" صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته "
، أى فاعتقدوه واعملوا به، وذلك إسقاط للإتمام عن ذممنا والإسقاط لا يحتاج إل القبول، لا يقبل الرد خصوصا ما كان من الله، فإنه ما لنا إلا التدين بما شرع لنا، وقال داود الظاهرى: لا يجوز القصر إلا حال الخوف لظاهرالآية، وإخبار القصر فى الأمن آحاد، والآحاد لا تنسخ القرآن، قلنا: الأحاديث بينت أن الشرط جرى على الغالب لا قيد، وقد أخرج البخارى ومسلم وابن جرير، والنسائى، والترمذى أنه صلى الله عليه وسلم صلى فى السفر ركعتين وهو فى أمن وقيل: القصر من السنة، وأما الآية ففى تخفيف الصلاة عند الخوف بتقليل القراءة والتسبيح والتعظيم بالإيماء كما يأتى قريبا إن شاء الله تعالى { إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا } وقيل المراد بالآية أن يخافوا العدو، فينفضوا من صلاتهم، وشأنها كالوضوء بالتيمم وتلاوة أية واحدة، ولو قصيرة والإيماء وتعظيمه وتسبيحة واحدة فى كل ركوع وسجود، ونسب لابن عباس وطاوس، وهو ضعيف، وقيل المراد ركعتان ولو فى المغرب للخوف فى السفر، وألحق به الخوف فى الحضر، وهو ضعيف.
[4.102]
{ وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } أثبتها لهم، وقمت إليها وأردتها علم الله جل وعلا رسوله صلاة الخوف، ليقتدى به الأئمة فى عصره، وبعده، فإنهم نواب عنه صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى:
خذ من أموالهم صدقة
[التوبة: 103]؛ فإنه لغيره، كما أنه له، والخطاب للقرآن له صلى الله عليه وسلم، أو لغيره، أو لهما، فليس كما قال أبو يوسف، والحسن ابن زيادة وإسماعيل بن علية من تخصيص صلاة الخوف به صلى الله عليه وسلم، روى ابن عباس وجابر بن عبد الله أن المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى الظهر يصلون جيمعا حتى فرغوا، فندموا على أن لم يكبوا عليهم، فقال بعضهم: لهم صلاة أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم، يعنى صلاة العصر، فإذا اشتغلوا بها فاقتلوهم، فنزل بين الظهر والعصر هذه الآيات الثلاث، وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة { فلتقم طآئفة منهم معك } يصلون ركعة والأخرة تواجه العدو { وليأخذوا أسلحتهم } يعنى الطائفة القائمة معك فى الصلاة، أمرهم أن يكون معهم سلاحهم فى الصلاة للحزم والحذر { فإذا سجدوا } أى هذه الطائفة المصلية معك، وكذا قبل السجود، إلا أنه خص السجود بالذكر، لأنهم فى السجود أشد غرة، ولأنهم حال القيام قد يظن المشركون أنهم قاموا للقتال { فليكونوا من ورائكم } أى الطائفة الأخرى، لأنه لم يبق إلا هى،إذ الأولى هى معه، وهى المخاطبة معه صلى الله عليه وسلم، فى قوله: من ورائكم ويجوز أن يراد بقوله: وليأخذوا أسلحتهم هذه الطائفة الأخرى، التى ليست فى الصلاة يأخذون أسلحتهم، وعلى كل يحرسون النبى صلى الله عليه وسلم حال الصلاة، والخطاب فى من ورائكم للنبى وللطائفة التى معه فى الصلاة، أو له صلى الله عليه وسلم بمقتضى الأصل، ولغيره معه تغليب للمخاطب على الغياب { وليأت } بعد أن تسجد الأولى، وتذهب إلى العدو بلا تسليم، ويثبت صلى الله عليه وسلم قائما { طآئفة أخرى } نكرها لأنها لم تذكر قبل { لم يصلوا } وهى الحارسة لهم من ورائهم { فليصلوا معك } الركعة الثانية، تلك ركعتان ولكل طائفة ركعة، ولا تحية للأولى، فيسلم، فيسلمون جميعا، الثانية والأولى المواجهة للعدو، وروى ابن أبى حاتم وابن شيبة وابن جرير أن صلاة الخوف ركعة، صلى صلى الله عليه وسلم ركعة بطائفة، ثم بأخرى ركعة، وإنما القصر واحدة عند القتال، فصلاة الحضر أربع والسفر ركعتان، والخوف ركعة، وروى أنه صلى بطائفة ركعة، فثبت قائما وصلوا ركعة، ثم ذهبوا وجاءت الأخرة، فصلى بهم ركعة وثبت قاعدا، وصلوا ركعة فسلم وسلم الكل، وكلتاهما قرأت التحيات، وكذا فعل صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، وعليه الشافعى، وروى البخارى ومسلم