فيه مسائل:
الأولى: التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك.
الثانية: أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح. فيه شاهد لكلام
..................................................................................................
فيه دليل على أن هذا شرك، وأن الصحابة ﵃ يستدلون بالآيات التي نزلت في الشرك الأكبر على الأصغر لدخوله في الشرك المنهي عنه في الآيات والأحاديث عموما وخصوصا لما قد عرفت أنه ينافي كمال الإخلاص. إذا كان مثل هذا، وقد خافه صلي الله عليه وسلم على الصحابة، كما تقدم في قوله: " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " ١، فإذا كان يقع مثل هذا في تلك القرون المفضلة، فكيف يؤمن أن يقع ما هو أعظم منه؟ لكن لغلبة الجهل به وقع منهم أعظم مما وقع من مشركي العرب وغيرهم في الجاهلية، مما قد تقدم التنبيه عليه حتى إن كثيرا من العلماء في هذه القرون اشتد نكيرهم على ما أنكر الشرك الأكبر، فصاروا هم والصحابة ﵃ في طرفي نقيض، فالصحابة ينكرون القليل من الشرك، وهؤلاء ينكرون على من أنكر الشرك الأكبر، ويجعلون النهي عن هذا الشرك بدعة وضلالة، وكذلك كانت حال الأمم مع الأنبياء والرسل جميعهم فيما بعثوا به من توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له وحده، والنهي عن الشرك به، وقد بعث الله تعالى خاتم رسله محمدا صلي الله عليه وسلم بذلك كما بعث به من قبله، فعكس هؤلاء المتأخرون ما دعا إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم مشركي العرب وغيرهم، فنصر هؤلاء ما نهى عنه من الشرك غاية النصرة، وأنكروا التوحيد الذي بعث به غاية الإنكار، فإنه صلي الله عليه وسلم لما قال لقريش: " قولوا لا إله إلا الله تفلحوا "٢ عرفوا معناها الذي وضعت له وأريد منها فقالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ٣ الآيات. وقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ ٤، وفي صحيح البخاري وغيره في سؤال هرقل لأبي سفيان عن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: فماذا يأمركم؟ قلت: يقول: "اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم". ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة٥.
_________
١ تقدم تخريجه ص (٣٣) .
٢ أحمد (٣/٤٩٢) .
٣ سورة ص آية: ٥.
٤ سورة الصافات آية: ٣٥.
٥ البخاري رقم (٧) في بدء الوحي: باب رقم (٦)، ورقم (٥١) في الإيمان: باب رقم (٣٨)، وفي كتب وأبواب أخر، ومسلم رقم (١٧٧٣) في الجهاد: باب كتاب النبي ﷺ إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، والترمذي رقم (٢٧١٨) في الاستئذان: باب ما جاء كيف يكتب لأهل الشرك، وأحمد في " المسند" ١ / ٢٦٢ - ٢٦٣، من حديث عبد الله بن عباس ﵄.
1 / 56