أهمية الثقافة الإسلامية:
إذا كانت الثقافة الإسلامية هي السلوك الملتزم بالكتاب والسنة فإن المسلم لا يحتاج إلى إعمال فكره طويلًا ليدرك أهمية هذه الثقافة في حياته.
(١) إذ أن السلوك الملتزم منه ما هو فرض، ومنه ما هو سنة سواء كان سلوكًا تعبديًا محضًا كالصلاة، والزكاة، والصدقة، والذكر، أو أخلاقيًا كالصبر، والحلم، وحب الخير للناس، والإغضاء عن الفواحش والنقائض، أو سلوكًا في المعاملات المالية كالبيع، والشراء والتداين، والإجارة، أو سلوكًا في الحياة الاجتماعية الخاصة والعامة، كالإحسان إلى الوالدين، ومعاشرة الزوجة بالمعروف، وصلة الأرحام، وإكرام الجار.
والسلوك المفروض على المسلم التزامه مفروض تعلم أحكامه الشرعية، وحدوده، وكل ما يتصل به.
والسلوك الذي يُسن ويُستحب شرعًا مطلوب من المسلم على سبيل السنة أن يتعلم أحكامه وما يتصلُ به، لأنه لا يتصور عمل بغير علم بما يعمله الإنسان، كيفية وشروطًا، وأركانًا، وبدءًا، ونهايةً. فالعلم هو السبيل إلى تصحيح العمل الذي يُرضي الله تعالى، ولذا قال ﷺ مبينا فضل تعلم أمور الدين:
" ومن سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة" (١)
وقال ﷺ:
"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" (٢)
_________
(١) رواه مسلم وغيره.
(٢) متفق عليه.
1 / 14
والقاعدة أن ما توقف عليه عمل الواجب فهوواجب، وما توقف عليه عمل السنة فهو سنة.
(٢) الثقافة الإسلامية باعتبارها سلوكا قائما على المعرفة تعتبر سبب السعادة في الدنيا والآخرة بالنسبة لمن النتزم بها، وسبب شقاء فيهما بالنسبة لمن أعرض عنها، أواستبدل بها غيرها، قال تعالى:
﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ (١)
(٣) الثقافة الإسلامية منهج رباني كامل يسع الحلول لجميع المشكلات التي تعرض للبشر في مسار حياتهم، وهوبسبب كونه ربانيا كاملا يعتبر نعمة كبرى ورحمة لا مثيل لها. كما أنه المنهج الوحيد الذي ارتضاه الله لعباده، وأمرهم أن يأخذوا به، وينبذوا ما عداه فقال تعالى:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (٢)
ومنهج هذا شأنه يجب أن يحرص العالم كله على الأخذ به، والتمسك بكل ما فيه، وأن يرمي بكل ما عداه من الأفكار البشرية، والعصارات العقلية المضادة له بدون هوادة أواحترام.
(٤) نحن عباد الله، مخلوقون بقدرته، ومربوبون لعظمته، ومرزوقون منه بفضله ورحمته، وكل ما خولنا مسخر لنا بأمره وإرادته، وإن كان لأحد نعمة وفضل علينا فإن نعمته مستمدة من نعم الله تعالى، كما أنه تعالى هوالعليم بما يصلحنا وينفعنا، وهوأرحم بنا من أمهاتنا وآبائنا ... وبعد هذه الحياة نحن في الآخرة موقوفون بين يديه، ومحاسبون على ما قدمنا
_________
(١) سورة طه: ١٢٣، ١٢٤.
(٢) المائدة: ٣.
1 / 15
من خير أوشر، والحجة بين الله وبين عباده حينئذ كتابه وسنة نبيه، وعلى أساس العمل بمنهجه تعالى أوعدم العمل به يجازى العباد بالجنة أو بالنار، وإذا كان الأمر كذلك فمن الجنون والسفه الجري وراء حثالات العقول البشرية، والمذاهب الشيطانية، وترك منهج الله تعالى!!!.
وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك كله بقوله تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (٢٠) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (١)
(٥) إن الأخذ بالمنهج الإلهي سلوكا وعملا من شأنه أن يجعل كل شئ في الحياة جميلا لأن هذا المنهج يقيم الأسس الإجتماعية على الشعور الأخوي، وعلى رحمة الإنسان لكل حي، وعلى أساس التساوي بين الناس، فلا مفاضلة إل بالتقوى، وعند التحاكم فيما شجر بينهم فإن العدل في الحكم فريضة، وإحسان الإنسان إلى أخيه فضيلة، وأي انحراف عن الحكم بما أنزل الله يعتبر خيانة وظلما وجحودا لنعمة الله، وخروجا على سلطانه.
والذين عاشوا مع المنهج الرباني عقيدة وعبادة وسلوكا اجتماعيا هم الذين قال الله فيهم:
_________
(١) لقمان: ٢٠ - ٢٢.