أنه صلى فى بطن نخل ركعتين بطائفة، فذهبت، فجاءت أخرى، فصلى بها ركعتين، فله أربع، ونخل موضع من نجد من غطفان بينه وبين المدينة يومان، وعن ابن مسعود صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعة وبأخرى ركعة، وذهبت وجاءت الأولى، وقضت ركعة بلا قراءة وسلمت، وذهبت جاءت وقضوا الأولى بقراءة، وعليه أبو حنيفة، وسقط عن الأولى القراءة فى الثانية بعد سلامة صلى الله عليه وسلم لأنهم فى مقابلة العدو عنه { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } أمر للطائفة الحارسة بأن تصحب معها سلاحها فى الصلاة إذا جاءت تصلي، وذكر هنا الحذر والسلاح معا لأن المشركين قلما ينتبهون للمسلمين أول الصلاة، بل يظنوهم قائمين للقتال فإذا قاموا الركعة الثانية تنبهوا أنهم فى الصلاة، فيفرصون شبه الحذر، وهم بمعنى يحسم يتناول، فأطلق عليه الأخذ على الاستعارة بالكناية، وفيه المشاكلة، أو ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز، أو ذلك من عموم المجاز، أو معناه تستعمل الحذر وأشار إلى علة أخذ الحذر والسلاح بقوله { ود الذين كفروا لو تغفلون } لو مصدرية أى ودوا غفلتكم فى صلاتكم { عن أسلحتكم وأمتعتكم } ما تتمتعون به فى أسفاركم أيها الطائفتان المسلمتان { فيميلون عليكم } يشدون عليكم { ميلة واحدة } شدة واحدة { ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم } لا إثم عليكم فى وضعها عند المطر أو المرض إن تأذيتم بحملها عند أحدهما، وإلا فاحملوها، ولا تضروا بها أحدا او لا تشعلكم عن الصلاة، فإن شغلكم حملها من الصلاة وخفتم العدو فاحملوها وحافظوا على الصلاة، ورجح البخاري ومسلم أن حملها سنة إذا لم يكن الأذى، وقيل يجب، بل يستحب، وللشافعى قولان { وخذوا حذركم } فى البخارى نزلت فى عبد الرحمن بن عوف، وكان جريحا من العدو، أى خذوا حذركم من العدو مع ذلك ما استطعتم حتى تغلبوهم أو تنجو منهم كما علله بقوله { إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا } هو أن يكونوا مغلوبين بخذلان الله عز وجل إياهم ونصره لكم، فباشروا الأسباب ليكون ذلك على أيديكم، ولا تغفلوا عن إهلاكهم والنجاة منهم، وذلك وعد بالنصر مع إيجاب تعاطى الأسباب، فالجملة علة لأخذ الحذر، أو مستأنفة لدفع توهم غلبة العدو، وقال ابن عباس: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى محارب وبنى أنمار فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وأخذوا أموالهم وذراريهم، ولا يرون أحدا من العدو، فوضعوا أسلحتهم، فقطع الوادى صلى الله عليه وسلم لحاجة الإنسان، والسماء ترش فسال الوادى، فحال بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم، فجلس تحت شجرة، فانحدر إليه غورث بن الحارث من الجبل قائلا: قتلنى الله إن لم أقتله، ولم يشعر به صلى الله عليه وسلم إلا وهو قائم على رأسه بسيف مسلول،
" فقال: يا محمد، من يمنعك منى الآن؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله، ثم قال: اللهم اكفنى غورث بن الحارث بما شئت، فأهوى ليضربه به، فأكب على وجهه نم زلخة زلخها، فبدر السيف من يده، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ السيف، وقال: يا غورث من يمنعك منى الآن؟ فقال: لا أحد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقال: لا، ولكن أشهد أن لا أقاتلك ولا أعين عليك أحدا، فأعطاه صلى الله عليه وسلم سيفه، فقال غورث: أنت خير منى، فقال صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بذلك منك "
، والسيف لغورث جاء به، وقيل إنه سيفه صلى الله عليه وسلم سله غورث فى تلك الغفلة، وأنه لم يعطه بعد، ورجع إلى أصحابه، فقالوا: ويلك ما منعك من قتله، فذكر لهم القصة، والزلخة الدفعة، وندر سقط.
[4.103-105]
{ فإذا قضيتم الصلاة } فرغتم منها، فالقضاء يستعمل بمعنى التأدية فى الوقت كما يستعمل فيها بعد الوقت، كقوله تعالى:
Bog aan la aqoon