ويروى أنه لما احتضر فى التيه أخبرهم بأن يوشع بعده نبى، وأن الله عز وجل أمر يوشع بقتل الجبارين فقاتلهم، وفتح أريحا.
وقيل: يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
" أن الله تعالى أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فلطمه موسى، وفقأ عينه، فقال: يا رب أرسلتني إلى عبد كره الموت، ففقأ عيني فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي، وقل له: إن شئت أحياك الله عدد ما تقع عليه يدك من شعر متن الثور سنين، فقال له موسى: ثم ماذا؟ قال: ثم تموت، قال: الآن من قريب، ب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر "
، وقبره فى التيه بجانب الطريق عند جبل من رمل، ولا يصح عنه صلى الله عليه وسلم، أن موسى عليه السلام فقأ عين ملك الموت ولا ضربه، لأنه ظلم لملك الموت وسخط لقضاء الله، ورد له، اللهم إلا إن جاء فى صورة لص أو قاطع، ولم يعلمه ملك الموت، وعينه جسم نورانى، وقيل: القرية بيت المقدس على يد يوشع، وقيل على يد موسى، وأنه خرج من التيه بعد أربعين سنة مع قومه، وعلى مقدمته يوشع وفتحها وأقام ما شاء الله ثم مات، وسميت القرية قرية من قرى بالألف بمعنى جمع، وهى جامعة للعامر { فكلوا منها حيث شئتما رغدا } لا منع عليكم منى، ولا من أحد، ولا من قلة أو جدب، فهذا مستثنى من كون الأمم السابقة لا يأكلون الغنيمة فإن لداحلى القرية المذكورة أكل ما فيها من مال العمالقة وأخذه وقله إلى حيث شاءوا { وادخلوا الباب } باب أريحا، أراد الحقيقة، فإن لها سبعة أبواب أو ثمانية، يدخلون من أيها شاءوا { سجدا } منحنين، تواضعا لا على الأرض، وقيل: القرية قرية بيت المقدس، والباب بابها المقول له باب حطة، والقائل ادخلوا موسى عليه السلام، قال لهم فى التيه: إذا مضت أربعون سنة وخرجتم من التيه، فادخلوا بيت المقدس، وقيل: خرج موسى من التيه حيا بعد الأربعين بمن بقى منهم، ففتح أريحا، ومات { وقولوا حطة } سألتنا حطة، أو شأنك حطة، أى أن تحط عنا ذنوبنا، وقيل لفظ تعبد عبرانى، لا يدرى ما هو، وقيل تواضع لله، أى أمرنا تواضع لله { نغفر لكم خطيكم } ذنوبكم، والأصل خطابتى بياء بعد الألف زائدة، هى ياء خطيئة، أبدلت همزة فاجتمعت همزتان، قلبت الثانية، وهى لام الكلمة، ياء، ثم قلبت الياء ألفا، فكانت الهمزة بين الألفين فقلبت ياء، وإنما أبدلوا الياء ألفا لفتح الهمزة قبلها مع تحركها فى النصب لفظا، وفى الجر والرفع حكما، وقال الخليل: الهمزة على الياء التى بعد الألف، وفعل ما ذكر { وسنزيد المحسنين } ثوابا لإحسانهم بالطاعة، عطفت الجملة على قولوا.
[2.59]
{ فبدل الذين ظلموا } بالقول الذى قيل لهم منهم { قولا غير الذي قيل لهم } أى جعلوا قولا مكانه، كقولك بدل بخوفه أمنا، أو صبروا القول الذى أمروا به قولا آخر، وبدلوا فعلا إذ لم يدخلوا سجدا، بل يزحفون على أستارهم، وقالوا حبة فى شعرة، أو فى شعيرة، أو حنطة فى شعيرة، أو حطا سمقاتا أى حنطة حمراء، ولعمل بعضا قال كذا، وبعضا قال كذا، وذلك استهزاء { فأنزلنا على الذين ظلموا } بتبديل القول والفعل لسبب التبديل، ومقتضى الظاهر فبدلوا قولا، فأنزلنا علهيم، الكن أعاد ذكر ظلمهم للمبالغة فى تقبيح شأنهم وللتصريح بموجب العذاب { رجزا } طاعونا أو صاعقة أو ظلمة أو ثلجا، أول الطاعون فى بنى إسرائيل { من السماء } ولو كان الطاعون من الجن لأن قضاءه من الله، وبأسباب سماوية، فقال لذلك من السماء، مع أنه أرضى { بما كانوا } بكونهم { يفسقون } يظلمون الظلم المذكور، وهو خروج عن السجود، وقول حطة، وسماه فى الأعراف ظلما، أو أراد بالفسق مطلق معصيتهم، ومات بهذا الرجز فى هذه القرية التى أمروا بدخولها فى ساعة سبعون ألفا أو أربعة وعشرون ألفا.
