أقول زر من قد ذاب صبرا
طوعا وإلا تزور قسرا
فكم أقاسي جفا وهجرا
فقال والغيظ قد أسرا
هذا أنت حنيت اليوم والك ... قط المحبة كانت بوالي
-٣٧-
ومن ذلك موشحة للحفيد بن زهر، رحمه الله تعالى، وهي:
أيها الساقي إليك المشتكى ... قد دعوناك وإن لم تسمع
ونديم همت في غرته
وبشرب الراح من راحته
كلما استيقظ من سكرته
جذب الزق إليه واتكا ... وسقاني أربعا في أربع
ما لعيني عشيت بالنظر
أنكرت بعدك ضوء القمر
وإذا ما شئت فاسمع خبري
عشيت عيني من طول البكا ... وبكى بعضي على بعضي معي
غصن بان مال من حيث استوى
بات من يهواه في فرط الجوى
خفق الأحشاء موهون القوى
كلما أفكر في البين بكى ... ويحه يبكي لما لم يقع
ليس لي صبر ولا لي جلد
يا لقومي عذلوا واجتهدوا
أنكروا شكواي مما أجد
مثل حالي حقها أن تشتكي ... كمد اليأس وذل الطمع
كبدي حرى ودمعي يكف
تعرف الذنب ولا تعترف
أيها المعرض عما أصف
قد نما حبي بقلبي وزكا ... لا تخل في الحب أني مدعي
-٣٨-
ونظم الأندلسيون وراءه كثيرا في هذه الطريقة الأنيقة، فأحببت أن يكون لي في روضها شقيقة، فقلت، وبالله الاستعانة:
هلك الصب المعنى هل لكا ... في تلافيه بوعد مطمع
أيها البدر الذي لما بدا
غاب عن عشاقه فيه الهدى
أنت في قلبي مقيم أبدا
فلك الأحشاء أمست فلكا ... فاستقم في الأوج منها واطلع
يا عذولي أنت لم تدر الهوى
فلذا أنكرت ما بي من جوى
خل قلبي ما له منك دوا
كلما تعذله أنت انتكى ... فاسترح من عذل من لم يسمع
صاح ما أصنع قد خاب الرجا
وجنى قلبي ولكن ما نجا
بعد دمعي وأنيني في الدجى
قل لصوب الغيث دع عنك البكا ... ولورقاء الحمى لا تسجعي
كنت في هجعة طرف قد رقد
لست أخشى من لظى هجر وقد
ثم لم أشعر به إلا وقد
نصبت مقلته لي شركا ... أي قلب عندها لم يقع
قمر مهما رنا أو رمقا
لم يدع للصب منه رمقا
آه وا طول عنائي والشقا
هو لا يسمع مني مشتكى ... وأنا للنصح فيه لا أعي
رب خود علق القلب بها
فهمت عني توالي حبها
لست أنسى قولها في صحبها:
كل ما قالو علمتو بالذكا ... الحديث لك وأنت يا جار اسمعي
-٣٩-
ومن ذلك موشحة لابن اللبانة، وهي:
شاهدي في الحب من حرقي ... أدمع كالجمر تنذرف
تعجز الأوصاف عن قمري
خده يدمى من النظر
بشر يسمو على البشر
قد براه الله من علق ... ما عسى في حسنه أصف
كيف للصب الكئيب بقا
والكرى عن جفنه أبقا
هل يطيق الصبر من عشقا
شادنا يرمي من الحدق ... أسهما قلبي لها هدف
يا أولي التفنيد ويحكم
أنا لا أصغي لنصحكم
في ثلاث قد عصيتكم
غسق داج على فلق ... في قضيب زانه الهيف
بأبي من فاق شمس ضحى
وكسا بدر الدجى لمحا
فدليلي فيه قد وضحا
لوجود الشمس في الأفق ... عدم والبدر ينكسف
رب راض بعدما غضبا
زارني في غفلة الرقبا
عندها غنيت واطربا
يا حبيبا بات معتنقي ... ها أنا بالوصل معترف
-٤٠-
راق لي هذا الوزن الرائق، واللفظ الفائق، فأحببت مساجلته، ومباراته ومعالجته، فقلت، وبالله التوفيق:
بات بدري وهو معتنقي ... أحتسي فاه وأرتشف
وبه أمسيت متحدا
بعد ما قد كنت منفردا
وغدا بدر السما كمدا
وهو مرمي على الطرق ... وبفضل الترب ملتحف
ضمه المضنى وقبله
فاعتراه عندها وله
قال: أخشى الإثم، قلت له:
خل هذا الإثم في عنقي ... فأنا قد زاد بي التلف
شبهوا المحبوب بالقمر
وبروض يانع الزهر
وبغصن ناعم نضر
وبظبي ساحر الحدق ... وهو عندي فوق ما وصفوا
قمر لم يبق لي رمقا
بقوام جل من خلقا
1 / 17