ولَعَمْري إِنَّها طريقةٌ دَرَسَتْ آثارُها، وأَفَلَتْ أنوارُها، وعُطِّلَتْ أعلامُهَا، وعَدِمَتْ قُوّامُها.
ولقد طَلَبْتُها زمنًا طويلًا، فلم أجدْ لها دَليلًا، ولا بها كفيلًا، إلا كما قالَ الأوّل (١): [البحر البسيط]
فَمَا وَجَدْتُ بِهَا شَيئًا أَلُوذُ بِهِ ... إلاّ الثُّمَامَ وَإلّا مَوقِدَ النَّارِ
فحينئذٍ جعلتُ أدعو اللهَ الكريمَ، البَرَّ الرَّحيم، في الاهتداءِ لسبيلِهِمْ، والاقْتِفاءِ لِطريقِهمْ، والاغْتِرافِ منْ بَحْرِهمْ، والاعْتِلالِ منْ نَهرِهِمْ، وابْتَهَلْتُ إليه -سُبْحانه- في مَظانِّ الإِجابَةِ للدَّعَواتِ، وإنْزالِ الرَّغَباتِ، فَرَحِمَني اللهُ الكريمُ بفضلِهِ، فَبيَّنَها لي بعدَ درُوسها، وأَوْضَحَها بعدَ طُموسها، فللَّهِ الحَمْدُ ربِّ العالمين، وأرجو مِنْ فضلِ (٢) اللهِ الكريمِ ورحمتِهِ أن يُظْهِرَ في الآفاقِ هذهِ الطريقةَ، ويقطعَ منها الاْنْقِطاعَ والتَّعويقَ، وتُدْرَكَ بعدَ فَوتها، وتُحيا بعدَ موتها، أليسَ اللهُ بقادرٍ على أَنْ يُحْيِيَ المَوْتى؟!
ولا يُنْكِرُ شَرَفَ ما وضعتُهُ في كتابي هذا، في زَمني هذا، في بلدي هذا، إلا جَاِهلٌ عَانِدٌ، أو مُتَجامِلٌ (٣) حاسِدٌ، فنعوذُ بالله من شَرِّ حاسدٍ إذا حَسَدَ.
وإنِّي في خيرِ حالاتي؛ بل في جَميعِ أوقاتي قَدِ امتلأَ القلبُ والقالَبُ شُغْلًا وهَمًّا، ودَينًا (٤) وغُرْمًا، وظُلْمًا وهَضْمًا: [البحر الطويل]
خَليِليَّ رِفْقًا رَيْثَ أَقْضي لُبانةً ... من العَرَصاتِ المُذْكِراتِ عُهودا (٥)
_________
(١) هو النابغة الذبياني، انظر: "ديوانه" (ق ٦٥/ ٥)، (ص: ٢٣٤).
(٢) "فضل "ليست في "ب".
(٣) في "ب": "متجاهل".
(٤) في "ب": "وذنبًا".
(٥) لُبانة: هي الحاجةُ من غير فاقةٍ، ولكن من هِمة، يقال: قضى فلانٌ لُبانته،=
1 / 5