لما كانت مصر تدافع المغيرين، كان سادة مدينة طيبة يجمعون على العدو كل ما في صعيد مصر من القوى، وكان استتب لهم أمر الملك في المدينة منذ زمن، وسلالتهم هي ما نسميه اليوم الأسرة السابعة عشرة، وقد وصلوا وشائج نسب وصهر بنساء البيت الملكي في إقليم الإله «توت»، وولدت إحداهن «أهمس-نوفريتاري» ذلك الوليد الذي تجلت فيه من بعد آيات الفراعنة، وأخذ بناصية القطرين غير مدافع، وما كان «ابن أهمس» من محض عنصر بشري، ذاك الذي كان أول من سمي بالاسم المجيد «أمنهوتب»؛ أي: «من هو متحد بآمون».
ألم إله طيبة الأكبر ذات ليلة بمقصورة الملكة، فكان من هذه الزورة التي جاءت على غير انتظار، وليد عرف به أهل مدينة طيبة أن الإله الجليل رب الإقليم لم يزل يرعى مستقبل الأمة، ولم يرض أن يسلم للزوال خلفاء «هوروس».
وفيما سلف وقع مثل تلك الآية:
من قبل ذلك بعدة أجيال، جاء سادة «أرمنت» من وكرهم - وكر نسر الجبلين - فهبطوا مدينة طيبة، وأسسوا بها الأسرة الحادية عشرة، وأعادوا لمصر وحدتها بعد انفصامها، وأسعد الجد المواتي طيبة، وهي يومئذ داخلة إلى حظيرة التاريخ بأن جلس على عرشها أبناء إله.
وقد ذهبت لرؤية صورة فوق جدار في مدينة طيبة، لها صلة بهذا الموضوع، مصونة على وجه يستحق الإعجاب، وهي تمثل الملكة الجليلة «نوفيريس»، التي يدل اسمها على معنى - طلعتها مجمع الجمال - مستندة إلى الجبل المقدس، ذات محيا مسود كمحيا «هاتور» و«أهمس».
ويريد المصور بهذا الرسم الرمز إلى الأسطورة اللطيفة، التي تتضمن أن «آمون» نزل من السماء ليتصل بالملكة، وينشئ معها الأسرة الأولى لمدينة طيبة. والواقع - فيما يظهر - أنه كان كلما بدا في عرش مصر تزلزل، هبطت الآلهة من أفقها لتسعف أمتها المحبوبة.
وقد جرى نحو هذا في زمن قديم جدا، إذ كان مقدورا لمصر بعدما عرفت عهد نضارة أن تجتاز دور ذبول خضوعا لناموس محتوم، لم يكشف لنا سره، تجري على أنغامه حركات الحياة.
لم يكن متأخرو ملوك الأسرة الرابعة يعدلون في قوة ولا جلال أسلافهم الألى شادوا عجائب الجيزة الثلاث، وقد وضع كهنة «هليوبوليس» السيطرة في أيديهم شيئا فشيئا، كما تم لهم ذلك في طيبة بعد هذا العهد بخمس عشرة أسرة، وتجهزوا للصعود على عرش مصر، فأنشأوا الأسرة الخامسة، تحمل راية النصر المبين لعبادة الكوكب العظيم «را».
أولئك الكهنة هم أول من تجاسر على إدخال اللقب الباهر «سا-سا»؛ أي ابن الشمس، في ألقاب الفراعنة.
ولقد شرحت بعض الأساطير العجيبة أمر توليهم الحكم شرحا بليغا:
Bog aan la aqoon