[2.60]
{ وإذ استسقى موسى لقومه } طلب لهم موسى من الله السقيا حين عطشوا فى التيه، طلبوا الطعام فأعطوا المن والسلوى، والماء فاستسقى لهم موسى، فأعطوه، واشتكوا الحر فأظلهم الله بالغمام، ذكر الله عز وجل كل واحد على حدة فى معرض أمر مستقل موجب للتذكر، استأنف لذلك ذكر أبعد فضل عن قصة التيه مبالغة في بيان أن السقي نعمة عظيمة، ولو ذكر عقب قصة التيه، ولو مع إذ هذه لكان ربما يتوهم أن الكل نعمة واحدة، وقال أبو مسلم: ليس هذا فى التيه. { فقلنا اضرب بعصاك الحجر } الذى فر بثوبك لتتبعه من مغسلك عاريا ليرى بنو إسرائيل أنه ما بك أدرة، كانوا يغتسلون عراة، وموسى فى خلوة، فاتهموه بانتفاخ بيضته، وهو ذراع فى ذراع، له أربعة أوجه، وقيل كرأس الرجل من رخام، وقيل خفيف، ومن قال سدس اعتبر ما يلى الأرض وما يلى السماء، لأنه لا انفجار منهما أوحى الله إليه مع جبريل أن يجعله إذ احتاجوا ماء ضربه، فسال، وإذا اكتفوا ضربه فأمسك وهذا معجزة أخرى إذ كان فعل واحد، وهو الضرب، سببا للماء وكفه، وكلما ضرب خلق الله الماء وكل ما ضرب آل أو جمع الله المياه الكثيرة فى الحجر الصغير وخلق فيها خفة { فانفجرت } فضربه بعصاه فانفجرت، وقال وهب ما هو حجر بل يضرب بها أى حجر أراد فيسيل ماء ، فيضرب أقرب حجر إليه ولو صغيرا، وقيل حجر كان عند وصل مع العصا إلى شعيب، فأعطاهما موسى، وقيل حجر خفيف من قعر البحر يشبه رأسى الآدمى يجعله فى مخلابه، ويقال حجر مربع يخرج من كل وجه ثلاثة أعين، لكل سبط عين، وكان من رأس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى لها شعبتان تتقدان فى الظلمة نورا حيثما كان، وأمامهم فى التيه فلهم عمود من نور ليلا، حملها معه آدم من الجنة وتوارثها الأنبياء إلى شعيب، فأعطاها موسى، والانفجار السيلان بوسع بعد انشقاق، وهو الانبجاس فى السورة الأخرى أو هو الرشخ بقليل، والانفجار بعده بوسع. { منه اثنتا عشرة عينا } ، وقيل خرج آدم بها، وبالحجر من الجنة فتوراثهما الأنبياء كذلك إلى موسى، لكل سبط عين، وهم اثنا عشر سبطا، وكان ليعقوب اثنا عشر ولدا لكل ولد ذرية هى سبط { قد علم } عرف { كل أناس } أى قوم هم سبط { مشربهم } موضع شربهم من الاثنتى عشرة، لا يشاركون غيرهم، ولا يشاركهم غيرهم من كل وجه من وجوه الحجر الأربعة، ثلاثة أعين كل واحدة تسيل فى جدول، وسعتهم اثنا عشر فرسخا أو ميلا، وهو أولى، وعددهم كما مر ستمائة ألف، والجملة نعت اثنتا عشرة والرابط محذوف أى مشربهم منها، أو مستأنفة، أو حال بتقدير الرابط العائد إلى صاحب الحال، أى منها، كما فى النعت والمسوغ لمجىء الحال من النكرة تخصيصها بالتمييز قلنا لهم { كلوا واشربوا من رزق الله } المن والسلوى، وماء العيون أضيف لله لأنه بلا عمل منهم، وقدم الأكل لأنه العمدة، وبه