وتقوى خواص الخواص، وهى تقوى ما يشغل عن الله، عز وجل، ويسميه بعض العلماء ورع الصديقين، وهدى خبر ثان لذلك، أو لا ريب محذوف الخبر، وفيه خبر لهدى.
[2.3]
{ الذين يؤمنون } في قلوبهم وألسنتهم لا فيها فقط { بالغيب } بذى الغيب أو الغائب، وهو الله، جل جلاله، وما أخبر عنه مما سيكون في الدنيا أو الآخرة، أو كان ولم يشاهدوه أو آمنوا بذلك، وهم في غيب عنه { ويقيمون الصلوة } يأتون بها في وقتها المختار، لا الضرورى إلا لعذر بطهارة، وخشوع وإخلاص، وترك ما يكره حتى كأنها كجسم مستقيم لا عوج فيه، أو كسوق أقيمت ورغب فيها، وذلك مستتبع لإقامة صلاة النفل إلا أنه لاعقاب عليها، وقال الجمهور: المراد صلاة الفرض، وعليه ابن عباس، ومثل هذا اللفظ حقيقة شرعية عن معنى لغوى مجاز لغوى؛ كما هو المشهور، وقال الباقلاني مجاز، وقال المعتزلة حقيقة شرعية مخترعة، وليست منقولة عن معان لغوية { ومما رزقنهم } طعاما أو دراهم أو ثيابا، أو دواب، أو عقارا، أو غير ذلك من الحلال، إذ لا مدح بإنفاق الحرام، لأن التصرف فيه وإمساكه كفر { ينفقون } في طاعة الله، كإنفاق من تجب نفقته من أهل ورحم وتنجية مضطر، وضيف وإنفاق الزكاة، وكإنفاق تطوع، وكإنفاق نفسه بنية أن يتقوى على العبادة وأن ينفر عن مال الناس، قيل، إن أريد بالتقوى في قوله، المتقين، اتقاء المشرك فالذين... الخ صفة مخصصة. أو ترك ما لا بأس به مخافة أن يقع في اليأس فمادحة، كما فى حديث الترمذى عنه صلى الله عليه وسلم:
" لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما فيه بأس ".
[2.4]
{ والذين يؤمنون بما أنزل إليك } القرآن وسائر الوحى { وما أنزل من قبلك } على الأنبياء، من كتب وغيرها { وبالآخرة } البعث، والموقف، والجنة، والنار، قدم الاهتمام، والفاصلة على قوله { هم يوقنون } وذكر الذين يؤمنون بما أنزل إليك تخصيص بعد تعميم، وهو شامل لمن لم يكفر من أهل الكتاب بسيدنا موسى، أو سيدنا عيسى، عليهما السلام، ولما بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكفر به، ولكنه طلب الدليل، فآمن به صلى الله عليه وسلم، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، أولئك يؤتون أجرهم مرتين، وقيل: هم المراد، وفي الآية ترغيب لأهل الكتاب بسيدنا موسى، أو سيدنا عيسى، عليهما السلام، ولما بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكفر به، ولكنه طلب الدليل، فآمن به صلى الله عليه وسلم، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، أولئك يؤتون أجرهم مرتين، وقيل: هم المراد، وفى الآية ترغيب لأهل الكتاب في الإيمان، وعطف الذين عطف صفة في وجه العموم، وإن أريد مؤمنو أهل الكتاب فمجرد عطف أو مبتدأ خبره أولئك... إلخ.
[2.5]
{ أولئك } الموصوفون بتلك الصفات، العالون شأنا ومرتبة، وقس على ذلك سائر إشارات البعد فى سائر القرآن. وما كان في السوء فإشارة البعد فيه للبعد عن مقام الخير { على هدى } متمكنون من الهدى تمكن الراكب من مركوبه، القوى المطاوع الملجم بلجام فى يده المستولى { من ربهم } آت من ربهم، أو ثابت منه دلالة وتوفيقا { وأولئك } كرر الإشارة إذ لم يقل وهم المفلحون، تنبيها على مزيد الاعتداء بشأنهم، وعلى أن اتصافهم بتلك الصفات يقتضى أن يحصل لهم الكون على الهدى من ربهم، وكونهم مفلحين، كما قال { هم المفلحون } الفائزون بالحظ الأكمل، النجاة من النار ودخول الجنة، وهذا حصر، فمن ترك الصلاة أو الزكاة فليس مفلحا، فهو فى النار مخلد، لأن مقابل الإفلاح الخسار والهلاك.
[2.6]
{ إن الذين كفروا } من سبقت لهم الشقاوة كأبى جهل وأبى لهب، ممن نزل فيه الوحى، أو لم ينزل { سواء عليهم ءأنذرتهم } أعلمتهم بما أنزل إليك مع تخويف فى وقت إمكان أن يتحرزوا بالإيمان عن الوعيد { أم لم تنذرهم لا يؤمنون } لسبق القضاء بأنهم لا يؤمنون، أخبره الله بذلك، لئلا يتأسف على من أعلمه الله بشقاوته، وليقل أسفه على من أبى من الإيمان، ولم يعلم، أهو شقى، إذ يقول، لعله شقى، فكيف أكثر التأسف عليه، وعلى كل حال لا يترك الإنذار والتبليغ إليه.
Bog aan la aqoon