وأتموا الحج
[البقرة: 196] وإن كانت التجارة تنقض فرضا حرمت، أو متسحبا كرهت، وإذا شوركت العبادة بغيرها قال ابن عبد السلام فلا أجر لها أو أخرويا فبقدره وإن تساويا سقطا، وعندى أنه يثاب بقدره ولو أقل قليل، وبه قال ابن حجر، وكانوا يكرهون التجر أو يحرمونه فى الحج فنزلت الآية مبيحة بلا جدال ولا فسوق فى أسواقكم عكاظ ومجنة وذى المجاز وغيرها، أسواق تقام فى مواسم الحج، وعكاظ من التعاكظ وهو التفاخر، يتفاخرون وتناشدون بين نخلة والطائف عشرين يوما من أول ذى الحجة، ومجنة على أميال من مكة، وذو المجاز على فرسخ من عرفة، ومنع أبو مسلم التجر فى الحج، وحمل الآية على ما بعد الفراغ من الحج، كقوله
فإذا قضيت الصلاة
[الجمعة: 10] الخ، ويرده أن الحمل على إباحة ما توهم حرمته أو كراهته أولى من الحمل على ما علم إباحته، وهو التجر بعد الفراغ من الحج، وأما الصلاة فأعمالها متصلة لا يقاس عليها الحج، لأن أعماله متفرقة، وكان ابن عباس يقرأ قراءة تفسير، أن تبتغوا فضلا من ربكم فى مواسم الحج وكذا ابن مسعود، قال أبو أمامة لابن عمر نكرى الحجاج، ويقول الناس لا حج لنا ونحن نفعل أفعال الحج كلهم، فقال سئل صلى الله عليه وسلم عما سألت فنزلت الآية، فقال أنتم الحجاج أنتم الحجاج، وتدل على ذلك الفاء فى قوله: { فإذا أفضتم } أفضتم أنفسكم أى دفعتموها دفعا شبيها بإفاضة الإنسان الماء فى الكثرة والسرعة وذلك هو الأصل، ولو يرد أن غير الكثير وغير المسموع لا يتم، بل يتم، أو لا يذكر الله عند المشعر الحرام بل يذكره فيه { من عرفت } منون تنوين مقابلة لأنه بصيغة جمع المؤنث السالم، أو جمع مؤنث السالم سمى به والمفرد عرفة، وعرفة جمع عارف تسمية للمحل باسم الحال، وذلك أنه تعارف آدم وحواء فيهما ويتعارف الناس فيها، وعرفها جبريل لآدم وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم عليهم، ولقول جبريل فيها اعترف بذنبك، فاعرف المناسك، أو لعلوها كما قيل لعرف الديك، أو عرفة اسم مفرد، وضع للبقعة كعرفات بصيغة الجمع فهما اسمان ويرجحه أن الأصل عدم الانتقال من الحج إلى جمع آخر، ولكون تنوينه للمقابلة ثبت مع العلمية والتأنيث كحمزات، وهو تأنيث البقعة، وصيغ ة جمع المؤنث السالم صيغة تأنيث فيراعى التأنيث فى المنع، ولو مما يرد إليه الضمير مذكرا كهندات علما لرجل، وسكون ما قبل تائه لا يبطل تأنيثه، ولو لم يكن فى ينة التحريك كرغبوت، وأيضا هى عوض عن تاء المفرد فى الجملة، ولزم من الإفاضة أنهم فيها، كأنه قيل قفوا فى عرفات، وأفيضوا منها، فإذا أفضتم منها فاذكروا الله الخ، والإفاضة من عرفات واجبة لأن الأمر المجرد للوجوب، وهو لا يتم إلا بالكون فى عرفات وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهو بلا تكلف عندى إلا أن الكون فيها لا يستلزم اللبث فيتقوى وجوب الوقوف بالإجماع والحيث، بل يدل على ذلك لفظ الإفاضة لأنها بعد لبث الماء فى شأن الماء فكذا فى شأن اللبث { فاذكروا الله عند المشعر الحرام } ولزم من الذكر عنده أنهم أفاضوا إلى المزدلفة ولبثوا فيها، وكأنه قيل أفيضوا منها إلى المزدلفة ثم إلى المشعر الحرام، فاذكروا الله فيه، أى بعد المبيت فيها بالتلبية والتهليل والدعاء، والمشعر الحرام، جبل فى أخر المزدلفة يسمى قزح كعمر، اسم لملك موكل بالسحاب، أو لملك من الملوك، أو شيطان فى الأصل، روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم
" وقف به يذكر الله ويدعوه حتى أسفر جدا "
، وسمى المشعر لأنه علامة من علامات الحج معظمة لأنه من الحرم، ومحل العبادة، وقيل المشعر الحرام ما بين مأزمى عرفة ووادى محسر، ويروى ما بين وادى مزدلفة ووادى محسر ليس من الموقف، ووادى محسر خمسمائة ذراع طولا وخمس وأربعون عرضا، وفى مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم
" لما صلى الفجر أى فى المزدلفة بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام، فدعا وكبر وهلل "
، فدل الحديث على القول الأول، إلا أن يؤول المشعر الحرام فى الحديث بالجبل أو بتسمية الجزاء باسم الكل، والمعنى واذكروا الله لذاته إعظاما وإجلالا واستحقاقا عند المشعر الحرام { واذكروه } أيضا { كما هدكم } أى لهدايته إياكم عن الضلالة إلى المناسك وغيرها من دينه عز وجل، أو اذكروه ذكرا شبيها بهدايته إياكم إلى ذلك فى الحسن، أو اذكروه على نحو ما علمك لا تغيروه { وإن } الشأن، أو أنكم خففت وأهملت، وليست نافية بدليل اللام فى قوله { كنتم من قبله } أى من قبل الهدى المعلوم من قوله كما هداكم { لمن الضالين } الجاهلين للتوحيد والعبادة وهداكم الله عز وجل إليهما أحوج ما أنتم للفترة.
[2.199]
{ ثم أفيضوا } منها يا قريش ومن يكون معهم، والمفعلو به محذوف أى أنفسكم { من حيث أفاض الناس } سائر العرب والعجم أنفسهم، أو أفاض فى الموضعين موافق فاض، فهو لازم، والمراد الإفاضة من عرفات، والخطاب لقريش، والحكم عام، لأن خصوص السبب لا ينافى عموم الحكم، وقيل الضمير للعموم لا لقريش خاصة، فيدخلون بالأولى، قيل وهو أوضح، لأن الضمائر قبل وبعد للعموم، قلت يناسب خصوص قريش عموم إفاضة الناس وأنهم الذين لا يفيضون كما يفيض غيرهم، وقيل الناس إبراهيم، لأنه أبوهم والمعروف بالمناسك، وكرر الإفاضة من عرفات للتأكيد وليبين لهم أنهم ليسوا أولى من غيرهم، بل هم وغيرهم سواء، وإنما الشرف بالتقوى لا بالنسب والمكان، وكانوا يقولون نحن من ولد إبراهيم، إنا سكان الحرم وأهل الله فلا نخرج منه فيقفون بالمزدلفة منه وسائر الناس يقفون بعرفات خارجة عنه، أو أل للكمال أى أفاض الناس الكاملون فى شأن الوقوف، وهم الذين يقفون فى عرفات، فذلك ذم لقريش ومن ينحو نحوهم، ترفعوا فجازاهم الله بأنهم دون غيرهم لأنهم خالفوا موقف إبراهيم عليه السلام وغيرهم وافقه، وثم للترتيب فى الرتبة لا فى الزمان، يعنى أن الإفاضة من عرفات هى العالية لا الإفاضة من المزدلفة للواقف فيها دون عرفات، وقيل الإفاضة الثانية من المزدلفة إلى منى بعد الوقوف فى عرفات، وهو قول جماعة، وعليه الضحاك، ورجحه الطبرى، فيكون الخطاب للناس كلهم وقريش وغيرهم، أو لهم وفى حكمهم غيرهم، فالترتيب فى الزمان على أصله، أى من حيث أفاض الناس، الأوائل فيكم من لدن آدم، ومن لدن إبراهيم عليهما السلام لا تغيروه كما غيرته جاهليتكم إذ كنتم من قبل الهدى ضالين { واستغفروا الله } من ضلالكم وتغييركم المناسك، وفيه دليل أن الكفار مخاطبون بالفروع وأنهم مؤاخذون على الذنوب { إن الله غفور رحيم } لمن آمن واستغفر.
Bog aan la aqoon