قوام الجسد، والاحتياج إلى الماء حاصل عنه، ولأنه مركب للطعام، والرزق بمعنى المرزوق، وهو الطعام يحمله الماء إلى العروق، ولا دليل للمعتزلة فى الآية على أن الحرام غير رزق، فإنه يؤاخذ عليه متعمده، وكذا جاهله إذا كان مما يدرك بالعلم، وليس فى الآية سوى أنه أمرهم بالأكل والشرب من ذلك، واتفق أنه حلال والله عالم بأنه حلال، وإن أريد بالرزق العموم فالحلال قيد من خارج، لا من لفظ الرزق { ولا تعثوا } تفسدوا { في الأرض } أرض التيه وغيرها مما قدروا أن يصلوا إليه، وما يخرجون إليه إذا أخرجهم الله منه { مفسدين } تأكيد فى المعنى لتعثوا، باعتبار النهى أى نهيتهم نهيا شديدا عن الإفساد، وإن جعلنا للعثى بمعنى الاعتداء المطلق أو بالشرك والإفساد بالمعاصى فلا تأكيد.
[2.61]
{ وإذ قلتم } فى التيه { يموسى لن نصبر على طعام واحد } المن والسلوى، سماها واحدا باعتبار أنهما طعام لكل يوم لا ينقص أحدهما ولا يزاد عليهما، ولا يبدلان هما أو أحدهما، أو باعتبار أنهما جمعهما الاستلذاذ الشديد { فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض } ما نأكله فإنا سئمنا المن والسلوى، أى بعض ما تنبته الأرض، وبينه بقوله { من بقلها } إلخ إلى هو بقلها أو بعض بقلها، وهو ما تنبته الأرض ولا ساق له، والمراد ما يؤكل منه، يكون حارا وباردا، أو رطبا ويابسا { وقثائها } ما يكون بطيخا إذا أينع، والخيار كلاهما بارد رطب { وفومها } برها بل كان ما يخبر قوم، أو ثومها، وهو حار يابس، وعليه فهو لغة، أو أبدلت التاء المثلثة فاء كحذف فى جدث، وفم فى ثم وهو مسموع لا مقيس { وعدسها } بارد يابس { وبصلها } وهو حار رطب، وإن طبخ كان باردا رطبا. { قال } موسى، أو لله { أتستبدلون } إنكار لأن يليق ذلك شرعا أو عقلا، وتوبيخ { الذي هو أدنى } أقرب وحسودا وتحصيلا لقلة قيمته أو أدنأ بالهمزة كما قرىء بها فليت ألفا من الدناءة وهو الخمسة، أو أدون، أى دون كذا فى الرتبة، أخرت الواو، وقلبت ألفا، والأدنى على الأوجه البقل، والقثاء، والفوم، والعدس والبصل، وأفردهم بالذكر باعتبار أنهن كواحد إذ هو نوع خالف المن والسلوى، وبدل منهما { بالذي هو خير } أفضل، وهو المن والسلوى، أفردهما لما مر والذى يظهر لى أنه تعالى، ما عاب عليهم هذا الاستبدال إلا أنه خلق فيهم عدم سآمتهم للمن والسلوى، وإلا عقد خلق الله فى الطباع سآمة الإنسان ما دام عليه من طعام مثلا، ولا سيما أنه لا يخلط به غيره، ولا سيما مع طول المدة، فما ذكر عنهم من السآمة غير ثابت عنهم، أو ادعوها مع عدمها، واستمروا على طلب البدل، فقال الله جل جلاله على لسان موسى عليه السلام بعد دعائه لله فاسألو { اهبطوا مصرا } إن قدرتم على الخروج من التيه، وليسوا بقادرين، فالأمر لتعجز، كقوله تعالى:
Bog aan la aqoon