الذي بعث الله به أنبياءه ورسله وأوجب عليهم العمل به والدعوة إليه، وهذا الذي يقربهم إلى الله أي إلى عفوه ورضاه، ووصف ذلك بقوله: ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ ١ فلا يرجون أحدا سواه ولا يخافون غيره، وذلك هو توحيده؛ لأن ذلك يمنعهم من الشرك ويوجب لهم الطمع في رحمة الله والهرب من عقابه، والداعي لهم والحالة هذه قد عكس الأمر وطلب منهم ما كانوا ينكرون من الشرك بالله في دعائهم لمن كانوا يدعونه من دون الله، ففيه معنى قوله: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ ٢ وقوله: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ ٣ وفيه الرد على من ادعى أن شرك المشركين إنما هو بعبادة الأصنام، وتبين بهذه الآية أن الله تعالى أنكر على من دعا معه غيره من الأنبياء والصالحين والملائكة ومن دونهم، وأن دعاء الأموات والغائبين لجلب نفع أو دفع ضر من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، وأن ذلك ينافي ما دلت عليه كلمة الإخلاص، فتدبر هذه الآية العظيمة يتبين لك التوحيد، وما ينافيه من الشرك والتنديد، فإنها نزلت فيمن يعبد الملائكة والمسيح وأمه والعزير فهم المعنيون بقوله: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا﴾ ٤، ثم بين تعالى أن هؤلاء المشركين قد خالفوا من كانوا يدعونه في دينه فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ ٥، وقدم المعمول لأنه يفيد الحصر، يعني يبتغون إلى ربهم الوسيلة لا إلى غيره، وأعظم الوسائل إلى الله تعالى التوحيد الذي بعث الله به أنبياءه ورسله وخلق الخلق لأجله.
ومن التوسل إليه التوسل بأسمائه وصفاته كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ ٦ وكما ورد في الأذكار المأثورة من التوسل بها في الدعوات كقوله: " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام " ٧. وقوله: " اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " ٨وغير ذلك من الأعمال الصالحة الخالصة التي لم يشبها شرك، فالتوسل إلى الله هو بما يحبه ويرضاه لا بما يكرهه ويأباه من الشرك الذي نزه نفسه عنه بقوله: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ٩، وقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ١٠، وقوله في الإنكار على من اتخذ
_________
١ سورة الإسراء آية: ٥٧.
٢ سورة فاطر آية: ١٤.
٣ سورة الأحقاف آية: ٦.
٤ سورة الإسراء آية: ٥٦.
٥ سورة الإسراء آية: ٥٧.
٦ سورة الأعراف آية: ١٨٠.
٧ أبو داود رقم (١٤٩٥) في الصلاة: باب الدعاء، والترمذي رقم (٣٥٣٨) في الدعوات: باب رقم ١٠٩، والنسائي ٣ / ٥٢ في السهو: باب الدعاء بعد الذكر، وأحمد ٣/ ١٢٠، وابن ماجه رقم (٣٨٥٨)، من حديث أنس ﵁، وصححه ابن حبان رقم (٢٣٨٢) " موارد "، والحاكم ١ / ٥٠٣ و٥٠٤ ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
٨ أبو داود رقم (١٤٩٢) في الصلاة: باب الدعاء، والترمذي رقم (٢٤٧١) في الدعوات: باب ما جاء في جامع الدعوات عن رسول الله ﷺ، وابن ماجه رقم (٣٨٥٧)، وأحمد في "المسند " ٥/ ٣٦٠ وهو حديث صحيح، وصححه ابن حبان رقم (٢٣٨٣) والحاكم ١/ ٥٠٤ ووافقه الذهبي، من حديث بريدة ﵁، ولفظه أن النبي ﷺ سمع رجلا يقول: "اللهم إني أسألك ... " الحديث.
٩ سورة الطور آية: ٤٣.
١٠ سورة يوسف آية: ١٠٨.
1 / 45