{ إن الدين } المرضى { عند الله } أو الكائن عند الله، أو أن المشروع عند الله، فعند متعلق بمحذوف كون عام نعت حذفا واجبا، أو بنعت محذوف جوازا كونا خاصا، وليس ذلك خطأ من قائله، لأنه جرى على قول لمن تقدمه، ذكره الدمامينى، أو متعلق بالدين لتأويله بمشروع، والتعليق باعتبار التأويل كثير،نحو زيد أسد فى الحرب، وذلك كله أولى من أن يعلق بنسبة الكلام، أي أن الدين محكوم له عند الله بأنه الإسلام، لأن هذا معنى وعبارة أخرى لا إعراب، ولا يجوز أن يكون حالا من اسم إن، لأنه ليس لأن حدث مسلط عليه، ليكون الحال قيدا له، أو تأكيدا له { إلإسلام } الشرع المبعوث به الرسل المبني على التوحيد، فالجملة مؤكدة، لأن الشهادة بالوحدانية والعدل والعزة والحكمة أسس الدين وقاعدة الإسلام، والإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والعمل لما جاء به من فعل أو ترك، قال على: إن المؤمن يعرف إيمانه في عمله، وعليكم بالإسلام، ولا ينبغى أن يختلف فيه، ألا نرى إلى قوله:
ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
[آل عمران: 102] { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } فى دين الإسلام، إذ قال قوم إنه باطل، وقوم إنه حق، وقوم بأنه مخصوص بالعرب، وفى التوحيد إذ قال بعض اليهود عزيز بن بالله، وقال النسطورية من النصارى: إن الله ثالث ثلاثة، واليعقوبية بالاتحاد أن الله هو المسيح، والملكاثية إذ قالوا بالأقانيم الثلاثة، الوجود والعلم والحياة، وسموها الأب والابن وروح القدس، وأن أقنوم العلم انتقل إلى جسد عيسى، فجوزوا الانتقال، فكتبت وقرئت متغايرات مستقلة، وفى وصفهم بإيتاء الكتاب تقبيح لهم، حيث اختلفوا مع إيتاء التوراة والإنجيل والزبور وغير ذلك. روى أن موسى عليه السلام استخلف سبعين حبرا على التوراة حين احتضر،واستخلف عليهم يوشع، واستاموا إلى القرن الرابع فاختلفوا فى الدين، ووقع عليهم الكفر والقتال حرصا على السلطنة وزخارف الدنيا، وسلط عليهم جبابرتهم فنزلت الآية فى شأنهم، وقيل الكتاب الجنس، والذين اليهود والنصارى { إلا من بعد ما جآءهم العلم } التوحيد والحق المطلق وعرفوه أو مجىء العلم دخوله قلوبهم، بفهمه بعد نزوله وتمكنه فيها { بغيا } خروجا عن الطاعة بالحسد وطلب الرياسة، وهو يؤدى إلى أنكار الحق { بينهم } واقعا بينهم، دائرا فاشيا، زاد الله عز وجل تقبيحهم بأن اختلافهم بعد مجيء الكتاب، وأنه بعد مجىء العلم، وبأنه بالبغى، ولا حصر فى ذلك إلا من خارج، وما هو إلا كقولك، ما ضربت إلا ابنى تأديبا، واعتبار الحصر فيه مثل اعتباره فى قوله: كما صرب إلا زيد عمرا بمعنى ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا { ومن يكفر بأيآت الله } النازلة الناطقة بالوحدانية، وبأن الدين عند الله الإسلام من التوراة والإنجيل والقرآن، أو الآيات الناطقة وغيرها { فإن الله سريع الحساب } أى يجازه بكفره وما ترتب عليه، لأن حسابه سريع، لا بطء فيه، لا يحتاج إلى فكر إذ علمه قديم محيط لا يخرج عنه شيء أو يأت حسابه قريبا، لأن الله سريع الحساب.
