بالعلم، كالذي يعرف الحق من الباطل ويميز بينهما ولا يتبع الحق علما ولا قولا ولا عملا، وإما من جهة العمل بلا علم فيجتهد في أصناف البدع بلا شريعة من الله ويقول على الله بلا علم.
فالأول: من مشابهة اليهود الذين قال الله فيهم: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} .
والثاني: من مشابهة النصارى الغالين في الدين والقائلين فيه غير الحق والضالين عن سواء السبيل. وقد ابتلى الله طوائف من هذه الأمة من المنتسبين إلى العلم بما ابتلى به اليهود من الرياسة وحب الدنيا وإيثارها وكتم الحق، فإن هؤلاء المنتسبين إلى العلم تارة يكتمون العلم بخلا به وكراهة أن ينال غيرهم من الفضل ما نالوه، وتارة اعتياضا برياسة أو مال فيخاف من إظهاره انتقاص رياسته أو ماله، وتارة يكون قد خالف غيره في مسئلة أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسئلة فيكتم من العلم ما فيه حجة لخالفه وان لم يتيقن أن مخالفه مبطل، ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: أهل السنة يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الهوى لا يكتبون إلا ما لهم. وكان السلف منهم سفيان بن عيينة وغيره يقولون أن من فسد من علمائنا ففيه شبهة من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، وليس الغرض من هذا تفصيل ما يجب وما يستحب، وإنما الغرض التنبيه على منهاج الحق المتبع وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه العرباض بن سارية السلمي رضى الله عنه: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" رواه أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح ورواه ابن ماجة وفيه قال صلى الله عليه وسلم: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ بعدي عنها إلا هالك" وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني خلفت فيكم ما لم تضلوا بعدهما ما أخذتم بهما أو عملتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض" والنظر بعين الإنصاف إلى ما تشعب فيه الناس، وأصبح غالبهم نابذا كتاب الله وسنة نبيه وراء ظهره زاعما أن كتاب الله ما بقي من حكمه الآن إلا
Bogga 10