، والصحيح أن هذا موقوف على ابن عباس، لا مرفوع.
ومرادهم طلب البيان لاستبعادهم إحياء ميت ببقرة ميتة، ظنوا أنها ليست من سائر البقر، وهى منها فى قدرة الله، وتعينت هذه فى قضائه تعالى، وتأخير البيان ممنوع عن وقت التكليف، لا عن وقت الخطاب. { قالوا الئن } لا قبل { جئت بالحق } البين التام، وهو الوصف الأخير، إذ قال، لا ذلول... الخ، ومن قبل جئت بحق لم نفهمه باتضاح، وعرفوا أنه الحق البيت التام، لأنه ما وجد على هذا الوصف إلا واحدة، فزال بها تشابه البقر عليهم، وجدوها عند فتى بار بأمه، وقال له ملك: اذهب إلى أمك، وقل لها: امسكى هذه البقرة، فإن موسى بن عمران يشتريها منك بملء مسكها ذهبا. ويروى أن ملكا قال: شاور أمك، ولا تبعها إلا بمشورتى، فلم يشر بالبيع حتى سيمت بملئه ذهبا. وكانت البقرة فى ذلك بثلاثة دنانير، وهى من بقر الأرض، لا كما قيل، نزلت من السماء لأنه لا دليل له، قيل: ولأن قولهم، الآن جئت بالحق يناسب أنهم يبحثون عنها فى بقر الأرض، وإلا قالوا: لا نقدر عليها: قالت، لا يلزم هذا، وفرقوا ثمنها على بنى إسرائيل فأصاب كل فريق ديناران { فذبحوها وما كادوا يفعلون } ذبحها، أى ذبحوها بعد ما اتصفوا بالبعد عنه، تباعدوا عن ذبحها جدا ولم يقربوا منه، ومع ذلك اتصلوا بها بعد ذلك، وملكوها وذبحوها، ونفى كاد نفى، وإثباتها إثبات كسائر الأمثال، وأخطأ من قال غير ذلك، وذلك أنه طال الوقت لكثرة مراجعتهم لموسى فى بيانها وطول زمان التفتيش عنها، وتوقف أم الفتى فى بيعها، ولأجل الزيادة الخارجة عن العادة فى ثمنها، ولخوف فضيحة القاتل، وغلا ثمنها، ويبعد ما قيل: إنهم طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة، ومن خطأ المحدثين أنهم لا يكادون ينطفون بخبر كاد غير مقرون بأن مع أن قرنه قليل، وأنهم دائما يقولون مثنى مثنى، ولا يقتصرون على مرة، حاشاه صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
[2.72]
{ وإذ قتلتم نفسا } هذا القتل أول الأمر وآخره ليبين لهم شأنه وقت الإحياء، ونسب القتل إليهم لأن القاتل من جملتهم، أو قتله جماعة منهم، ولأن الحرص على المال فاش فيهم كلهم، والقاتل حريص، وكذا الحرص على ما يحبون كجمال المرأة { فادرءتم فيها } تدافعتم فى قتلها، كل ينفيه عن نفسه ويحيله على خصمه، والأصل تدارأتم أبدلت التاء دالا وأدغمت، فكانت همزة الوصل لسكون الأول، وحذفت الهمزة بعد الراء فى المصحف { والله مخرج } مظهر { ما كنتم تكتمون } كان فيهم من يجب ألا يظهر القاتل كالقاتلين ومن يليهم ممن عرفهم، وغير ذلك ممن لم يناسبه الظهور.
[2.73-74]
{ فقلنا اضربوه } أى القتيل فى بدنه قبل أن يدفن، وقيل على قبره { ببعضها } أى بعض كان، فاتفق أنهم ضربوه بلسانها أو بذنبها، أو بقابها، أو بفخذها اليمنى، أو بالأذن، أو بعجب الذنب، أو ببضعة بين الكتفين، أو بعظم، أو بالغضروف فحيى ولو ضربوه بغير ذلك منها لحيى كذلك، ولما حيى وأوداجه تشخب دما قال: قتلنى فلان وفلان، لابن عمه، أو ابن أخيه، أو فلان ابن أخى، ومات، وحرما الميراث، وقتلا. قال صلى الله عليه وسلم:
" ما ورث قتيل قتيله من عهد أصحاب البقرة "
، وخص البقرة لأنهم كانوا يعبدونها، فيذبحون ما حبب إليهم، فيذبحون النفوس الأمارة بالسوء، ولأنهم عبدوا العجل، وأشربوا فى قلوبهم العجل، وخص الضرب بالبيت لئلا يتوهم أن الحياة انتقلت إليه من الحى { كذلك } كما أحيا الله هذا القتيل { يحيي الله الموتى } كلهم يوم القيامة بلا ضرب، وبنو إسرائيل لا ينكرون البعث ولكن وعظهم بالبعث ليستعدوا ويذكر منكرو البعث من العرب، والكف لمن يصلح للخطاب، فيدخلون بالأولى أو لكل واحد فوافق قوله { ويريكم } عطف على يحيى { ءايته } دلائل قدرته، أو ما اشتمل عليه هذا الإحياء، من الآيات، أو كلام الميت، أو كل ما مر من المسخ، ورفع الجبل، وانبجاس الماء، والإحياء، والخطاب لبنى إسرائيل مع غيرهم كالعرب، أو لهم فقط، وكذا فى قوله { لعلكم تعقلون } تستعملون فكركم فتدركون أن الله قادر على إحياء غيره كما قدر على إحيائه، وكما أنشأهم. ويجوز أن يكون الخطاب فى كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون للعرب المنكرين للبعث، اعترض به فى قصة بنى إسرائيل، ويختص ببنى إسرائيل الخطاب فى قوله:
{ ثم قست } انتفت عن الاتعاظ بالمعجزات واللين لها، وأشبهت فى ذلك الجسم الصلب الذى لا يتأثر بالانغماز، ففيه استعارة تبعية، أو فى الكلام استعارة تمثيلية { قلوبكم } فى الحال وما قبلها قسوة بعيدة عن شأن من شاهد من المعجزات ما شاهدتم بعدا شبيها فى الامتداد بتراخى الزمان، أو بعد مرة من الزمان زادت قسوة، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا، وقد زادوا سوءا بعد نزول الآيات، وأكد البعد بقوله { من بعد ذلك } بعد ما ذكر من الآيات كإحياء القتيل { فهي كالحجارة } فى عدم الانفعال، كما لا يطاوعك الانغماز والتثنى. لا تتأثر قلوبهم فى الوعظ بما شاهدوا من الآيات { أو أشد قسوة } من الحجارة، أى بل أشد قسوة، كقوله
إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا
Bog aan la aqoon