وفي " الصحيح " عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: " من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله ﷿ " ١.
..................................................................................................
الكفر، بمنزلة كراهته لإلقائه في النار أو أشد، ولا ريب أن هذا من أعظم المحبة، فإن الإنسان لا يقدم على محبة نفسه شيئا، فإذا قدم محبة الإيمان بالله على نفسه بحيث لو خير بين الكفر وإلقائه في النار لاختار أن يلقى في النار ولا يكفر كان أحب إليه من نفسه، وهذه المحبة هي فوق ما يجده العشاق من محبة محبوبهم، بل لا نظير لهذه المحبة كما لا مثل لمن تعلقت به، وهي محبة تقتضي تقديم المحبوب فيها على النفس والمال والولد، وتقتضي كمال الذل والخضوع والتعظيم والإجلال والطاعة الانقياد ظاهرا وباطنا، وهذا لا نظير له في محبة مخلوق ولو كان المخلوق من كان، ولهذا من شرك بين الله وبين غيره في المحبة الخاصة كان شركا لا يغفره الله.
قال تعالى: ﴿مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ ٢ الآية. والصحيح أن معنى الآية أن الذين آمنوا أشد حبا لله من أصحاب الأنداد لأندادهم كما تقدم أن محبة المؤمنين لربهم لا يماثلها محبة مخلوق أصلا كما لا يماثل محبوبهم غيره، وكل أذى في محبة غيره فهو نعيم في محبته، وكل مكروه في محبة غيره فهو قرة عين في محبته. انتهى.
قوله "في الصحيح " أي صحيح مسلم: "عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وسلم " فذكره، وأبو مالك اسمه سعد بن طارق كوفي ثقة مات في حدود الأربعين.
قوله: " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله ". اعلم أن النبي صلي الله عليه وسلم علق عصمة المال والدم بأمرين في هذا الحديث: "الأول " قول لا إله إلا الله عن علم ويقين، كما هو قيد في قولها في غير ما حديث. "والثاني " الكفر بما يعبد من دون الله، لكن ذكر في هذا الحديث "وكفر " تأكيدا لما دلت عليه، لأن المقام عظيم يقتضي التأكيد.
_________
١ رواه مسلم رقم (٢٣) في الإيمان: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأحمد في (المسند) ٣/ ٤٧٢ من حديث طارق بن أشيم الأشجعي والد أبي مالك ﵄.
٢ سورة البقرة آية: ١٦٥.
1 / 49