1 / 16
﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ (١)
﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (٢)
﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (٣)
﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (٤)
أما ما وضعه البشر من مناهج فإنها لم تؤد دورا ذا قيمة في إسعاد البشرية، بل العكس هوالذي حدث، فإن البشر ما شقوا إلا بتشريعات البشر ومناهج البشر المضادة لمنهج الله.
وهل وجدت شقاء نزا بالإنسان إلا بسبب الإنسان؟ فكيف يؤتمن هذا الإنسان على أسمى ما في الوجود وهوالمنهج المنظم لحياة الإنسان مع الإنسان ومع كل ما في الكون؟ هذه البيوت المدمرة، وهؤلاء الأطفال اليتامى بعد قتل الآباء، وهؤلاء الأرامل بسبب سفك دماء الأزواج، وأولئك المرضى المعذبون بأمراضهم والفقراء الشقياء بفقرهم، والذين شنقوا بغير جريمة، والذين سجنوا بدون جناية، والذين وئدت حرياتهم لمقالة حق قالوها أوكتبوها ... كل هؤلاء وأولئك وغيرهم: من سبب شقائهم ومدمر سعادتهم لحساب شهوته وغطرسته وفرعونيته؟ أليس هوالإنسان؟ فكيف بالله بعد ذلك يأمن الإنسان إنسانا على أن يضع له نظرية سلوك أونظام حياة يضاد نظام الله تعالى؟
إذا الأخذ بالإسلام علما وعملا، نظاما وسلوكا، يعتبر ضرورة حياتية أهم من الطعام والشراب والهواء والدواء.
(٦) إن الثقافة الإسلامية بسبب مصدريها الأساسيين (الكتاب والسنة) هي السبيل الوحيد للإجابة على جميع التساؤلات التي حيرت الإنسانية الضالة زمنا طويلا.
_________
(١) الفتح: ٢٩.
(٢) الحشر: ٩.
(٣) التوبة: ٧١.
(٤) المائدة: ٥٤ ... الخ.
1 / 17
فنشأة الكون من مادة معينة، وأصل هذا الكون، ومن الذي كونه، وأشياء هذا الكون المرئية وغير المرئية، ونهايته متى وكيف ولم تكون؟. والإنسان لم خلق وما أصل خلقه، وما هي صلته بخالقه، وبالكون، وبما يحيط به، وما هومصيره. وعلى أي أساس يحدد المصير، وما معنى فنائه، وما حكمة فنائه ثم بعثه ثم محاسبته ومجازاته؟ ... وهذه الجبال الشامخة، والسهول الواسعة، والبحار والمحيطات، والأرض والسموات، كل ذلك وغيره لن تجد الإجابة الموثوق بها عنه إلا في هذين المصدرين كأساس، ثم تأتي العلوم والإكتشافات تابعة لهما.
عناصر الثقافة الإسلامية:
الذي ينظر في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وعهد الخلفاء الراشدين الأربعة يجد ما فيها من تشريعات، ومن أوامر ونواهي، ومن إرشادات وتوجيهات جاء مطاقا وغير مقيد بكون هذا عقيدة، وهذا عبادة، وهذا أخلاق، وهذه سياسة، وهذه نظم إجتماعية، وتلك إقتصادية، وأخرى مالية، وأخرى شخصية إلى آخر ما جاء من تسميات واصطلاحات.
إن ما جاء في القرآن والسنة منهج رباني سمي صراط الله، وسبيل الله، وطريق الله.
وما دام الكل من الله ومن رسوله ﷺ فإن المطلوب هوفعل ما أمر وترك ما نهى. وسواء كان المأمور به أوالمنهي عنه خاصا بالعبادة أوالمعاملة الإجتماعية، أوالمالية، أوغيرها، فمن فعل ما أمر فقد نجا وله ثواب ما فعل، ومن وقع فيما نهى الله عنه فقد هلك وقد يقع جزاء ما فعل.
غير أنه في عصر التابعين وتابعي التابعين بدأ تقسيم العلوم، فقسم كلا من القرآن والسنة إلى أقسام من باب التسهيل والتيسير، ولم يكونوا في ذلك مبتدعين، لأن الرسول ﷺ شرع لهم قريبا منه في حياته، فأخبر أن أقرأهم للقرآن عبد الله بن مسعود وأن أعلمهم بالمواريث زيد بن ثابت، وأقر بعض التخصيصات في عهده فكان بعض الصحابة ضليعا
1 / 18
في معرفة أنساب العرب مثل أبي بكر- ﵁، وبعضهم متفوقا في الشعر كحسان بن ثابت، وبعضهم متفوقا في الخطابة مثل ثابت بن قيس، وهكذا ... لذلك أخذ المسلمون يفردون بعض العلوم بدراسة خاصة، وما زال المر يزداد ويتسع حتى تشعبت الأصول، ثم تشعبت الفروع وصار لكل شعبة متخصصون ضالعون في تخصصهم، يرجع إليهم إذا استبهمت الأمور، واشتبهت على غيرهم، لأنهم أولوالأمر في عملهم.
