294

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Noocyada

فماذا بعد الحق إلا الضلال

[يونس: 32]، وقد نهيت عن إبطال الأعمال بالرياء للإعراض عن طلب الحق والإقبال على الباطل بقوله تعالى: { لا تبطلوا صدقتكم بالمن والأذى } [البقرة: 264]؛ أي: إذا مننت بها على الفقير فقد أعرضت عن طلب الحق؛ لأن قصدك في الصدقة، ولو كان طلب الحق لما مننت على الفقير؛ بل كنت رهين منة الفقير حيث كان سبب وصولك في الصدقة إلى الحق، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:

" لولا الفقراء لهلك الأغنياء "

؛ يعني: لم يجدوا وسيلة إلى الحق.

وقد فسر بعضهم قوله:

" اليد العليا خير من اليد السفلى "

، بأن اليد العليا هي: يد الفقير، والسفلى يد الغني؛ لأن الفقير يأخذ منه الدنيا وهي السفلى، ويعطيه الآخرة وهي العليا، فاليد العليا تكون يد الفقير، واليد السفلى يد الغني التي تعطي السفلى وتأخذ العليا، والأذى هو الإقبال على الباطل؛ لأننا فسرنا في آية أخرى أن الأذى هو طلب غير الحق عن الحق، فعلى هذا المعنى طلب غير الله هو الإقبال على الباطل؛ لأن كل شيء غير الحق فهو باطل، لقوله صلى الله عليه وسلم:

" أن أصدق كلمة قالها العرب: كل شيء ما خلا الله باطل "

، فمن عمل عملا لله ثم يشوبه بغرض في الدارين، فقط أبطل عمله بأن يكون لله تعالى، فافهم جدا.

كما ضرب الله به مثلا قال: { كالذي ينفق ماله رئآء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب } [البقرة: 264]؛ يعني: الذي يبطل صدقته بالمن والأذى؛ هو كالذي ينفق ماله رئاء الناس، ومن ينفق المال رئاء الناس فليس له إيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن اليسير من الرياء شرك، والمشرك لا يكون مؤمنا؛ لأنه لو كان مؤمنا بالله كان ينفق لله، ولو كان مؤمنا للآخرة ينفق للآخرة، فلما أنفق لأجل الدنيا وطلب الرفعة فيها وهي فانية عنها، إنه لو كان مؤمنا لم يخير الفاني على الباقي، فمثل عمل المرء { كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل } [البقرة: 264]، الطرد على تراب عمله فأبطله كما يبطل الوابل على الصفوان { فتركه صلدا } [البقرة: 264]؛ أي: بلا عمل، فكما أن المرء لا يؤمن بالله واليوم الآخر حقيقة حين يعمل عمل الآخرة ويشوبه بغرض دنيوي، فكذلك من عمل عملا لله تعالى ثم يشوبه بغرض أخروي، فإنه يؤمن بالآخرة، ولكن في الحقيقة لا يؤمن بالله، فبوابل درأنا أعني الشركاء عن الشرك يبطل ثواب عمله على صفوان حسبانه، { فتركه صلدا } [البقرة: 264]، مفلسا خائبا خاسرا، { لا يقدرون على شيء مما كسبوا } [البقرة: 264]، بالشرك في طلب غير الحق { والله لا يهدي } [البقرة: 264]، إلى حضرة جلاله { القوم الكافرين } [البقرة: 264]، قوما كفروا بنعمة شهود جماله فحرموا من دولة وصاله، وأقربوا بعذاب الفراق ووباله.

Bog aan la aqoon