أولئك النسوة اللواتي وهبن لبلادهن نفوسهن غير ضنينات، أولئك الملكات اللواتي تمثلت فيهن أوطانهن، لم ينلن من حسن الذكر الذي استوجبنه بما قدمت أيديهن، إلا هذه الأشعة المختلط نورها بظلامها، يرسلها ليل من ليالي الصيف بهي، في أعقاب الشمس الهاوية إلى مغربها متألقة رائعة.
كنت في غمرة بالغة، فلم أستطع - لتأثري المتزايد - تتبع ما كان يتناجى به «رمسيس» و«أمينتريس»، ولم أكن أشعر إلا بشيء واحد، هو أن ذلك الإطار الخيالي الذي يحف بي، قد صار بقوة الحب والإخلاص والإرادة حقيقة ثابتة.
إن أولئك الذين قضوا حياتهم في خدمة غرض مقدس عندهم، قد رجعوا إلى معاهدهم الأولى، في حضن الهياكل التي أقاموا في الحياة دعائمها؛ ليتفاوضوا في شئون تأخذ من قلوبهم مكانا، وقد أدنتهم قوة إيمانهم من منازل الآلهة.
وعندما تأملت في القوام الأهيف للكاهنة العظيمة، وفي بأس الرجولة للفاتح الكبير، شعرت بأنهما صاغا صورتهما البديعة في الأبدية كما يشاءان.
رأيتهما يتواريان في صمت حيالي، فيعود هو إلى «قبة مجدول»، حيث صوره مصورو العصور الخوالي لاعبا الشطرنج، بينما تسير هي إلى صومعتها البهيجة؛ لتوالي القيام بشعائر دينها المقدسة في هذه الليلة الزهراء، ليلة البدر كاملا.
هناك أقبلت على نفسي أسألها: أي ثلاثتنا حقيقة، وأيها خيال؟!
ليت شعري! هل تجلي الملأ الأعلى في عالم الظهور هو الحقيقة الثابتة؟ أم أنا وحدي ذات الوجود الحقيقي؟
تعب الحجيج من انتظاري، فغادروا الهيكل قبلي، وتبعتهم كأني في حلم.
ولما سارت بنا العربات، أحسست بأني أحمل معي تذكارا، لا يستطيع شيء أن يمحوه، فإن الذي رأيته وسمعته مذ الليلة لا يدركه النسيان.
كانت السواقي تدور في مزارع القمح والفول المتباعدة الأطراف، كعهدها دائما صداحة شاكية، وكانت أشجار البرتقال المزروعة في القرى الحافة بنا، تعطر بأريجها موكبنا الليلي، بينما كانت التماثيل الضخمة الرابضة تنظر إلينا إذ نمر بها - كما شهدت منذ الأحقاب المتنائية - وهي جامدة لا تحرك ساكنا، أمواج الخضم الإنساني تتدافع غير متناهية.
Bog aan la aqoon