فوجدت علوم القرآن، وعلوم السنة، وعلوم العقيدة، وعلوم الفقه وعلوم الأخلاق، وعلوم الفلك، والفلسفة، والمنطق، واللغة، وغيرها ... والذي يهمنا هوما يتصل بالجانب السلوكي القائم على المعرفة وهوما يسمى بالثقافة الإسلامية حسب اصطلاحنا الذي سرنا عليه، وهذا الجانب دعائمه التي قام عليها، وعناصره التي تكون منها هي العقيدة، والعبادة، والأخلاق، وسائر أنواع المعاملات الإجتماعية، وسنتكلم عن كل منها إن شاء الله تعالى مع إطالة في علم العقيدة باعتباره الأساس للجميع. والله الموفق.
1 / 19
أهمية علم العقائد
إن هذا العلم هوأهم العلوم على الإطلاق، بالنسبة للفرد المسلم، لأنه علم العقائد الإسلامية. والعقائد في الإسلام هي الأصول التي تبنى عليها فروعه، والأسس التي يقوم عليها بنيانه، والحصون التي لا بد منها لحماية فكر المسلم من أخطار الشك وأعاصير التضليل والتزييف.
وكثيرا ما سمعنا ورأينا أنواعا من الإنحرافات في الفكر والقول والسلوك لم يكن لها من سبب إلا البعد عن فهم أصول هذا الدين، وركائزه التي قام عليها، والتي لا بد من الإيمان بها، ليفهم هذا الدين، وليجاب بها عن جميع التساؤلات التي لم يكن لها سبب سوى الجهل بقضايا الإيمان ومسائله.
وقضايا الإيمان هذه هي التي جاءت بها الرسل، على مدى التاريخ الإنساني كمبدأ لا بد منه حتى تبنى عليه جميع قضايا الدين بعد ذلك.
قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (١)
ومن المعلوم أن جميع الأعمال الصالحة التي يعملها أي إنسان ابتغاء وجه الله تعالى موقوف قبولها عند الله على صحة العقيدة التي يتكلم عنها هذا العلم، لأن الإنحراف عن العقيدة انحراف عن الإيمان، والإنحراف عن الإيمان هوالكفر، والله تعالى لا يقبل من كافر عملا.
_________
(١) الأنبياء ٢٥.
1 / 20
قال تعالى:
﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (١)
ويكفي لإدراك الأهمية الكبرى لهذا العلم أن قضاياه كلها هي القضايا الفاصلة في الحكم على الإنسان بالإيمان أوالكفر والفسوق، وبالنجاة أوالهلاك، وبالسعادة أوالشقاء.
قال تعالى:
﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ (٢)
وقال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)﴾ (٣)
_________
(١) البقرة: ٢١٧.
(٢) النساء: ٤٨.
(٣) البينة: ٦، ٧، ٨.
1 / 21
لذلك قال جميع علماء الإسلام: إن هذا العلم مفروض تعليمه وتعلمه على الرجل والمرأة وواجب على كل مسؤل من والد ووالدة ومعلم ووصي ومرب وأمثالهم أن يهتموا بتنشئة الأطفال على فهم مبادئه، على أن يعطي كل حسب قدرته العقلية والنفسية. فيتدرج في تعليمه كما يتدرج في تعليم أي علم ذي أهمية وشأن.
1 / 22
موضوعات هذا العلم
الموضوعات التي يبحث هذا العلم فيها هي:
١ - ذات الله تعالى: لمعرفة ما يجب في حق الله وما يستحيل وما يجوز.
٢ - ذوات الرسل عليهم الصلاة والسلام: لعرفة ما يجب في حقهم وما يستحيل وما يجوز.
٣ - الأمور الغيبية: وهي التي لا يمكن الوصول إليها لمعرفتها والإيمان بها إلا عن طريق كتاب الله تعالى، أوحديث رسوله ﷺ. وذلك مثل: كتب الله تعالى، ملائكته، ورسله، واليوم الآخر، والجنة والنار .... الخ.
وتحديد موضوعات العقيدة جاء من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ:
وقال تعالى:
﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (١)
وقال تعالى:
﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩)﴾ (٢)
وقال تعلى:
_________
(١) البقرة: ٢٨٥.
(٢) القمر: ٤٩.
1 / 23
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (٣) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)﴾ (١)
وفي حديث طويل سأل جبريل النبي ﷺ عدة أسئلة تعليمية وكان منها قوله: فأخبرني عن الإيمان؟ قال:" أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " (٢) وبذلك تدرك أن أركان الإيمان هي: الإيمان بالله، وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
_________
(١) البقرة: ٣، ٤، ٥.
(٢) رواه الخمسة إلا البخاري - تيسير الوصول، جـ١ ص١٣ ط - مصطفى الحلبي.
1 / 24