[3.20]
{ فإن حآجوك } جادلوك فى الدين يا محمد، أو أتوك بحجة فى زعمهم، قابلوا بها حجتك المحقة، أو سمى دعواهم حجة تهكما، أو للمشاكلة، والواو للناس مطلقا، أو أهل الكتاب، أو وفد نصارى نجران { فقل } لهم { أسلمت } أخلصت { وجهى } أى ذاتى ومقاصدى، فعلا أو تركا، وخص الوجه لشرفه، فغيره أولى لاشتماله على البصر واللسان والذوق والسمع والشم، وهو معظم ما يسجد به، وبه التوحيد إلى كل شىء { لله } فله اعتقادى وقولى وعملى طبق ما أمرنى ونهانى { ومن اتبعن } أسلمت أنا ومن اتبعنى أو مع من اتبعنى، وذلك ظاهر، ليس مما أجادلكم فيه، أو حاجهم بأنى متمسك بما أقررتم به من وجود الصانع وكونه أهلا للعبادة، والواو للمعية، أى مع من اتبعنى بإسلام وجهه أو عاطفة على التاء للفصل، عطف معمولين، أحدهما محذوف، على معمولى عامل، أى من اتبعنى وجهه، بنصب وجه عطفا على وجهى { وقل للذين أوتوا الكتاب } جنس الكتاب، اليهود والنصارى والصائبين { والأميين } من لا كتاب له يقرؤه أو يكتب كمشركى العرب، أو هم مشركو العرب، والكتابة فى العرب قليلة، أو أراد من لا كتاب له ولو كان يقرأ ويكتب كبعض العرب { ءأسلمتم } اسلموا، كقوله، فهل أنتم منتهون، وهل أنتم شاكرون، أى انتهوا واشكروا إذ جاءكم ما يوجب الإسلام، أو تقرير أو استبطاء، كقولك لمن بالغت له فى البيان هل فهمت، أو توبيخ، أى أم بقيتم على كفركم { فإن أسلموا } كلام من الله، لا من القول، وإلا قال أسلمتم إلا على الالتفات لكن يرده فإنما عليك البلاغ { فقد اهتدوا } الاهتداء نفس الإسلام، ولا بد من مغايرة الشرط والجزاء فإما أن يكتفى بمغايرتهما مفهوما، ولو اتحدا ما صدقا، وإما أن يجعل اهتدوا كناية عن لازمه، أى نفعوا أنفسهم، أو يقدر فازوا، لأنهم قد اهتدوا، وأولى من ذلك أن المراد، فإن أسلموا فإسلامهم انتفاء للضلال، والمكلف فى الضلال ما لم يسلم، وهؤلاء لا يرون الإسلام اهتداء { وإن تولوا } أعرضوا عن الإسلام، أى بقوا على الإعراض { فإنما عليك البلاغ } أى أهلكوا أنفسهم، أو ما ضروا إلا أنفسهم، لأنه ما عليك إلا تحصيل البلاغ، أو إلا التبليغ للوحى، وقد بلغته { والله بصير بالعباد } وعد للمحسنين ووعيد للمسيئين، ولا يلزم أن تكون الآية قبل الأمر بالقتال، وأن الآية نسوخة، وأن المعنى إنما عليك البلاغ وحده لا مع القتال، لجواز أن يكون المعنى إنما عليك البلاغ لا التوفيق، وهذا صحيح قبل القتال وبعده.
[3.21]
{ إن الذين } خبر إن هو قوله:
أولئك حبطت أعمالهم
[التوبة: 17، 69]، وأما فبشرهم فمعترض، أو عطف طلب على إخبار، وهو الصلة، والمراد قوم مخصوصون من اليهود، لا كل من يفعل ذلك، فليس فيه عموم الشرط، فلا تقل الخبر بشرهم، وقرن بالفاء لشبهه بالشرط { يكفرون بأيآت الله } هذا المضارع وما بعده لحكاية الحال الماضية، وهم اليهود الماضون ، إذ كفروا ببعض التوراة وقتلوا الأنبياء كما قال { ويقتلون النبيين } أل للحقيقة هكذا، أو للحقيقة المعهودة فى غيرهذه الآية مما فيه أنهم قتلوا الأنبياء { بغير حق } توكيد لخطئهم، كقولك أمس الدابر، لأن قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق، أو بغير حق فى اعتقادهم، كما أنه غير حق فى نفس لأمر { ويقتلون الذين يأمرون بالقسط } العدل، وهو الإيمان والعمل الصالح وترك الظلم والعدل { من الناس } اليهود، تقدم ذكر قتلهم الأنبياء، ويروى أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا أول اليوم، فنهاهم مائة وسبعون، وقيل مائة واثنا عشر من عبادهم، فقتلوهم آخر يومهم، ذكر الله عز وجل كفر أوائلهم وقتلهم من يحق له القتل، تعنيفا لهم، لرضاهم عنهم ومدحهم الجملة مع تلك المساوئ، ويجوز أن يكون المراد بالذين يكفرون ويقتلون الأنبياء ويقتلون الذين يأمرون بالقسط اليهود الذين فى عصره صلى الله عليه وسلم، وصفهم بالقتل وبالكفر بالآيات لرضاهم عن من كفر بها من أسلافهم، ولعدم خلوهم عن الكفر ببعض التوراة، ولرضاهم عن من قتل لأنبياء، وقيل الذين يأمرون بالقسط، ولقصدهم قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسم، وإلقاء الصخرة عليه، وبالسحر وغير ذلك، وقتلهم بعض المؤمنين، ولقصدهم قتل المؤمنين الآمرين بالقسط من جملة الناس، رض واحد رأس مؤمنة، وأكل صحابى مع النبى صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة فمات، وعليه فالمضارع للاستمرار على قصد ذلك وعلى فعله لو وجدوه كما قصدوه، وكرر ذكر القتل للتفاوت بين قتل الأنبياء وقتل من دونهم من الآمرين بالقسط أو لاختلافهما فى الوقت، ولأن الأول على تبليغ الوحى، والثانى على الأمر بالعدل { فبشرهم } أخبرهم، استعمال للمقيد فى المطلق، أو تهكم بهم، لأن التبشير إنما هو فى الخير، وأصله من ظهور اثر الفرح على البشرة، أى الجلدة من الوجه { بعذاب أليم }.
[3.22]
Bog aan la aqoon